الخميس، 29 يناير 2015

ما دور المثقف ؟


     ما دور المثقف ؟



أشرنا في المقال الفائت إلى جدلية تعريف مصطلح المثقف وعدم الوصول إلى صيغة محل اتفاق، والأمر منعكس بشكل جلي في كل محاولات التعريف بدور المثقف في المنظومة الاجتماعية، وسأقوم بعرض ثلاثة صيغ لتعريف دور المثقف دون أن ندعي أنها محل اتفاق، إنما الهدف من عرضها محاولة لتبسيط الإشكال.

يرى البعض أن الدور الأساسي للمثقف هو التنوير ويرى أن مصطلح تنويري أكثر صحة من مصطلح مثقف قياساً على الدور الكبير الذي قام به مثقفو أوربا في عصر التنوير، فيلزم أن يكون دور المثقف هو التنوير وقيادة وعي الناس والخروج بهم من حالة الانحطاط و الظلمة إلى عصر التنوير.

الاتجاه الثاني في تعريف دور المثقف يذهب إلى أن وظيفة المثقف هي سد الثغرة الموجودة بين المختص وعامة الناس، إذ يعجز المختص في علم ما كالطب أو الهندسة أو الفلسفة عن إيصال الأفكار إلى عامة الناس نتيجة استغراقه في جمود العلوم ومصطلحاتها بينما يعجز الناس عن فهمها بسبب عدم تخصصهم، فيكون دور المثقف الناقل الوسيط للمعرفة بين المختص وغير المختص نتيجة استيعابه للعلوم و قدرته على الشرح والتبسيط.

أما الاتجاه الثالث في هذا المجال فيذهب إلى أن دور المثقف في المجتمع هو خوض غمار المناطق المنسية و طرح الأسئلة المسكوت عنها، ففي كل مجتمع تحدث حالة من الجمود نتيجة التسالم على مجموعة من الأفكار والنظريات على مدى زمني طويل نسبياً حتى تغدو حقائق و مسلمات غير قابلة للنقاش، فيأتي المثقف ليطرح السؤال الذي لا يرغب أحد بطرحه، لماذا؟ وكيف؟ وماذا لو؟ وهل هذه حقيقة أم خرافة؟ مما يثير حفيظة نخبة من الناس التي تخشى من حدوث تغيرات غير محسوبة في المجتمع .

و أياً يكن دور المثقف فمن الواضح أنه لن يكون دوراً سهلاً أو بسيطاً، بل إن البعض كما المفكر الأمريكي إدوارد سعيد يرى أن المثقف يجب أن يبقى في حالة صراع مع جميع أنواع السلطات سواءاً كانت سياسية أو اجتماعية، و أن يترفع عن كل إغراءات السلطة والثروة والجاه، ويشير المفكر الفرنسي روجيس دوبريه إلى أنه لا يكفي من المثقف أن يحسن الكلام ويكون أكثر شيء جدلا، بل عليه أن يصدق كلامه بالعمل لكي يكون ملتزماً مع قيمه وأخلاقياته ، وصادقاً مع نفسه ووطنه وأمته.

هذا كله يضعنا أمام سؤال مهم وهو هل يوجد لدينا مثقفون في الأحساء؟ وهل قاموا بدورهم كما ينبغي؟ سنحاول أن نتلمس الطريق نحو إجابة هذه التساؤلات في المقال القادم..




الأحد، 25 يناير 2015

هل أنت مثقف؟؟

هل أنت مثقف؟؟


انتشر مصطلح (المثقف) في الآونة الأخيرة وكثر استخدامه بين أفراد المجتمع، وكثيرا ما يدور الجدل حول هل فلان يعد مثقفا أم لا؟ وما هو دوره و مهمته في المجتمع؟ وهل المثقف إنسان جيد أم لا؟ 

الملاحظ أن هناك ارتباك في التعامل مع مصطلح المثقف على مستوى أفراد المجتمع العاديين، وهذا مبرر فالمصطلح يعد جديدا –نسبيا- في الثقافة المحلية، إلى جانب أنه وافد لنا من خارج الثقافة العربية أساسا، وبالعودة إلى مصادر المعرفة العربية لن تجد هذا المصطلح متداول بشكل واف.

الإرباك في التعامل مع المصطلح لا يخص أفراد المجتمع العاديين بل حتى النخب العربية ليست على موقف واحد منه، فهناك من ذهب لضرورة إيجاد مفردات الثقافة الأم (الأوربية) كي يعمل المصطلح بشكل صحيح في البيئة المحلية، بمعنى أن مصطلح المثقف لا يمكن فصله عن الثقافة الأوربية التي ولد في رحمها، بينما ذهب آخرون إلى أصالة المفهوم رغم حداثة المصطلح، أي أن المثقف كان قائما في الثقافة العربية دون هذا العنوان، وبدأت محاولات جادة لتأصيل المصطلح في الحالة العربية، فاعتبروا الجاحظ والمتنبي وابن المقفع وابن خلدون مثقفي عصورهم.

وأمر آخر يختص بمصطلح المثقف وهو أنه يعد من المصطلحات المرنة السيالة والتفاعلية مع البيئة والواقع الاجتماعي بخلاف المفاهيم الجامدة التي تأخذ معنا محددا وتجمد عليه، فالمثقف في عصر ما قد لا يكون كذلك في عصر آخر، والمثقف في مجتمع ما قد لا يكون كذلك في مجتمع آخر.

إذن من المفهوم جدا أن يحتار رجل الشارع البسيط عندما يفكر في سؤال من هو المثقف؟ في حين لا يجد صعوبة تذكر عندما يريد أن يعرف مصطلح (الشيخ أو رجل الدين) لأنه اعتاد التعايش معه بشكل يومي وفهم دوره في المجتمع، بخلاف المثقف الذي مازال شيئا هلاميا وغامضا.

يوجد في المصادر العربية أكثر من مئة تعريف مقترح لمصطلح المثقف دون أن يكون بينها واحد محل إجماع أو أن يكون جامعا مانعا لتوضيح هذا المفهوم.

وعلى هذا فإن إجابة السؤال هل أنت مثقف؟ لن يكون أيضا محل اتفاق، فمن أعتبره أنا مثقفا يمكن ألا تعتبره أنت كذلك، فهذا راجع لفهم كل واحد منا لهذا المصطلح الجدلي والعصي على الترويض والانصياع، بقي أن نفهم ماهو دور المثقف وعمله داخل 
المنظومة الاجتماعية، وهذا ما سنتحدث عنه لاحقا.



الأحد، 18 يناير 2015

صديقي .. صاحب القنبلة

صديقي .. صاحب القنبلة


  على كراسي مقهى هادئ في ضواحي المدينة تلاقينا ، نتبادل اطراف الحديث على ايقاع رشفات اكواب قهوة ساخنة ، و تداعب وجهينا  نسمات هواء عليل .
صاحبي هادئ الطبع خفيض الصوت غير ان له ضحكة مجلجلة يتجنب اظهارها في مكان عام كهذا و يحتفظ بها للمجالس الخاصة .
دار الحديث بيننا حول الاسلوب الانجع لتغيير المجتمع و احداث نقلة نوعية في وعيه و فكره و تعاطيه السبلي غالبا مع القضايا الملحة ، كنت ارى ان التغيير يجب ان يتمرحل و يكون ضمن خطة تنفذ في وعي النخبة الثقافية و رجالات المجتمع إذ ان التغيير العشوائي اللاواعي هو اقرب للفوضى منه للحداثة و التطوير ، إننا نريد التغيير الايجابي عبر الوعي و المعرفة و هذا الامر يحتاج الى جهد و وقت .
بينما صاحبي افصح عن قنبلة مخبأة ، قال لي : اسمع المجتمع لن يتغير بالطريقة التي تقول ، انه بحاجة الى قنبلة ، القنبلة وحدها يمكنها ان تحدث صدمة كافية لإحداث تغيير حقيقي و سريع ، ربما سيتصور الامر على شكل فوضى في البداية و لكن لاحقا سيكون الوضع مهيئ جدا لتنظيم الامور وفق وعي النخبة .
 لست متحمسا كثيرا لفكرة القنبلة و لكنها طريقة و إن بدت في حديثه انها فعالة و سريعة غير انها غير مأمونة العواقب .
أحيانا الصدمات تولد الانكماش السلبي و ليس الانفتاح الايجابي ، و من يدري ربما تولد الصدمة انفتاحا سلبيا جدا يصبح معالجته من المستعصيات .
سألني : ما رأيك هل نجعل القنبلة ضخمة جدا ، أم قنابل بسيطة و صغيرة ؟؟
في الواقع ان مجتمعنا يتعرض لقنابل كثيرة منذ مدة و لكن انعدام الوعي و سلبية المثقفين و تصدي التقليديين العنيف لها ، تمنع حتى الان من استثمارها في الاتجاه الصحيح .

هناك من رمى بقنابل في محاولة للتغيير و لكنه اصبحت اقرب الى العملية الانتحارية فقد قتلت صاحبها دون اي تغيير يذكر .
إن الجمود ليس خيارا و تغير المجتمع حتمي لكن السؤال هو بإي اتجاه و بأي ثمن؟
ما أتمناه و أرجوه أن تكون النخب من الوعي بمكان لقيادة هذا التغيير الواعي ، نحن بحاجة لمشروع و رؤية خلاقة و عميقة لمستقبلنا و مستقبل الاجيال القادمة. 

الخميس، 1 يناير 2015

المثقفون الجدد


المثقفون الجدد




لا أرى ان هذا المصطلح المتداول حديثا (المثقفون الجدد) يحمل الدقة في جنباته في توصيف حالة موجودة في الواقع .. كما لا ارى ان بديلا مناسبا له يمكن ان يكون اكثر دقة .
فبعض من يمكن ان يدخل تحت هذا المصطلح لا يمكن ان يكون مثقفا بأي معيار من معايير الثقافة كما ان الحالة ليست جديدة بشكل كامل و خالص . فلها أشباه عديدة الى جانب ان كثير من الافكار المتداولة سبق طرحها و مناقشتها منذ عقود . وطبعا كلامي هذا لا يعني أن هذه الحالة لا تشمل مثقفين حقيقيين و لا يعني أنهم لم يطرحوا جديدا مطلقا .

اذن ما الامر الذي نحدد بصدده..
سأحول ان أوصف الحالة و لا أقول عنها ظاهرة توخيا للدقة .
في الماضي عندما يقرأ الشاب و يفكر و يتسائل . و عندما يتجرأ فيفصح عما يعتمل في داخله . كان يواجه بحالة من القمع الشديد من افراد المجتمع حتى يجبر على السكوت و التخلي عن تفكيره أو العيش بحسرة . كان من الشائع ان يرضح لواعظ يناصحه بأن العاقبة السيئة مصيره و أن عليه ان يرعوي قبل فوات الاوان . كان يقال له أن الشك تعبير عن نقص الايمان و نبت النفاق في صدر المسلم .
اليوم تغير الامر مع وسائل التواصل الاجتماعي . اصبح الامر اقل من فكرة تخطر على البال فيقرأها العالم قبل ان يفكر بها مرسلها . المجتمع الغير معتاد على الصوت المختلف و الرأي المغاير يرد بعنف و أحيانا بشتائم و سباب . فيضطر صاحب الفكرة للدفاع عنها دون أن يكون متأكدا أو مقتنعا تماما.
الجديد أن الشاب اليوم لم يعد بحاجة لمنبر المسجد أو الحسينية لإيصال صوته . لم يعد مضطرا لكسب بركة الشيخ ليقف امام الناس . لم يعد يخشى أي خط أحمر أو أصفر أو أخضر اجتماعيا أو دينيا أو ثقافيا .
نحن اليوم أمام طبقة – فئة – مجموعة لا أعرف كيف أكون دقيقا . تقوم بالنقد و بالصوت المرتفع لكل شيء دون نسق معين أو منهجية محددة . و الاهم أنه لا أحد قادر على ايقافها .

عندما برز صوت السيدة كوثر الاربش مثلا أحدث صوتها رد فعل عنيف جدا و أصبحت حديث المجالس خصوصا الالكتروني منها كان هناك رغبة في إنهاء هذا الصوت . كتبت يومها . أيها السادة : آن لكم أن تعوا المتغير الجديد . فكوثر لم تكن سوى قمة جبل الجليد . و فعلا سمعنا أصوات أخرى تعلو  و تعلو .

ربما لا يكون صوت المثقفين الجدد مهما اليوم و لكنه يتشكل و يؤثر و يحفر لنفسه موقعا في عقول الجيل القادم . و أرى قدرة هذا الصوت على التعلم من أخطاءه و الرقي بفكره و كسب شعبية تتجه نحو المزيد .

الآن ما هو دور النخب في المجتمع .

قبل أسابيع تحدث أحد الخطباء المعروفين في المنطقة (وهو يشير الى هذه الظاهرة) قائلا : علينا أن نسمع صوت الشباب و نقبل بهم .
هذا هو الصوت العقلاني و المنطقي و المعول عليه . آن الاوان للاعتراف بوجود هؤلاء و أعطائهم فرصة للحديث و الفعل .
ما أراه أنهم قادرون على التغيير على الصعيد الاجتماعي و يبدو لي أننا سنرى تغيرات اجتماعية مفصلية خلال عقد أو عقدين . و  لكن لا أتصور أن التغيير الفكري متاح حاليا . فبنية الفكر الشيعي ليس سهلا و أتصور أن هذا المجال سيكون بيد العراقيين فيما لو سنحت لهم الظروف في خلق بيئة فكرية و ثقافية مستقرة بحاجة الى استقرار سياسية و اقتصادي مهم .