عقل معتقل
كنت أظن ان الانسان إذا تعرض للاضطهاد و الاستضعاف و المطاردة في فكره و عقيدته فإنه سيكون أكثرقدرة و رغبة في الانفتاح على الآخر و قبول بالاختلاف ، و لكن يبدو أن ظني كان خائبا ..
يضج المسلمون كل يوم بالفزع و التشنيع على محاكم التفتيش في الاندلس التي مارست الاضطهاد ضد المسلمين بسبب عقيدتهم ، و لكن بعض بلاد الاسلام في هذا العصر تحاكم الناس على عقائدهم و أفكارهم .
الشيعة الامامية تعرضوا عبر التاريخ للمطاردة و التشريد بسبب عقيدتهم المختلفة مع العقيدة السائدة في العالم الاسلامي ، و هذا الارث العظيم من مصادرة حريتهم العقدية و الفكرية كان يجب ان تجعل منهم قادة للحرية و دعاة لحق الآخر بالاختلاف و لكن السائد اليوم بين الشيعة عكس ذلك ..
ما إن يخرج صوت هنا أو هناك يعلن تمرد على السائد و المتعارف عليه و المتسالم على صحته حتى تخرج بيانات التكفير و التضليل و التخوين و التحريض على القتل و السجن سريعا ، حتى ربما قبل الفهم الصحيح لما يقول ذلك الصوت و هذا ما لا نفهمه .
من حق اهل المذهب الدفاع عن عقائدهم بكل وسيلة فكرية و لكن لماذا التعدي على حق الآخر في حريته الفكرية ؟ كيف لشخص يشتكي من اضطهاد الآخرين له بسبب اختلافه الفكري معهم ان يمارس الاضطهاد ذاته مع المختلف معه ؟؟
يأمرنا الله سبحانه و تعالى بالتفكر و التأمل و التدبر و قد خلقنا من قبل و نحن نحمل عقولا غير متشابهة ثم يجب علينا ان نصل الى نتيجة واحدة ؟! ، و لسان حال بعضنا يقول إذا فكر عقلك فسوف يعتقل ، و للمفارقة العجيبة أن اللغة العربية تجعل كلمة (عقل) قريبة جدا من الـ(معتقل) !!
أيها الكرام عندما يخرج رجل يختلف معكم في فكرة و يحمل حجته على ظهره فاقرعوا حجته بحجتكم ، ثم اتركوا الناس يختارون بعقولهم بين الصحيح و السقيم ..
لماذا الخشية من الفكر المغاير ؟ لماذا الخوف من المختلف ؟ لماذا الفزع من الرأي الآخر ؟
فكرة حرة واحدة تثير عواصف هوجاء و قد تنتهي بصاحبها في سجن لا يدخله ضوء ، هل هذا كله لأنه فكّر ؟؟
من يبرر اضطهاده للآخرين بسبب أفكارهم فعليه ان يقبل باضطهاد الناس له بسبب أفكاره ، و عليه ان يتقبله بصدر رحب .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق