في هوياته القاتلة
2/3
<4>
يقارب معلوف قضية شائكة و هي قضية الاسلامفوبيا
التي انتشرت في الغرب بعد احداث سبتمبر وما تلاها من حروب خلصت لتنميط المسلمين في
صورة الارهابي القاتل،و في الوقت ذاته برزت صورة طالبان و السلفيين كصورة للاسلام.
فهل الاسلام دين عنيف؟ ام ان السلفية لا تمثل جوهر الاسلام؟
يخلص معلوف للقول انه يرفض كلا الفكرتين فالعنف ليس وصمة
لهوية محددة و لا يمكن ربطة بهوية دون اخرى و في ذات الوقت لا يمكن ابعاد فئة ما
عن تمثيل هوية ما كما هو الحال مع
السلفيين و الاسلام.
و لكن معلوف يقدم تفسيرا آخر ، ان الدين يتأثر بالمجتمع كما
ان المجتمع يتأثر بالدين ،في هذا الصدد يرجعنا الكاتب الى التاريخ ففي حين كانت
الكنيسة المسيحية متشددة جدا و تمارس العنف الدموي ضد خصومها في القرون الوسطى عرف
المسلمون ارقى انواع التسامح و قبول الآخر فقد تعايشت الاديان في كبرى المدن
الاسلامية كبغداد و دمشق و القاهرة ،بل ان عاصمة الخلافة العثمانية اسطنبول كان
اكثرية سكانها في زمن مضى من المسيحيين فهل يمكن ان ترى عاصمة اوربية ذات اكثرية
مسلمة؟
فهل كانت المسيحية دين غير متسامح؟ام ان الكنسية لم تمثل جوهر
المسيحية؟
بل أن معلوف يوسع الدائرة ليقول انه لا يوجد عقيدة تحريرية بذاتها
فكلها يمكن ان تنحرف و تصبح دموية كما حصل مع الشيوعية و القومية و الليبرالية في
حالات عديدة فهل هي لا تمثل جوهر هذه الافكار؟
تأثير المجتمعات على الاديان كبير جدا فالمسيحية اليوم هي من
شكلت اوربا كما أن اوربا هي من شكلت المسيحية،و الامر ذاته في الاسلام فعندما كان
المسلمون منتصرين عكسوا ثقافة التسامح وقبلوا الثقافات الأخرى و انفتحوا عليها و
عندما وجدوا انفسهم منهزمين خائفين على هويتهم اصبحوا يتوجسون من كل شيء.
<5>
"عندما ارى الخميني محاطا بحرسه الثوري يلعن الشيطان الاكبر و
يطالب بمحو اي اثر للثقافة الغربية، اتذكر ماوتسي تونغ محاطا بحرسه الاحمر يلعن
النمر الورقي و يطالب بمحو كل اثر للثقافة الرأسمالية"...
بهذه العبارة التي انقلها-بتصرف- عن معلوف يدلل على اثر
المجتمعات على الديانة فحركات العالم الثالث في الستينات و السبعينات متشابهة الى
حد التماهي ،و ستجد اثر الحركات التحررية المعاصرة لثورة الخميني اكثر وضوحا من
البحث عن خلفية تاريخية في الاسلام.
ليس كل ما يجري في بلد مسلم يجب وضعه تحت عنوان (اسلام)
لتفسيره فأنت تستطيع قراءة عشرة مجلدات في تاريخ الاسلام و لن تفهم شيئا مما يجري
في الجزائر بينما قراءة عشر صفحات عن الاستعمار و التحرر ستفهمك الكثير.
يروق للبعض خصوصا في الغرب تحميل الاسلام سبب جمود المسلمين و
تخلفهم و لكنه حكم متعسف و كأن المسيحية هي دين الرقي و التقدم و قد شهد تاريخ
الكثير من الهنات ، فقد تكون الديانة ضحية المجتمعات فعندما يغيب التحديث عن المجتمع
فهي ليس بالضرورة رغبة دينية، فقد طور الغرب و بدل الكثير من الافكار الدينية قبل
ان يشهد حضوره الحضاري المتصاعد ، في الوقت ذاته شهدت المجتمعات الاسلامية بين
القرنين الخامس عشر و التاسع عشر غيابا فكريا و ثقافيا وسياسيا و عجز عن تحديث
ذاتها .
يذهب معلوف الى وجود عوامل اخرى غير الدين في سلوك الانسان
كالتاريخ و الاحداث المفصلية في تشكيل هوية المجتمعات و تفسر اسباب تأخر امم دون
اخرى و هذا ما يستدعيه لسبر غمار تجربة محمد علي باشا والي مصر الذي خاض اول تجربة
اسلامية مع الحداثة و لما كان لهذه التجربة الفاشلة أثر بارز في تعثر دخول العرب و
المسلمين في ركاب الحداثة المعاصرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق