عرض و قراءة في
كتاب
عقيدة القس في جبل السافوا
أو
دين الفطرة
عندما ترى اسم عبدالله العروي متصدرا اسم كتاب
فيجدر بك الالتفات لأهميته ، فالعروي استاذ متفحص في كلماته و اختياراته و كان
محقا عندما اختار كتاب (عقيدة القس في جبل السافوا) لـ جان جاك روسو لنقله من
الفرنسية الى العربية فهو كما يقول العروي في سبب قيامه بالترجمة لم يختر الكتاب
اعتباطا إذ أنه يشكل تمرينا عقليا مفيدا للقارئ العربي .
يرى العروي .. أن الفكر الغربي لم يقترب من تمثل
الفكر الاسلامي إلا مرة واحد في القرن الثامن عشر الميلادي . قبل ذلك التاريخ كان
الحاجز المعتقد الديني و بعد ذلك كان المانع سد الاستعمار .
و من هنا يعتبر العروي ان المنجز الفكري الغربي
في القرن الثامن عشر جدير بالاهتمام لأن يفيد كثيرا في حالتنا الفكرية المعاصرة .
وعن فائدة القارئ العربي من الكتاب يقول :
روسو هنا يرسم لنفسه عقيدة بسيطة بينة صادقة توفق
بين العقل و الوجدان تضمن للفرد الطمأنينة و للمجتمع الوحدة و الاستقرار .
عندما نقله العروي الكتاب الى العربية اختار له
اسم دين الفطرة ، و هو اختيار موفق لما يعطي من تصور واضح عن فحوى الكتاب و مضمونه
.
وضع روسو هذا الكتاب في زمن الاضطرابات الفكرية و
الفلسفية التي اجتاحت اوربا ليبحث عن مشروع اصلاحي كما فعل الغزالي و محمد عبده و
ابن رشد و محمد اقبال .
ولد روسو عام 1712 في جنيف حيث المذهب البروتستانتي ثم غادر الى
منطقة السافوا ليحل ضيفا على سيدة ستشجعه على اعتناق الكاثوليكية – المذهب الاوربي
السائد- ليقبل روسو التحول المذهبي قبل ان يكتشف الفجوة الكبيرة بين القيم و المثل
الكاثوليكية و واقع الحال و السائد بين عامة الناس .
لاحقا يسافر روسو الى فرنسا ليتعرف على جماعة
الفلاسفة (كوندياك-ديدرو –كريم –دولباخ) ليتأثر بأفكارهم التنويرية الداعية لإلغاء
الاوهام و الاصنام ليتحرر عقل الانسان ، و بعد عشر سنوات غادر روسو جماعة الفلاسفة
لأسباب هي موضع جدل .
عاد روسو الى جنيف ليعلن عن نظريته الديموقراطية
التي تسببت في عدائه مع فولتير ، ذلك لأن فلاسفة عصره كانوا يؤيدون تحولا نخوبا
بينما يريده روسو تحولا شعبيا .
من المدهش ان نعرف ان هذا الكتب تسبب لروسو
بالكثير من الغضب إذ غضب عليه الفلاسفة لإيمانه الديني ، و غضب عليه انصار
السلطتين الدينية و المدينة لثوريته ،فأدانه الفلاسفة على لسان فولتير و ادانه
الكاثوليك على لسان اسقف باريس و ادانه البروتستانت على لسان رئيس كنيسة جنيف .
فهرب من فرنسا كي لا يسجن و دخل في حماية ملك
سويسرا بعدما تعهد بعدم الخوض في مسائل العقيدة ، و قضى ما تبقى من عمره شريدا
طريدا ، وخوفا من تشويه سمعته بعد وفاته كتب عدة كتب منها الاعترافات 1770 و
حوارات 1776
كتاب عقيدة القس في جبل السافوا
يتحدث على شكل عظة دينية يلقيها قس على تلميذه عن
تجربته و أفكاره و عقيدته التي توصل اليها ، و العظة موزعة على مقاطع عدة بلغت 152
مقطعا في نحو 133 صفحة .
متنوعة الافكار و المفاهيم ، منها :
عجز الفلسفة
الخالق و صفاته
الانسان سيد الكون
عدالة الرب
الخالق لا يدركه العقل
الوحي و الرسالات
حوار الوحي و العقل
ضمير الفرد هو الحكم
الصدق و الصراحة
خلاصة ما يقوله روسو كما كتب العروي :
الايمان في خدمة النفس ، الدين في خدمة المجتمع ،
المجتمع في خدمة الفرد .
يقول روسو :
نسخت هذا الخطاب لا ليكون ضابطا لما يجب ان
نستشعره في مجال الدين ، بل كمثال على
الاسلوب الذي يخاطب به الاستاذ تلميذه .. لذا اقف عنده في مخاطبة الشاب أميل إن قدر له ان يعتنق ديانة أخرى فليس من حقي أن ارشده إليها ، عليه ان يختارها هو لنفسه ..
بعض المقتطفات :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق