إشكالية فهم شخصيات التاريخ
يتشكل التاريخ البشري من أحداث و أفعال صدرت من شخصيات سجلت حضورها بين البشرية ، تلك الشخصيات خلدت و بقي ذكرها لأنها صادفت أحداثا و مواقف مفصلية فقامت بعمل أثّر سلبا أو ايجابا في مسيرة البشرية فنقله من عاصرهم الى الاجيال جيلا فجيل .
إذا الشخصيات التاريخية بشكل أو بآخر هي صناعة مواقف و حوادث كانت في لحظات معينة من التاريخ صادفت شخصا ما فقام بفعل ليس بالضرورة أن يكون فذا أو مميزا و لكنه قام به على أي حال فاشتهر به ، ثم جاء معاصرون له ينقلونه بإضافة أو حذف حتى تشكلت اساطير و قصص أشتهرت فسار بها الركبان و اصبحت تراثا للأمم و الشعوب .
و لكن الخطأ الذي نقع فيه كثيرا من الاحيان هو إضفاء صفة الفرادة و التميز و الاستثنائية على كثير من الشخصيات التاريخية محفوفا بالاسطرة و التضخيم ، و هذا ينطبق على كل الشخصيات سواء المحبوبة أو المكروهة .
فمثلا الاساطير عن الحياة الباذخة و الترف الذي شهده الحاكم الاموي الوليد ابن عبدالملك ليس لأنه تميز بشيء ما ، فهو ولد في بيت حكم و صادف أن أنتهى الامر إليه في دولة تعتبر الحاكم مطلقا لا يُسأل عما يفعل و وجد أمامه ثروة طائلة و قصور مليئة بالجواري الحسان و جيش لا يتوقف عند حدود فيحمل الخراج و السبايا ففعل ما سيفعله أي انسان مكانه ، لا فضل للوليد في ذلك و لا عبقرية له ، بل لا إن الوليد تصرف تصرفا عاديا بلحاظ البيئة التي عاش فيها .
الامر ذاته حدث مع عشرات الملوك و الامراء ، و الاستثناء و الخروج عن القاعدة هو الغريب و النادر كما فعل عمر ابن عبدالعزيز مثلا .
ينقل عن الشهيد الصدر أنه تسائل : لو عرضت علينا دنيا هارون الرشيد الم نكن سنسجن الامام موسى الكاظم.
كما ان البشر ليسوا ملائكة و لا شياطين ، لكل انسان جانبه المضيء و جانبه المظلم ، و الشخصيات التاريخية كان لها الجانبان كذلك ، لذا من الخطأ أن نحكم على شخصية تاريخية ما بسبب موقف اشتهر به أو صفة عرف بها و نمحو تاريخه كاملا ، و الامر عينه عندما ننقد شخصية تاريخية محترمة إذ نظن أنه كان بلا خطيئة طوال حياته و أنه قضاها في بناء المجد ، و مثال ذلك الشيخ الرئيس ابن سينا الذي كان فيلسوفا بارعا و لكن يقال أنه كان لا يترك معاقرة الخمرة .إن فهم الشخصيات التاريخية في سياقها التاريخي البشري بعيدا عن تشطينها أو مألكتها يعطينا تصورا إنسانيا طبيعيا عن التاريخ ، و يسهل علينا فهم واقعنا المعاصر ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق