قضية هلال العيد
المجتمع الواعي هو المجتمع الذي لا يهمل قضايا و يسعى لحل مشكلاته و عقده ولو بعد حين ،فعندما تنشأ مشكلة ما عادةا ما ترتفع الاصوات من هنا و هناك و في كثير من الاحيان تكون تلك الاصوات أنفعالية،تماما كإنفعالنا عندما يصدمنا الالم من جرح أو ضربة ما.
و لأن القرآن الكريم كلام الله الذي أنزله هدى و بيانات و هو السبيل الامثل لحل كل مشكلة تعترض طريقنا وجدت أن نبدأ في نقاش هذه القضية بعد التأمل ببضع آيات منه ، يقول تعالى حاكيا الحوار الذي دار بين النبيين موسى و هارون عليهما السلام : {قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} و من هذه الايات يتبين لنا أهمية الوحدة و البعد عن الفرقة حتى مع وجود المعصية و الخطيئة ..
الان و بعدما هدأت ثائرة الناس من ما حدث من اختلاف حول هلال عيد الفطر الماضي ، و بناءا على طلب الاستاذ زكريا العباد ، رأيت أن اكتب بعض كلمات حول هذا الموضوع .
و لأن القرآن الكريم كلام الله الذي أنزله هدى و بيانات و هو السبيل الامثل لحل كل مشكلة تعترض طريقنا وجدت أن نبدأ في نقاش هذه القضية بعد التأمل ببضع آيات منه ، يقول تعالى حاكيا الحوار الذي دار بين النبيين موسى و هارون عليهما السلام : {قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} و من هذه الايات يتبين لنا أهمية الوحدة و البعد عن الفرقة حتى مع وجود المعصية و الخطيئة ..
الان و بعدما هدأت ثائرة الناس من ما حدث من اختلاف حول هلال عيد الفطر الماضي ، و بناءا على طلب الاستاذ زكريا العباد ، رأيت أن اكتب بعض كلمات حول هذا الموضوع .
إن طريقة التعاطي مع قضية هلال العيد سواءا على مستوى افراد المجتمع العاديين أو النخب الدينية أو الثقافية أعطى إنطباعا سلبيا عن قدرتنا على التعاطي مع همومنا و قضايا و أصبح السؤال المخيف و الذي لا يريد احد الاجابة عليه ماذا سنفعل عندما نواجه قضية يتحدد فيها مصيرنا كمجتمع و طائفة و جزء من هذا الوطن الحبيب ؟؟.
إن قضية هلال العيد لها ثلاثة أطراف رئيسية : الاول : فتاوى مراجع التقليد الكرام ، الثاني : المجتمع ، الثالث : النخب الدينية و الثقافية
إن قضية هلال العيد لها ثلاثة أطراف رئيسية : الاول : فتاوى مراجع التقليد الكرام ، الثاني : المجتمع ، الثالث : النخب الدينية و الثقافية
أما بالنسبة للطرف الاول : فتوى مراجع التقليد فمن الواضح جدا أن تلك الفتوى لم تكن يوما سبب في مشكلة أو خلاف ، فهي جاءت نتيجة بحث فقهي أصولي قام به المرجع بناءا على مناهج فقهية معتبرة لدى أهل الاختصاص ، لذا لا يمكن أن يلام المرجع على فتواه أو يطلب منه تغييرها ، كما لا يمكن للناس أن تطلب من المراجع توحيد فتاواهم في مسألة فقهية فهي نتيجة بحث علمي و لم تأتي بهوى أو إستحسان كما لدى البعض ..
أما الطرف الثاني : المجتمع فإن المجتمع في الاحساء و الدمام و القطيف يرجع الى مرجعيات متعددة بقناعات مختلفة و نتيجة عوامل عدة ، و هذا المجتمع اعتاد ان يرجع في فهم فتاوى مراجعه الى النخب الدينية المتعددة ، كما ان المجتمع أصبح أكثر وعيا و ثقافة و اصبح يبني الرأي المستقل و الناقد بعيدا عن الاتباع الكلاسيكي الذي كان سمة الاباء و الاجداد ، كما أن وسائل التواصل الحديث ساهمت في تبادل الافكار و تحديد المواقف .
و أخيرا الطرف الثالث : فنبدأ بالنخب الدينية المتمثلة في علماء المنطقة و فضلاءها فهم المتصدون في الغالب لقضايا المجتمع بشكل عام ، و هذه النخب تعيش في الاونة الاخيرة حالة حادة من الاستقطاب و التحزب ، و هذا الامر لم يعد سرا و لا خافيا عن عامة الناس ، و قد تجلى في قضية هلال العيد ، فما جرى كان تقسيما تحزبيا لا فقهيا على اساسه بني فهم الفتوى .
الاشكال الذي وقعت فيه النخب الدينية ليس في فهمها للفتوى و مصداق تطبيقه على الواقع بل في الحال المتشنجة التي عالجت به قضية تهم المجتمع و في البيانات و الخطب المأزومة و المشحونة التي غامرت بإطلاقها .
إن النخب الدينية خاطرت بفقدان ثقة المجتمع بهذا الاسلوب الذي تم به معالجة الموضوع ، و هذا الامر سيكون له إنعكاسات سلبية لا يتمناها أحد .
كما أن النخب الثقافية كانت سلبية في هذه القضية ، و توارى المثقفون في صوامع الكهان و كأن الموضوع لا يعنيهم ، لا يحق للمثقف أن يختبئ في وقت الازمات و في اللحظة التي يكون المجتمع فيها محتاج له ، كان على المثقف ان يبرز رسالته في رفع مستوى الوعي الاجتماعي و التواصل مع النخب الدينية لإيجاد التوافق المشترك ، لا يجب على المثقف أن يعادي أو يتجاهل النخب الدينية بل أن يسعى بما لديه من وعي و أفق و فكر في حل مشكلات المجتمع و اطلاق المبادرات الخلاقة .
كما أن النخب الثقافية كانت سلبية في هذه القضية ، و توارى المثقفون في صوامع الكهان و كأن الموضوع لا يعنيهم ، لا يحق للمثقف أن يختبئ في وقت الازمات و في اللحظة التي يكون المجتمع فيها محتاج له ، كان على المثقف ان يبرز رسالته في رفع مستوى الوعي الاجتماعي و التواصل مع النخب الدينية لإيجاد التوافق المشترك ، لا يجب على المثقف أن يعادي أو يتجاهل النخب الدينية بل أن يسعى بما لديه من وعي و أفق و فكر في حل مشكلات المجتمع و اطلاق المبادرات الخلاقة .
الان و قد جرى ما جرى ، يطرح المجتمع سؤالا ملحا ، ماذا يمكننا أن نفعل للمستقبل ، و هنا يمكننا تداول بعض الافكار :
أولا : على النخب الدينية و المثقفة ان تتواصل بشكل أكبر مع المجتمع لرفع مستوى الوعي العام ، فهذا الاختلاف سيستمر الى مدى طويل نسبيا حتى تزول مسبباته ، لذا فيجب أن يرتفع مستوى الوعي الاجتماعي بأن يلتزم كل مكلف بما يصل اليه من قناعة و يبرئ ذمته أمام الله سبحانه و تعالى .
أولا : على النخب الدينية و المثقفة ان تتواصل بشكل أكبر مع المجتمع لرفع مستوى الوعي العام ، فهذا الاختلاف سيستمر الى مدى طويل نسبيا حتى تزول مسبباته ، لذا فيجب أن يرتفع مستوى الوعي الاجتماعي بأن يلتزم كل مكلف بما يصل اليه من قناعة و يبرئ ذمته أمام الله سبحانه و تعالى .
إن الاختلاف في تحديد هلال العيد ليس مشكلة في حد ذاته بل المشكلة تكمن في ما قد يستتبعه من مشكلات و تصادمات و قطيعة قد تحصل بين أفراد المجتمع ، و المعول على وعي المجتمع لتجنبه .
ثانيا : على النخب الدينية ان ترتقي بتعاملها مع المجتمع و أن تعي ان المجتمع الذي تتعامل معه أختلف عما كان عليه قبل عقد من الزمن ، و لم يعد هناك من جماعات و أتباع ، بل للناس رأي و فهم و تحليل و قدرة على تغيير الافكار و القناعات .
ثالثا : يطرح البعض فكرة مجلس الاستهلال الذي يوحد رأي علماء المنطقة و نخبها الدينية ، و برأيي أن هذه الفكرة في الوقت الحالي طوباوية لا يمكن تحقيقها على الارض و هناك عوامل كثيرة تمنع قيام مثل هذا التجمع لذا من الاجدى أن لا نضيع وقتنا في التنظير لشيء لا يمكن تحقيقه ، بل بالسعي الحثيث لإيجاد صيغة وعي اجتماعي يتعايش فيه الجميع و تحفظ فيه مصالح الناس ..
ثالثا : على النخب العلمية و المختصين في علم الفلك أن يأخذوا بزمام المبادرة ليكون عملهم احترافيا مهنيا ، ففي مجتمعات أخرى استطاع الفلكي أن يجعل رأيه فصل الخطاب لما له من دراية و علم و لاكتسابه ثقة الناس .
إن طرقنا لهذا الموضوع في هذا الوقت لم يكن لأجل تجديد الوجع على مجتمعنا الذي عانى من هذه القضية ، أو إتهام احد و لوم أحد ، أنما جاء للمساهمة في تغيير الواقع الحالي اي مستقبل أفضل و أكثر إشراقا و تقدما ، و الله من وراء القصد ..
المشاركة منشورة ضمن تحقيق بعنوان
تحقيق: هلال العيد .. مشكلة فقهية ومعرفية أم أزمة اجتماعية؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق