الخميس، 24 ديسمبر 2015

بين القراءة والكتابة


بين القراءة والكتابة

Image result for ‫بين القراءة والكتابة‬‎


ازدواجية فعلي القراءة والكتابة كانت واحدة من المعضلات التي شغلت بالي طويلا، فهل على الإنسان أن يحصر اهتمامه بالقراءة ولا يقرب الكتابة والتأليف إلا عرضاً، وهل يجب عليه اعتبار القراءة الهم الأول ولا يجدر به أن يلق بالا للكتابة؟ أم أن التأليف والكتابة هي خلاصة القراءة وثمرتها؟

كلا الرأيين وجيه وجدير بالإهتمام، فهناك من يرى أن الفعل الأساسي للإنسان خصوصا المثقف هو القراءة، فعليه أن يكون همه الأول تأسيس ذاته معرفياً قبل أن يستعجل كتابة مقالات أو مؤلفات، فالاستعجال في كثير من الأحيان ما يكون له عواقب سلبية، وقد عاصرنا بعضها، يحث يقوم مثقف شاب بكتابة مقال أو حتى تغريدة وهي مازلت خاطرة في ذهنه أو مجرد فكرة جنينية لم يحن أوان وضعها، فيصدم بردود قاسية وناقدة، فيتحول الكاتب إلى خانة الدفاع عن هذه الفكرة أو العبارة التي قد لا يكون هو ذاته مقتنعا بها تماما، فيكرس جهده وبحثه وقراءته لإثباتها والرد على خصومه بالمزيد من العبارات والمقالات، وتدريجيا يخسر المثقف أهم ما يميزه عن غيره، يخسر كنزه الثمين الذي يعطيه كل البريق والتفرد، فهو يخسر مرونته الفكرية وعقله المتفتح لكل فكرة جديدة، ويغدو مؤدلجاً لفكرة ما أو عقيدة ما بعد أن كان تنويرا متمردا.

لكن من جهة أخرى فإن فعل القراءة والكتابة أقرب شيء بفعل الزراعة والحصاد، فكما أن الفلاح يزرع ليحصد فإن المثقف يقرأ ليكتب، والكتابات الجيد والمميزة هي بالتأكيد نتاج قراءة جيدة ومميزة، لذا فمن الطبيعي أن يكتب القارئ الجيد روائع الأفكار، وعليه فإن الإبتعاد عن الكتابة هو قتل لتلك الروح المبدعة التي ولدت يوماً على صفحات كتاب ذات مساء، كما أن فعل الكتابة الراقية هو فعل تراكمي ينمو مع الإنسان بالممارسة والتجربة وتضمر بالتجاهل والتغافل، أضف إلى هذا كله أن الأفكار أنما تزدهر وتصقل بالكتابة والمداورة وبالنقد والتصويب.

حملت خواطري ولجأت لواحد من أساتذتي الذين أثق بهم وبتجربتهم في الحياة، وضعت همومي بين يديه وطلب رأيه لأسترشد به، فكانت كلماته كبلسم على الجرح.

قال لي الأستاذ: إن المثقف الجيد قارئ فذ وكاتب حصيف، فلا تهمل الكتابة ولكن لا تسع خلفها، بمعنى أن الكتابة لا يجب أن تكون همك وأولى أولوياتك فكثير من المفكرين لم يؤلف سوى كتاب أو أثنين وربما لم يؤلف مطلقاً، ولكن لا يجب تهملها وتلغيها من مسيرتك، كما يجب أن تتنبه إلى أمر هام جدا، فحين تريد أن تكتب عليك أن تعي أن الكلمة مسؤولية لذا يجب أن تكون صادقاً ومخلصاً لمن سيقرأ حروفك، وأيضاً لا تحرص على أن تكون واثقاً فدع الباب مفتوحاً للتراجع حلما يثبت لك خطأ الرأي الذي تؤمن به.


ختم أستاذي كلامه بجملة وبها أختم، قال : إقرأ ثم إقرأ ثم إقرأ ثم اكتب.

الأربعاء، 11 نوفمبر 2015

رواية "ساق البامبو"

رواية "ساق البامبو"

Image result for ‫ساق البامبو‬‎


للتو انتهيت من قراءة رواية ساق البامبو للروائي الكويتي سعود السنعوسي، وهي واحدة من أجمل الروايات التي كتبها، الرواية التي تقع في نحو أربعمائة صفحة صادرة عن الدار العربية للعلوم ناشرون، صدرت طبعها الأولى سنة 2012م، وحصلت على جائزة الرواية العالمية عام 2013.
اسم الرواية التي اتخذها الكاتب نوع من النباتات الشائعة في الفلبين حيث يتميز البامبو بأنه ذو ساق رفيعة وأجوف من الداخل.

تحكي الرواية على لسان بطلها عيسى الطاروف أو هوزيه ميندوزا معاناة شاب ولد لأب كويتي وأم فلبينية كانت تعمل خادمة في منزل أسرة كويتية تزوج ابنها من الخادمة زواجا عرفيا بدون علم أهله، ولم حملت الخادمة قامت العائلة بطردهما، الشاب راشد الطاروف لم يتخلى عن زوجته بل وثق الزواج وظن أن عائلته ستتراجع حلما يرزق بطفل، ولكنه طرد مرة أخرى مع طفله ما أضطره إلى تطليق الخادمة بعد إرجاعها إلى بلدها مع وعد بعدم التخلي عن ابنه والعمل على عودته إلى الكويت ليعيش معه عندما تتهيأ الظروف المناسبة.

يأتي الاحتلال العراقي للكويت فيقع راشد أسيرا ثم بعد عقد من الزمن يتم الكشف عن مصير الأسرى الكويتيين حيث تم استرداد رفاته، وهنا يظهر صديقه غسان الذين يعمل على إعادة عيسى إلى الكويت ويسعى لنزع اعتراف من جدته غنيمة وعماته عواطف ونورية وهند وأخته خولة، تتباين آراء الأسرة حول مصير عيسى الذين يعيش بصورة أولية في ملحق منزل العائلة دون الكشف عن هويته الحقيقية، ولكنه يتعرض للإبعاد بعدما أثار وجوده الريبة.

النهاية ليست سعيدة لعيسى حيث يمر بأحداث تؤكد رفض المجتمع الكويتي له لأنه بوجه (فلبيني) ورثه عن أمه وإن كان يحمل الأوراق الثبوتية الكويتية، وبعدما يستشعر الغربة في مجتمع لا يقبل به، وعائلة ترفض الاعتراف به يقرر العودة إلى الفلبين وهو نص كويتي ونصف فلبيني، نصف مسيحية ونصف مسلم، وذو اسمين عيسى وهوزيه.

إلى جانب العديد من الأحداث الدرامية المشوقة والأسلوب السلس يعالج الكاتب عدد من القضايا الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع الخليجي بشكل عام والمجتمع الكويتي بشكل خاص، قضايا مثل سلطة المجتمع على أفراده، رفض الآخر، مشاكل العمالة الأجنبية، البدون،الأديان وأتباعها، هوية أبناء الزواج بين مجتمعين مختلفين وغيرها من قضايا هامة.

الجميل في الرواية أن نقرأ عن واقعنا من لسان الآخر الذي يعيش في مجتمعنا دون أن تستمع له، فالخليج يضج بجنسيات شتى من العمالة دون أن نسعى أو نحاول فهم احتياجاتها ومشاكلها، نحن لا نتحاور معها ولا نقبل منها ذلك، بل نعاملها بتجاهل كبير، وتسلب منها الحس الإنساني، وهذا العمل يوقظ فينا الحس الإنساني في التعامل مع العمالة الأجنبية التي تعيش بين ظهرانينا.


تساءلت كثيرا وأنا أقرأ ساق البامبو كم في مجتمعنا من عيسى أو هوزيه، ليس من الضروري أن يكون ابن فلبينية، لكن كم في مجتمعنا من شاب يعيش ضياع الهوية في مجتمع لا يتسامح أبدا مع نسق مخالف لما هو عليه، المجتمع الذي يرفض أبن الفلبينية بالرغم من أنه ابن الكويتي، هو ذاته يرفض الشاب المثقف المتمرد على بعض أفكاره أو عاداته أو طقوسه، رغم أنه أبن شرعي تماما لهذا المجتمع فهو عيسى أيضا ..



الخميس، 29 أكتوبر 2015

المثقف الحداثي وتحديات المرحلة

المثقف الحداثي
وتحديات المرحلة

Image result for ‫المثقف الحداثي وتحديات المرحلة‬‎



  
       منذ سنوات والساحة الثقافية المحلية تشهد حراكا ثقافيا وفكريا مميزا ويقفز إلى سطحها العديد من الأسماء الشابة الواعدة والتي باتت لا ترهب الخوض في بحث قضايا فكرية ومعرفية دقيقة متخطية العديد من التابوهات والخطوط التي كانت تعد حمراء، هذا النشاط الفكري الذي برز فيه بشكل أو بآخرالمثقف الإصلاحي أو الحداثي واجهه نشاط مميز في المقابل من المثقف المحافظ أوالتقليدي الذي أخذ على عاتقه الحفاظ على ما اعتبره ثوابت وقيم جوهرية لا يمكن السكوت عن تجاوزها، وفي المجمل شهدت الساحة نشاطا متصاعدا وإن بدى محتقنا في بعض الأحيان إلا أنه أوصل رسالة مفادها أن مجتمعنا مازال بخير على المستوى الثقافي والفكري وأنه قادر على تقديم أسماء جديدة محلقة في سماء الفكر.

وربما كان يقدّر لهذا النشاط الرائع بالتصاعد إلى مديات أعلى لولا أن خطبا ما قد وقع، فلقد دخلت المنطقة في مرحلة جديدة تكاد تكون غير مسبوقة يخشى كثير من الناس أن تكون بداية لأيام صعبة قادمة، فما قبل الدالوة ليس كما بعدها بالتأكيد، حيث وقع أول استهداف مباشر بالقتل على الهوية وهي الهوية الشيعية تحديدا، واستمر الاستهداف بنحو خمس هجمات دموية تفرقت على عام كامل.

من يظن أن هذه الحوادث ستمر دون أثر على المجتمعات المحلية فهو واهم، فالمجتمع الحي الذي شهد كل هذا النشاط الفكري والثقافي سيشهد تحولات بلا شك حتى وإن كانت بطيئة إلا أنها جوهرية.
في الأزمات العصيبة التي يقع القتل فيها على أساس الهوية فإن أفراد المجتمع يتجهون بتلقائية لتعزيز تلك الهوية والحفاظ عليها وعدم التخلي أو المساومة عليها، بل غالبا ما يرافق تلك الحالة مزيد من التأكيد والحرص على إظهارها وإبرازها، ولعلنا وجدنا الحضور الصاخب في مراسيم تشييع الشهداء بما لا تخطئه العين وهو في حالة تصاعد وغليان، كما أن الحضور الجماهيري في إحياء ذكرى عاشوراء شهد زخما أكبر عن السنوات السابقة كما لاحظ بعض المهتمين.

في هذه المرحلة التاريخية التي ربما سيتجه مزاج المجتمع نحو نوع جديد من الموجة المحافظة فإن المجتمع سينظر بمزيد من الريبة والحذر لكل دعوة للإصلاح الديني أو تجديد الخطاب الشيعي، وهنا يجدر بالمثقف الحداثي أو الإصلاحي ألا يحرص على الانتحار في وجه هذه الموجة المتصاعدة، بل إنه مدعو اليوم لطرح خطاب إصلاحي تصالحي أكثر فاعلية وواقعية.

إن المثقف الإصلاحي الذي أشعل الساحة الفكرية والثقافية بخطابه المتجاوز قادر برأيي أن يطرح صورة جديدة يمكنها استيعاب الموجة الجديدة وقيادة الحراك من جديد نحو آفاق جديدة، وهذا ممكن لمعظم وجوه الحراك الثقافي المحلي، أما القلة التي ستبقى تكرر نفس الأفكار بذات الأسلوب المتشنج فأظن أن المجتمع سيتجاوزهم وسيخبو كل البريق الذي كسبوه وسيكون مصيرهم إلى أكثر الزوايا ظلمة وقتامة.


*منشور في موقع المطيرفي بتاريخ  2015/10/28
الرابط


http://www.almoterfy.com/site/index.php?act=showNews&module=news&id=5519#.VjIM5fnoT2Y



الأربعاء، 14 أكتوبر 2015

الدالوة.. عام مضى


   الدالوة.. عام مضى

Image result for ‫الدالوة‬‎


العام الهجري الذي مضى راحلاً وتصرمت أيامه كان عاماً استثنائياً على شيعة المنطقة الشرقية، بدءاً بالهجوم الدموي الرهيب على قرية الدالوة الوادعة على خد جبل القارة الشهير، مروراً بتفجيري القديح والدمام.
لقد كان لهذه الأحداث الدامية أثر مؤلم في القلوب، فلقد كانت الهجمات من الخسة والدناءة أن تهاجم الآمنين في أماكن العبادة بأبشع الوسائل وأقذر الأساليب، مخلفة قتلى أبرياء لم يرتكبوا أية جريرة تذكر.
بالرغم من أهمية الحدث وتاريخيته، إلا أن الأهم هو كيف تصرفنا وسنتصرف بعده.
لقد كان الحدث امتحانا عسيرا على المنطقة ونخبها، وكان يمكن له أن يغير مجرى التاريخ للأبد، وربما كان من الممكن أن يستدعي تطورات جوهرية في حياة الناس، ولكن ما الذي حدث؟ هل كنا على قدر المسؤولية بما يكفي؟ هل حافظنا على الدم الساخن المسفوح في مساجدنا؟
 من المدهش وليس في ذلك مبالغة أن الناس نسوا أو يكادون تلك الحوادث المؤلمة، وانشغلوا في قضايا هامشية وجدالات لا طائل من ورائها رغم أن الدم لم يجف بعد، لم يعد الناس يتذكروا عدد شهداء الدالوة، ولا يتذكرون من هو حيدر المقيلي، ولا يستطيعون تحديد تاريخ تفجير الدمام..
هكذا ببساطة تجاوزنا القضية الأهم في تاريخ المنطقة، وعدنا لنتجادل في كل قضايا العالم إلا قضيتنا نحن، وعادت الحياة لطبيعتها بعدما مننّا على الشهداء بقراءة سورة الفاتحة.
لا أريد أن أكون سوداويا لكن من المؤسف أن تفاعلنا كان مؤقتا ولحظيا وقصيرا، فلم نتوسع لتخلد ذكرى الشهداء ولم نكوّن لجانا فاعلة للتذكير بقضيتهم والمطالبة بحقهم من القتلة، ليس فقط المجرمون الذين نفذوا الجريمة، بل كل مصاصي الدماء الذين حرضوا وكفروا وشحنوا النفوس والقلوب ومهدوا الطريق لمثل هذه الجرائم البشعة.
إننا عندما نطالب بعدم نسيان الدالوة، فليس الأمر قضية بكاء ونواح، وليس من أجل شرفاء لبوا نداء الشهادة، إنما من أجل الأطفال الذين ولدوا عشية الدالوة، من أجل كل من يعيش على تراب هذا الوطن، من أجل أن نستمر في تنفس هذا الهواء ونشرب من زلال هذا الماء، فإننا إن نسينا الدالوة فذلك يعني أننا سنقبل بدالوة ثانية وثالثة لا سمح الله.
إن النضال من أجل الكرامة والعزة درب طويل يحتاج إلى صبر وتضحيات، فإن لم نتعلم من كربلاء هذا الدرس فلا قيمة ترتجى بعد ذلك.

الأربعاء، 15 أبريل 2015

مرض التصنيف

مرض التصنيف

نتيجة بحث الصور عن نختلف ولكن


تعطي المعرفة والثقافة صاحبها الوعي والبصيرة التي يحتاجها لمقابلة شتى التيارات والعواصف الفكرية التي تعبر المجال المعرفي للمجتمعات بين فترة وأخرى مخلفة آثارها الحميدة أحياناً والمدمرة أحياناً أخرى، فالمثقف المتسلح بالوعي أقدر الناس على مواجهة هكذا ظروف متقلبة، لكن المتغيرات الثقافية أصابت مجتمعنا بمرض خطير اسمه مرض التصنيف.

نعني بمرض التصنيف هو تقسيم الناس لفئات ومجموعات فكرية وثقافية قياساً على مواقفهم أو أفكارهم أو مقولاتهم، وليست المشكلة في مجرد التصنيف فهو في أساسه ممارسة علمية رصينة في مختلف العلوم والمجالات المعرفية، إنما المشكلة تكمن في أمرين اثنين:

الأول أن هذا التصنيف لا يمارس وفق معايير وأسس معرفية صحيحة، بل يغلب على ممارسي التصنيف الإنطلاق من واقعة واحدة ليتم تعميمها على كامل الخطاب الثقافي للشخص المصنف، قد تكون هذه الواقع مقالاً أو حديثاً عابراً أو كلمة قيلت في لحظة انفعال، وهذا قصور شديد من المصنف، فمن يريد التصنيف الدقيق يلزمه القيام باستقراء شامل للنتاج للمعرفي للشخص المصنف وتحليله تحليلاً دقيقاً للوصول إلى تصنيف رصين.

أما الأمر الثاني الذي يجعل من التصنيف مرض خطير، فهو حالة الإستعداء التي تتبع التصنيف، فما أن ننتهي من تصنيف عدد من المثقفين حتى نفترض أنهم أعداء تدور بينهم المعارك التي لا تنتهي والتي لا يخمد أوارها ليل نهار، وما أن يكتب شخص يصنف على تيار ما حتى يصبح لازماً على التيار الآخر الرد عليه و أخذ الثأر منه.

لو كانت هذه المعارك معارك فكرية حقيقة لما كانت محل استهجان ولكنها في حقيقة الأمر أقرب إلى الترف الفكري، والسبب في رأيي هو في غياب المشروع الثقافي الحقيقي، أو ربما غياب الرؤية الواضحة للمشروع لمن يرى في نفسه صاحب مشروع، لذا ليس من الحكمة الدخول في طريق لا تعرف معالمه جيداً وإلا فإن النتائج غير مأمونة.


دعوتي للجميع قبل أن نستعجل في طرق دعاوى التصنيف وممارسة هوايتنا المفضلة في تقسيم الناس إلى مجموعات متصارعة علينا أن نبحث عن المشاريع الفكرية والثقافية الحقيقية والعمل من أجلها وعدم الإنشغال بتصنيفات لن توصلنا إلى أي شيء.

الأربعاء، 18 مارس 2015

جهاد القراءة

جهاد القراءة


 




شهدت وسائل المعرفة تطوراً هائلاً شمل جميع جوانبها خصوصا التقني منها، فلم يعد تلقي المعلومة حكراً على الكتاب كما كان في سالف الزمان، بل أصبحت الوسائل السمعية والبصرية أقرب إلى قلوب الناس وأيدهم، حتى بات إمساك الكتاب لساعة أمام إغراء التلفاز وجاذبية الإنترنت أمراً صعباً يحتاج إلى مجاهدة النفس وإكراهها عليه لمن لم تغدو القراءة ضمن تربيته وسلوكه التلقائي.




من هنا تنبع أهمية جهاد القراءة إذ فيه جهد ملموس، وهو يبدأ من الطفولة الأولى في تعويد الطفل على وجود الكتاب وتصفحه والأنس به، ثم التعود على إدراج المجلات الثقافية والكتيبات المعرفية ضمن سلة المشتريات الشهرية، وزيارة المكتبات بشكل دوري ضمن نشاطات الأسرة المعتادة، وبناء مكتبة الأسرة الصغيرة لتحوي كل مفيد ومنوع ومناسب لاختلاف رغبات الأفراد.


وبالرغم من أن المعرفة لا تتقولب في وعاء واحد إلا أن أهمها على الإطلاق الكتاب، لما يتيحه من مصداقية وعمق وشمولية ودقة واحترافية تفتقد في غيره، فالتلفاز مثلا يطبع غالباً بالإثارة والقشرية في الطرح والاهتمام بالصورة على حساب المعلومة وما يشد المشاهد على حساب الموضوعات المعرفية التي يحتاجها.



أما الإنترنت فهو عالم واسع جداً، فيه الكثير من المفيد ولكن المحتوى العربي مازال قاصراً جداً، كما أن المصداقية تكاد تكون نادرة إن لم تكن مفقودة، مما يجعل القارئ الجاد يمارس انتقائية شديدة لكي لا يقع في فخ التدليس والتزوير والتحريف، خصوصا في ظل حروب التيارات التي اتخذت من الشبكة العالمية ساحة لها، لذا يجب أن يكون كل ما فيه متهم في صحته حتى يثبت العكس. 



وإذا كان لكل شيء ربيع، فإن معارض الكتاب تعتبر ربيعها المزهر الذي لا غنى لأي قارئ عنه، فمعارض الكتاب حدائق غناء بشتى صنوف الورود تتجمل بأبهى الألوان فيعبق شذاها ويشدو فيها البلابل بأعذب الأنغام، ويبقى للزائر أن يختار بذوقه ما تهفو له نفسه التواقة من المعارف والآداب.

الأحد، 1 مارس 2015

العلاقة بين المثقف ورجل الدين

العلاقة بين المثقف ورجل الدين

نتيجة بحث الصور عن العلاقة بين المثقف ورجل الدين


قد لا يكون هناك جدل شغل الوسط الثقافي العربي بقدر ما شغله الجدل حول علاقة المثقف برجل الدين، والإجابة على سؤال كيف يجب أن يكون شكل تلك العلاقة؟ هل هي علاقة تكامل أم علاقة تضاد وتصادم؟ هل يمكن رسم صورة مثالية لهذه العلاقة؟
يجدر في البدء أن نشير إلى وجود إشكالية رسمت مبكراً بين فئتين من كلا الطرفين، ففي طرف المثقفين هناك فئة لا تتخيل أي علاقة طبيعية مع رجال الدين ولا يرون في طبيعة العلاقة بين الطرفين سوى الصدام الحتمي ولا ينظرون إلى رجل الدين إلا كصورة من صور الرجعية والتخلف، والسبب يعود إلى استنساخهم لتجربة الأنوار الأوربية التي قامت على الصدام بين المثقف والكنيسة، وهم يمنّون النفس بضرورة الانتصار وحشر رجال الدين في دور العبادة دون أن يكون لهم أي أثر في الحياة العامة، وهذه النظرة تغفل الفارق الكبيرة بين طبيعة الإسلام والمسيحية وحجم وشكل الدور الذي لعبه رجل الدين في كليهما على مدى التاريخ.
أما في الطرف الآخر فإن هناك فئة من رجال الدين تستحقر المثقف ولا ترى فيه سوى أداة بيد أعداء الدين لهدمه من الداخل ويسبغون عليهم صفة النفاق في تماثل للدور الذي لعبه المنافقون في تاريخ الإسلام، ولا يقرأ هذا التيار في الخطاب الثقافي سوى معاداة الدين وتغريب المجتمع وتدمير أخلاق الناس وإشاعة الإباحية والإنحلال .
لقد انعكست هذه الصورة الذهنية المشوهة على شكل وطبيعة العلاقة بين الطرفين في العالم العربي وتمثل في خطابات تكفير وتخوين وتحقير ولم تقف حتى سال على إثرها الدم واكتظت بسببها السجون وحرقت كتب وذخائر معرفية نفيسة وصنعت مآسي وحفرت خنادق من الألم والآهات.
في مقاربة العلاقة بين المثقف ورجل الدين كتبت الكثير من المقالات وألفت العديد من الكتب، لكنها لم تنعكس بشكل حقيقي على الواقع فمازالت تراوح مكانها في خانة التنظير الصرف، ويبقى المعول عليه في هذه القضية ولادة مشروع حقيقي يتجاوز الفهم المشوه إلى إنجاز يخدم المجتمع ويرتقي به، الأمر الذي لا يمكن أن يكون إلا عندما يسود الخطاب الوسطي المعتدل من ناحية، وخلق منتج معرفي محلي يتجاوز أنموذج الحداثة الغربي الذي يراه البعض كأنموذج مثالي يحتذى.

الساحة الأحسائية ليست استثناءا و تزخر بكل ما في الساحة العربية من حراك و نشاط فكري فاعل، مع وجود بعض الفوارق البسيطة، ولعل أبرز مايميز الساحة الأحسائية أن الطلاق لم يقع بين طبقتي رجال الدين و المثقفين رغم ارتفاع حدة الخطاب، ومازال التسامح الذي عرف به الاحسائي كسمة شخصية هي الطابع العام، وربما تسفر الايام القادمة أو كما أتمنى مشروعا فكريايمكن ان يخدم الساحة الاحسائية  ويثريها.