استطلاع : رجال الدين ... من هم ؟؟
أعده : عقيل عبدالله
عرف الانسان منذ أن وجدت المجتمعات تصنيف الافراد الى فئات و جماعات داخل المجتمع الواحد فكل فئة منها تقوم بعمل يتكامل مع بقية الفئات ، فهناك فئة التجار و فئة و الصناع و فئة الفلاحين و هكذا ، كما أن الانسان عرف فئة رجال الدين أو علماء الدين المنشغلين في علوم اللاهوت و هذه الفئة وجدت في كل الاديان السماوية و غير السماوية .
في المجتمعات الاسلامية ايضا نشأت هذه الطبقة و اصبحت لها تقاليد و اعراف مع الزمن ، و لكن الجدل دائر منذ زمن حول هذه الفئة الاجتماعية ، حاولنا فهم ما يدور من نقاشات فطرحنا عدة اسئلة حول طبقة رجال الدين على مجموعة من رجال الدين و الشباب في محاولة لفهم كيف ينظر الى هذه الفئة ..
من هو رجل الدين ؟ هل هناك فرق حقيقي بين رجل الدين و عالم الدين؟
توجهنا بهذا السؤال للشيخ جاسم الحسن فقال : أما مصطلح رجال الدين فإنه بحسب مقالة للسيد جعفر مرتضى مصطلح غير إسلامي وإنما نقل من المسيحية ، وله في تلك الثقافة دلالة سلبية ، ولذلك فاستعماله في ثقافتنا الإسلامية خطأ . وأما عالم الدين فمشترك لفظي ، لكن إن أريد به من يطلب العلوم الحوزوية فهو في اعتقادي امتداد لدور المعصوم في كل الوظائف الممكنة له كإنسان غير معصوم ، فهو ليس متخصصا في العلوم الدينية فحسب ، ولا مبلغا فحسب ، وإنما العلوم وسيلة وآلة يكمل بها نفسه أولا ، وإنما المدار على تكامله المعنوي الذي يؤهله للقيام بوظائف المعصوم. هذا على مستوى المفهوم ، ومصاديقه نادرة لعظمة المفهوم نفسه ومن مصاديقه البارزة مراجع الطائفة .
اما الاستاذ يحيى الجاسم فينقل لنا رأي السيد كمال الحيدري إذ يقول بان هناك فرق بين عالم الدين و عالم الفقه .. و يقول الجاسم بأن الدين اشمل من ان يكون فقها ..أما اجتماعيا فإن عالم الدين اشارة فورية لعالم الفقه و بون شاسع بين الاثنين .
القاص زكريا العباد حول هذا الموضوع يقول : بما أن المصطلح متداول فينبغي ادماجه وتعريفه بحسب الكيفية التي يتم تداوله عليها في العرف إذ ليس لتخطئته كثير فائدة فهو لا يزال قيد الاستعمال بقوة من جهة ، و استخدامه بشكل سلبي في ثقافة لا يدل على سلبية استعماله في ثقافة أخرى، وهو ما أرجحه في الثقافة الشيعية ، و جرت عادة الأمم النشطة على تحديث معاجمها وإدخال ما استجد في الاستعمال اليومي من مفردات ومصطلحات، ولا أعلم أن لدى الشيعة معجما لكلماتهم ومصطلحاتهم الخاصة، ولذا نسأل الله تعالى أن يوفق العلماء في مؤسساتنا العلمية وخارجها لإنجاز مثل هذا المعجم .
أما كلمة رجل الدين في العرف الشيعي بحسب ادراكي القاصر فهي تتضمن المعاني التالية؛
1- المنشغل بالتفقه في الدين وتبليغه وممارسة إمامة الجماعة بغض النظر عن وسيلته: تعلم شخصي عن طريق الكتاب، عن طريق أساتذة دون انتظام، عن طريق الحوزة
2- المنشغل والمشتغل بالخطابة الحسينية ولكن كلمة رجل الدين أكثر اختصاصا بالصنف الأول وإن شملت الثاني
3- المنشغل بالدرس الحوزوي المتحصل على قدر كبير من التعلم والحاصل على بعض الألقاب المتعارفة في الحوزة
و عن سلبية مصطلح (رجل الدين) يقول العباد : بروز طبقة المثقفين هو ما يصبغ مصطلح رجل الدين بالصبغة السلبية ربما عكسا لما تحمله في الثقافة الغربية من سلبية ، فنحن إذا بحاجة ربما إلى الحديث عن مصطلحين واستخدامين، أحدهما لدى عموم الشيعة والآخر لدى خصوص المثقفين .
كيف نشأت طبقة رجال الدين في العالم الاسلامي بشكل عام .. و عند الشيعة بشكل خاص
هذا السؤال جدلي و فيه إختلاف بين الناس ، حاولنا ان نجد جوابا فسألنا الباحث عبدالله الرستم فقال : رجال الدين نشأوا وتعلموا فصار ممن يشار لهم بالبنان من خلال عطائهم العلمي، وهم متواجدون في كل بقعة يؤدون رسالتهم العلمية بين الناس.
قد يكون بروزهم في عصر الأئمة الأوائل محدودا، وذلك لغلبة الجانب المسلح على الحياة، ولكن ذلك لايعني عدم تواجدهم !! فوقوفهم مع الأئمة ينبثق من الإيمان والإيمان يصحبه العلم. على خلافه في عصر الأئمة المتأخرين فوجودهم بارز وكانت لهم حلقات كما يذكر المؤرخون.
أما الاستاذ حسين العقيلي فكان جوابه حاسما إذ قال : علماء الدين نشؤا مع نشأة الدين. وكفى
كيف ولدت الالقاب الخاصة بالمشايخ مثل علامة و آية الله وغيرها .. و كيف بدأ اختصاص السادة بالعمامة السوداء و غيرهم بالبيضاء .. و هل هذه الحالة يصدق عليها انها كهنوتية؟؟ ما هو حقيقة دور الدولة الصفوية في التشيع ؟؟؟
يجيب الباحث عبدالله الرستم : الألقاب قد تكون من صنع المؤرخين الذين يضفون آيات التبجيل والثناء للعلماء، مع تحديد توجهاتهم العلمية، وغرض ذلك منحهم مكانتهم السامية لعلمهم، فالمفيد رغم جلالة شأنه وعظم قدره يبقى الاسم البارز له [الشيخ] ومن قبله الصدوق وغيرهما.
اما ما يتعلق بشأن العمامة، فلا أظن أنها ذات أساس ديني!! فورد في بعض المصنفات أن الأئمة ع لبسوا العمامة الخضراء كما هو موجود عند بعض القبائل العراقية، وتحويلها إلى عمامة سوداء كان في عهد المأمون كعملية استقطاب سياسي للشيعة ونحو ذلك ، ولا داعي لتضخيم المسألة ووصفها بالكهنوتية!!
أما الاستاذ عبدالله العلي فيقول : بالنسبة للألقاب يبدو لي أنها متأخرة جاءت نتيجه صناعة حالة من تحديد المستوى العلمي.
الاستاذ أحمد العقيلي ينقل لنا عن مقدمة ابن خلدون التالي :
الحديث عن الكهنوت والكهان في اليهودية
" .... الكاهن هو القائم بأمور دينهم وكأنه خليفة موسى(ع) يقيم لهم امر الصلاة والقربان ، ويشترطون فيه أن يكون من ذرية هارون (ع) لان موسي لم يُعقب ،، الخ "
ثم جاء المسيح (ع) ومن معه من الحواريين الاثني عشر ، وكان القائم بأمور الدين والطقوس يسمونه البطرك ، وهو رئيس المله عندهم وخليفة المسيح فيهم ، ثم الاسقف وهو نائب البطرك ، ثم القسيس وهو الامام الذي يقيم الصلوات ويفتيهم في الدين ، ويسمون المنقطع الذي حبس نفسه للعبادة بالراهب .!
والاساقفة يدعون البطرك بالاب تعظيماً له ، او البابا ومعناها ابو الاباء
هل سوف تجد تفصيل لمراتب ومسميات علماءنا كما هو مفصل عند غيرنا ؟
الاستاذ انور البديوي: يرى أن هذه المسميات اطلقت على علمائنا تبعا لأحاديث مثلاً كلمة حجة الله مأخوذه من حديث مضمونه (فهم حجتي عليكم وانا حجة الله عليهم....الخ) اما (ايه الله) فكل الخلق ايه لله ولكن يطلق (آيه الله) لمن كان علمه بلغ من العظمه مبلغ بحيث لو رأيت علمه لبهرك به واما الشيخ فكلمة الشيخ تطلق في العربية منذ القدم ..
يضيف الاستاذ البديوي : أظن ان العلماء الصاديقين لايسعون وراء الألقاب بل الألقاب هي تسعى إليهم وأظن انه لايمكن ان نشبه علمائنا بهؤلاء الكفره الذين حرفوا دين الله بل علمائنا هم من حافظواعلى علوم اهل البيت وحملواعلى اكتافهم ثقل هذه المسؤليه على مرور الزمن فجزاهم الله خيرا عن الاسلام وأهله.
السيد محمد العلي يقول : اذكر من قرائتي ان لم تخني الذاكرة ان بعض المصطلحات لم تكن موجودة كما يذكر الشيخ محمد مهدي شمس الدين وبأنه هو ومجموعة من الطلبة من اخترعوا لقب زعيم الحوزة وذلك في مقابل بعض التيارات التي كانت منتشرة في العراق ثم تدرج الوضع لتصبح مثل الرتب العلمية .
و ينقل لنا الشيخ رياض السليم عن كتاب الأوائل أن أول من لبس من الفقهاء لباسا ميزه عن العامة هو القاضي أبو يوسف تلميذ أبو حنيفة وناشر مذهبه ، وأما استحداث الألقاب في وسط المذهب الشيعي فتم في عصر الدولة الصفوية في القرن العاشر، وقبل هذا لم يكن متداولا إلا لفظة واحدة وهي شيخ وكانت تطلق على الاستاذ الكبير وكثيرا ما يقرن بالذي يعطي إجازة.
و تحدث الاستاذ حيدر الحسن عن الكهنوتية في الاسلام فقال : تعاليم الإسلام أبعدتنا عن الكهنوتية، لكننا تحت تأثير التقاليد وتقديس العلم (عالم الدين؟) أصبح هناك ما يجرنا إلى (شيء من) الكهنوتية، شعرنا أم لم نشعر. وهنا تفريع: عمليا نحن لا نقدس العلم، بل نقدس العلم الشرعي فقط، ربما تحت تأثير مغناطيس مفردات العدالة والورع والاجتهاد والفقيه الرباني.. .الخ، التي قادتنا إلى ثقة عمياء لم تفدنا بشيء ... بل على العكس: أصبحنا لا نعرف الأعلم.... ولا الأكثر ورعا... ولكي نرفع مرجعا، نحجم آخر!
و عن اثر السياسة في التشيع يقول الباحث عبدالله الرستم ما أتصوره فإن الدولة الصفوية دعمت رجال الدين بحكم التشيع لتحافظ على مكانتها كدولة ذات سيادة ، ولكن معظم الحكومات استقطبت رجال الدين وأعطتهم مناصب عالية، بالإستحقاق أو بدونه ، مثال: الشيخ الطوسي أعطي أعظم منصب في الدولة البويهية [كرسي الكلام].
****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق