الثلاثاء، 22 نوفمبر 2011

المدنية و أهلها



المدنيــة و أهلها



اعتدت منذ طفولتي التردد على مدينة الدمام التي لي فيها ذوي قربى و اصدقاء أحرص على وصلهم ، و كنت كأقراني ابدي اعجابا بتلك المدينة الحديثة كقادم من مدينة ريفية لم تحض بالاهتمام الحكومي من حيث البنى التحتية و لم تستوطنها كبريات الشركات العالمية فتستثمر فيها ، فكانت الدمام قبل نحو عقد أو عقدين مدينة فريدة في وطننا الحبيب ، خصوصا أنها تعتبر مدينة حديثة و بنيتها جديدة قبل ان تعبث بها الايدي الفاسدة لتخرب الكثير فيها ..
أذكر أنني في أحدى زياراتي قبل نحو عقدين من الزمن التقيت بأحد اقاربي الاعزاء ، و كنا نتبادل اطراف الحديث ، قال لي الدمام مدينة حية في الظاهر لكنها ميتة القلب ، استوقفتني العبارة فطلب التوضيح ، فقال : هذه المدينة تعاني انهاكا كبيرا في بنيتها الاجتماعية ، المدنية حطمت حياة المجتمع و أحالته الى كيانات فردية لا ترتبط سوى بأربطة المصلحة ، على نقيض الارياف و القرى التي تحضى الروابط الاسرية و العائلية و الاجتماعية بأهتمام بالغ ، لو سألتك عن اي شخص في بلدتك لأعطيتني تفاصيل حياته ، و لو سألتني عن جاري لقلت لك لا اعرف حتى كنيته !
ما زلتم تجتمعون في كل مناسبة و تحتفون بكل فرح و تتضامنون في كل ترح ، مازلتم مجتمع متماسك أما نحن فلا نكاد نرى بعضنا بعضا، و إذا التقينا في الاعياد أو مناسبات الزواج تبادلنا القبل الباردة و المجاملات الجامدة دون ادنى درجات المشاعر الرحمية ..
كان حديث قريبي في حينه غريبا أما اليوم فالمدنية التي تحدث عنها لم تعد سمه الدمام وحدها بل حتى القرى الصغيرة التي لم نكن نعرفها اصيبت بأمراض المدنية الحديثة التي ساهمت في انتشارها وسائل الاتصال الحديثة ، فأصبح الانسان في قرية أو هجرة و له اصدقاء في عواصم العالم كله ، و هم اقرب الى قلبه من ابن الجيران ...
قبل ايام كنت في مجلس والدي الذي ينعقد مساء كل جمعة ، و يحضره شيبان الحارة و لحظت وجود جار لنا كان باع منزله و انتقل الى حي آخر إلا أنه يحرص على الحضور ، و في أحدى المرات اشتكى ان الحارة التي انتقل اليها لا أحد يسأل عن أحد و لا  أحد يتواصل مع أحد ، فهو لا يجد حميمية الجيرة الا في هذه الجلسة الاسبوعية ..
تكبر المدن فترتفع الاسوار بين أهلها ، و تتسارع و سائل الاتصال في تسهيل التواصل فتصنع الحواجز بيننا ، و تبقى القلوب الكبيرة هي التي يمكنها ان تحوي كل تغيرات المدنية الحديثة ..

هناك 4 تعليقات:

  1. اشاركك في ما تقول
    واسمح لي بنثر ما في جعبتي
    إن وسائل الاتصال الحديثة ليست الملوم في هذا وحدها بل من يتخذ الاتصالات الحديثة وسيلة وطريق يتواصل بها ويكتفي فقط .
    حينها تحول السلام إلى سلام بارد والقبلات إلى جامدة لأن حرارة السلام بالتصافح المباشر بالأيدي لا بوسائل الاتصالات الحديثة وحلاوة القبلات مع احضان دافئة وقلوب متقابلة لو اختلفت دقات أحدهم شعر بها الاخر .
    ماضيرنا لو قمنا بما قام به والدك وعقدن المجالس المفتوحة الاسبوعية أو حتى الشهرية .
    garalgeran

    ردحذف
  2. السلام عليك ورحمة الله وبركاته
    عزيزي أبو علاء
    نعم أن التطورات الحديثة التي نعيشها هذه الأيام . قد أحدثت شرخ فيما كنّا معتادين عليه . وأنا أتفق معك فيما قلت.
    لكن أحببت أن أضيف معلومة هامة لم تغب جعبتك . ألا وهي حجم العمل والمعلومات التي أنت مطالبها بها في هذه الأيام وهذه الأوقات وليس فقط تطلب منك ولكن أنت تطمح أن تقرأ وتتعلم وتدرس وتدرّس . وتزيد من ثقافتك في كل فوج
    كل هذه الأمور قد أخذت الوقت الطويل من أعمارنا بمقارنتا مع ماكان عليه أبائنا وأجدادنا .
    ولك تحياتي ....
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    ردحذف
  3. عزيزي جار الجيران

    شكرا لوفائك الدائم
    نعم العيب ليس في التقنية و لكن القلوب الجامدة
    و في التواصل لتا تجربة مع الجيران انت على معرفة بها ربما نطرحها يوما

    شكرا لك

    ردحذف
  4. عزيزي .. مجهول
    وددت لو كتبت اسمك
    نعم الزمن و متطلباته تغيرت
    و لكن ايضا فرصه و وسائله كثرت
    التقنية يمكن ان تسهل التواصل الانساني

    شكرا لك مجددا

    ردحذف