جهاد القراءة
شهدت وسائل المعرفة تطوراً هائلاً شمل جميع جوانبها خصوصا التقني منها، فلم يعد تلقي المعلومة حكراً على الكتاب كما كان في سالف الزمان، بل أصبحت الوسائل السمعية والبصرية أقرب إلى قلوب الناس وأيدهم، حتى بات إمساك الكتاب لساعة أمام إغراء التلفاز وجاذبية الإنترنت أمراً صعباً يحتاج إلى مجاهدة النفس وإكراهها عليه لمن لم تغدو القراءة ضمن تربيته وسلوكه التلقائي.
من هنا تنبع أهمية جهاد القراءة إذ فيه جهد ملموس، وهو يبدأ من
الطفولة الأولى في تعويد الطفل على وجود الكتاب وتصفحه والأنس به، ثم التعود على
إدراج المجلات الثقافية والكتيبات المعرفية ضمن سلة المشتريات الشهرية، وزيارة
المكتبات بشكل دوري ضمن نشاطات الأسرة المعتادة، وبناء مكتبة الأسرة الصغيرة لتحوي
كل مفيد ومنوع ومناسب لاختلاف رغبات الأفراد.
وبالرغم من أن المعرفة لا تتقولب في وعاء واحد إلا أن أهمها على الإطلاق
الكتاب، لما يتيحه من مصداقية وعمق وشمولية ودقة واحترافية تفتقد في غيره،
فالتلفاز مثلا يطبع غالباً بالإثارة والقشرية في الطرح والاهتمام بالصورة على حساب
المعلومة وما يشد المشاهد على حساب الموضوعات المعرفية التي يحتاجها.
أما الإنترنت فهو عالم واسع جداً، فيه الكثير من المفيد ولكن المحتوى
العربي مازال قاصراً جداً، كما أن المصداقية تكاد تكون نادرة إن لم تكن مفقودة،
مما يجعل القارئ الجاد يمارس انتقائية شديدة لكي لا يقع في فخ التدليس والتزوير
والتحريف، خصوصا في ظل حروب التيارات التي اتخذت من الشبكة العالمية ساحة لها، لذا
يجب أن يكون كل ما فيه متهم في صحته حتى يثبت العكس.
وإذا كان لكل شيء ربيع، فإن معارض الكتاب تعتبر ربيعها المزهر الذي لا
غنى لأي قارئ عنه، فمعارض الكتاب حدائق غناء بشتى صنوف الورود تتجمل بأبهى الألوان
فيعبق شذاها ويشدو فيها البلابل بأعذب الأنغام، ويبقى للزائر أن يختار بذوقه ما
تهفو له نفسه التواقة من المعارف والآداب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق