ماركس .. وصراعات الأحساء
حاول الفيلسوف كارل ماركس عبر نظريته الاجتماعية تفسير حقيقة الصراع الاجتماعي مرجعا إياه للاختلافات الطبقية داخل المجتمع مما يؤدي لصراع بين الطبقات الثرية (المالكة لعناصر الإنتاج) والطبقات الفقيرة التي تتحكم بها الطبقة الأعلى، فالطبقة الثرية تحاول الحفاظ على وضعها الاجتماعي الذي ورثته عن أسلافها بينما يحاول أبناء الطبقة الفقيرة الصعود ومزاحمة الطبقة الثرية ومن هنا ينتج الصراع الذي يأخذ أشكالا عدة حسب طبيعة المجتمع فقد ينتج الصراع نوعا من العنصرية وقد ينتهي بثورة دموية.
قد تكون المقدمة حول نظرية ماركس للصراع الطبقي تبسيطة أكثر من اللازم إذ أنها من النظريات المعقدة والتي شهدت تطويرا مستمرا متخذا أشكالا وصورا عدة خصوصا بعدما تحولت إلى نماذج حية تحكم دولا كبرى.
لاقت نظرية ماركس الكثير من النقد في الأوساط العلمية، ولكنها استطاعت من ناحية أخرى أن تقدم أمثلة ذات دلالة، فعلى سبيل المثال الانتقال الكبير لأوربا من العصور الوسيطة إلى الحداثة كان له أسباب اجتماعية ذات طابع اتسمت بالصراع المادي بشكل عميق، أبرزها اضمحلال طبقة الإقطاع- النبلاء وبروز طبقة البرجوازيين بعدما شهدت الطبقتين صراعا طويلا.
كما أن التحولات من هذا النوع شهدته غير دولة من دول العالم، ولو حاولنا مقاربة التحولات في مجتمعنا الأحسائي وما ناله من صراع على خلفية طبقية فإنه يمكن أن نجد نماذج ذات دلالة.
هناك شواهد كثيرة تتحدث عن وجود طبقة مهمة من الإقطاعيين أصحاب الأراضي قبل نشوء الدولة الحديثة وقد كان لهم صولة على الأهالي الذين يمثلون طبقة البروليتاريا المسحوقة، وعندما امتدت أيدي الدولة الحديثة إلى نواحي الحياة ودفعت بتشكل الطبقة الوسطى عن طريق توفير التعليم العام والوظائف المدينة بعيدا عن هيمنة ملاك الأراضي عرفت المنطقة تحولا عميقا وصراعا اجتماعيا تمظهر في صور متعددة منها إعادة نسج التحالفات الاجتماعية والاتصال بجهاز الدولة من أجل تثبيت الامتيازات القديمة، كما ظهرت برجوازيات جديدة انتفعت من عجلة التنمية وحاولت عقد تحالفات مع مجموعات دينية لتعزيز مكانتها الجديدة.
ينظر الماركسي عبر التاريخ أن أي تحول أو تغير اقتصادي في أي دولة يصحبه بالضرورة صراع اجتماعي فالطبقة العليا تسعى لتعزيز تفوقها بينما تسعى الطبقات الأدنى للصعود درجة في السلم الاجتماعي مستغلة الظروف المواتية، وقد تشهد ذات الطبقة صراعا داخليا لإعادة توزيع حصص المكاسب بين أفراد الطبقة الواحدة، وفي كل الحالات فإن أطراف الصراع الطبقي لا تتورع عن استخدام كافة الأسلحة الممكنة والسلاح الديني يعد من اكثرها استخداما في ظل مجتمعات تقليدية محافظة.
وبالرغم من أن العامل المادي لا يمكن اعتباره العامل الوحيد الفاعل والمؤثر في الصراع الاجتماعي، إلا أن إنكاره والتقليل من شأنه هو قصور نظر قد تعبر عن مثالية مفرطة. وعندما تندلع بعض الصراعات في الأحساء كما بقية مناطق المملكة والعالم في ظل تحولات وتحورات اقتصادية سريعة وعنيفة أحيانا فإننا لسنا استثناءا من الجدلية التاريخية، ويبقى على المثقفين والواعين الحذر من أن يكونوا أعوادا صغيرة يتم إحراقها من اجل أن ينعم بعض البرجوازيين بالدفئ ورغد العيش.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق