دعوات الخلاص
الدعوة اليمانية نموذجا..
الدعوة اليمانية نموذجا..
عرف التاريخ الاسلامي في كل منعطف من المنعطفات
التاريخية و المهمة التي تتسم بالحوادث الاستثنائية و المصيرية دعوات تستجيب لتوق
الناس للخلاص . وهذه استجابة طبيعية لآلام الناس و عذاباتهم . و من العراق المغرق
بالجراح انطلقت خلال عقد مضى أو أكثر العديد من دعوات الخلاص التي تمني الناس
بالسعادة و الخلود .
دعوة السيد أحمد الحسن المعروفة بالدعوة اليمانية
هي دعوة خلاصية انطلقت من عمق العراق المثقفل بإرث طويل من الشقاء فيأتي رجل بدعوة
للنجاة متكئا على موروث ديني و عقدي كبير يحاجج به خصومه .
ما لفت انتباهي في الدعوة اليمانية أنها تزعم ان
للسيد اليماني دور يجب ان يقوم به خلال مدى زمني قصير نسبيا و هو التمهيد لظهور
المهدي المنتظر ثم العمل معه . مما يعني ان هذه الدعوة سيظهر لكل الناس منقلبها قريبا . و إن كان احتمال تغير مسارها
واردا فما أسهل تأويل نص تاريخي آخر لتغير الواقع كما حدث مع دعوات خلاصية أخرى .
قبل ان يتخذ اي شخص موقفا ما من هذه الدعوة أو
تلك يجدر به الاستناد الى التراث الخلاصي الضخم الذي عرفه التاريخ الاسلامي و
الانساني . الى جانب معرفة دقيقة بطبيعة النصوص الدينية التي طرقت موضوع المخلص و
ما تتسم به من غموض و سهولة استخدامها في كل مرة .
ما نؤمن به اليوم و قد بلغ الانسان مديات كبيرة
من الوعي و المعرفة و قطع اشواطا من الحرية و الاستقلال الفكري . بأن اتباع اي
حركة دينية أو سياسية أو فكرية اعتمادا على موروث هش من النصوص المبهمة عمل لا ينم
عن عقلانية . بل إننا نريد ان نؤسس لقاعدة منطقية عقلانية في العلاقة مع كل
الدعوات الخلاصية.
إن القاعدة التي نستند اليها هي محاكمة افكارها و
مشاريعها التي تحملها للبشرية و ما ستقدمه للناس من أبواب المعرفة و العلم و ما
ستقوم به من اجل اسعاد الانسانية جمعاء .
لا يمكننا ان نتخيل اي حركة تقدمية عقلانية تأتي
لتقول للناس إما ان تؤمنوا بي أو أنكم ستذهبون الى النار فهذا ادعاء لحصر الطريق
الى الله عبر سبيل واحد بينما السبل الى الله بعدد انفاس الخلائق.
لا يمكن ان تأتي حركة اصلاحية عادلة تعاقب من لا
يوافقها بذبح الرجال و سبي النساء و الاعتداء على حرمات الناس . فإن هي نفت عن
نفسها ذلك فإن عليها ان تتقبل الاختلاف من الاخرين و تتعايش معهم . بل أنني اعتقد
ان ارقى حركة خلاصية ستخلق مجتمعا تنشط فيه التيارات الفكرية و الثقافية إذ أنها
ستفجر طاقات الانسان الفكرية و ستمنحه اقصى درجات الحرية المعرفية مما يعني مجتمعا
متنوعا غنيا بالافكار المتباينة و ليست قوالب جامدة تسمع و تطيع بأمر القائد الفرد
. أو أن تقوم ببناء نظام شمولي مركزي يعامل كل البشر بنمطية سامجة في الزمن الذي
عرفت فيه الانسانية سبل التنوع و مفاهيم المشاركة و التعايش السلمي.
شخصيا لا يهمني شخص السيد أحمد الحسن و هل هو من
نسل المهدي أو نسل النبي؟؟ أو هل هو مرسل من جهة ما؟ أو أنه يحمل المعجزة و
الكرامة؟ أو انه المخلص الغير منتظر ؟ أو أنه مسدد من جهة غيبية أو لا؟ .. كل ما يهمني ان ارى افكاره و ألمس مشاريعه و
استشعر ابداعاته التي ستحمل السعادة للبشرية . و اريد ان اؤسس لقاعدة ان نعمل فيما
نتفق و نعذر بعضنا فيما نختلف ..
يؤسفني جدا ان اسمع عما يتعرض له السيد اليماني و
اتباعه من مطاردات و ملاحقات ممن يرفض دعواتهم و اتمنى ان يمنحوا كامل الفرصة لعرض
مشروعهم ليأخذ مداه فيسعد البشرية أو يشقى به اصحابه.
قبل أن ننتظر كبشر مخلصا غامضا يأتينا من جهة
الغيب علينا أن نؤمن بمخلصنا الحقيقي الذي نحمله بين جوانحنا . يجب أن نؤمن بضميرنا
الداخلي الذي خلق معنا فهو صوت الحق الذي لا يكذب و لا يخون. يجب على الانسان ان
يثق بنفسه.