الأربعاء، 5 ديسمبر 2012

العبودية عند العرب

العبودية عند العرب



الاستعباد و اتخاذ الجواري و العبيد عادة درج عليها العرب منذ الجاهلية و بقت مستمرة دون تجريم الى وقت قريب بل هي مستمرة حتى اليوم و إن بأشكال مختلفة ..
كانت قبائل العرب في الجاهلية تشن غارات على بعضها البعض إما لثأر قديم أو خلاف مستجد و أحيانا رغبة في الكسب و النهب ، فيقتلون الرجال و يسترقون النساء و الصبيان حتى جاء الاسلام فوجد ان الاستعباد عادة يجب محاربتها بالتدرج فهذبها و سن الكثير من التشريعات لها و جعل في عتق العبيد فضيلة كبيرة و عقوبة لكثير من الذنوب و الخطايا ، و غني عن القول ان النبي الاكرم صلى الله عليه و اله وسلم و أصحابه و أهل بيته قد قاموا بمجهودات كبيرة في تحرير العبيد و الاحسان اليهم ، و لو أتخذ المنهج النبوي بشكله الصحيح لأنتهت العبودية عند العرب منذ قرون ..
الانعطافة حدثت عندما بدأت الحروب باتجاه فارس و الشام فيما سمي بالفتوحات الاسلامية ، حينما أسرت الجيوش الاسلامية أعداد كبيرة من العبيد و بدأت ظاهرة العبودية في الازدياد بدل الانقراض، و شهدت أسواق النخاسة و تجارة العبيد و الجواري رواجا كبيرا ، اصبح أقتنائهم من ضرورات الحياة في تلك الفترة ..
و أستمر الحال هكذا قرونا لعب فيها العبيد و الجواري ادوارا مهمة في تاريخ العرب و أشتهرت منهم أسماء كثيرة كان لها أثرا  بارزا حتى بلغ الامر أن يصبح لهم دولة و هي دولة المماليك في مصر حيث كان حكامها عبيدا لدى الايوبيين .
و هكذا حتى أنطلقت موجة منع تجارة الرقيق من أوربا عندما أقرت الدول الاوربية معاهدة فينا عام 1814م ، و بعدها بدأ الضغط يمارس على الدولة العثمانية التي كانت تحكم معظم المناطق العربية لمنع تجارة الرقيق ، و لكنها لم تكن متحمسة خصوصا أن العبيد اصبحوا جزءا من النسيج الاجتماعي العربي .
و بعد سقوط الخلافة العثمانية طبقت دول الانتداب قوانين منع الرق على الدول العربية ومارست ضغوطا على دول أخرى كالمملكة العربية السعودية لمنع الرق و لكنه استمر في المملكة حتى نوفمبر عام 1962م عندما أُعلن عند إلغاء الرق و أعتاق العبيد في المملكة مع ضمان التعويض من الدولة لملاكهم .
و لكن و حتى بعد تحرر  العرب من تجارة الرق و استعباد البشر نجد أنهم لم يتخلصوا من ثقافة العبودية و استعباد الآخر ، فكثير من العوائل تعامل العمال و خدم المنازل معاملة العبيد و ليس معاملة الموظف الذي يستحق أجرا على عمل يقوم به ، فعلى سبيل المثال رفضت معظم العوائل فكرة أعطاء العاملة المنزلية عطلة اسبوعية أو تحديد ساعات العمل في المنزل ، فهم يريدونها تعمل 24ساعة و سبعة ايام في الاسبوع ، أليست هذه عبودية ؟؟
الامر ذاته في تعامل التجار مع عمالهم فهم يتوقعون منهم العمل بلا كلل و لا ملل دون مراعاة لأبسط حقوقهم الانسانية وهذا يشكل ما اصطلح عليه (عبودية العصر الحديث) .
و بالرغم من الكثير من حالات المعاملة الوحشية في العهود الماضية للعبيد إلا أنها لم تكن دائما سوداوية فقد وصف المستشرق الهولندي( سنوك هوروخرونيه)  بعض ملامح حياة العبيد في الحجاز عام 1884م  بقوله :( ومأكلهم متوفر ولابأس به. وهم بعد تحريرهم يسعى الفرد منهم للعمل بالأجرة كعمال بناء او سقائي مياه، الخ. فيما اغلبهم يفضلون البقاء تحت وصاية الأسر التي خدموا فيها خصوصا اذا قرروا الزواج ... ان اثرياء مكة يحبذون ملء منازلهم بالعبيد، وهؤلاء العبيد بدورهم يعيشون حياة مترفة مقارنة بغيرهم ويجري التعامل معهم كأفراد من العائلة. اما الكفؤين منهم فيتحولون تلقائياً الى مسيّري شئون التجارة للأسر التي يعملون فيها ... وأغلب عبيد المنازل يجري اطلاق سراحهم حال تجاوزهم سن العشرين، نظراً لخوف ملاّكهم من استمرار اختلاطهم كبالغين مع نساء الأسرة وجواريها ..) عن مدونة محمود عبدالغني صباغ
و لو قارنا هذا الحال الذي يصفه (سنوك) بحال العمال عندنا اليوم لوجدنا ان العبيد كانوا في وضع أفضل ربما ، و خلاصة القول أن العرب و خصوصا في الجزيرة العربية لم يتخلصوا من منطق العبودية للآخرين رغم التمدن و التحضر بقي السلوك و الثقافة في التعامل مع العمال اقرب ما تكون الى العبودية و هي حال تحتاج الى اعادة الضبط و التغيير الجاد ..


السبت، 10 نوفمبر 2012

تنمية المهارات المالية عند الاطفال

تنمية المهارات المالية عند الاطفال *


 


يعد المال واحدا من الركائز الاساسية التي يتعامل معها الانسان و تؤثر في حاضره و مستقبله ، و العامل المؤثر و المعول عليه هو طريقة تعاطي الانسان مع المال فالتعاطي السليم يحقق السعادة أما الاخفاق في التعامل معه يؤدي الى الفشل في الحياة .
إن تنمية المهارات المالية لدى الاطفال يعتبر احد الموضوعات المهمة التي لا يتعلمها الطفل في المدرسة بل من واقع اسرته و مجتمعه الذي يقوده نحو اكتساب نمط التعامل السليم أو السقيم ، لذا من المهم على الاباء الاهتمام بتنمية هذا الجانب، كما ان صندوق العائلة الخيري معني أيضا بتنمية الاداء المالي للعائلة ليضمن تحسن أوضاع ابناء العائلة مستقبلا مما يعني تقليل الضغط و الجهد على الصندوق كما أنه يضمن ايرادات معقولة له ..

ينقسم السلوك المالي  للفرد الى ثلاثة اقسام :
1-   كسب المال
2-   صرف المال
3-   ادخار المال

المحور الاول : كسب المال
يعيش الطفل الذي يولد في اسرة ميسورة حيث يتوفر المال دائما  حس التبلد و الكسل ، و يفقد الفاعلية في كسب المال ، لذا يجدر بالاباء تحفيز الطفل على كسب المال عبر الطرق المشروعة و المهارية .
في إحدى المدارس الامريكية قامت معلمة بتوزيع مبلغ خمسين دولار على اطفال الصف الرابع الابتدائي و طلبت منهم ارجاعها مع نسبة الربح بعد شهر ،  مع تزويدهم بأفكار لتوليد المال ، بعض الاطفال أكتفى بإرجاع المبلغ مع الزيادة من الاهل و لكن الغالبية ابتدعت افكار رائعة لكسب المال مثل بيع العصير أو الاقلام الملونة و هكذا .
يمكن الاباء تشجيع الاطفال على كسب المال عن طريق شراء "بسطة" للطفل تحوي بعض الحلويات و المأكولات اللذيذة و أغتنام أوقات العطل و المناسبات و الاعياد و التجمعات العائلية في كسب المال ، أو بيع الذرة و المثلجات في الحارة .
أيضا في تنمية هوايات الاطفال و مواهبهم مجال واسع ليكون مصدر لكسب المال ، و كذلك تشجيع الاطفال على اعادة استخدام الموارد المتاحة في المنزل كعلب البلاستيك و الخشب في صنع اشياء مفيدة و ذات قيمة يكسب الطفل مهارات الانتاج الايجابي .
أيضا على الاباء اصحاب المحلات التجارية اصطحاب ابنائهم الى تلك المحلات و تشجيعهم على ممارسة البيع  و الشراء و مكافئتهم على ذلك خصوصا في العطل و ايام المواسم .
التجارة باب رزق واسع فقد قيل " في التجارة تسعة اعشار الرزق" و للتجارة أسرار و مهارات يجب على الاباء نقلها لأولادهم قبل ان يداهمهم الموت لا سمح الله ، من المؤسف أن عائلتنا التي اشتهرت بالتجارة ترجعت في هذا المجال و أصبح أبناء التاجر موظفين ينتظرون راتب آخر الشهر ..

للأب أقول : من المهم تشجيع أبناءك على العمل التجاري الحر ، فهو مورد رزق كبير و يحصنهم من البطالة ،  من المهم ان يلحق الشباب بدورات مهارية تصقل فيهم الحس التجاري و تشجعهم على العمل الحر ، فالمستقبل سيكون لهذا المجال ..

المحور الثاني : صرف المال
قيل قديما (التدبير نصف المعيشة) فمن المهم للانسان تدبير طريقة صرفه و توزيع دخله حسب احتياجه ، كما من المهم تعلم الطرق السليمة في الشراء .
يبدأ دور الاب في اصطحاب ابنه معه الى مراكز التسوق لكي يتعلم الطفل مهارات الشراء ، من المهم أن تشرح للابن كيف تختار السلعة التي تريد شراءها ، أوضح له كل المعلومات التي تدقق فيها مثل نوع المنتج صلاحيته مصدره مكوناته العلامات التي تشير للجودة أو العكس .. كل هذا بالتفصيل ، في المرحلة الثاني كلف ابنك بالشراء ، سلمه المبلغ و أنتظر في البيت أو السيارة ، و كن صبورا معه ، سيخطئ اليوم و لكن غدا سوف تطمئن عندما تسلمه مبلغا كبيرا من المال ، سوف يكون بإمكانك الاعتماد عليه عندما تسافر أو تعد وليمة لضيوف و هكذا .
من المهم أيضا ان نعلم ابناءنا على الصرف في وجوه الخير و على المحتاجين ، و هنا أذكر قصة تأثرت بها في طفولتي عندما بت ليلة في منزل المرحوم عيسى علي بوصالح –بوعبدالله- في الثقبة عندما دخل الغرفة التي سأنام فيها و مع بعض ابناءه و أحفاده ، و وزع علينا ريالات و قال : اجعلوها تحت الوسادة و في الصباح ضعوها في صندوق الصدقات بنية صدقة أول الشهر .
من المهم أن يعود الاب أطفاله على الصدقة ، و فيما أذكر عندما أشترى لي الوالد سيارة سألته عن شركة تأمين ينصحني بها ، فقال لي : عندي لك شركة تأمين رخيصة و مضمونة فقل له ما هي ؟  قال : احرص كل يوم قبل الخروج من البيت أن تضع ريال في صندوق الصدقات ..

و للاب  أقول :
اربط اطفالك بالصدقات عن طريق صناديق صدقات خاصة بالاطفال ، أو مسابقة للطفل الذي يلتزم بدفع ريال واحد صدقة كل شهر و هكذا ..


المحور الثالث : ادخار المال
الادخار سلوك يحتاج الانسان ان يتعود عليه ، فالشخص الذي لم يعتد ادخار المال سيجد ذلك صعبا في مستقبل الايام خصوصا عندما يحتاج لشراء شيء مكلف مثل السيارة أو البيت ..
لذا يجب أن يتعود الطفل على الادخار مبكرا ، و هنا يأتي دورك كأب خصوصا في المناسبات كالاعياد حيث يجمع الطفل الكثير من الريالات من الاقارب هنا يجدر بالاب شراء حصالة للطفل و تعلميه كيف يضع الريالات في الحصالة و يصرفها لاحقا حسب الحاجة .
أيضا على الاب ربط طلبات الطفل بالادخار ، فمثلا عندما يطلب منك الابن شراء غرض ما أطلب منه أن يجمع جزء من المبلغ على وعد بأن تكمل له الباقي كمكافئة له على ادخاره المال .
عندما كنت صغيرا طلبت من والدي شراء (كمبيوتر صخر-العالمية) طبعا لن يعرفه جيل اليوم ، و لكن لتبسيط المعنى أقول كان لنا كما (الايبود) لجيل اليوم ، عموما طلب من الوالد ان ادخر نصف قيمة الجهاز كي يشتريه لي ، و فعلا سعيت إدخار المبلغ بل أني جمعت قيمته كاملا ، و تعلمت درس ادخار المال ..
من المهم على الوالدين تأخير طلبات الابناء الكثيرة و ربطها دائما بسلوكه المالي و أهم سلوك مالي على الطفل تعلمه هو ادخار المال ، فهذا سيجعله قادرا في المستقبل على ادارة دخله المستقل بشكل مثالي ..
و للاباء أقول :
إن توفير صندوق للادخار خاص بالابناء  على ان يتم رد المبلغ له في يوم زفافه مثلا سيكون له أثر اجتماعي عميق و يربي على ثقافة الادخار ، و هذا الصندوق تم تجربته في عدة عوائل و ثبت نجاعته و فائدته الكبيرة .

إن في تعلم المهارات المالية و خصوصا لأبناءنا الصغار نتائج و آثار كبذرة صغيرة تنمو و تزهر فتكون شجرة كبيرة لها ظلها الوارف على عائلتنا الكريمة بعد حين ..



الخميس، 1 نوفمبر 2012

لشباب في زمن الفتن


 الشباب في زمن الفتن




يمتلئ تراثنا الروائي بالكثير من احاديث الفتن و حوادث آخر الزمان ، و هي ليست بعيدة عن الواقع المعاصر اليوم ، فالفتن تكاد تطل برأسها بشتى الصور و الاشكال في كل مجال فكريا و ثقافيا و اجتماعيا و سياسيا و اقتصاديا ،  كما أن الصراع الفتنوي لم يعد محصورا بل تعدد دينيا و طائفيا و فئويا و توجهات و تيارات و خطوط ، و الاشتباك اصبح على اشده و الناس بلغت حد التوتر الساخن .
ولكن السؤال ما هو واجب الشباب في زمن الفتنة هذا ؟؟
و لا نحتاج لكثير تفكير فالجواب جاهز لدى امير المؤمنين  و سيد الحكماء علي -عليه السلام- إذ يقول: (كن في الفتنة كابن اللبون: لا ظهر فيُركب، ولا ضرع فيُحلب)
و أبن اللبون صغير الابل فظهر ضعيف لا يمكن ركوبه و لم يبلغ سن النضج فيمكن ان يحلب .
إن الفتن التي تدور اليوم في محيطنا و من حولنا هي صراعات في أغلبها لا حق فيها و لا باطل ، لذا يجدر بشبابنا التحلي بأقصى درجات الوعي و الفطنة ، فلا يكون حطبا في حريق لا يخرج منها بشيء ، و لا يأخذنا الحماسة و الفتوة فتركب بنا مهاوي التهور .
و هنا لا ندعو الى السلبية و الركون الى الخمول و التبلد و كأن شيئا مما حولنا لا يعنينا ..
مطلوب من الشباب الترقي في درجات الوعي و التفكير العميق ، عليه ان يعرف حقائق الامور و دقائقها فكثير مما يصلنا في وسائل الاعلام المختلفة و الالكترونية بالذات غالبا ما يكون مشوها أو منقوصا أو مكذوبا أو محذوفا منه بقصد لها مآربها .
نرى بين فينة و أخرى ظواهر متشنجة في مجتمعنا تحتاج منا الى التفكر بعقلانية و العمل على تجاوز المجتمع لتلك الظاهرة بدل الدخول في الصراع و الانتصار لطرف في وجه طرف آخر .
مجتمعنا بحاجة الى كل الشباب الواعي و المثقف ، يوجد الكثير مما يمكن أن نخدم به مجتمعنا بعيدا عن تلك الفتن و الصراعات التي لا تفيدنا ..

الخميس، 11 أكتوبر 2012

كتابي الضائع في قوقل

كتابي الضائع في قوقل


 



يستطيل الانترنت و أدواته الحديثة و يستعرض ليخطف منا حياتنا و يجعلنا مشدودين الى شاشات الكمبيوتر و الهواتف الذكية و بقية الاجهزة الحديثة ، و نغفل عن سؤال الفائدة و الهدر في سلوكنا المعرفي ..
عندما كنت طالبا في الجامعة كنت أحمل معي مذكرة صغيرة في جيبي أسجل فيها كل فكرة و سؤال و حيرة تقفز في ذهني ، حتى يحين موعد زيارة المكتبة في الجامعة فأغوص بين كتبها أبحث عن اجابة لتلك التساؤلات ، و كم مرة قادني ذلك البحث الى كتب جديدة و كتاب جدد و تفرعات معرفية جديدة لأخرج بأجابات كثيرة و أسئلة أكثر ، فيستحثني ذلك على المواصلة و القراءة و البحث ..
كانت لتلك طريقة متعة و روعة و احساس جميل لا يماثله سوى مشاعر فلاح يبتهج بأول حصاد زرعه ، غير أن أدوات الانترنت الجديدة و خصوصا ادوات قوقل في البحث و الموسوعات المعرفية على الشبكة العنكبوتية جعلت الوصول الى المعلومة أسرع و اسهل ، فماذا كسبنا أو خسرنا بوجود الانترنت و سهولة الوصول للمعلومة .
أولا كسبنا اختصار الوقت و سرعة المعرفة ، و لكن فقدنا متعة البحث و روعة الاستغراق بين الكتب ، فقدنا فسحة من الوقت نمنحها لعقولنا في التأمل و البحث عن اجابات منطقية أحيانا و غير منطقية في آحيايين أخرى .
لقد خلق الانترنت بيننا و بين الكتاب حاجزا نفسيا ، فلم يعد المصدر الاسرع و الاسهل للمعلومة و المعرفة ، لقد اصبحنا نقول في داخل انفسنا لماذا نقرأ الكتب الدسمة فيما الوجبات السريعة على الانترنت متوفرة و سهلة .
صحيح ان استخدام الانترنت و وسائله الحديثة اسرع للوصول للمعلومة و لكن مشكلته أنه مليئ بالمغريات الصارفة عن متابعة القراءة كمواقع التواصل الاجتماعي ، و المشكلة الاخرى أنه يجعلنا نعيش الغربة عن مصدر المعرفة الاصلي و هو الكتاب .
راقب سلوكك هل قلت قراءتك للكتب أم زادت منذ أقتنيت جوال حديث أو أحد اجهزة التقنية الحديثة  ، و الاجابة المخلصة ستجيبك عن آخر كتاب قرأته ثم ضاع في قوقل ..

الأربعاء، 12 سبتمبر 2012

قضية هلال العيد

قضية هلال العيد




المجتمع الواعي هو المجتمع الذي لا يهمل قضايا و يسعى لحل مشكلاته و عقده ولو بعد حين ،فعندما تنشأ مشكلة ما عادةا ما ترتفع الاصوات من هنا و هناك و في كثير من الاحيان تكون تلك الاصوات أنفعالية،تماما كإنفعالنا عندما يصدمنا الالم من جرح أو ضربة ما.
و لأن القرآن الكريم كلام الله الذي أنزله هدى و بيانات و هو السبيل الامثل لحل كل مشكلة تعترض طريقنا وجدت أن نبدأ في نقاش هذه القضية بعد التأمل ببضع آيات منه ، يقول تعالى  حاكيا الحوار الذي دار بين النبيين موسى و هارون عليهما السلام :
{قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} و من هذه الايات يتبين لنا
أهمية الوحدة و البعد عن الفرقة حتى مع وجود المعصية و الخطيئة ..
الان و بعدما هدأت ثائرة الناس من ما حدث من اختلاف حول هلال عيد الفطر الماضي ، و بناءا على طلب الاستاذ زكريا العباد ، رأيت أن اكتب بعض كلمات حول هذا الموضوع .
إن طريقة التعاطي مع قضية هلال العيد سواءا على مستوى افراد المجتمع العاديين أو النخب الدينية أو الثقافية أعطى إنطباعا سلبيا عن  قدرتنا على التعاطي مع همومنا و قضايا و أصبح السؤال المخيف و الذي لا يريد احد الاجابة عليه ماذا سنفعل عندما نواجه قضية يتحدد فيها مصيرنا كمجتمع و طائفة و جزء من هذا الوطن الحبيب ؟؟.
إن قضية هلال العيد لها ثلاثة أطراف رئيسية : الاول :  فتاوى مراجع التقليد الكرام ، الثاني : المجتمع  ، الثالث : النخب الدينية و الثقافية
أما بالنسبة للطرف الاول : فتوى مراجع التقليد فمن الواضح جدا أن تلك الفتوى لم تكن يوما سبب في مشكلة أو خلاف ، فهي جاءت نتيجة بحث فقهي أصولي قام به المرجع بناءا على مناهج فقهية معتبرة لدى أهل الاختصاص ، لذا لا يمكن أن يلام المرجع على فتواه أو يطلب منه تغييرها ، كما لا يمكن للناس أن تطلب من المراجع توحيد فتاواهم في مسألة فقهية فهي نتيجة بحث علمي و لم تأتي بهوى أو إستحسان كما لدى البعض ..
أما الطرف الثاني : المجتمع فإن المجتمع في الاحساء و الدمام و القطيف يرجع الى مرجعيات متعددة بقناعات مختلفة و نتيجة عوامل عدة ، و هذا المجتمع اعتاد ان يرجع في فهم فتاوى مراجعه الى النخب الدينية المتعددة ،  كما ان المجتمع أصبح أكثر وعيا و ثقافة و اصبح يبني الرأي المستقل و الناقد بعيدا عن الاتباع الكلاسيكي الذي كان سمة الاباء و الاجداد  ، كما أن وسائل التواصل الحديث ساهمت في تبادل الافكار و تحديد المواقف .
و أخيرا الطرف الثالث : فنبدأ بالنخب الدينية المتمثلة في علماء المنطقة و فضلاءها فهم المتصدون في الغالب لقضايا المجتمع بشكل عام ، و هذه النخب تعيش في الاونة الاخيرة حالة حادة من الاستقطاب و التحزب ، و هذا الامر لم يعد سرا  و لا خافيا عن عامة الناس ، و قد تجلى في قضية هلال العيد ، فما جرى كان تقسيما تحزبيا لا فقهيا على اساسه بني فهم الفتوى .
الاشكال الذي وقعت فيه النخب الدينية ليس في فهمها للفتوى و مصداق تطبيقه على الواقع بل في الحال المتشنجة التي عالجت به قضية تهم المجتمع و في البيانات و الخطب المأزومة و المشحونة التي غامرت بإطلاقها .
إن النخب الدينية خاطرت بفقدان ثقة المجتمع بهذا الاسلوب الذي تم به معالجة الموضوع ، و هذا الامر سيكون له إنعكاسات سلبية لا يتمناها أحد .
كما أن النخب الثقافية كانت سلبية في هذه القضية ، و توارى المثقفون في صوامع الكهان و كأن الموضوع لا يعنيهم ، لا يحق للمثقف أن يختبئ
 في وقت الازمات و في اللحظة التي يكون المجتمع فيها محتاج له ، كان على المثقف ان يبرز رسالته في رفع مستوى الوعي الاجتماعي و التواصل مع النخب الدينية لإيجاد التوافق المشترك ، لا يجب على المثقف أن يعادي أو يتجاهل النخب الدينية بل أن يسعى بما لديه من وعي و أفق و فكر في حل مشكلات المجتمع  و اطلاق المبادرات الخلاقة .
الان و قد جرى ما جرى ، يطرح المجتمع سؤالا ملحا ، ماذا يمكننا أن نفعل للمستقبل ، و هنا يمكننا تداول بعض الافكار :
أولا : على النخب الدينية و المثقفة ان تتواصل بشكل أكبر مع المجتمع لرفع مستوى الوعي العام ، فهذا الاختلاف سيستمر الى مدى طويل نسبيا حتى تزول مسبباته ، لذا فيجب أن يرتفع مستوى الوعي الاجتماعي بأن يلتزم كل مكلف بما يصل اليه من قناعة و يبرئ ذمته أمام الله سبحانه و تعالى .
إن الاختلاف في تحديد هلال العيد ليس مشكلة في حد ذاته بل المشكلة تكمن في ما قد يستتبعه من مشكلات و تصادمات و قطيعة قد تحصل بين أفراد المجتمع ، و المعول على وعي المجتمع لتجنبه .
ثانيا : على النخب الدينية ان ترتقي بتعاملها مع المجتمع و أن تعي ان المجتمع الذي تتعامل معه أختلف عما كان عليه قبل عقد من الزمن ، و لم يعد هناك من جماعات و أتباع ، بل للناس رأي و فهم و تحليل و قدرة على تغيير الافكار و القناعات .
ثالثا : يطرح البعض فكرة مجلس الاستهلال الذي يوحد رأي علماء المنطقة و نخبها الدينية ، و برأيي أن هذه الفكرة في الوقت الحالي طوباوية لا يمكن تحقيقها على الارض و هناك عوامل كثيرة تمنع قيام مثل هذا التجمع لذا من الاجدى أن لا نضيع وقتنا في التنظير لشيء لا يمكن تحقيقه ، بل بالسعي الحثيث لإيجاد صيغة وعي اجتماعي يتعايش فيه الجميع و تحفظ فيه مصالح الناس ..
ثالثا : على النخب العلمية و المختصين في علم الفلك أن يأخذوا بزمام المبادرة ليكون عملهم احترافيا مهنيا ، ففي مجتمعات أخرى استطاع الفلكي أن يجعل رأيه فصل الخطاب لما له من دراية و علم و لاكتسابه ثقة الناس .

إن طرقنا لهذا الموضوع في هذا الوقت لم يكن لأجل تجديد الوجع على مجتمعنا الذي عانى من هذه القضية ، أو إتهام احد و لوم أحد ، أنما جاء للمساهمة في تغيير الواقع الحالي اي مستقبل أفضل و أكثر إشراقا و تقدما ، و الله من وراء القصد ..


المشاركة منشورة ضمن تحقيق بعنوان
تحقيق: هلال العيد .. مشكلة فقهية ومعرفية أم أزمة اجتماعية؟
 للاستاذ زكريا العباد على شبكة و الفجر الرابط  http://walfajr.net/?act=artc&id=19101 


الأربعاء، 15 أغسطس 2012

عبر الطائفية

عبر الطائفية


أذكر عندما كنت أدرس في الجامعة مادة مبادئ علم السياسة درسنا أشكالا مختلفة من التنظيمات السياسية و غير السياسية ، واحد من تلك التنظيمات تسمى بالمنظمات العابرة للحدود ، و هي منظمات لا تعترف بالحدود السياسية في عملها بل تعبر أن رسالتها و أهدافها و رؤيتها لا يمكن أن تقف عند حدود رسمتها المصالح السياسية .
و هذه المنظمات مختلفة في أنواعها فمنها الانساني كمنظمات الهلال الاحمر و الصليب الاحمر الدوليين ، و منها العصابات الاجرامية التي تقوم بالجرائم دون اعتبار لقانون الدول ، و منها الدينية كالجماعات التبشيرية أو الدعوية التي تهدف لنشر دين أو أفكار دينية معينة  ..
هكذا نجد منظمات تتمرد على حواجز سياسية وضعت وفق مصالح معينة ،  و هناك أيضا شخصيات و منظمات عابرة للحواجز المذهبية و الطائفية المصطنعة تحاول أن تقدم لنا فكرا صافيا من شوائب السياسة و الفئوية ..
ولو ضربنا مثال بالمفكر الاسلامي الكبير (جمال الدين الافغاني) لوجدناه خير مثال للمفكر العابر للمذهبية ، فهذا الرجل المتوفى في سنة 1897م أستطاع ان يقدم طرحا اسلاميا لا مذهبي ، و رغم  أنه توفي منذ نحو قرن أو يزيد قليلا و كان كثير السفر و التنقل إلا أن الناس اختلفت في مذهبه فالشيعة ينسبونه لهم و السنة و يدعونه لهم ، و ما هذا الا لطرحه الاسلامي الشامل بعيدا عن تمزق الفرق و الطوائف ..
و لعل نماذج العلماء  و المفكرين الذين عبروا بعلمهم و فكرهم حواجز الطائفية كثيرون و من أقدمهم الشيخ المفيد المتوفى سنة 413هـ في بغداد ، فقد كان عالما موسوعيا يجلس في مجلسه فيفتي الناس كل بمذهبه و قد برع في كل فن حتى بكى عليه يوم وفاته المؤالف و المخالف كما تنقل كتب التراجم و السير .
و هنا نشير الى بعض الافكار المعاصرة التي نشأت في هذا المجال فنجد الشيخ محمد الخالصي يؤسس في بغداد مدرسته المميزة التي أنتجت لاحقا فكرة المجتهد المذهبي و المجتهد الاسلامي ، فهي تدعو الى الاجتهاد في المذاهب الفقهية الخمسة و الاخذ بالمصادر التشريعية كافة ، و تدع للمجتهد حرية الوصول للدليل أعتمادا على منهجه الخاص في البحث و التحقيق.
و لعل الخطيب الدكتور الوائلي من  اولئك النفر الذين تميزوا بالبحث الشامل فتجده دائما يستشهد و يدعم خطبه بالشواهد من كافة المذاهب ، و خصوصا كتب التفاسير المختلفة بل و يشيد بالنقاط الابداعية أينما وجدها ، و الوائلي له جهد آخر غير الخطابة ، فقد كتب ايضا في هذا المجال و له كتاب مشهور بعنوان فقه الجنس و هو على مختلف المذاهب الاسلامية .
من المفكرين ايضا السيد محمد حسين فضل الله الذي كان مفكرا فوق العادة ، بل إن فكره كان يتعدى الفكر الاسلامي ليتصل بالفكر المسيحي ، لذا نجد في أفكاره و فتاواه الكثير من التسامح  و الشمولية و التجديد .
و على الطرف الآخر نجد كثير من الفكرين و العلماء الذين عبروا حدود الطائفية ليكونوا علماء للاسلام منهم المفكر اللبناني شكيب ارسلان المتوفى سنة 1946م  ، كما أن العالم الازهري الكبير الشيخ محمود شلتوت المتوفى سنة 1963م كان لها جهود توحيدية كبيرة لعل ابرزها فتواه الشهيرة بجواز التعبد بالمذهب الجعفري الاثنا عشري .
و من الاسماء المعاصرة المفتى السوري الراحل أحمد كفتارو المتوفى سنة 2004 فقد كان له الكثير من الجهود التقريبية و الاراء العابرة للمذهبية الضيقة ..
و ايضا المفكر المصري المعاصر الدكتور محمد عمارة صاحب العديد من الكتابات و الجهود في هذا الايطار..
و من المفكرين الذين لهم مسقبل واسع في هذا المجال الدكتور عدنان ابراهيم الذي يقدم فكرا  اسلاميا نقديا لا يركن للتراث الاسلامي بأعتباره يحمل صفة القداسة ، و مثله الباحث الاسلامي حسن فرحان المالكي الذي عبر الطائفية بأفكاره التجديدية و طرحه الاسلامي المعتمد على التفكر القرآني . .
مثل هؤلاء أمثال كثيرون و لابد أننا تجاوزنا العديد من الشخصيات الاسلامية الكبيرة ، فحن لا ننوي حصرها في هذا المقال .
إن تذاكر جهود هؤلاء الكبار يذكرنا بأهمية التمرد على الحالة الطائفية التي نعيشها ، يجب ان نتذكر أن نحافظ على شمعة المحبة الاسلامية مهما اشتد عواصف الطائفية ..

الأربعاء، 18 يوليو 2012

الحوزة و المجتمع ... التفاعل و التكامل

قراءة في كتاب
"الحوزة و المجتمع ... التفاعل و التكامل"
دراسة اجتماعية دينية لشيعة الاحساء و القطيف
للكاتب : الشيخ رياض السليم





مقدمة :
يتشكل الوعي الانساني المعاصر بعوامل عدة و لعل الدين واحد من أهمها ، و على مدى قرون خلت من ظهور الاديان بقيت محافظة ولو بشكل متذبذب على حضورها المهم في المفاصل و المنعطفات التاريخية ، و لأهميتها أيضا كانت محل تجاذب و تصارع نتيجة الافهام المختلفة لها و تدخل الاهواء و الامزجة فيها ، فأضحى الدين الواحد مذاهب و فرق ، ثم أنقسمت تلك المذاهب الى تيارات و حركات و توجهات متعددة ، و أفرزت تلك الحالة المترددة بين الايجابية و السلبية شخوصا و رموزا و مؤسسات تتفاعل و تتقاطع بشكل متباين مع المجتمع الذي هو بالاساس البوتقة الحاضنة لها ، و من هنا كانت دراسة العلاقة بين الحوزة كمؤسسة دينية في مجتمعي الاحساء و القطيف ذات أهمية بارزة ، إذ هو نموذج للتفاعل المتبادل بين الفكر الديني و المجتمع .
إن فهم و توصيف و من ثم معالجة العلاقة بين الحوزة و المجتمع الشيعي في الاحساء و القطيف واحدا من الموضوعات المهمة التي قل البحث و الدراسة فيها على أهميتها ، ومن هنا رأينا أن تصدي مركز بحثي مستقل لدراسة هذه الموضوعات أمر يستحق الشكر و الانصاف ، و محاولة منا للتواصل الايجابي مع المركز و مؤلف الكتاب ، رأينا أن نقدم عرض و نقدا موضوعيا للكتاب ، و قد أعددت هذا العرض و أوردت بعضا من الملاحظات ثم جرى نقاش حر مع نخبة من ابناء المجتمع الاحسائي و المهتمين  بينهم الاكاديمي و المثقف و الحوزوي ، آملين أن يكون لما نقدم الاثر المثمر لما يعود بالنفع على الصالح العام و الله من وراء القصد ..
توصيف الكتاب :
الكتاب يعتبر أول اصدارات مركز الرسالة للدراسات الاسلامية و الانسانية  في لبنان وهو ايضا الطبعة الاولى حيث صدر في سنة 1433 – 2012 ، و الكتاب جاء في 110 صفحات من القطع الصغير
جاء غلاف الكتاب بلون أزرق غامق يظهر في ظلاله صورة مسجد في اشارة لمكان الحوزة المعتاد في المساجد ، و كونه أيضا محل لاجتماع الناس في الصلاة ..
الاخراج الفني متواضع و هناك حاجة للمراجعة اللغوية و الاملائية في بعض الاحيان ..

اهمية الموضوع و حساسية :
تعتبر الموضوعات المتعلقة بالحوزة و طبقة رجال الدين و علاقتهم بالمجتمع ذات اهمية كبرى لما لها من أثر بارز في الحراك الاجتماعي ، فرجال الدين في مجتمع دراسة الكتاب – الاحساء و القطيف- لازالوا اصحاب النفوذ الاكبر و القدرة على التأثير في المجتمع و هذا ملموس في الواقع الاجتماعي ، و رغم اهمية الموضوع فإننا نجد الدراسات في هذا المجال قليلة ، ربما بسبب حساسية الموضوع و صعوبة معالجته على ارض الواقع .
رغم كثرة الكتابات و الالماح الى وجود خلل في العلاقة بين الحوزة و المجتمع و وجود ضرورة لمعالجة المشاكل و الاخطاء داخل مؤسسة رجال الدين ، إلا إن كل الكتابات كانت عامة و مجملة و لم تسبر عمق تلك الاختلالات و معالجتها
و لذا يذكر الكتاب في تمهيده ( .. بين يديك ايها القارئ الكريم دراسة نقدية تحليلية مختصرة لقضية من اهم القضايا التي يعيشها مجتمعنا و هي اشكالية العلاقة بين الحوزة و المجتمع ... )
 و قد تعرض الكاتب الى واحد من اهم الاشكالات التي قد ترد على موضوع الكتاب و هي ضرورة بقاء مشكلات الحوزة بين علمائها و عدم خروج هذه القضايا للعامة ، و يرد الكاتب أنه يعتقد ان الحوزة ليست ملك رجال الدين بل ملك الجميع  ،  لأن مشاكل الحوزة ترتبط بالشأن العام و المجتمع كله يتأثر بها .

استعراض لأبواب الكتاب و أبرز النقاط فيه  :
قسم الكاتب موضوعات الكتاب الى عدة مباحث و فصول
ففي المبحث الاول : تطرق لأهمية الدراسة :
حيث ذكر أهمية التركز على البحث في مجال الدراسات الانسانية و علم الاجتماع الديني الذي عده حجز الزواية في تطور المجتمع معرفيا ، و ذكر اسماء بعض العلماء الذي حثوا على البحث في هذا المجال كالسيد الخامنئي الذي حث على تنشيط البحث العلمي في هذا المجال ،  و السيد فضل الله  الذي ردد خطاب انسنة الثقافة الاسلامية و اسلمة الثقافة الانسانية ،  كما نقل نداء الدكتور علي الوردي الذي نادى بتأسيس علم اجتماع عربي .
 و يخلص الى ضرورة ان نشق طريقنا في البحث العلمي بأنفسنا على قاعدة نحن اعرف بأنفسنا من غيرنا ..
ثم في المبحث الثاني : عرّف بمفردات البحث ، كالتالي :
المجتمع : حيث أورد عدد من التعاريف ،  ثم خلص الى أن المجتمع هو مجموعة من الافراد الذين تربطهم علاقات اجتماعية و تنتظم بينهم سلوكيات اجتماعية ...
فالمجتمع يتكون من ثلاث أمور اساسية : (الافراد – العلاقات الاجتماعية – السلوكيات الاجتماعية)
ثم يتطرق الكاتب الى تلك العناصر محاولا اسقاطها على مجتمع الدراسة ( الاحساء و القطيف)
على اعتبار ان الافراد في مجتمع البحث يمثلون مجتمع محلي يحملون خصائص  متشابهة  في بقعة جغرافية متقاربة و يرتبطون بعلاقات اجتماعية و سياسية و اقتصادية واحدة ، كما ان السلوكيات و العادات و التقاليد و القيم هي ذاتها بينهم .
ثم أنتقل الى المؤسسة الدينية معرفا لها على انها مؤسسة اجتماعية من مؤسسات المجتمع التي تتشكل على اساس القيم و المبادئ ، ثم يزاوج بين المجتمع العلمائي على انه مؤسسة دينية  ، و الحوزة ايضا مؤسسة دينية حيث هي معنية بتدريس الدين و تخريج العلماء .
و يفرق الكاتب بين المؤسسة و المنظمة حيث ان الاخيرة لا تقوم الا بالنظام بينما المؤسسة قد يغيب عنها النظام و هو واقع الحوزة حيث النظام فيها هو اللانظام – حسب الكاتب -
ثم دخل الكاتب في تفصيل الفرق بين المؤسسة الدينية –بالفهم الغربي- حيث التراتبية و النظام في منح الصفات و الالقاب بينما يغيب هذا عن الحوزة حيث الامر موكول للعرف و العادات الاجتماعية
ثم عرف الحوزة العلمية على انها مؤسسة دينية تشكلت داخل المذهب الشيعي يحكمها نظام سلوكي عرفي ، قوامها الحراك العلمي القائم على الدرس و التدريس و البحث . .. حيث تتميز بنظام عرفي وليد ظروف هي وليدة منظومة فقهية عقائدية نتيجة الوضع التاريخي للطائفة ..
ثم تطرق في الفصل الاول  لعنوان : الحوزة العملية – الملامح و الصفات
فصل الكاتب كثيرا في توصيف الحوزة كما لو كان يخاطب طبقة لا تعرف الحوزة فقد أمتد هذا الفصل من صفحة 29 حتى صفحة70 ، اي نحو 40 صفحة تشكل نحو ثلث الكتاب ، تطرق فيه لعدة عناوين :
-          النظام التعليمي في الحوزة : حيث فصل في شرح النظام التعليمي تحت مفهوم (اللانظام) و ايجابيات و سلبيات هذا النمط في التدريس ، و نقل كلاما مهما للشيخ محمد مهدي شمس الدين الذي كان ممتعظا من هذا النظام ، ثم فصل في مراحل الدراسة و طريقة التعليم ، و محاولات التحديث التي مرت على الحوزة ضاربا المثل في علماء كالامام الخميني و الشهيد الصدر و العلامة الطباطبائي و المطهري و الفضلي .. ، و ختم بأن قال (  ومع ذلك لا يزال كثير من العلماء بالاحساء و القطيف يتمسكون بالاهداف القديمة للتعليم الحوزوي ..)
-          ثم انتقل للحديث عن النظام الاداري الذي اعتباره عرفيا خالصا خاضعا للرقابة الاجتماعية ، ثم حدد ان الادارة في الحوزة بيد المرجع أو وكيله معتمدا على المرتبات الشهرية ، بمعنى من يدفع يدير ، و اشار الكاتب الى التمرحل التاريخي للنظرة الى العلوم الاسلامية و في الحوزة و كيف كان القطب هو علم الفقه و علومه بعيدا عن العلوم الاخرى كالتفسير و العقيدة و غيرها من العلوم
-          ثم دخل الكاتب في بحث التفريق بين الحوزة و المرجعية مقررا أنهما امران مختلفان ، ثم يحدد ان المرجعية هي الممول للحوزة و هي الغطاء الشرعي لها ، و الحوزة هي التي تصنع المرجع
-          في المبحث الثالث تحول الكاتب الى الناحية التاريخية لنشأة الحوزات الشيعية من حوزة قم الاولى الى حوزة بغداد  الى حوزة النجف الى  حوزة جبل عامل ، دون ان يشير الكاتب الى الحوزات في مجتمع الدراسة – الاحساء و القطيف - ، أو علاقة هذه الحوزات بمجتمع الدراسة ..
-          أخيرا انتقل الكاتب لمعالجة علاقة الحوزة بالسلطة ، و كيف تميزت الحوزة تاريخيا بالاستقلالية عن السلطة دون ان يعني ذلك عدم التعاطي مع السلطة سواءا تعاونا أو تحالفا أو تصادما  ، و هذه الاستقلالية أعطت العالم الشيعي سلطة اجتماعية موازية للسلطة السياسية منوها بخطر هذه السلطة على المجتمع عندما يفسد عالم الدين  ..
في الفصل الثاني : تطرق لزبدة البحث – الحوزة و المجتمع ، في ثلاثة عناوين :
-          الحوزة و المجتمع و الوعي :
يقرر الكاتب أن الحوزة تتأثر عضويا بالمجتمع حيث هي جزء منه ، لذا فإن الوعي الاجتماعية ضرورة لوعي الحوزة و قيامها بدورها محددا ركائز الوعي في ثلاث نقاط ( وضوح الرؤية – القدرة على التمييز بين الحق و الباطل – القدرة على تشخيص الواقع )
-          الحوزة و المجتمع و المال:
يتطرق الكاتب لدور المال في العلاقة بين المجتمع و الحوزة خصوصا في وجود موردين رئيسيين تحكم العلاقة الاول هو الخمس و الثاني هو الاوقاف ، وحيث ضرور ان يختار المكلف الطريقة الصحيحة لصرف هذه الامور من خلال تحديد الوكيل الشرعي الذي يراعي الصرف المالي بشكل واعي ، كما ايقاف الاموال على الموارد الصحيحة بدل التركيز على الاطعام في المناسبات الدينية .

-          الحوزة و المجتمع و الطاقات البشرية :
في هذا المبحث يتطرق الكاتب لاربعة نقاط :
الاولى : الحرص على الزعامة الدينية لدى بعض رجال الدين : حيث أعتبر ان الحرص على الزعامة لدى بعض رجال الدين قد يكون سببا في بعض السلوكيات مثل التضييق على آخرين خوفا من سحب الزعامة منهم
الثانية : الولاءات قبل الكفاءات : و من الموارد التي ذكرها الكاتب في هذا المجال اسناد الوكالة الشرعية  و منبر الجمعة على اساس الولاءات لا الكفاءات
الثالثة : العوائل العلمائية ، حيث يتسائل الكاتب كيف لبعض العوائل ان تتوارث العلم و الزعامة لعقود دون انقطاع ، بل يكفي الانتماء لعائلة علمية للحصول على الزعامة و المكانة الاجتماعية دون الحاجة الى الحرص على المعرفة و العلم
الرابعة : انصاف الشيوخ ، و يقصد بهم الكاتب طبقة من الناس دروسوا لمدة قصيرة ليلبسوا اللباس الديني فيحوزوا احترام الناس و محبتهم ، أو مارسوا الخطابة الدينية فأمتلكوا قلوب الناس لما عندهم من حسن الصوت و فن الخطابة

ملاحظات على الكتاب بشكل عام :
هنا ورد بعض الملاحظات العامة على الكتاب :
-          اعتبر الكاتب ان موضوع الكتاب عبارة عن دراسة أجتماعية دينية كما ورد على الغلاف ، و لكننا لم نجد في مطاوي الكتاب توضيحا للمنهج البحث الذي ستأخذه الدراسة و اي الاساليب البحثية ستنتهج
-          حدد الكاتب مجتمع الدراسة بالاحساء و القطيف ، و لكننا لا نجد اسقاطا لمجتمع الدراسة فيها ، فهو تطرق مطول لتاريخ الحوزة في العراق و ايران و لبنان مثلا دون ان يتطرق من قريب أو بعيد لحوزات مجتمع الدراسة و لا علاقته بتلك الحوزات.
-          لم يحدد الكاتب اي نتائج للدراسة التي اجراها و كانت خاتمة الدراسة مبهمة عائمة لا توصل الى نتيجة
-          لم يتطرق الكاتب الى الدراسات و الابحاث التي سبقته في هذا المجال و لم يحدد نتائجها لكي يبني عليها
-          ايضا غاب عن الدراسة المصادر التي نقل عنها الكاتب أو أعتماد عليها ، مما يجعلها اقرب للحديث العام المعتمد على الرأي الشخصي و الثقافة الذاتية .
-          أفتقرت الدراسة في كثيرا من الاحيان للشواهد على الارض ، تحت يظن القارئ يتحدث عن حالات معروفة جدا أو خيالية لا وجود لها ..
-          غابت الاحصائيات و الارقام عن الدراسة و لم يقدم الكاتب اي رقم يمكن الاستفادة من ، و لم يقدم تقديرات مؤية عن الظواهر التي تطرق لها ، فمثلا عندما يتحدث عن شيوع ظاهرة تقديم الولاءات على الكفاءات لم يدعم الكاتب هذا الادعاء لما يشير على تفشي هذه الظاهرة ، و على ذلك قس .
-          بالرغم أن الكاتب افرد جزءا كبيرا من الكتاب للتعريف بالحوزة التي هي موضوع البحث ، إلا أنه لم يفرد اي صفحات تذكر للتعريف بالركيز الاساسية الثانية من البحث و هي مجتمع شيعة الاحساء و القطيف
-           حدد الكاتب أشكالية العلاقة بين الحوزة و المجتمع في ثلاثة نقاط (الثقافة و الوعي – المال – الكفاءات) و على اهمية هذه النقاط إلا ان الكاتب لم يحدد الاساس الذي حدد اعتمادا عليه هذه النقاط دون غيرها .
-          اتسمت معالجة الجزء الاخير من الكتاب الذي هو لب البحث ( العلاقة بين المجتمع و الحوزة ) بالعمومية و المثالية دون محالة لحلحلة الواقع كما هو .

ملاحظات و مداخلات المشاركين :
سأحاول هنا تلخيص ما فهمته من ملاحظات و مداخلات الحضور دون ذكر الاسماء لأن ما سأسطره كما ذكرت هو فهمي لما طرحه الحضور دون أن يعني أتفاقي مع كل الملاحظات الواردة :
·         الكتاب لا يمكن أعتباره دراسة بل رؤى و أنطباعات شخصية على أهميتها
·         أتسائل لمن هذا الكتاب موجهة ، فإن كان موجها للحوزة فإن ما ورد فيه معروف داخل الحوزة و الحوار نشط حوله ، و إن كان موجها للمجتمع و الطبقة المثقفة منه فإن المثقفين نادوا من قبل بما ورد في الكتاب
·         تركز الكاتب على اهمية الوعي كانت نقطة ايجابية في الكتاب
·         لا أعتبر ان الكتاب يقدم جديدا
·         لفت أنتباهي كثرة الاخطاء الاملائية و النحوية و البلاغية في الكتاب
·         إذا كان الكتاب باكورة اصدارات مركز الرسالة للدراسات فإني أعتبرها بداية غير موفقة و يعطي أنطباع بضعف المركز
·         موضوع الكتاب متداول و لا يقدم جديد
·         بدأ الكاتب بشكل منصف و لكن سرعان ما أنقلب على الحوزة لينتقدها بشدة فأصبحت الدراسة متحيزة
·         العنوان جاذب و لكنه لا يقدم جديد و أعتبر الكتاب مقالات و ليس دراسة
·         غاب عن الكتاب أثر التحولات الفكرية و الثقافية في المجتمع على العلاقة بينه و بين الحوزة
·         ايضا غاب عن الكتاب الاثر السياسي في العلاقة بين الحوزة و المجتمع
·         غياب الارقام نتيجة طبيعية لغياب الادوات البحثية المناسبة في الدراسة
·         وظيفة الكاتب تسليط الضوء على المشكلة و ليس بالضرورة حلها و الكاتب كان موفق في عرض المشكلة
·         يشفع للدراسة كونها باكورة اصدارات المركز و ربما الحماس هو وراء الاستعجال بطباعتها قبل التنقيح و التدقيق
·         لاحظت ان اسلوب الكاتب كان متحاملا و يحاول دغدغة مشاعر المجتمع دون معالجة
·         العنوان حساس لأن للحوزة قدسية في النفوس و أثر في الواقع ، و اسلوب الكاتب انطبع بالقسوة في توصيف الواقع حيث وصفه بـ (الفاسد)
·         أغفل الكاتب النماذج المشرقة في تحديث الدراسة الحوزوية و قد خرجت من رحم الحوزة العديد من التجارب الناجحة
·         وضع الكاتب اليد على الجرح في ضعف الحوزة و عجزها عن بناء جيل متعلم و واعي