الثلاثاء، 29 أكتوبر 2013

قلق البحث عن المعرفة الاولى

قلق البحث عن المعرفة الاولى





قد يأخذ الانسان الغرور و يغطي على عينه "حجب المعرفة" و يعتبر السؤال عن الإله سؤال بديهي تمت الاجابة عليه في زمن الطفولة فلا داعي للوقوف عنده .. و لكن الحقيقة اننا في الغالب لا نعرف سوى ما تلقيناه ببساطة من المحيط و البيئة التي عشناها .
إذا اردت ان تختبر معرفتك بالرب ما عليك سوى ان تمضي ساعة في حوار مفتوح حول الرب مع طفل عمره خمس سنوات يسأل بنهم و بفطرته المحايدة عن كل ما يتعلق بالرب ..
حينها ستجد قمة الحرج في اسئلة الطفل التي يصعب عليك التفكير فيها الآن إذ هي اس العقيدة لديك ..
فتكون امام اختبار فتح افق البحث و الاستجلاء من جديد او قولبة الطفل على مفاهيم جامدة لا تقبل التفكير المفتوح كما تم ممارسة القولبة عليك من قبل .. هل يمكن ان تمارس الحياد الآن و تعتبر ربك الذي تؤمن به احتمال ضمن الآف الآلهة التي عبدت او تعبد ثم تبدأ مشوار البحث ؟؟

لعل ابرز نموذج نقله لنا القرآن الكريم في البحث عن الرب هو النموذج الابراهيمي الذي صور لنا ابو التوحيد النبي ابراهيم وهو يعيش حالة القلق و البحث عن الرب الواحد الخالق فيتنقل بين عبودية كوكب و قمر و شمس مسقطا اياها الواحدة تلو الأخرى معتبرا انها لا تستحق العبادة كونها مثال للنقص و التحول الذي لا يليق برب .
هل عاش ابراهيم قلق البحث عن ربه ام انه اراد إعطاء درس لقومه ؟ لا نعلم.. لكن ابراهيم قدم منهجا في البحث عن الرب بقلق و تفكر .
يقال ان ابراهيم دخل يوم عيد قومه الى المعبد و قدم الطعام للآله و دعاهم اليها فلما لم تستجب غضب و حطمها بالفأس ليختبر قدرتها على الدفاع عن نفسها  لكنها خيبت ظنه .
و بعد كل ما لقيه ابراهيم في رحلة بحثه عن الرب هل وصل الى اليقين التام .. يبدو ان الجواب بالنفي فقد قاده القلق الى سؤال ربه احياء الموتى فلما سأله الله عن السبب في رغبته إذا ان الايمان بالرب يستلزم الايمان بقدرته على الاحياء (قال اولم تؤمن) كان الرد الابراهيمي واضحا (بلى و لكن ليطئن قلبي) ابراهيم لا يعرف الاطمئنان فهو يعيش حالة القلق في البحث عن معرفته بالرب ، قلق قاده لسؤال الكشف له و ليس لقومه على خلاف ما كان يجري مع بقية الانبياء إذ عادةا ما تطلب اقوامهم المعجزة لهم .
القلق في البحث عن المعرفة كانت سمة ابراهيمية خالصة ..

السبت، 28 سبتمبر 2013

قضية رأي عام

قضية رأي عام




مع القفزة النوعية لوسائل التواصل الحديثة و تنوعها و تعددها تحول الانسان العادي من مجرد متلقي الى صانع للحدث و مساهم فيه ، و هذا الامر و إن كان يعد تطورا إيجابيا إلا أنه ينطوي على مخاطرة كبيرة و هي سهولة التدليس و الكذب و التزوير ، كما أنه يسهل عملية التلاعب بآراء الناس و أفكارهم خصوصا من يتعامل مع وسائل الاعلام بحسن نية دون فحص و تدقيق و تحليل منطقي .
سهلت وسائل الاتصال الحديثة صناعة و تدجين الرأي العام بوسائط مختلفة يقوم بها هواة أحيانا أو محترفون في أحايين اخرى ، المشكلة أن معظمنا يعلم ان وسائل الاتصال و الاعلام تفتقد للمصداقية و لكن الغالب من الناس يبني آراءه و مواقفه على ما يصله من خلالها .
يغفل البعض منا عن وجود أشخاص تخصصوا في التخريب عن طريق الوسائط المعلوماتية ، في الغرب مثلا نشأت جماعة أطلق عليهم (المخربون الجدد) تعددت وسائلهم التي بات منها نشر العلومات الطبية و العلمية المغلوطة و المزيفة ، أما في مجتمعاتنا فنشأت مجموعات من الشباب تقوم بتزوير حسابات بأسماء مشاهير و نشر الاخبار و المعلومات الكاذبة من خلالها لأسباب سياسية أو طائفية أحيانا أو شخصية ايضا .
في بعض القضايا التي يكون فيها طرفين قد يكون أحدهما ظالم و الآخر مظلوم فإنه من السذاجة بل من الظلم أن تقف في صف طرف ضد آخر دون تحري و تدقيق ، فإذا كنت غير متأكد أو عاجز عن التدقيق فمن الاحرى لك إمتثال قول النبي الكريم عليه الصلاة و السلام (قل خيرا أو اصمت) ، لا تتساهل في نشر المقاطع و الرسائل التي تصلك و تتبنى موقفا و تدافع عنه و أنت لا تمتلك ادنى فكرة ، لا تتعصب له و أنت لا تدري عنه شيئا .
هذا نقوله للانسان العادي أما من يعد من النخب و يشار إليه بالبنان فإنها جريمة في حق نفسه و مجتمعه أن يمرر هذه الرسائل المسمومة دون مسؤولية ، و الانكى من ذلك دفاعه دون بينة عن قضية غامضة بالنسبة له .
لكي تصل الى الحقيقة إن كنت مهتما بها عليك بالتواصل مع الاشخاص المعنيين بالقضية مباشرةاً أو اشخاص مطلعين و قريبين جدا و أن تسمع من الطرفين قبل ان تحدد رأيك ، كما أنك بحاجة الى سؤال اشخاص يملكون ثقافة أو معرفة قانونية و شرعية و طبية و اجتماعية و سياسية أحيانا و هكذا حسب كل مجال .
قضايا الرأي العام من حق كل أفراد المجتمع ان يدلي بدلوه فيها و لكن بشرط تحري الانصاف و الموضوعية ، و خصوصا النخب التي يعول عليها في صناعة رأي عام واعي .
في مثل هذه القضايا التي تأخذ حيزا من نقاشات المجتمع و يكثر فيها الكذب و الاضافة و الحذف و التشوية و صناعة الاكشن يمكن ان تعرف الواعي من الغافل ، النخب من الدهماء ، العقلاني من العاطفي ، المثقف من السطحي .

ليس مطلوبا منا جلد الذات أو تسقيط الاسماء و الشخوص أو نشر المعلومات التي تمس حياة الناس ، بل المطلوب الانصاف و العدل و الموضوعية ، كي نصل الى المرحلة المتقدمة من الوعي العاقل .

الثلاثاء، 10 سبتمبر 2013

القرامطة بين السياسي و الديني


القرامطة بين السياسي و الديني


المطالع لتاريخ حركة القرامطة و ظروف نشأتها و تمرحلها حتى آخر فصولها يلحظ حجم التباين في الرصد التاريخي ، بل ان الخلاف وقع في شكل و مضمون الحركة .
السؤال الذي يجب البحث عن إجابته هل القرامطة مذهب ديني أم حركة اجتماعية سياسية ؟؟
هنا نرجع الى ظروف ولادة الحركة والى مؤسسها (حمدان) الملقب بـ قرمط ، فهو كان فلاحا بسيطا اقعده المرض عن السعي في قوت عياله فألهم عقله فكرة الثورة على اقطاعيي الاراضي و ملاكها الذين كانوا يأكلون جهد و تعب امثاله من الكادحين دون ان ينالوا من يباب الخير شيئا يذكر .
و في خلفية حركة القرامطة هناك ثورة الزنج الذين ثاروا على أسيادهم و أسسو دولة العبيد في اهوار العراق .
إذن فالخلفية الاولى لحركة القرامطة لم تكن بدعة دينية بل اجتماعية سياسية في وجهها الاول ، قبل ان يوظف قرمط بعض مبتدعاته الدينية لتكون سلاحه في وجه اعداءه ، فهو سن لأنصاره اداء خمسين فرضا في اليوم بدلا من خمسة معللا أنها كانت خمسون لولا نصيحة النبي موسى للنبي محمد سؤال ربه التخفيف ، و الحق ان قرمط لم يرد من الفريضة الجديدة سوى اشغال أولئك العمال البسطاء عن اعمال الارض مما يتسبب في خسائر لملاكها في صورة بدائية- للعصيان المدني –بشكل أو بآخر ، و مما يدلل على ذلك ان مفكري القرامطة –كما تنقل لنا كتب التاريخ- اسقطوا الصلاة و الفرائض عن اتباعهم لكي لا ينشغلوا بها عن اعمالهم ، معتبرين أن العبادة الظاهرية مرحلة تنتهي بانتهاء الحاجة لها كما هو في المفهوم الصوفي .
 تحالف القرامطة مع الفاطميين الاسماعيليين في مصر فتولد انطباع لدى البعض بأن القرامطة معتنقين للذهب الاسماعيلي ، و لكن هذا التصور قد لا يصمد امام حقيقة ان التحالف كان مصلحيا لا مذهبيا في مواجهة العدو المشترك و هو دولة الخلافة العباسية ، بل إننا نجد ان التحالف القرمطي – الفاطمي غير متين ، و يبرز ذلك في محطات عديدة لعل ابرزها حادثة الشام فقد كان والي دمشق يرسل اتاوة سنوية للقرامطة اتقاء غزوهم و لكن في عام 362 هـ سيطر الفاطميون على الشام و جعلوا جعفر ابن فلاح عاملا عليها فقطع الاتاوة عنهم ، فغضب القرامطة وما كان منهم إلا ان سيروا جيشا بقيادة الحسن بن أحمد بن أبي سعيد الجنابي، الملقب بالأعصم فسار الى دمشق و سيطر عليها و قتل عامل الفاطميين فيها .

كل هذا يضعنا أمام تصور يقول أن القرامطة كانوا حركة سياسية اجتماعية لم تتقولب في صورة مذهب على غرار بقية المذاهب الاسلامية و لم يذوبوا في المذاهب القائمة ، كانت حركة سياسية واقعية تريد تمكين أفكارها الاجتماعية في كيان دولة ، وما استخدامهم للدين إلا وسيلة لتحقيق افكارهم و لعل هذا أحد اسباب انهيار دولتهم و انتهائها سنة 467هـ على يد عبد الله بن علي العيوني  .

الخميس، 5 سبتمبر 2013

الفقر كهم اجتماعي

الفقر كهم اجتماعي




لعل التاريخ لم ينقل لنا جملة بحق الفقر أبلغ وأرقى وأدق من عبارة أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب (ع) الذي قال (لو كان الفقر رجلا لقتلته)، يشخص علي الداء والدواء، فالفقر مرضٍ مستعصٍ علاجهُ السيفُ؛ ولكنَّ الفقرَ ليس رجلاً لذا فالسيفُ ليس من حديد.
يعتبر الفقر واحداً من أشدِّ الأمراض التي تفتك بالمجتمعات وهو رأس مثلث التخلّف (الفقر والجهل والمرض) وكما قيل "إذا دخل الفقر من باب خرج الإيمان من باب آخر "أو كما قيل "لولا الخبز لما عُبِدَ الله".
عَنيت الأديان كما الدول والمجتمعات بمحاربةِ الفقرِ ووضعِ آليّاتٍ للحدِّ منه، وقد لا نبالغ إذا قلنا إنَّ حياةَ المجتمع أو موته يعتمد على فقرائه.
لا ينقص الدين الإسلامي أي حلول، فقد قدّمَ الكثيرَ من الموارد المالية الكافية للحَدِّ منَ الفَقْرِ إنْ لم يكن القضاء عليه فهناك الزكاةُ والصدقةُ والخُمْسُ والوقفُ والهديّةُ، كما رغّبَ كثيراً في الكشف عن المكروبين والرفع عن المُعْسرين.. إلخ، كما أن سيرةَ الأئمةِ عليهم السلام زاخرة بمواقفهم النبيلة مع الفقراء والمعوزين، ومن كثرتها لا يمكن إحصاؤها وسردها في هذه المقالة الصغيرة.

السؤال الآن لماذا لم تنجح المجتمعات الإسلامية في الحدِّ مِنَ الفَقْرِ؟ بل إن الواقع مرير!!
لنتكلم عن مجتمعنا الذي كان في سابقِ عهده مبادراً في معالجةِ مشكلةِ الفقر، فهناك الكثيرُ من الأوقافِ ورثناها عن الأجداد وخصوصاً تلك المنصوبة على الإطعام، وهذا دليلٌ على وعيهم وحرصهم على المساهمة في رفع المعاناة والجوعِ الذي كان مستشريا في فتراتٍ زمنيةٍ سابقة.
حلحلةُ مشكلة الفقر في المجتمع ليستْ مهمةُ فئةٍ اجتماعيةٍ معيّنَةٍ أو طبقةٍ خاصّةٍ!! بل هي مسؤوليةُ المجتمع كَكُلّ، ليس مطلوبا من المجتمع أن يضعَ جُلَّ بيضهِ في سلّةِ رجُلِ الدِّين وتحميلهِ المسؤولية!! وفي واقعنا الراهن، فإن القائمين على الجمعيات الخيرية والصناديق التكافلية والأوقافِ جُلّهم من غير رجال الدين، فهم ناشطون اجتماعيون فاعلون يعملون بصمتٍ في كثيرٍ من الأحيان.
المشكلة التي تواجهنا اليوم، هي: أن الأساليب والآليات باتت قديمة وغير فاعلة وتحتاج للكثير من التطوير والتغيير، وهنا يأتي دور المثقف والأكاديمي ومن لديه القدرة والكفاءة في خوض هذا المجال، في وضع دراساتٍ وحلولٍ جديدةٍ وفاعلةٍ لتغييرِ الواقعِ الحالي، فنحن بحاجة إلى عقليةٍ جديدةٍ تديرُ المشكلةَ القديمة.
في الأحساء قدّمَ عددٌ من علمائها ومثقفيها دراساتٍ عن الوقف ودوره في حل مشكلة الفقر منهم:
·        العلامة الدكتورعبد الهادي الفضلي بعنوان: (مشكلات الوقف الإسلامي وسبل تنميته - الأحساء نموذجاً)
·        الشيخ محمد علي الحرز بعنوان: (الوقف في الأحساء: معالم وآفاق)
·        المهندس عبد الله الشايب بعنوان: (الوقف: دراسة أولية حول الوقف في الأحساء(.
·        دراسة ميدانية قام بها كل من : د.احمد اللويمي و د.عبدالعزيز البحراني و أ. سلمان الحجي و أ. عبدالله البحراني بعنوان ( الاوقاف الجعفرية بالاحساء: واقعها و سبل تنميتها و تحديث تطبيقاتها)
وهناك تجربة أخرى، وهي: الصناديق الخيرية العائلية التي استطاعت أن تحلَّ الكثيرَ من المشاكل وتحقيق حياةٍ كريمةٍ ومقبولةٍ للكثير من الأُسرِ المُحتاجة، وتقديم مبادرات رائعة للوقاية من أسباب الحاجة والعَوَزِ كمبادرةٍ (إصلاح ذات البين) التي تعمل للحدِّ من الطلاق والمشاكل العائلية التي تولّدُ أسراً مشتتةً وفقيرة، والمساهمة في تقديم دوراتٍ للمقبلين على الزواج في العائلة من أجل خَلْقِ أُسَرٍ سعيدةٍ وناجحة، بالإضافة (وقف العائلة) أو ما يُسَمَّى فقهياً بـ(وقف الذُرّية) من أجل توفيرِ مواردَ ماليةٍ دائمةٍ للعائلة.

كُلُّ هذا الجُهْدِ المُسْتَمِر عَبْرَ عقودٍ من الزمنِ استطاعَ تحقيقَ الكثيرِ، ويساهم فيه ناشطون اجتماعيون، فيهم المعلم والطبيب والتاجر والموظف العادي، فالفقر مشكلةُ المجتمع كُلّهِ، ولذا على المجتمع المساهمة في حل هذه المعضلة.

الأربعاء، 28 أغسطس 2013

موجة التغيير القادمة


موجة التغيير القادمة






ما الدليل على كلامك ؟ لم تقنعني يا شيخ ؟ هل هذا الكلام منطقي ؟ أنا اختلف معك ! الى متى سنبقى في هذا الحال؟ فكرك لا ينتمي الى هذا العصر ! ..
هذه الاسئلة و العبارات و مثلها عشرات بتنا نسمعها و نقرأها عبر وسائل الاتصال الحديثة ضمن النقاشات المحتدمة و بشكل يومي أبطالها شبان في زهرة العمر يناقشون كل فكرة و كل كلمة ترد إليهم ، و انحسرت الى حد كبير صورة التابع الصامت و السامع المطيع .
لا أدري ماذا تسمى هذه الحالة ، و لا اعرف هل هي إيجابية أم سلبية ، و لا اجزم بالنتائج التي ستفرزها في المستقبل المنظور و البعيد ، و لكن الاكيد ان البنية العقلية في مجتمعنا تمر بمرحلة تغير و تبدل و ربما يكون هذا التغير الى الابد .
كنت اظن ان حالة تمرد الشباب على المورث الاجتماعي و الفكري و الثقافي حالة أقلة ، و لكن من خلال بحثي البسيط على مواقع الانترنت وجدت أن الحالة تكاد تشكل ظاهرة و هي غير محصورة في نطاق جغرافي محدد أو إطار مذهبي أو فكري خاص ، بل الحالة شمولية و تجتاح بقوة و تكبر يوما بعد يوم .
 
الآن ماذا  نحن فاعلون ؟؟

يجدر بالنخب الثقافية و الاجتماعية الانتباه والتفكير بوعي تام و دراسة هذه الحالة الفريدة في حياة المجتمعات ، و محاولة رسم خارطة طريقة لهذا الحراك قبل ان يعض البعض اصابع الندم .
وسائل الاتصال الحديثة اليوم التي تعاظم دورها بشكل كبير و خصوصا الواتساب و توتير و الفيسبوك أثرت النقاش في المجتمع و سهلت البوح من افكار و هواجس و خلجات في صدور الشبان و الفتيات فبات الشاب يتحدث بالفكرة قبل التفكير بها حتى ، هي في ذهنه مجرد فكرة قبل ان يصطرع الحوار حولها فتتحول من مجرد فكرة الى قناعة ، يدافع الشاب عن تلك الفكرة مدفوعا بالحوار السيء و الشخصاني الذي يطغى على الحوارات اليوم دون فكر واعي .
الشباب اليوم يقفون على لوح خشبي فوق موجة بحر عاتية ، هم فقط بحاجة الى من يرشدهم لطريقة الوقوف على الخشبة لا أكثر، لا يحتاجون لأبوية تحاول إنقاذهم بالقوة فهذه الطريقة لن تجدي بل ستغرق الجميع .

التغير الفكري و الثقافي و الاجتماعي  ليس كارثة ليخاف منها أحد ، بل هي دليل صحة و عافية و حيوية ، فقط نحن بحاجة الى تعلم مهارات التعامل مع موجة التغيير القادمة و الانسجام معها ، و من يقرر الوقوف في وجهها سيغرق بالتأكيد ..

الثلاثاء، 20 أغسطس 2013

الحرية في تربية الاطفال

الحرية في  تربية الاطفال



الحرية في تربية الاطفال من المفاهيم الحديثة التي تصيغ نمطا جديدا في تربية الابناء ،  و هذا المفهوم يقوم على اساس أن الحرية قيمة تولد مع الانسان ، فكما أن الانسان البالغ يجب أن يحظى بالحرية الكاملة فإن الطفل يجب أن يتمتع بالحرية ذاتها .
معلوم ان قيم الانسان و أفكاره و سلوكه تصاغ بشكل أساسي في مرحلة الطفولة ، فكيفما يقولب الابوان و البيئة هذا الطفل فإنه سينشأ و يكبر بالتالي فإنه لم و لن يكن حرا في اختيار مستقبله .
تقوم هذه النظرية على اساس ان الاسرة و المدرسة و البيئة مسئولة عن تمكين الطفل من حريته و تحقيق إرادته و مساعدته في رغباته دون فرض نمط فكري أو ثقافي أو سلوكي عليه حتى لو خالف في ذلك رغبة الابوين أو المجتمع ، بل و توفير كافة الموارد الممكنة لتفعيل حرية الطفل و حمايته من كل محاولة للنيل منها أو انتقاصها و أعتبار ذلك نوع من العبودية .
يجب على الابوين و المجتمع عدم وضع نموذج محدد يوجه الطفل إليها باعتباره أمثل أو أفضل  ، كما يجب الا يتم تحقير اختيار الطفل لمجرد ان ذلك الخيار تم اعتباره سيئا سلفا .
نعلم ان الطفل ينظر الى الامور مجردةا من الاحكام المسبقة و العقد الاجتماعية المتراكمة عبر التاريخ و الحوادث التي مرت بالمجتمع و الاراء الدينية أو الافكار الفلسلفة ، و في المجتمعات الحرة يجب ان لا يفرض هذا الارث على الاطفال و تركهم لخياراتهم .
في الحقيقة ان هذا المفهوم صعب التطبيق لأسباب كثيرة ليس فقط مجتمعات في العالم الثالث بل حتى في المجتمعات في العالم المتقدم ، فالانسان بطبعه يحب ان يرى نفسه في أبناءه ، و يحب ان يحملوا ارثه ، فكيف يسمح لأولاده بتدمير هذا الارث طوعا .
في بعض المجتمعات التقليدية الاب يختار كل تفاصيل حياة ابناه من دينه الى مذهبه الى طعامه الى دراسته الى وظيفته الى زوجته الى ابناءه الى مسكنه مرورا بالكثير من التفاصيل في الطريق ، و ربما تكون حياة الاب بكامل تفاصيلها من اختيار الجد ، بالتالي فالمجتمع يدور في حلقة مفرغة منعدمة من حرية الاختيار و يكرر ذاته دون ادنى ابداع .
في المجتمعات الحرة هناك بحث دائما عن مزيد من الحرية ، و لكن في المجتمعات التي تفتقر للحرية و تمتلئ بالعبيد يبدو ان البحث عن مزيد من العبودية هو الطاغي .

الأربعاء، 3 يوليو 2013

المعتزلة الجدد3

المعتزلة الجدد
(3)


حتى الان عرفنا ان الاتجاه العقلاني في الامة الاسلامية ليس بدعة محدثة في العصر الحديث ، بل هو ذات خلفية تاريخية قديمة ، و لكن العقلانية الاسلامية (إن صح التعبير) تم تغييبها قسرا على يد الحكام الجائرين الذين وجدوا ان الانسان المفكر العقلاني خطرا على مصالحهم السياسية ، كما أن اصحاب الاهواء و اهل الدجل وجدوا في العقل خطرا على مصالحهم الاجتماعية فتم تدجين الدين و تحويله الى سلوكيات و طقوسيات مقدسة لا يجوز التفكير فيها حماية لتلك المصالح .
إن الاسلام بالاساس دين عقلاني و هذا واضح جلي في النص القرآني و لكن التراث الاسلامي بمجمله ليس عقلانيا خصوصا بعد القرن الرابع الهجري إذ غلب عليه التقليد و الاتباع والتكرار .
في العصر الحديث كان هناك محاولة لإعادة الاعتبار للعقل في الفكر الاسلامي شارك فيها عدد من المفكرين أمثال الافغاني و عبده و غيرهم كما أسلفنا إلا ان تلك المحاولة لم تستمر بنفس الوهج و القوة نتيجة عوامل مختلفة ، و اليوم نحن نعيش أجواء المحاولة الثانية في العصر الحديث و يبدو أن المحاولة الجديدة تملك فرصا أعلى من سابقتها .
 كانت المحاولة الاولى قد استفادت من دخول العرب عصر الطباعة و سهولة النشر بمقايس ذلك الزمان إلا أنها لم تبتعد أكثر من دوائر النخب المتعلمة في معاقل المدن الكبرى ، بينما تستفيد المحاولة الثانية من تقنية الانترنت و سهولة انتقال المعلومة و قدرة الناس على المشاركة و إبداء الرأي مما خلق حراكا جيدا .
إن الاسماء الاكثر تداولا اليوم في عالم العقلانية الجديدة لا تبدأ بأركون و الجابري و حنفي و جمال البنا و أدونيس  كما لا تنتهي عند سروش و شبستري و ملكيان و العروي و علي حرب و الطيب تيزيني ، ومحمد القاسم حاج حمد ، ومحمد شحرور .
ما يجمع هؤلاء ليس الوحدة الدينية أو المذهبية أو السياسية إنما يجمعهم الدعوة للعودة للعقلانية الاسلامية المفقودة أو المتوارية ، و لكل واحد منهم طريقته و منهجيته في الدعوة للهدف الاساس .
 و كل هذا الحراك الفكري يتجه في نهاية المطاف لتأسيس نظرية عقلانية اسلامية حديثة نعيش اليوم مخاض ولادتها ، هذه النظرية التي ربما ستكون السائد العام في الوسط الاسلامي يوما ما ، بعدما نكون قد وصلنا الى رؤية عقلانية حديثة غير متعارضة مع جوهر الدين الاسلامي كما أنها متصالحة مع التراث و التاريخ الاسلامي بكل مميزاته و عيوبه .