السبت، 19 أبريل 2014

ثقافة الحزن



ثقافة الحزن





واحدة من المفارقات الكثيرة التي يتسم بها سلوكنا الاجتماعي هو سيادة الفوضى و غياب النسق التنظيمي للمناسبات ..
في مناسبات الحزن كحالات الوفاة و فقد الاحبة ، من السهولة ان تلحظ غياب ثقافة الحزن و الجنائزية في مجلس العزاء..
في الحقيقة قد يشتبه الامر على الزائر نمط المناسبة و طبيعتها بسبب طغيان الفوضى و اللاتنظيم في تلك المجالس..
إذا كانت مناسبات الفرح تبيح شيء من الفوضى نتيجة الانفعال .. فإن مناسبات الحزن لكي تأخذ طابعها الجنائزي لا تسمح بذلك..
من المهم التركيز على الهدوء و المواساة لأهل الفقيد في مختلف التفاصيل و منها ما يقدم أثناء المناسبة..
فالوجبة المقدمة في مناسبات العزاء و التي عرفت قديما بـالوضيمة لا تختلف كثيرا عن ولائم الافراح و في هذا اجحاف بحق المناسبة و أهلها..
لنبتعد قليلا عن الجانب الشرعي في الاباحة او الكراهة او الاستحباب فالمسألة متعلقة بنمط إجتماعي يحتاج الى الترشيد و إعادة الضبط و التقويم و هذا يحتاج الى حوار إجتماعي منطلق من رؤى النخب في المجتمع ..
ما ادعو إليه هو ان يعيد المجتمع صياغة الانماط المناسباتية في المجتمع بما يناسب الواقع المعاصر بعيدا عن جبر العادات و التقاليد ، من المناسب جدا ان يعطى الناس في زمانهم فرصة لخلق أو إعادة تشكيل انماطهم الاجتماعية بصورة واعية دون إكراه التراث الذي يتجاوزه الحاضر..


بين وجبتين


يعد التفاعل و التغير الاجتماعي من اكثر الموضوعات اهمية في الدراسات السيسولوجية ، و كما يشر علماء الإجتماع ان المجتمعات في حال تبدل و تغير دائم و لكن الاختلاف في الدرجة و النوع ، فبينما تتغير المجتمعات المتقدمة بوتيرة اسرع و اكثر حيوية و خصوصا في الجوانب التي تمس حياة الافراد تجمد المجتمعات الأقل تطورا لتحمل افرادها المزيد من اعباء العادات و التقاليد و أحكام الاجداد و الحقب السالفة..
يميل الشباب عموما للتجديد و التغيير الاجتماعي بينما يميل كبار السن إلى المحافظة و الجمود.
لو اخذنا وجبة -وليمة العرس- و وجبة -طعام الفواتح- مثالا سنجد صورة أوضح..
في الاعراس استطاع مجتمعنا تجاوز تقليد الوجبة -وليمة العرس- رغم الاتفاق على استحبابها ذلك ان الشباب -عماد التغيير الاجتماعي- قد استطاع فرض التغيير خصوصا في مجتمعنا الاحسائي ، و ذلك لأن الشاب لديه فرصه لفرض إرادته في التغيير الامر الذي لا يتاح في حالات الوفاة و الفواتح إذ الامر بيد العائلة ككل لا بيد الشاب ، و الامر متعلق ايضا بطبيعة التنظيم الارتجالي و السريع لمناسبة العزاء بخلاف الاعراس.


موقف..


حضرت في إحدى المرات حوارا بين اب و ابنه رجعا للتو من مجلس عزاء،بدأ الابن بنقد اصرار اهل العزاء عليهم للبقاء حتى موعد الوجبة و ما تم من مظاهر و مبالغات خلالها،الاب بدى موافقا ثم قال: يا ولدي إذا انا مت فلا تضع وجبة في فاتحتي.
الابن بادر بالدعاء لوالده بطوله العمر.
انتهى الموقف و لكنه يعكس عجز الأبن حتى لو اراد بتطبيق رغبة والده إذ الامر متعلق بالاسرة وليس به من ناحية و من ناحية أخرى فإنه من غير المعتاد لدينا ان يبادر الانسان بالتخطيط لجنازته و مجلس العزاء فيه بل يكتفى بالمتعارف مما يرسخ الثقافة السائدة.
إن التغيير بما يناسب الزمن و الظروف تبقى مسؤولية النخب الواعية لتحريك ما يمكن تحريكه ليتجاوز المجتمع معوقات ازدهاره و تكيفه من الواقع المادي الصعب و التخفف من الالتزامات الاجتماعية الخانقة ..







هناك 4 تعليقات:

  1. كلام جميل جدا. ...
    وفقكم الله مولاي ورعاك لخدمة المجتمع
    بومنتظر الهميلي

    ردحذف
  2. شكرا لوفائك استناذنا بومنتظر
    دمت لكل خير

    ردحذف
  3. جداً جميل
    صدقت من ناحية أنا القرارات في الزواج تكون نوعاً ما فرديه متمثلة في الزوج، وتكون جماعية في الوفاياة

    في الموقف الميل الذي ذكرته، لعّلي أرى أن الحل الأمثل والذي لا يمكن رده هو كتابة هذا الشيء في الوصية، بحيث لا يكون هناك أي مجال لمناقشة القضية

    واصل كتاباتك الجميلة أستاذي العزيز

    ردحذف
  4. شكرا لثقتك اخي حسن

    لم يعتد الناس يكتبوا في الوصية تفاصيل مجلس العزاء ، لذا يحكم العرف و تبقى الامور على حالها .
    لاحظ أخي الكريم أن تغيير موعد مجلس العزاء الذي كان صباحا و عصرا الى عصرا و مساءا ، أحتاج الى تدخل بعض النخب ، و احتاج لكثير من الوقت ليكون له حضور كبير في مجالس العزاء..
    و لهذا نعول على النخب ...

    ردحذف