عـــاشوراء الثورة*
منذ الساعات الاولى التي يهل بها هلال شهر محرم تتشح القلوب المحبة قبل كل بناء و دار بالسواد حدادا و حزنا على ذكرى عاشوراء و ملحمة الشهادة و الاباء ، و تتجه القلوب و العقول لتنهل من نبع قيم زلال ما يفتئ كل عام يتجدد عن معين صاف ، نور من نور ، يهدي الله لنوره من يشاء ..
حينها تنصب منابر الحسين عليه السلام و يرتقى اعواده رجال منا يصبحون محط نظر المجتمع ، و يتجدد سؤال المتحلقين باسم الحسين حول هؤلاء الرجال ماذا سنسمع و ماذا سيقال و ما ابرز ما سيقدم و ما هي مشاريع هذا العام ؟؟؟ فيصبح رجل الدين في عاشوراء محورا مهما في موسم مهم يمارس اخطر دور له في مقاربة الوعي المجتمعي ..
لا يخفى على احد ان خطباء عاشوراء باتوا يواجهون مجتمعا مختلفا عما كان عليه الحال قبل سنوات تصرمت ، حينما كان هم رجل المجتمع العادي دمعة رقراقة يذرفها كمدا و صدقا على سبط المصطفى عليه السلام ، فيكون جل تركيز الخطيب على البكائيات و الابيات الشعرية التي تهز القلوب و تلهب المشاعر .
اليوم يرتقي الخطيب و هو يعلم ان المتحلقين حوله يردون منه الكثير ، يردون مشروعا و فكرا و عطاءا متجدد لا يشبه الاعوام السابقة ، و الخطيب معرض للنقد و التدقيق و المواجهة على كل فكرة أو كلمة عابرة هنا أو هناك ..
و ما يزيد هذا العام هو الاحداث الهائلة التي شهدتها المنطقة العربية من ثورات و تحركات شعبية تأثرت بها المنطقة و بات ملحا معالجة هذه القضية على المستوى المحلي ، و الاجابة عن الكثير من الاسئلة التي تلتهب في عقول و قلوب هؤلاء الشباب ..
كثيرا ما تغنينا بأن ثورة الحسين عليه السلام ثورة تغيير و تمرد على الواقع و الظلم و الفساد و الانحراف ، و حان الوقت ليتم تجسيد هذه الشعارات على ارض الواقع بما يناسب واقعنا المعاش ، ينتظر الشباب من رجال الدين برنامجا حسينيا للثورة على ما يشوب مجتمعاتنا من انحرافات و فساد و تفسخ و ظلم ، كل مظاهر الانحراف ا لاجتماعي الذي انتج الغلاء و الفساد و البطالة و الجهل بحاجة الى تحرك اجتماعي جدي ، يستلهم ثورة الحسين و ينتج تغييرا فعالا و حقيقيا نحو مجتمع حسيني بالفعل لا بالشعارات ..
إن التخبطات التي تعيشها مجتمعاتنا إنما هي نتاج افعالها و سوء ادارتها لنفسها ، لذا يجب ان لا تمر عاشوراء دون ان تتحول الى نقطة انعطاف حقيقية في حياة الفرد و المجتمع نحو اصلاح الذات و اطلاق ثورة نفسية و فكرية على المستوى الفردي أولا ثم على المستوى الاسري مما ينتج تغييرا اجتماعيا ايجابيا طال انتظاره .
هذا التغيير الذي يستلهم الحسين عليه السلام و ينطلق من روح ثورته الخالدة ليس لفئة أجتماعية دون اخرى ، فالحسين للجميع لذا يجب ان يتقدم رجل الدين الى جوار الاكاديمي و المثقف و رجل الاعمال و العامل و الاديب ليغيروا المجتمع تغييرا ايجابيا شاملا .
ان الفرصة مواتية جدا لكسر صنم الخوف الذي عشش طويلا و أخذ زمام المبادرة و عدم انتظار السماء تمطر ذهبا ، و أولى خطوات الثورة هو الاتجاه نحو نشر الوعي و المعرفة و الفكر و البعد عن تزييف الوعي بالشعارات و الاوهام ، فالمجتمعات الجاهلة لا تنتج ثورة ، نريد ان نسمع من خطبائنا فكرا حقيقيا و ارتقاءا فكريا و بعدا عن الاوهام و السطيحة و التزييف ، و ندعو خطبائنا للارتقاء بمستوى الواقع قبل ان يتجاوزهم الـواقع ...
* نشرت في العدد رقم 84 موسم عاشوراء 1433 في مجلة المنبر الحسيني الصادرة عن ماتم النمر .
بارك الله فيك من ناقد حصيف
ردحذفشكرا لك
ردحذفوددت لو عرفت بنفسك