الأربعاء، 15 أبريل 2015

مرض التصنيف

مرض التصنيف

نتيجة بحث الصور عن نختلف ولكن


تعطي المعرفة والثقافة صاحبها الوعي والبصيرة التي يحتاجها لمقابلة شتى التيارات والعواصف الفكرية التي تعبر المجال المعرفي للمجتمعات بين فترة وأخرى مخلفة آثارها الحميدة أحياناً والمدمرة أحياناً أخرى، فالمثقف المتسلح بالوعي أقدر الناس على مواجهة هكذا ظروف متقلبة، لكن المتغيرات الثقافية أصابت مجتمعنا بمرض خطير اسمه مرض التصنيف.

نعني بمرض التصنيف هو تقسيم الناس لفئات ومجموعات فكرية وثقافية قياساً على مواقفهم أو أفكارهم أو مقولاتهم، وليست المشكلة في مجرد التصنيف فهو في أساسه ممارسة علمية رصينة في مختلف العلوم والمجالات المعرفية، إنما المشكلة تكمن في أمرين اثنين:

الأول أن هذا التصنيف لا يمارس وفق معايير وأسس معرفية صحيحة، بل يغلب على ممارسي التصنيف الإنطلاق من واقعة واحدة ليتم تعميمها على كامل الخطاب الثقافي للشخص المصنف، قد تكون هذه الواقع مقالاً أو حديثاً عابراً أو كلمة قيلت في لحظة انفعال، وهذا قصور شديد من المصنف، فمن يريد التصنيف الدقيق يلزمه القيام باستقراء شامل للنتاج للمعرفي للشخص المصنف وتحليله تحليلاً دقيقاً للوصول إلى تصنيف رصين.

أما الأمر الثاني الذي يجعل من التصنيف مرض خطير، فهو حالة الإستعداء التي تتبع التصنيف، فما أن ننتهي من تصنيف عدد من المثقفين حتى نفترض أنهم أعداء تدور بينهم المعارك التي لا تنتهي والتي لا يخمد أوارها ليل نهار، وما أن يكتب شخص يصنف على تيار ما حتى يصبح لازماً على التيار الآخر الرد عليه و أخذ الثأر منه.

لو كانت هذه المعارك معارك فكرية حقيقة لما كانت محل استهجان ولكنها في حقيقة الأمر أقرب إلى الترف الفكري، والسبب في رأيي هو في غياب المشروع الثقافي الحقيقي، أو ربما غياب الرؤية الواضحة للمشروع لمن يرى في نفسه صاحب مشروع، لذا ليس من الحكمة الدخول في طريق لا تعرف معالمه جيداً وإلا فإن النتائج غير مأمونة.


دعوتي للجميع قبل أن نستعجل في طرق دعاوى التصنيف وممارسة هوايتنا المفضلة في تقسيم الناس إلى مجموعات متصارعة علينا أن نبحث عن المشاريع الفكرية والثقافية الحقيقية والعمل من أجلها وعدم الإنشغال بتصنيفات لن توصلنا إلى أي شيء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق