ما دور
المثقف ؟
أشرنا في المقال الفائت إلى جدلية تعريف مصطلح المثقف وعدم الوصول إلى صيغة محل اتفاق، والأمر منعكس بشكل جلي في كل محاولات التعريف بدور المثقف في المنظومة الاجتماعية، وسأقوم بعرض ثلاثة صيغ لتعريف دور المثقف دون أن ندعي أنها محل اتفاق، إنما الهدف من عرضها محاولة لتبسيط الإشكال.
يرى البعض أن الدور
الأساسي للمثقف هو التنوير ويرى أن مصطلح تنويري أكثر صحة من مصطلح مثقف قياساً
على الدور الكبير الذي قام به مثقفو أوربا في عصر التنوير، فيلزم أن يكون دور
المثقف هو التنوير وقيادة وعي الناس والخروج بهم من حالة الانحطاط و الظلمة إلى
عصر التنوير.
الاتجاه الثاني في
تعريف دور المثقف يذهب إلى أن وظيفة المثقف هي سد الثغرة الموجودة بين المختص
وعامة الناس، إذ يعجز المختص في علم ما كالطب أو الهندسة أو الفلسفة عن إيصال
الأفكار إلى عامة الناس نتيجة استغراقه في جمود العلوم ومصطلحاتها بينما يعجز
الناس عن فهمها بسبب عدم تخصصهم، فيكون دور المثقف الناقل الوسيط للمعرفة بين
المختص وغير المختص نتيجة استيعابه للعلوم و قدرته على الشرح والتبسيط.
أما الاتجاه الثالث
في هذا المجال فيذهب إلى أن دور المثقف في المجتمع هو خوض غمار المناطق المنسية و
طرح الأسئلة المسكوت عنها، ففي كل مجتمع تحدث حالة من الجمود نتيجة التسالم على
مجموعة من الأفكار والنظريات على مدى زمني طويل نسبياً حتى تغدو حقائق و مسلمات
غير قابلة للنقاش، فيأتي المثقف ليطرح السؤال الذي لا يرغب أحد بطرحه، لماذا؟
وكيف؟ وماذا لو؟ وهل هذه حقيقة أم خرافة؟ مما يثير حفيظة نخبة من الناس التي تخشى
من حدوث تغيرات غير محسوبة في المجتمع .
و أياً يكن دور
المثقف فمن الواضح أنه لن يكون دوراً سهلاً أو بسيطاً، بل إن البعض كما المفكر
الأمريكي إدوارد سعيد يرى أن المثقف يجب أن يبقى في حالة صراع مع جميع أنواع
السلطات سواءاً كانت سياسية أو اجتماعية، و أن يترفع عن كل إغراءات السلطة والثروة والجاه، ويشير المفكر
الفرنسي روجيس دوبريه إلى أنه لا يكفي من المثقف أن يحسن الكلام ويكون أكثر شيء
جدلا، بل عليه أن يصدق كلامه بالعمل لكي يكون ملتزماً مع قيمه وأخلاقياته ،
وصادقاً مع نفسه ووطنه وأمته.
هذا كله يضعنا أمام
سؤال مهم وهو هل يوجد لدينا مثقفون في الأحساء؟ وهل قاموا بدورهم كما ينبغي؟
سنحاول أن نتلمس الطريق نحو إجابة هذه التساؤلات في المقال القادم..