الاثنين، 3 مارس 2014

مع أمين معلوف >>في هوياته القاتلة 1/3

مع أمين معلوف
في هوياته القاتلة
1/3


<1>


بالرغم من حجمه الصغير نسبيا إلا انه اكتسب أهمية كبيرة من عدة جوانب و لعدة اسباب ، فهذا الكتاب يعيد طرح سؤال الهوية المقلق للعربي و المسلم بإسلوب و منهجية مهمة تتداخل فيها الطبيعة المركبة للكاتب من جهة و من طبيعة الموضوع المقلق من جهة اخرى.

كتب العرب الكثير من الكتب و المقالات حول سؤال الهوية منذ صدمتهم الحضارية و اكتشافهم الفجوة الكبيرة التي تفصلهم عن الركب الحضاري الغربي منذ غزو نابليون لمصر ، و حاول المسلمون اللحاق بركب الحضارة لكن قلق الهوية و الخوف من فقدان كنزهم التراثي بقي عامل تردد مهم و مصدر صراع ذاتي دائم.
 تقدم الزمن بالبشرية و معها بقي العرب و المسلمون حائرون في سؤال الهوية ذاته حتى مع دخولهم عصر العولمة و تشظي الهويات و تبدلها و اصطراعها ، ضمور بعضها و بروز اخرى ، و نحن لم نحسم هذا السؤال المر و لم نصل بعد الى حالة توافق تؤهلنا للتقدم بروح واثقة و بحالة مصالحة مع الذات بحيث ننغمس في الركب الانساني دون شعور بعقدة ذنب تجاه ذواتنا و خلفيتنا الحضارية..
و من هنا يقدم أمين معلوف وصفته المهمة في معالجة سؤال الهوية، و خصوصا انه خاض غمار بحر القلق ليصل الى بر الامان -من وجهة نظره على الاقل- و لأن للكاتب دور في اكتساب الكتاب اهميته سنخصص الجزء التالي للتعرف عليه...

<2>

الخلفية التي يأتي منها أمين معلوف كان لها أثر بارز في اهمية الكتاب  بأكثر من ناحية..
فهو الاديب و القاص و الروائي الذي طبع كتابه بأسلوب أدبي سلس جعله قريبا جدا للقارئ و متماه بشكل كبير مع حاجة الانسان العادي إذ لا يحتاج القارئ لخلفية فكرية ضخمة لفهم محاور الكتاب في قضية شائكة و معقدة كقضية الهوية، يمكن القول ان معلوف استطاع برشاقة راقصة البالية ان يقدم عملا فكريا أدبيا يطرب له القارئ.
من ناحية أخرى فإن معلوف يكتب في كثير من الأحيان عن ذاته إذ أنه عانى من اضطراب الهوية في مسيرة حياته.
معلوف اللبناني العربي الذي اضطرته ظروف الحرب الاهلية لمغادرة وطنه حيث مرتع صباه حتى اولى سنوات شبابه ليستقر بشكل نهائي في فرنسا ، و هو المسيحي الكاثوليكي المنتمي الى طائفة الروم الملكيين وسط عائلة منقسمة الى طوائف عدة ، بل إن أحد اسلافه كان متهما بالماسونية.
خلفية معلوف متخمة بهويات مختلفة من جدة تركية و جد ماروني مصري و شقيق جده اول من ترجم موليير و عرضه على المسرح العثماني...
هو مسيحي لغته الام هي العربية التي هي لغة الاسلام ، لبناني الاصل فرنسي الجنسية و الموطن ، تابع للطائفة الملكية مسجل كبروتستانتي وسط عائلة متخاصمة بين تقليدين اثنين أو أكثر ...

يتسائل معلوف ... هل هذه الانتماءات  تجعلني مشترك في الهوية مع مليارات البشر ام تجعلني مميزا في هويتي و ربما لا يشترك معي في هذا المكون المركب اي احد فأنا اشكل هوية فريدة من نوعها؟؟!.
هل أنتمى لهوية محددة ام انني لا انتمنى لأحد؟؟!

لاحقا يسلط معلوف الضوء على الدور الدامي الذي لعبته الهوية في مواطن النزاع كيوغسلافيا السابقة ، و هذا ما سنحاول تسليط الضوء عليه بشكل موجز في الجزء التالي..



<3>




 في تجربة فريدة يسأل معلوف عن الآلية التي تتشكل فيها الهوية و تنال أهميتها ، فهي بشكل عام مكتسبة و ليس أصلية فلو عزلنا طفل منتمي بالوراثة لهوية معينة عن وسطه العائلي و زرعناه في وسط آخر لاكتسب الهوية الجديدة و لم يجد في نفسه اي صلة بالهوية السابقة..
و لكن الاهمية للهوية تكتسب ايضا حسب المكان و الزمان فالزنجي الاسود في جنوب افريقيا و في وسط نظام عنصري مختلف الى حد كبير بأهمية هويته العرقية من زنجي أسود عاش في نيويورك .
كما ان تضخم الهوية يتبدل مع الموجات السياسية ايضا فالمسلم الذي عاش في يوغسلافيا - تيتو - عندما كانت دولة قوية كان يجد نفسه في هويته اليوغسلافية ، لاحقا عندما تفككت الدولة عرف ذات الشخص نفسه بأنه بوسني أو كرواتي أو صربي ، و عندما اندلعت الحرب الاهلية هناك وجد نفسه مسلما أو مسيحي أكثر من اي شي آخر.
في الحروب و خصوصا الاهلية منها يصبح سؤال الهوية قاتلا فالمسلم يقتل المسيحي و الهوتي يقتل التوتسي و اليهودي يقتل العربي و الصربي يقتل البوسني..
لكن بما سيشعر انسان ولد من اب مسلم و ام يهودية في فلسطين او رجل له اب توتسي و ام من الهوتو في راوندا؟
هل ستتغلب هوية ما لتقتل الاخرى ام سيجد طريقا للتعايش بين الهويات المصطرعة حتى القتل؟!
إن اختزال الانسان لهوية في شكل واحد غالبا ما ينتج متطرف و ربما قاتل ، فجل الصراعات الدامية في العالم كانت مرتبطة بصراع الهويات.
 هل يمكن يكون تعدد الهويات وسيلة ناجحة لتجنب الصراعات و الدماء قبل ان تتحول الهوية الى قاتل ...
يخلص معلوف للقول ان الهوية هي صديق مخادع.

>>>>>> يتبع



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق