الخميس، 5 سبتمبر 2013

الفقر كهم اجتماعي

الفقر كهم اجتماعي




لعل التاريخ لم ينقل لنا جملة بحق الفقر أبلغ وأرقى وأدق من عبارة أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب (ع) الذي قال (لو كان الفقر رجلا لقتلته)، يشخص علي الداء والدواء، فالفقر مرضٍ مستعصٍ علاجهُ السيفُ؛ ولكنَّ الفقرَ ليس رجلاً لذا فالسيفُ ليس من حديد.
يعتبر الفقر واحداً من أشدِّ الأمراض التي تفتك بالمجتمعات وهو رأس مثلث التخلّف (الفقر والجهل والمرض) وكما قيل "إذا دخل الفقر من باب خرج الإيمان من باب آخر "أو كما قيل "لولا الخبز لما عُبِدَ الله".
عَنيت الأديان كما الدول والمجتمعات بمحاربةِ الفقرِ ووضعِ آليّاتٍ للحدِّ منه، وقد لا نبالغ إذا قلنا إنَّ حياةَ المجتمع أو موته يعتمد على فقرائه.
لا ينقص الدين الإسلامي أي حلول، فقد قدّمَ الكثيرَ من الموارد المالية الكافية للحَدِّ منَ الفَقْرِ إنْ لم يكن القضاء عليه فهناك الزكاةُ والصدقةُ والخُمْسُ والوقفُ والهديّةُ، كما رغّبَ كثيراً في الكشف عن المكروبين والرفع عن المُعْسرين.. إلخ، كما أن سيرةَ الأئمةِ عليهم السلام زاخرة بمواقفهم النبيلة مع الفقراء والمعوزين، ومن كثرتها لا يمكن إحصاؤها وسردها في هذه المقالة الصغيرة.

السؤال الآن لماذا لم تنجح المجتمعات الإسلامية في الحدِّ مِنَ الفَقْرِ؟ بل إن الواقع مرير!!
لنتكلم عن مجتمعنا الذي كان في سابقِ عهده مبادراً في معالجةِ مشكلةِ الفقر، فهناك الكثيرُ من الأوقافِ ورثناها عن الأجداد وخصوصاً تلك المنصوبة على الإطعام، وهذا دليلٌ على وعيهم وحرصهم على المساهمة في رفع المعاناة والجوعِ الذي كان مستشريا في فتراتٍ زمنيةٍ سابقة.
حلحلةُ مشكلة الفقر في المجتمع ليستْ مهمةُ فئةٍ اجتماعيةٍ معيّنَةٍ أو طبقةٍ خاصّةٍ!! بل هي مسؤوليةُ المجتمع كَكُلّ، ليس مطلوبا من المجتمع أن يضعَ جُلَّ بيضهِ في سلّةِ رجُلِ الدِّين وتحميلهِ المسؤولية!! وفي واقعنا الراهن، فإن القائمين على الجمعيات الخيرية والصناديق التكافلية والأوقافِ جُلّهم من غير رجال الدين، فهم ناشطون اجتماعيون فاعلون يعملون بصمتٍ في كثيرٍ من الأحيان.
المشكلة التي تواجهنا اليوم، هي: أن الأساليب والآليات باتت قديمة وغير فاعلة وتحتاج للكثير من التطوير والتغيير، وهنا يأتي دور المثقف والأكاديمي ومن لديه القدرة والكفاءة في خوض هذا المجال، في وضع دراساتٍ وحلولٍ جديدةٍ وفاعلةٍ لتغييرِ الواقعِ الحالي، فنحن بحاجة إلى عقليةٍ جديدةٍ تديرُ المشكلةَ القديمة.
في الأحساء قدّمَ عددٌ من علمائها ومثقفيها دراساتٍ عن الوقف ودوره في حل مشكلة الفقر منهم:
·        العلامة الدكتورعبد الهادي الفضلي بعنوان: (مشكلات الوقف الإسلامي وسبل تنميته - الأحساء نموذجاً)
·        الشيخ محمد علي الحرز بعنوان: (الوقف في الأحساء: معالم وآفاق)
·        المهندس عبد الله الشايب بعنوان: (الوقف: دراسة أولية حول الوقف في الأحساء(.
·        دراسة ميدانية قام بها كل من : د.احمد اللويمي و د.عبدالعزيز البحراني و أ. سلمان الحجي و أ. عبدالله البحراني بعنوان ( الاوقاف الجعفرية بالاحساء: واقعها و سبل تنميتها و تحديث تطبيقاتها)
وهناك تجربة أخرى، وهي: الصناديق الخيرية العائلية التي استطاعت أن تحلَّ الكثيرَ من المشاكل وتحقيق حياةٍ كريمةٍ ومقبولةٍ للكثير من الأُسرِ المُحتاجة، وتقديم مبادرات رائعة للوقاية من أسباب الحاجة والعَوَزِ كمبادرةٍ (إصلاح ذات البين) التي تعمل للحدِّ من الطلاق والمشاكل العائلية التي تولّدُ أسراً مشتتةً وفقيرة، والمساهمة في تقديم دوراتٍ للمقبلين على الزواج في العائلة من أجل خَلْقِ أُسَرٍ سعيدةٍ وناجحة، بالإضافة (وقف العائلة) أو ما يُسَمَّى فقهياً بـ(وقف الذُرّية) من أجل توفيرِ مواردَ ماليةٍ دائمةٍ للعائلة.

كُلُّ هذا الجُهْدِ المُسْتَمِر عَبْرَ عقودٍ من الزمنِ استطاعَ تحقيقَ الكثيرِ، ويساهم فيه ناشطون اجتماعيون، فيهم المعلم والطبيب والتاجر والموظف العادي، فالفقر مشكلةُ المجتمع كُلّهِ، ولذا على المجتمع المساهمة في حل هذه المعضلة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق