بلا مذاهب
قال تعالى : {وَأَلّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً مّآ أَلّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـَكِنّ اللّهَ أَلّفَ بَيْنَهُمْ إِنّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
عندما بعث رسول الله صلى الله عليه و اله و سلم الى العرب كانوا جماعات و فرق شتى متصارعة ، كانت الجزيرة العربية مليئة بالحروب و الصراعات بين شتى قبائلها و طوائفها المختلفة ، فقام عليه الصلاة و السلام بتوحيد العرب تحت راية واحدة برسالة حضارية استطاعت ان تغير مجرى التاريخ .
عندما دخل النبي الموحد عليه الصلاة و السلام المدينة المنورة كانت منقسمة الى قبائل متعددة متصارعة أكبرها و أهمها الاوس و الخزرج ، و كانت منقسمة دينيا فكان بعضهم لحق بالاسلام و بقي البعض على عبادة الاصنام بالاضافة الى طبقة المنافقين الذين شكلوا فئة مهمة الى جانب اليهود .
و مع هذا لم تتفاقم الصراعات الدموية بين تلك الاطراف بل أن الرسول بما اوتى من حكمة استطاع ارساء دعائم السلم الاهلي في المدينة و أعلن (وثيقة المدينة) التي ارست الحقوق بين تلك الفئات في تعايش سلمي رغم الخلافات التاريخية و العقدية .
ثم تفرقت هذه الامة الى مذاهب و طوائف و نحل شتى لتعود مشتتة مفرقة ضعيفة متصارعة ، حتى وقع بينها الاقتتال و سالت الدماء و قتل الرجال و انتهكت المحارم و كل مذهب يزعم الوصل بالاسلام الاصيل الذي اتى به محمد .
الان كيف السبيل الى العودة لتلك الروح الوحدوية المحمدية ؟
طرحت الكثير من الافكار التوحيدية في هذا المجال منها على سبيل المثال فكرة التقريب بين المذاهب التي كان الشيعة رواد لها على مدى عقود طويلة .
و يطرح البعض فكرة بسيطة منطقية و هي فكرة العودة للاسلام الاصلي و إلغاء المذاهب كلها ، على اعتبار انها اس المشكلة و سببها .
و هذه الفكرة على بساطتها و منطقيتها إلا أنها دعوة صعبة التحقق في المدى المنظور إن لم تكن مستحيلة .
كتب الشيخ الجليل الدكتور مصطفى الشكعة كتابه (إسلام بلا مذاهب) لتمثل دعوة لهذه الفكرة ، لكنها رفضت من نخب جميع المذاهب و رد عليه البعض بمقولة ( لا إسلام بلا مذاهب ) و منهم الكاتب رشيد الخيون ، و ينطلق المعارضون من فكرة ان المذاهب هي جهود و اجتهادات و ابداعات لعلماء بذلوا عمرهم من اجل معرفة الاسلام .
اليوم هناك طبقة نخبوية ناشئة قد يكون لها مستقبل مشرق في قادم الايام و العقود المقبلة ، تقوم هذه الطبقة على فكرة اتخاذ القرآن الكريم اساسا للاجتهاد الفكري و مرجعا أوليا لها ، ثم تساوي بين المذاهب الاسلامية و التراث الاسلامي بلا تفرقة على اساس طائفي بل ان هناك من ينطلق من التراث الانساني العام للوصول الى المعرفة الشاملة التي تكشف عن الحق و الحقيقية ، و لعل أهم شخصية تأخذ بهذا المنهج اليوم هو الشيخ حسن فرحان المالكي ،كما يوجد بعض النخب ذات الخلفية الشيعية التي بدأت تأخذ بنفس المنهجية .
نحن بحاجة اليوم الى هذا النفس العلمي البعيد عن التعصب الطائفي ، الذي يتخذ المرجعية القرآنية اساسا له ، و من ثم ينطلق نحو التراث الاسلامي كطبقة واحدة فلا يتعصب لإجتهادات مذهب ضد مذهب آخر ، بل يكون القرآن هو الفيصل فيما يختلف عليه .
يبدو لي ان هذا المنهج هو التطبيق الواقعي الحقيقي الممكن لفكرة اسلام بلا مذاهب ، و هو الذي يمكن ان يرث التراث الاسلامي و ينهي الحالة الطائفية المتفاقمة ليحقق اسلاما بلا مذهبية ، و ارى له مستقبلا زاهرا بظني .
نحن كأفراد يجدر بنا ان نوسع مداركنا لنتفكر في المختلف و الآخر قبل ان نرميه بالخطأ و الانحراف و الضلال ، نحن جزء من عالم الاسلام بل نحن جزء من الانسانية جمعاء ، نحن ننتمى لها كلها لذا لا يجب ان نتعالى عليها ، و ليكن شعارنا البحث عن الحق و الحقيقة اينما هي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق