الاثنين، 31 يوليو 2017

راية الحيدري



راية الحيدري





قبل بضعة أشهر كنا في لقاء أخوي عندما مازح أحد الحضور صديقنا بقوله: مرحبا بوكيل المرجع الحيدري في الأحساء وضواحيها، فرد عليه صاحبنا بابتسامة مشرقة قائلا: أنا غير محسوب على أحد ولا أمثل أي مرجعية أو تيار أو طرف.

كان الرد بالنسبة لي على الأقل مريحا ويدعو للتفاؤل فصاحبي الذي اعتز به هو باحث صادق ولديه من القدرات المعرفية والفكرية ما يؤهله ليصبح واحدا من أهم الباحثين في مجال الدراسات الشرعية في المنطقة، والباحث يحتاج دائما أن يكون محايدا ومستقلا وإلا تحول إلى صدى للآخرين.

في الآونة الأخيرة لاحظت كما لاحظ آخرون أن صديقنا بات المنافح الأول عن أفكار ومقولات السيد الحيدري، واصبح حساسا جدا ضد أي نقد أو لوم أو مناقشة لأفكار الحيدري، والأخطر أنه يعتبر نفسه معنيا بأي شيء يتعلق بالحيدري، ومن الواضح أنه ليس حريصا على بيان رأيه الشخصي كباحث بل بالدفاع والمنافحة عن أفكار الحيدري مهما كانت هذه الأفكار والمقولات غير ذات أهمية جوهرية، وأحيانا يجد المتابع أنه يتكلف في الرد بشكل تتلاشى فيها حدوده مع حدود الحيدري، وكأن نقد أفكار الحيدري يساوي نقد شخصه.

قبل نحو ثلاثين عاما عندما خرج الكثير من الشبان يدفعهم الحماس الديني نحو الحوزات الدينية في مدينة قم توقعنا أن يرجعوا لنا علماء وفقهاء لكننا صدمنا أن كثيرا منهم أهمل الدراسة والمعرفة وعاد لنا رافعا رايات ومنخرطا في تيارات ليستقطب الكفاءات ويصادرها لصالح فلان وعلان، حتى استوطنت صراعات المرجعيات في بلادنا رغم أنهم بعيدون عنا، لذا أتمنى من صاحبنا الذي عرفته واعيا فطنا أن لا ينخرط في هذه الأجواء المسمومة، فحالة الصراع بين المرجعيات حالة قديمة وستستمر، والخسارة بالنسبة لنا ليس خسارة الحيدري بل هي خسارة باحث محايد وقلم ناضج يضيع في تلك الصراعات اللامنتهية.

إذا كنت قسوت في كلماتي فإنني أتألم من استمرار نزف النخب وضياع الطاقات في مثل هذه المماحكات وأتمنى على صاحبي العزيز أن يكون كما نتوقع منتجا للمعرفة والأفكار وباحثا محايدا يقف على مسافة واحدة من كل التيارات التي تعج في المنطقة فأمامنا الكثير للكتابة عنه والبحث فيه بعيدا عنها.

الخميس، 4 مايو 2017

الأسطورة .. توثيق حضاري


عرض وتلخيص كتاب



الأسطورة .. توثيق حضاري











الكتاب : الأسطورة .. توثيق حضاري


صادر عن : قسم الدراسات والبحوث بجمعية التجديد الثقافية الاجتماعية بالبحرين


عدد الصفحات : 167 صفحة


الطبعة : الأولى 2009


الناشر : دار كيوان - سوريا



مقدمة:
ضمن أهداف الجمعية هدف تجديد النظر للإرث الحضاري للمنطقة العربية بصورة منصفة تعيد الاعتبار لها ولشعوبها يأتي هذا الإصدار ضمن سلسلة عندما نطق السراة، فهذا الكتاب الفريد من نوعه يحاول صياغة قراءة جديدة أكثر قربا للأساطير القديمة التي اكتشفت في المنطقة العربية والتي خلفتها الحضارات البائدة من حضارات سومر وكلدان وآشور وأكاد إلى جانب الفينيقيين والفراعنة وغيرها من حضارات، تلك الأساطير التي اكتشفها منقبو الآثار الغربيين وترجموها إلى لغاتهم الأوربية وبثقافتهم الأجنبية وبخلفيتهم التي تبحث عما يدعم ما ورد في الكتابات اليهودية والمسيحية القديمة، ثم جاء المترجمون العرب لينقلوها من اللغات الأوربية إلى العربية دون أي محاولة لقراءة النص الأصلي بالثقافة العربية الأقرب لهذه الأساطير.


ينطلق الكتاب من افتراضات أساسية كالتالي:


1- أن الحضارات القديمة نشأت في إقليم واحد كبير يمتد ما بين العراق والخليج العربي شرقا إلى شمال أفريقيا غربا، ومن جنوب أوروبا شمالا إلى اليمن جنوبا، لذا يجب النظر إلى هذه المنطقة كإقليم واحد.


2- أن سكان الحضارات القديمة ذو أصول عربية من جزيرة العرب، وأنهم تكلموا لهجات عربية وكتبوا أساطيرهم بها.


3- أن تلك الأساطير ليست خرافات ولا كتابات خيالية بل هي كتابات تحمل معارف وأفكار كبرى كتبت بلغة أدبية تناسب عصرهم.


في الفصل الأول من الكتاب بعنوان: مفهوم الأسطورة ونشأتها وأنواعها
يبدأ الكتاب في تحديد مفهوم الأسطورة وهو مفهوم ملتبس اختلف في تعرفها ولكنها بشكل عام تعود إلى المدونات القديمة التي وضعت في الحضارات القديمة، ولا يعرف متى بدأت الكتابة بالدقة ولكن أقدم الاكتشافات العلمية أسفرت عن العثور على ألواح طينية تعود إلى حضارة سومر في جنوب العراق.


أما في اللغة العربية فالأساطير جمع أسطورة وهي من سطر- تسطير بمعنى تقسيم وتصفيف الأشياء، فالأسطورة تعني الكلام المسطور المصفوف، وهي أيضا الكلام المنظوم سطرا وراء سطر، وسطر(بتشديد الطاء) بمعنى ألف، و أسطورة على وزن أفعولة كأحدوثة وألعوبة، وأساطير على وزن أفاعيل كأحاديث وأقاويل، وعليه فإن كلمة أسطورة لها أصل عربي جذرها الثلاثي ( س ط ر) وليست منقولة عن أي لغة أخرى.


أما دلالة تسمية الأسطورة على وزن أفعولة فهي تعني التكرار والاستمرار.


وهناك تعاريف كثيرة للأسطورة أهمها تعريف فراس السواح في كتابة (الأسطورة والمعنى) إذ يعرفها كالتالي : "الأسطورة هي حكاية مقدسة ذات مضمون عميق يشف عن معاني ذات صلة بالكون والوجود وحياة الإنسان".


أما الكتاب فيعرف الأسطورة تعريفا أكثر شمولية كالتالي : "هي القصة الشعرية المصفوفة زجلا أو شعرا بحيث تحوي موضوعا دينيا يتعلق بالقوى العلوية الخفية، وتعبر عن معارف الإنسان الأول وأخلاقه ومستويات علومه وتأملاته، وهي موضوعة في قالب ذي إيقاع شعري موسيقي يتضمن الحدث المراد تأريخه سواء كان من صنع الإنسان أو الطبيعة أو الرب، من أجل أن يتلى ويتداول ويؤدي دوره في تثقيف العقول وتحريك المشاعر"


وتحت عنوان نشأة الأساطير:

ينقل الكتاب زعما لعلماء الميثولوجيا وهو أن الأساطير تمثل طفولة العقل البشري فهو كان يفسر الظواهر من حوله بطريقة خيالية نتيجة الجهل، فلما نضج العقل اعتمد العلم بدل الأساطير، ويرى الكتاب أن هذا الزعم سببه وضع جميع الأساطير في ميزان واحد بالإضافة إلى الجهل في تفسير وقراءة هذه الأساطير.


وفي أصل وجود الأساطير فهناك أربعة نظريات:

1- النظرية الدينية: أن الأساطير مأخوذة من الكتب المقدسة لكنها حرفت وغيرت مع مرور الوقت.


2- النظرية التاريخية: أن أعلام الأساطير شخصيات حقيقية قاموا بأعمال عظيمة وأضاف إليها الشعراء والرواة الصور الخيالية.


3- النظرية الرمزية: أن الأساطير ما هي إلا مجازات فهمت على غير وجهها الصحيح.


4- النظرية الطبيعية: وهي أن عناصر الطبيعة تم توصيفها على شكل أشخاص وكائنات حية.


ما الفرق بين الأسطورة والخرافة؟
يشير الكتاب إلى كثرة خلط الناس بين المفهومين مع وجود فارق كبير بينهما، فالمادة الأساسية للأسطورة هي الحدث التاريخي وهو إما يكون من صنع الإنسان أو الطبيعة أو الرب، كما أن له تأثيرا حقيقيا في مجرى حياة البشرية، أما الخرافة فهي سرد من نسج الخيال ولا علاقة له بالواقع أو أي حدث واقعي.


أما ما تشترك فيه الأسطورة والخرافة أن كلاهما يشتملان على المحسنات والزيادات اللفظية وكلاهما تمت صياغته على أنماط شعرية كي تكون قريبة من أذهان وقلوب الناس لتسهيل حفظها ونقلها.


أنواع الأساطير:
1- الأساطير التعليمية : وهي التي تحوي على مضامين تعليمية كتعليم القيم والأخلاق ومبادئ الزراعة.


2- الأساطير الوعظية: وهي تحث على التزام الحكمة وبناء علاقة سليمة بين الإنسان والرب وتحذر من معصيته.


3- الأساطير العلمية: تتحدث عن قضايا علمية كالخلق والتكوين وأصول الأشياء.


4- أساطير الأبطال: تعرف بشخصيات تركت أثرا في التاريخ كالأنبياء والملوك، ويعرف بالأعمال البطولية والعلاقة بينها وبين العالم العلوي.


الفصل الثاني: الأسطورة مصدر تاريخي
يناقش هذا الفصل المقولة التي تعتبر أن العهد الإنساني مر بمرحلتين الأولى هي العهد الأسطوري والثاني العهد التاريخي، نافيا هذه المقولة معتبرا أن الأسطورة ما هي إلا طريقة لكتابة وتدوين الأحداث التي مر بها الإنسان في مرحلة من مراحل البشرية وعليه فإن الأسطورة جزء من التاريخ البشري، وأن منشأ هذا الاعتقاد هو الخلط بين الأسطورة والخرافة والعجز عن فهم محتوى الأساطير وتفسيرها بشكل صحيح.


يؤكد الكتاب أن الأساطير تعد مصدرا تاريخيا معتمدا لعدة أسباب:


1- أن هناك أثر من الغيب في وراء علم الأوائل للحقائق الكبرى، فكيف علموا بحقائق الخلق وغيرها.


2- هناك طابع مشترك لشعوب الحضارات القديمة خصوصا في حديثها عن القضايا الكبرى كالخلق.


3- أن كثير من الشخصيات التي جاءت في الأساطير هي شخصيات حقيقية تاريخية.


4- أن الأساطير لم تكن اجتهادات فردية بل أعمال نظمت وحفظت برعاية الملوك والكهنة.


5- أن هناك ما يدعم مصداقية هذه الأساطير كالرسومات والنقوش والتصاوير التي وجدت مع الآثار.



في ختام هذا الفصل يخصص الكتاب الحديث للأساطير في القرآن الكريم


ويسجل الكتاب تحت هذا العنوان عدة ملاحظات:


- ورد لفظ (الأساطير) في القرآن تسع مرات


- في جميع المرات كانت تأتي مضافة إلى الأولين ( أساطير الأولين)


- جميع السور التي حوت اللفظ مكية عدا واحدة هي سورة الأنفال


- جميع مرات وردها كانت بلسان كفار قريش فلم ترد على لسان اليهود أو النصارى


- في جميع المرات كانت السورة تتحدث عن توحيد الله أو الآخرة أو التذكير بالآيات قبل أن يرد الكفار بهذا الرد، مما يدل على أن الأساطير عندهم كانت في ذات السياق


- لم ينف القرآن عن نفسه أن مضمونه مشابه لأساطير الأولين


- لم ترد هذه المقولة في حوارات أي نبي آخر مع قومه غير النبي محمد


وعليه فالكتاب يستدل أن الأساطير هي من تراث الأنبياء السابقين.




في الفصل الثالث والأخير

يفرغ الكتاب مساحة لا بأس بها لمحاولة فهم وتفسير الأساطير


فكيف نفهم الأساطير؟



ويرجع الكتاب مشكلة تفسيرها ليس فقط أنها وصلتنا ناقصة وقد تعرضت لعوامل التعرية ولكن أيضا للاختلاف الثقافي والتاريخي بين كتابها والباحثين الذين حاولوا تفسيرها.


ويقترح الكتاب لفهم هذه الأساطير التالي:

- الاعتقاد بوحدة الأساطير للحضارات القديمة كونها امتداد لبعضها البعض وتقدم ذات التصور للأفكار

- أن الكتابة لا تعادل اللغة فمن الطبيعي أن تعجز الكتابة عن إيصال المعنى

- ضرورة معالجة الترجمات الغربية لكونها حرفت كثيرا من المعاني

- لفهم الأساطير القديمة يجب فك رموز مجمع الآله وهي قوى الكون والطبيعة



دلالات الأسماء في الأساطير:


في هذا الجزء يحاول الكتاب التعرف على دلالات أسماء الأساطير القديمة، ونذكر منها على سبيل المثال:


- مردوخ (إله الخصب والزراعة): أصبح سيدا على الآله مكافأة له على المعركة التي خاضها ضد (تيامت) الماء المالح التي كلفتها الآله خلق الكون، اسمه مكون من مقطعين مرد – دوخ، المردخ هو الذي ذلل الطبيعة وكسرها.


- انكي/انجي : هو مبدأ الحكمة والنقاء، واسمه مركب من مقطعين ( أن –كي) (أن= عين بمعنى سيد) (كي=قيع من قيعان الأرض فهو مدبر الأرض) أو سيد الأرض أو مسؤول توفير المياه النقية.


- إنليل: (أن= عين أي سيد أو رب الليل) أو ليل= الله، أي عين الله وهو القمر.


- إنانا: وهي ربة الحب والخصب السومرية( ان = عين أو سيد) (انا= العناية او السماء) بالتالي سيدة السماء.


- عشتار: آلهة القوة والنسل عند البابليين والآشوريين، وعشتار أصلها (عتر) معنى العترة أو السلالة، فهي القوة التي تجذب كل زوجين وتديم السلالة والتوالد والبقاء.


- جلجامش: من أشهر ملوك سومر، واسمه مكون من مقطعين (جل + جامش) و جل: بمعنى الجليل، وجامش:فحرف الشين اصله سين حيث ينطق في بعض اللهجات العربية لذا فهو جامس ومعناه جاموس، فمعنى اسمه الجاموس الجليل أو الثور القوي، لقوته وفحولته.





- حمورابي: الملك البابلي المشهور بقوانينه العادلة، واسمه مكون من مقطعين (حامو+رابي) وحامو بمعنى المحامي، وأما رابي فهو الرب، وبهذا يكون معنى اسمه محامي الرب.










الاثنين، 27 مارس 2017

قراءة في كتاب بركة النساء لـ رحال بوبريك

إطلالــــــــة على كتـــــــــــــــــــاب

بركة النساء لـ رحال بوبريك
Image result for ‫بركة النساء لـ رحال بوبريك‬‎




الكتاب : بركة النساء... الدين بصيغة المؤنث

المؤلف : رحال بوبريك

عدد الصفحات : 206 صفحات

الطبعة : 2010

الناشر : دار افريقيا الشرق



انطباع أولي:

الانطباع الأولي الذي استقر في ذهني بعد قراءة عنوان الكتاب كان خليطا بين الغموض والترقب من ناحية والحماس للإطلاع على قراءة نسوية حداثية للدين، ولكن تدريجيا خفت البريق بعد عدة ملاحظات.

 الملاحظة الأولى عندما عرفت أن مؤلف الكتاب هو رجل وليس امرأة فقد ظننت في البداية أن اسم (رحال) يعود لسيدة قبل أن أبحث عن سيرة الكاتب لاكتشف أنه دكتور مغربي متخصص في الانثربولوجيا في جامعة القنيطرة، وهذا لا يقلل من قيمة المؤلف ولكنه لا يستقيم وتقديم قراءة نسوية للدين ففي النهاية ستكون القراءة المعنية قراءة ذكورية وإن تلمست المنطلقات والأفكار النسوية.

أما الملاحظة الثانية كانت بعد اطلاعي على فهرس الكتاب فما ظننته سيكون معالجة للأفكار الدينية بعقلية نسوية حداثية انطبع من العنوان الضخم تجلى في الفهرس على شكل عناوين رئيسية وفرعية تبحث عن قضايا تخص النساء في الدين من مسألة الولاية والطهارة وصولا إلى التصوف النسوي ومختتما بالصور المحلية المغاربية التي اختلط فيها التصوف بالسحر والشعوذة.

والملاحظة الثالثة فهي في متون الكتاب التي تقدم رؤية مفادها أن التصوف الإسلامي قدم مجالا رحبا للمرأة وذلل أمامها السبل كي تخوض تجربتها الصوفية الدينية بخلاف الفقه الإسلامي الذي ضيق الخناق عليها بل أنه انكفئ على ما اكتسبته في عصر النبوة وصدر الإسلام من امتيازات ومكانة فحجمها وقلصها وقيدها خصوصا خلال العصر الوسيط الذي اتسم بسطوة الفقهاء بعد تحالفهم المشبوه مع السلطة السياسية الحاكمة إذ أنهم كانوا يمنحونها الشرعية مقابل ما تمنحهم إياه من مكانة ومنعه وتمكين في المجتمع الإسلامي.

وعلى أي حال فإن كل الملاحظات لا تقلل من أهمية المساهمة وغناها وإثراءها خصوصا أنها تأتي من أستاذ متخصص في هذا المجال وقد قام بتوثيق جيد خصوصا للمفاهيم الشعبية التي لم تحض بالتوثيق والحفظ بالقدر الكافي وهذا يثقل المسؤولية على المتخصصين بضرورة تدوين التراث الاجتماعي الديني الغير مكتوب بما يحويه من أساطير شعبية وممارسات تخلط بين الحقيقة والخيال وبين الدين والشعوذة لما لهذا التراث من أهمية في الدراسات الاجتماعية ولما يمثله من إرث ثقافي للمجتمع.

عرض سريع:

يتفرق الكتاب على أحد عشر بابا سأعرضها باختصار مقتضب:
في الباب الأول: بعنوان ولاية النساء ولاية الرجال مسلطا الضوء فيه على طغيان الحضور الذكوري في المجال الديني مقابلا ما عليه في المسيحية بالإسلام.

أما الباب الثاني فتحدث عن لعنة النجاسة التي تصاحب المرأة نتيجة نزول دم الحيض فهي في حالة تأرجح بين حالة الطهر والنجاسة بخلاف الرجل الذي لا يمر بهذه الحالة، ولما لها من أثر في عرقلة تقدم المرأة في المجال الديني القائم على الطهر.

في الباب الثالث :طرق الكاتب إشكالية الجسد الأنثوي المتسم بالإغراء والغواية وما يمثله من حالة اشتهاء للرجل فهو رمز للرذيلة ووسيلة للشيطان في الخلفيات الدينية ولما كانت المرأة هكذا كان جسدها عائقا أمام اقتحامها المجال الديني، مما دعاها إلى تطهير هذا الجسد وقتل مفاتنه بالجوع والصوم تارة وبإهماله وإتلافه تارة أخرى.

أما في الباب الرابع فيسلط الكاتب الضوء على موقف الصوفيات من الزواج فهن يخترن العزوبية خصوصا من تصوفت في سن مبكرة أو تختار (الزواج المزعج) حسب وصف الكاتب وهو خيار من تصوفت بعد الزواج، و إذا كان الرجل المتصوف يتجنب الزواج كونه قرين بالشهوة والمتع الدنيوية فإن المرأة المتصوفة ترى في الزواج مشغلا عن العبادة وفي الزوج باحثا عن الشهوة ومدنسا لطهارتها بالمتع الزائلة.

في الباب الخامس يطرح الكاتب المثل الولائي للمرأة المتصوفة والمتمثل بفاطمة الزهراء عليها السلام فهو النموذج المثالي في التصوف النسوي الإسلامي في مقابل البتول مريم في التصوف النسوي المسيحي، وإلى جانب الزهراء يتطرق الكاتب إلى شخصية محورية في تأسيس التصوف النسوي وهي رابعة العدوية.

الباب السادس عنونه الكاتب بـ ابن عربي وتشريف النساء، وابن عربي القطب الصوفي الشهير كان له الكثير من المواقف الإيجابية تجاه المرأة ومنحها بخلاف السائد في التراث الإسلامي مقاما وشرفا رفيعا فجعل لها مرتبة في المراتب الصوفية وجعل منها أستاذة وشيخة، محاولا معالجة النصوص الدينية بصورة تخدم هذا النهج.

سابع الأبواب طرح فيه المؤلف مجالا يرى أنه تفوقت فيه النساء الصوفيات على الرجال وهو مجال الكرامة طارحا عدد من النماذج التي قدمت كرامة المرأة على الرجل منها تفوق رابعة العدوية على الحسن البصري.


والأبواب الثامن والتاسع والعاشر يطرح الكاتب نماذج من الصوفيات والصالحات والمجذوبات في التراث العربي عموما والتراث المغاربي خصوصا فمن صالحات فاس إلى صالحات البادية إلى حامية الجبل يعدد نماذج مستلة من مصادر تحدثت عنهن.


والباب الحادي عشر خصصه الكاتب للممارسات الشعبية النسوية التي اختلط فيها التصوف والتوسل بالأولياء بالسحر والشعوذة والخرافات وللقصص الشعبية الشفهية التي لم ترد في كتب المناقب. 



.

الخميس، 9 فبراير 2017

الدين بين الايدولوجيا والانطولوجيا




الدين بين الايدولوجيا والانطولوجيا

 نظرة في كتاب الدين والظمأ الأنطولوجي




للمرة الأولى أقرأ فيها للمفكر العراقي الدكتور عبدالجبار الرفاعي وأتعرف فيها على فكره، كان هذا عن طريق كتابه المهم الموسوم بـ "الدين والظمأ الانطولوجي" والذي أظنه ضروري لكل مثقف مهتم بالشأن الديني، والكتاب صادر بطبعته الأولى لعام 2016 عن مركز دراسات فلسفة الدين ودار التنوير للطباعة والنشر.

الكتاب هو مجموعة مقالات وأبحاث ومقابلات ضمنها الدكتور في كتاب واحد جمعها موضوع الظمأ الانطولوجي حسب اصطلاحه، وهو ما يعرفه بأنه ظمأ الإنسان للمقدس والحنين للوجود، حيث أن وجود الإنسان محتاج إلى ما يثريه ويمنحه المعنى، الأمر الذي يراه الكاتب متوفرا في الدين حصرا.

فلا الفنون ولا الآدب ولا المعارف يمكنها أن تروي ظمأ الإنسان الملح والفطري ولا شيء يمنحه الطمأنينة والسعادة سوى الدين، ولكن أي دين هذا؟

يتفرق الكتاب على سبعة فصول ومجموع صفحاته مائتين واثنين وسبعين صفحة.

في الفصل الأول: بعنوان نسيان الذات، يطرح الكتاب قضية الذات البشرية المنسية، الذات الخاصة بكل إنسان خلقه الله المتفردة في خصائصها الذاتية، هذه الذات التي دأبت الجماعات والأحزاب على تنميطها واستعبادها وإذابتها عبر قسرها على قوالب جاهزة، وعمليات التنميط هذه تجري عبر التربية والتثقيف والمنابر الإعلامية حتى تستلب الذات وتصبح جزءً من صورة كبيرة كل عناصرها متشابهة ومتماثلة، ينصهر الفرد في الجماعة حتى ينسى ذاته ويهمل حياته الخاصة التي تصبح عديمة القيمة، ما يهم الجماعة هو سلوك الفرد الخارجي أما باطنه فغير مهم مما يحول الإنسان إلى (شخصية مستعارة) تنعدم فيه شخصيته الحقيقية الأصلية وتحل محلها شخصية نمطية يسودها الأحكام الجاهزة والعصبية الفاشية.

في ظل هذا الاستلاب للذات البشرية كيف يمكن للإنسان الإيمان أو اللإيمان ذاتيا؟ إذ الإيمان خيار شخصي وحالة ذاتية لا يتحقق بالنيابة، وبغياب الذات يصبح الدين سلوكا خارجيا لا يعبر عن حقيقة ذات الإنسان الأصلية.



الفصل الثاني: نسيان الإنسان، يحاول د.عبدالجبار هنا أن يسطر شيئا من سيرته الذاتية مركزا على البيئة الأصلية التي جاء منها راسما صورة خشنة عن حياة الريف العراقي منتصف القرن الماضي مضمنا تلك الذكريات بعضا من التحليل الاجتماعي لبيئته وكيف أسهمت نشأته في بناء شخصيته المتدينة بطبعها، وذاكرة اللامكان التي اكتسبها بسبب حالة التشرد التي عاشها، وصولا إلى ذكريات سنوات الدراسة في المدرسة الأولى إلى التحاقه بالحوزة النجفية وانضمامه لحزب الدعوة بشكل مقتضب مبررا ذلك بالبعد عن نبش آلام الماضي ورغبة في تجاوزها بهدوء وسلام.

يصل الكاتب لنتيجة أن الدين بالنسبة للكائن البشري مكون انطولوجي يرثه من أبيه وأمه كما يرث لون بشرته وصفاته الجسدية، حتى عندما يتحول إلى دين آخر فإنه يقلب الدين الجديد ويعلبه بدينه الأصلي، كما حال اللغة الأم فمهما تعلم الإنسان لغة أخرى يبقى مبرمجا على ترجمتها وإعادتها للغته الأصلية.

وفي جزء مهم من هذا الفصل يفرد الكاتب صفحات عن أهمية التحلي بالغفران والمحبة كمرادف الإيمان والدين.

أما الفصل الثالث : المثقف علي شريعتي.. يعد من أهم فصول الكتاب.

حيث يُحمل الكاتب بعض المثقفين من أمثال علي شريعتي مسؤولية ترحيل الدين من الانطولوجيا إلى الأيديولوجيا، أما سبب اهتمامه بشريعتي تحديدا فلإن مقولاته بدأت تغزو الوسط الثقافي العربي بعدما انتهى الإيرانيون من نقدها وتجاوزها.

يلخص الكاتب اتجاهات التفكير الديني في إيران الحديثة كالتالي :

أ- الاتجاه التقليدي: 

وهو المسيطر على معظم الحوزات الدينية في إيران حتى اليوم.

ب- الاتجاه الإحيائي : 

ويتفرع إلى تيارين: 

1- فلسفي عرفاني : تأسس على يد السيد الطباطبائي صاحب الميزان

ب- المدرسة التفكيكية : 

وهي تدعو لإحياء التفكير النصوصي الحديثي وتناهض التفكير العقلاني، بما يشبه عودة للتيار الإخباري، أبرز رموزه السيد مهدي الآصفي

ج- الاتجاه التجديدي:

وينقسم إلى تيارات عدة منها:

1- تيار التفسير العلمي: يدعو لتفسير القرآن على ضوء الاكتشافات العلمية الحديثة.

2- تيار الهوية (الذاتية): يدعو للعودة للهوية الإسلامية وغربلة التراث من المؤثرات الطارئة عليه، تمثل في الفيلسوف فرديد ، وانعكس في نتاج علي شريعتي

3- تيار الماركسية الإسلامية: هو تيار نشط في الستينات والسبعينات، حاول إعادة صياغة التاريخ الإسلامي وفق النظرية الماركسية والاشتراكية.

وانعكس هذا الفكر في جماعات سياسية متعددة منها منظمة مجاهدي خلق.

4- تيار معرفي عابر للأيدولوجيا: ويتجه هذا التيار لتفسير الدين على فلسفة العلم والهرمنيوطيقا والعلوم الاجتماعية، وأبرز رواده سروش وشبستري وملكيان.

علي شريعتي:

يضع الكاتب نبذة موجزة عن سيرة علي شريعتي، إلا أنه يشير إلى ثلاث نقاط رئيسية

الأولى:  الشائع أن شريعتي درس وتخصص في علم اجتماع الأديان إلا أنه لم يجد أي وثائق تثبت هذه الدعوة، لذا فهو يشكك في ذلك.

الثانية: يشكك الكاتب في ما يشاع أن شريعتي مات مقتولا على يد مخابرات الشاه، ويرجح بأنه توفي وفاة طبيعية.

الثالثة: يتهم الكاتب شريعتي بسطحية إطلاعه على الفلسفة الغربية وتطويعه لمعارفه لتخدمه ايدولوجيته إلى جانب ضعف تكوينه الديني ومعرفة الدينية الإسلامية.

يشير الكاتب إلى دور شريعتي الكبير في أدلجة الدين وإعادة قراءته وفق ايدولوجية يؤمن بها، مما ساهم بتكوين ايدولوجية دينية جزمية همها تنميط وتدجين ونمذجة الشخص، فأيدولوجية شريعتي تحلم بالعدالة الاجتماعية لكنها تهمش الحرية ولا تقبل الحداثة الغربية وما يرتبط بها من ديمقراطية وحقوق بشر بوصفها ملتبسة بالاستعمار والرأسمالية، ومن ناحية أخرى أعاد شريعتي قراءة التاريخ الإسلامي والشخصيات التاريخية وفق ايدولوجية.

وتحت عنوان فرعي (الحساسية السياسية والحساسية الفلسفية) يتهم الكاتب شريعتي وكل من سار على نهجة باحتقار الفلسفة وتهميشها لأنها تفضح دعواهم الايدولوجية حيث يعتبر أن "خمسمائة رجل كابن سينا لا أثر لهم في المجتمع بينما رجل كأبي ذر يمكنه أن يحدث تحولا لقرن كامل".

سعى شريعتي لبناء رؤية دنيوية للدين اصطلح عليها (البروتستانتية الإسلامية)عبر تحويل كل ما هو ديني إلى دنيوي وكل ما هو دنيوي إلى ديني، ويعتبر أن كل ماهو متداول في عالم الإسلام منذ الغزو المغولي هو كاثوليكية إسلامية داعيا للقضاء عليها، ويمضي شريعتي بثنائياته الكثيرة فيقسم الإسلام السني إلى إسلام محمدي وآخر أموي، والتشيع إلى تشيع علوي وآخر صفوي، معتبرا أن الإسلام هو التسنن المحمدي والتشيع العلوي.

دعوة البروتستانتية الإسلامية التي اشترك شريعتي فيها مع جماعة الإخوان المسلمين هي دعوة أدلجة الدين والتراث بحسب الكاتب، وفي الوقت الذي أنجزت البروتستانتية المسيحية تحرير العلم والدولة من الدين وسطوة الكنيسة، قامت البروتستانتية الإسلامية بتوسيع حدود الدين ليشمل كل مناحي الدنيا والعلم والدولة.

إن وعود البروتستانتية الإسلامية لم تنجز بل انتهت إلى نتائج عكسية وأفضت إلى عبادة الإنسان للأيدولوجية واستلابها لروحه وقلبه وعقله وإقحامه في وعود خلاصية موهومة.

الفصل الرابع :التجربة الدينية والظمأ الانطولوجي للمقدس

في هذا الفصل الهام يشرح الكاتب مفهوم الظمأ الانطولوجي حيث هو افتقار الشخص البشري إلى ما يثري وجوده، ويكرس كينونته، ويمنحه وقودا لحياته، ويكشف له سر الحياة ويجعله قادرا على التغلب على مشكلة الوجود البشري.

والتجربة الدينية بحسب الكاتب هي البعد الانطولوجي للدين التي يمكنها معالجة هذا الظمأ، وهذا الإرواء يجب أن يكون كتجربة ذاتية فردية جوانية، ويفرق الكاتب بين هذه الحالة والحالة الصوفية معتبرا أن ليس كل متصوف صاحب تجربة دينية فقد يكون المتصوف خاويا روحيا إذا ما تحول التصوف إلى التصوف الطرقي السلوكي الذي هو تصوف الدراويش والتكايا والزوايا.

مولانا جلال الدين الرومي:

عن جلال الدين الرومي يفرد الكاتب عنوانا جانبيا ليعالج ما يعتبره حالة من التحول الذي شهدته شخصية الرومي التاريخية إلى الرومي الميثولوجي كشخصية خارقة استثنائية بخلاف الشخصية الحقيقية البشرية داعيا إلى استلهام العبر من تراثه الروحي.

إلى جانب التصوف الطرقي يشير الكاتب إلى التصوف المعرفي: وهو تصوف عقلي خرج على الانساق المعرفية التراثية وانتج قراءة حية متوالدة ذات افق رحب معيدا الاعتبار للذات المستلبة وانشغل بإرواء ظمأ الروح.

رؤيتان للعالم: 

الرؤية الأفقية : وهي رؤية المتصوفة والعرفاء التي ترى في الصلة بالله وصال حبيبين.

الرؤية العمودية: هي رؤية المتكلمين: ترى في علاقة الإنسان بالله علاقة عمودية يخضع فيها العبد ويذل لإله متسلط منتقم.

وعن الإيمان والتدين يدعو الكاتب لضرورة التفرقة بين الدين والتدين-الدين والحياة الروحية- الدين والإيمان، داعيا إلى الخلاص من تديين الدنيوي أي أن الدين لا يشمل كل شيء في الحياة، إذ لا يجب أن يختلط الدين بالعلم والأدب والفلسفة والفن ..الخ فالعلم علم وليس دين، والأدب أدب وليس دين وهكذا، فما يشوه الدين في مجتمعاتنا هو اختلاط الدين بكل شيء وعليه يجب أن يعود الدين لحقله الطبيعي في بناء الحياة الروحية والأخلاقية للبشر، أما ما ينجزه العقل والتجربة البشرية فلا ضرورة لإقحامه في الدين أو إقحام الدين فيه.

إن جوهر الدين يتمحور حول إرواء الظمأ الانطولوجي للشخص البشري وعندما يرتوي يكف الدين عن أن يكون أداة للصراع على الثروة والقوة والسلطة، كما تفعل معظم الجماعات الإسلامية التي سرقت الدنيا باسم الآخرة، والأرض باسم السماء، والإنسان باسم الله.

دين الايدولوجيا ودين الانطولوجيا:

المتكلم هو فيلسوف دين الايدلوجيا، بمعنى أنه يصوغ رؤية لله والإنسان والعالم وفهما للدين، والجماعات الإسلامية تنسج على رؤية المتكلم شباكاها لتصنع دين الايدولوجيا، هذا الدين الذي يستخدم الإنسان ويسخر حياته وطاقته بينما دين الانطولوجيا يخدم الإنسان ويمنح عقله حرية التفكير ولا يجبره على تكرار نماذج تاريخيه أو أن يعيش نيابة عن غيره.

دين الايدولوجيا لا يبني حياة روحية، يميت الروح والقلب والضمير ويفسد ولا يصلح، بينما دين الانطولوجيا يصنع حياة روحية وأخلاقية ويغني الحياة بالهدوء والسكينة والسلام.

الفصل الخامس: أية دولة بلا حياة روحية وأخلاقية

وهو عبارة عن ورقة قدمها الكاتب للمؤتمر الدولي حول الأديان والقيم السياسية – لبنان 2014

الفصل السادس: لا خلاص إلا بالخلاص من أدلجة الدين

وهو عبارة حوار مع الصحافية اللبنانية رحيل دندش بأسئلة منوعة 

الفصل السابع: تحديث الفكر الديني

وهو عبارة حوار لمجلة يتفكرون مع الكاتب المغربي مولاي أحمد صابر بأسئلة منوعة 
---
* نشر هذا المقال في موقع المطرفي ،، الرابط 
http://www.almoterfy.com/site/index.php?act=showNews&module=news&id=7942




الاثنين، 21 نوفمبر 2016

ماركس .. وصراعات الأحساء



ماركس .. وصراعات الأحساء










حاول الفيلسوف كارل ماركس عبر نظريته الاجتماعية تفسير حقيقة الصراع الاجتماعي مرجعا إياه للاختلافات الطبقية داخل المجتمع مما يؤدي لصراع بين الطبقات الثرية (المالكة لعناصر الإنتاج) والطبقات الفقيرة التي تتحكم بها الطبقة الأعلى، فالطبقة الثرية تحاول الحفاظ على وضعها الاجتماعي الذي ورثته عن أسلافها بينما يحاول أبناء الطبقة الفقيرة الصعود ومزاحمة الطبقة الثرية ومن هنا ينتج الصراع الذي يأخذ أشكالا عدة حسب طبيعة المجتمع فقد ينتج الصراع نوعا من العنصرية وقد ينتهي بثورة دموية. 

قد تكون المقدمة حول نظرية ماركس للصراع الطبقي تبسيطة أكثر من اللازم إذ أنها من النظريات المعقدة والتي شهدت تطويرا مستمرا متخذا أشكالا وصورا عدة خصوصا بعدما تحولت إلى نماذج حية تحكم دولا كبرى. 

لاقت نظرية ماركس الكثير من النقد في الأوساط العلمية، ولكنها استطاعت من ناحية أخرى أن تقدم أمثلة ذات دلالة، فعلى سبيل المثال الانتقال الكبير لأوربا من العصور الوسيطة إلى الحداثة كان له أسباب اجتماعية ذات طابع اتسمت بالصراع المادي بشكل عميق، أبرزها اضمحلال طبقة الإقطاع- النبلاء وبروز طبقة البرجوازيين بعدما شهدت الطبقتين صراعا طويلا. 

كما أن التحولات من هذا النوع شهدته غير دولة من دول العالم، ولو حاولنا مقاربة التحولات في مجتمعنا الأحسائي وما ناله من صراع على خلفية طبقية فإنه يمكن أن نجد نماذج ذات دلالة. 

هناك شواهد كثيرة تتحدث عن وجود طبقة مهمة من الإقطاعيين أصحاب الأراضي قبل نشوء الدولة الحديثة وقد كان لهم صولة على الأهالي الذين يمثلون طبقة البروليتاريا المسحوقة، وعندما امتدت أيدي الدولة الحديثة إلى نواحي الحياة ودفعت بتشكل الطبقة الوسطى عن طريق توفير التعليم العام والوظائف المدينة بعيدا عن هيمنة ملاك الأراضي عرفت المنطقة تحولا عميقا وصراعا اجتماعيا تمظهر في صور متعددة منها إعادة نسج التحالفات الاجتماعية والاتصال بجهاز الدولة من أجل تثبيت الامتيازات القديمة، كما ظهرت برجوازيات جديدة انتفعت من عجلة التنمية وحاولت عقد تحالفات مع مجموعات دينية لتعزيز مكانتها الجديدة. 

ينظر الماركسي عبر التاريخ أن أي تحول أو تغير اقتصادي في أي دولة يصحبه بالضرورة صراع اجتماعي فالطبقة العليا تسعى لتعزيز تفوقها بينما تسعى الطبقات الأدنى للصعود درجة في السلم الاجتماعي مستغلة الظروف المواتية، وقد تشهد ذات الطبقة صراعا داخليا لإعادة توزيع حصص المكاسب بين أفراد الطبقة الواحدة، وفي كل الحالات فإن أطراف الصراع الطبقي لا تتورع عن استخدام كافة الأسلحة الممكنة والسلاح الديني يعد من اكثرها استخداما في ظل مجتمعات تقليدية محافظة. 

وبالرغم من أن العامل المادي لا يمكن اعتباره العامل الوحيد الفاعل والمؤثر في الصراع الاجتماعي، إلا أن إنكاره والتقليل من شأنه هو قصور نظر قد تعبر عن مثالية مفرطة. وعندما تندلع بعض الصراعات في الأحساء كما بقية مناطق المملكة والعالم في ظل تحولات وتحورات اقتصادية سريعة وعنيفة أحيانا فإننا لسنا استثناءا من الجدلية التاريخية، ويبقى على المثقفين والواعين الحذر من أن يكونوا أعوادا صغيرة يتم إحراقها من اجل أن ينعم بعض البرجوازيين بالدفئ ورغد العيش.








الخميس، 24 ديسمبر 2015

بين القراءة والكتابة


بين القراءة والكتابة

Image result for ‫بين القراءة والكتابة‬‎


ازدواجية فعلي القراءة والكتابة كانت واحدة من المعضلات التي شغلت بالي طويلا، فهل على الإنسان أن يحصر اهتمامه بالقراءة ولا يقرب الكتابة والتأليف إلا عرضاً، وهل يجب عليه اعتبار القراءة الهم الأول ولا يجدر به أن يلق بالا للكتابة؟ أم أن التأليف والكتابة هي خلاصة القراءة وثمرتها؟

كلا الرأيين وجيه وجدير بالإهتمام، فهناك من يرى أن الفعل الأساسي للإنسان خصوصا المثقف هو القراءة، فعليه أن يكون همه الأول تأسيس ذاته معرفياً قبل أن يستعجل كتابة مقالات أو مؤلفات، فالاستعجال في كثير من الأحيان ما يكون له عواقب سلبية، وقد عاصرنا بعضها، يحث يقوم مثقف شاب بكتابة مقال أو حتى تغريدة وهي مازلت خاطرة في ذهنه أو مجرد فكرة جنينية لم يحن أوان وضعها، فيصدم بردود قاسية وناقدة، فيتحول الكاتب إلى خانة الدفاع عن هذه الفكرة أو العبارة التي قد لا يكون هو ذاته مقتنعا بها تماما، فيكرس جهده وبحثه وقراءته لإثباتها والرد على خصومه بالمزيد من العبارات والمقالات، وتدريجيا يخسر المثقف أهم ما يميزه عن غيره، يخسر كنزه الثمين الذي يعطيه كل البريق والتفرد، فهو يخسر مرونته الفكرية وعقله المتفتح لكل فكرة جديدة، ويغدو مؤدلجاً لفكرة ما أو عقيدة ما بعد أن كان تنويرا متمردا.

لكن من جهة أخرى فإن فعل القراءة والكتابة أقرب شيء بفعل الزراعة والحصاد، فكما أن الفلاح يزرع ليحصد فإن المثقف يقرأ ليكتب، والكتابات الجيد والمميزة هي بالتأكيد نتاج قراءة جيدة ومميزة، لذا فمن الطبيعي أن يكتب القارئ الجيد روائع الأفكار، وعليه فإن الإبتعاد عن الكتابة هو قتل لتلك الروح المبدعة التي ولدت يوماً على صفحات كتاب ذات مساء، كما أن فعل الكتابة الراقية هو فعل تراكمي ينمو مع الإنسان بالممارسة والتجربة وتضمر بالتجاهل والتغافل، أضف إلى هذا كله أن الأفكار أنما تزدهر وتصقل بالكتابة والمداورة وبالنقد والتصويب.

حملت خواطري ولجأت لواحد من أساتذتي الذين أثق بهم وبتجربتهم في الحياة، وضعت همومي بين يديه وطلب رأيه لأسترشد به، فكانت كلماته كبلسم على الجرح.

قال لي الأستاذ: إن المثقف الجيد قارئ فذ وكاتب حصيف، فلا تهمل الكتابة ولكن لا تسع خلفها، بمعنى أن الكتابة لا يجب أن تكون همك وأولى أولوياتك فكثير من المفكرين لم يؤلف سوى كتاب أو أثنين وربما لم يؤلف مطلقاً، ولكن لا يجب تهملها وتلغيها من مسيرتك، كما يجب أن تتنبه إلى أمر هام جدا، فحين تريد أن تكتب عليك أن تعي أن الكلمة مسؤولية لذا يجب أن تكون صادقاً ومخلصاً لمن سيقرأ حروفك، وأيضاً لا تحرص على أن تكون واثقاً فدع الباب مفتوحاً للتراجع حلما يثبت لك خطأ الرأي الذي تؤمن به.


ختم أستاذي كلامه بجملة وبها أختم، قال : إقرأ ثم إقرأ ثم إقرأ ثم اكتب.

الأربعاء، 11 نوفمبر 2015

رواية "ساق البامبو"

رواية "ساق البامبو"

Image result for ‫ساق البامبو‬‎


للتو انتهيت من قراءة رواية ساق البامبو للروائي الكويتي سعود السنعوسي، وهي واحدة من أجمل الروايات التي كتبها، الرواية التي تقع في نحو أربعمائة صفحة صادرة عن الدار العربية للعلوم ناشرون، صدرت طبعها الأولى سنة 2012م، وحصلت على جائزة الرواية العالمية عام 2013.
اسم الرواية التي اتخذها الكاتب نوع من النباتات الشائعة في الفلبين حيث يتميز البامبو بأنه ذو ساق رفيعة وأجوف من الداخل.

تحكي الرواية على لسان بطلها عيسى الطاروف أو هوزيه ميندوزا معاناة شاب ولد لأب كويتي وأم فلبينية كانت تعمل خادمة في منزل أسرة كويتية تزوج ابنها من الخادمة زواجا عرفيا بدون علم أهله، ولم حملت الخادمة قامت العائلة بطردهما، الشاب راشد الطاروف لم يتخلى عن زوجته بل وثق الزواج وظن أن عائلته ستتراجع حلما يرزق بطفل، ولكنه طرد مرة أخرى مع طفله ما أضطره إلى تطليق الخادمة بعد إرجاعها إلى بلدها مع وعد بعدم التخلي عن ابنه والعمل على عودته إلى الكويت ليعيش معه عندما تتهيأ الظروف المناسبة.

يأتي الاحتلال العراقي للكويت فيقع راشد أسيرا ثم بعد عقد من الزمن يتم الكشف عن مصير الأسرى الكويتيين حيث تم استرداد رفاته، وهنا يظهر صديقه غسان الذين يعمل على إعادة عيسى إلى الكويت ويسعى لنزع اعتراف من جدته غنيمة وعماته عواطف ونورية وهند وأخته خولة، تتباين آراء الأسرة حول مصير عيسى الذين يعيش بصورة أولية في ملحق منزل العائلة دون الكشف عن هويته الحقيقية، ولكنه يتعرض للإبعاد بعدما أثار وجوده الريبة.

النهاية ليست سعيدة لعيسى حيث يمر بأحداث تؤكد رفض المجتمع الكويتي له لأنه بوجه (فلبيني) ورثه عن أمه وإن كان يحمل الأوراق الثبوتية الكويتية، وبعدما يستشعر الغربة في مجتمع لا يقبل به، وعائلة ترفض الاعتراف به يقرر العودة إلى الفلبين وهو نص كويتي ونصف فلبيني، نصف مسيحية ونصف مسلم، وذو اسمين عيسى وهوزيه.

إلى جانب العديد من الأحداث الدرامية المشوقة والأسلوب السلس يعالج الكاتب عدد من القضايا الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع الخليجي بشكل عام والمجتمع الكويتي بشكل خاص، قضايا مثل سلطة المجتمع على أفراده، رفض الآخر، مشاكل العمالة الأجنبية، البدون،الأديان وأتباعها، هوية أبناء الزواج بين مجتمعين مختلفين وغيرها من قضايا هامة.

الجميل في الرواية أن نقرأ عن واقعنا من لسان الآخر الذي يعيش في مجتمعنا دون أن تستمع له، فالخليج يضج بجنسيات شتى من العمالة دون أن نسعى أو نحاول فهم احتياجاتها ومشاكلها، نحن لا نتحاور معها ولا نقبل منها ذلك، بل نعاملها بتجاهل كبير، وتسلب منها الحس الإنساني، وهذا العمل يوقظ فينا الحس الإنساني في التعامل مع العمالة الأجنبية التي تعيش بين ظهرانينا.


تساءلت كثيرا وأنا أقرأ ساق البامبو كم في مجتمعنا من عيسى أو هوزيه، ليس من الضروري أن يكون ابن فلبينية، لكن كم في مجتمعنا من شاب يعيش ضياع الهوية في مجتمع لا يتسامح أبدا مع نسق مخالف لما هو عليه، المجتمع الذي يرفض أبن الفلبينية بالرغم من أنه ابن الكويتي، هو ذاته يرفض الشاب المثقف المتمرد على بعض أفكاره أو عاداته أو طقوسه، رغم أنه أبن شرعي تماما لهذا المجتمع فهو عيسى أيضا ..