الأربعاء، 15 أغسطس 2012

عبر الطائفية

عبر الطائفية


أذكر عندما كنت أدرس في الجامعة مادة مبادئ علم السياسة درسنا أشكالا مختلفة من التنظيمات السياسية و غير السياسية ، واحد من تلك التنظيمات تسمى بالمنظمات العابرة للحدود ، و هي منظمات لا تعترف بالحدود السياسية في عملها بل تعبر أن رسالتها و أهدافها و رؤيتها لا يمكن أن تقف عند حدود رسمتها المصالح السياسية .
و هذه المنظمات مختلفة في أنواعها فمنها الانساني كمنظمات الهلال الاحمر و الصليب الاحمر الدوليين ، و منها العصابات الاجرامية التي تقوم بالجرائم دون اعتبار لقانون الدول ، و منها الدينية كالجماعات التبشيرية أو الدعوية التي تهدف لنشر دين أو أفكار دينية معينة  ..
هكذا نجد منظمات تتمرد على حواجز سياسية وضعت وفق مصالح معينة ،  و هناك أيضا شخصيات و منظمات عابرة للحواجز المذهبية و الطائفية المصطنعة تحاول أن تقدم لنا فكرا صافيا من شوائب السياسة و الفئوية ..
ولو ضربنا مثال بالمفكر الاسلامي الكبير (جمال الدين الافغاني) لوجدناه خير مثال للمفكر العابر للمذهبية ، فهذا الرجل المتوفى في سنة 1897م أستطاع ان يقدم طرحا اسلاميا لا مذهبي ، و رغم  أنه توفي منذ نحو قرن أو يزيد قليلا و كان كثير السفر و التنقل إلا أن الناس اختلفت في مذهبه فالشيعة ينسبونه لهم و السنة و يدعونه لهم ، و ما هذا الا لطرحه الاسلامي الشامل بعيدا عن تمزق الفرق و الطوائف ..
و لعل نماذج العلماء  و المفكرين الذين عبروا بعلمهم و فكرهم حواجز الطائفية كثيرون و من أقدمهم الشيخ المفيد المتوفى سنة 413هـ في بغداد ، فقد كان عالما موسوعيا يجلس في مجلسه فيفتي الناس كل بمذهبه و قد برع في كل فن حتى بكى عليه يوم وفاته المؤالف و المخالف كما تنقل كتب التراجم و السير .
و هنا نشير الى بعض الافكار المعاصرة التي نشأت في هذا المجال فنجد الشيخ محمد الخالصي يؤسس في بغداد مدرسته المميزة التي أنتجت لاحقا فكرة المجتهد المذهبي و المجتهد الاسلامي ، فهي تدعو الى الاجتهاد في المذاهب الفقهية الخمسة و الاخذ بالمصادر التشريعية كافة ، و تدع للمجتهد حرية الوصول للدليل أعتمادا على منهجه الخاص في البحث و التحقيق.
و لعل الخطيب الدكتور الوائلي من  اولئك النفر الذين تميزوا بالبحث الشامل فتجده دائما يستشهد و يدعم خطبه بالشواهد من كافة المذاهب ، و خصوصا كتب التفاسير المختلفة بل و يشيد بالنقاط الابداعية أينما وجدها ، و الوائلي له جهد آخر غير الخطابة ، فقد كتب ايضا في هذا المجال و له كتاب مشهور بعنوان فقه الجنس و هو على مختلف المذاهب الاسلامية .
من المفكرين ايضا السيد محمد حسين فضل الله الذي كان مفكرا فوق العادة ، بل إن فكره كان يتعدى الفكر الاسلامي ليتصل بالفكر المسيحي ، لذا نجد في أفكاره و فتاواه الكثير من التسامح  و الشمولية و التجديد .
و على الطرف الآخر نجد كثير من الفكرين و العلماء الذين عبروا حدود الطائفية ليكونوا علماء للاسلام منهم المفكر اللبناني شكيب ارسلان المتوفى سنة 1946م  ، كما أن العالم الازهري الكبير الشيخ محمود شلتوت المتوفى سنة 1963م كان لها جهود توحيدية كبيرة لعل ابرزها فتواه الشهيرة بجواز التعبد بالمذهب الجعفري الاثنا عشري .
و من الاسماء المعاصرة المفتى السوري الراحل أحمد كفتارو المتوفى سنة 2004 فقد كان له الكثير من الجهود التقريبية و الاراء العابرة للمذهبية الضيقة ..
و ايضا المفكر المصري المعاصر الدكتور محمد عمارة صاحب العديد من الكتابات و الجهود في هذا الايطار..
و من المفكرين الذين لهم مسقبل واسع في هذا المجال الدكتور عدنان ابراهيم الذي يقدم فكرا  اسلاميا نقديا لا يركن للتراث الاسلامي بأعتباره يحمل صفة القداسة ، و مثله الباحث الاسلامي حسن فرحان المالكي الذي عبر الطائفية بأفكاره التجديدية و طرحه الاسلامي المعتمد على التفكر القرآني . .
مثل هؤلاء أمثال كثيرون و لابد أننا تجاوزنا العديد من الشخصيات الاسلامية الكبيرة ، فحن لا ننوي حصرها في هذا المقال .
إن تذاكر جهود هؤلاء الكبار يذكرنا بأهمية التمرد على الحالة الطائفية التي نعيشها ، يجب ان نتذكر أن نحافظ على شمعة المحبة الاسلامية مهما اشتد عواصف الطائفية ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق