الأربعاء، 19 مارس 2014

مشاهداتي:معرض الرياض للكتاب 2014


مشاهداتي
معرض الرياض للكتاب 2014

قنطرة حضارة




من جديد حط معرض الكتاب في ارض المعارض بالرياض في موعده السنوي و لعشرة ايام أصبح محور اهتمام و حديث الناس حتى تصرمت أيامه في الرابع عشر من مارس ، و كان لابد من تخليد هذه الايام في صورة مشاهدات و لقطات شاهدتها أو سمعت عنها أو لمستها من خلال حضوري في هذه الفعالية المهمة .

·        في زيارتي الاولى لمعرض هذا العام بعد يومين من افتتاحه للجمهور لاحظت أن كثير من الدور لم تكمل تجهزاتها بعد وسط شكوى من بطئ في روتين دخول الكتب الى صالة المعرض حسب ترتيبات ادارة المعرض .
·        لاحظت نوعا من الفوضى هذا العام في طريقة توزيع الدور المشاركة ، إذ جرت العادة أن تكون الدور مرتبة حسب جنسيتها ، فتكون الاجنحة اللبنانية متجاورة و الاجنحة المصرية متجاورة و هكذا ، و لكن ما لاحظته هذا العام ان الدور تم توزيعها بطريقة غير مفهومة أو واضحة مما سبب صعوبة للوصول الى الدور المطلوبة بدون خارطة المعرض .
·        كان المعتاد أن تكون القاعة الاضافية خاصة بالدور المتخصصة في كتب الاطفال و لكن و بسبب شكوى تلك الدور أن عزلهم في تلك القاعة يقلل من مبيعاتهم إذ أن القاعة شبة منفصلة عن المعرض فتكون شبه فارغة ، فقامت ادارة المعرض هذه السنة بإلغاء خصوصية هذه القاعة ، و باتت الدور فيها منوعة كما القاعة الرئيسية ، و لضمان فعالية القاعة قامت الادارة بنقل أثنين من أكثر الاجنحة نشاطا اليها وهما دار مدارك/المسبار و دار الشبكة العربية .
·        استجد هذا العام تقليص واسع لمشاركة الجهات الحكومية و تم حصرها في زوايا ضيقة ، و برأيي هذه الخطوة موفقة من قبل ادارة المعرض و ذلك لإعطاء المساحة الاوسع للكتاب الزائر ، و هي الخطوة التي افصحت عنها الادارة إذ تردد أن العام المقبل سيشهد تقليص عدد الدور السعودية لصالح غير السعودية .
·        ضيف المعرض لهذا العام المملكة الاسبانية و قد شاركت في النشاط الثقافي و بجناح خاص عرض الاثار العربية في اسبانيا ، و الى جانب اسبانيا شاركت السفارة اليابانية بمشاركة مميزة تمثلت في كتابة الاسماء العربية للجمهور باليابانية و قد لاقت استحسان الجمهور، و اختمت بعرض سخي إذ قررت دعم أي كتاب مترجم من اليابانية الى العربية بنسبة 80% من التكلفة .
·        شهد ثالث أيام المعرض فمفاجأة من العيار الثقيل إذ قامت إدارة المعرض بإلغاء مشاركة الشبكة العربية و هي التي تعتبر من الدور الرائدة التي شهدت في السنوات الماضية إقبالا كبيرا نتيجة اصداراتها النوعية، إدارة المعرض بررت الالغاء بمخالفة الدار لشروط المعرض ، الامر الذي لم يقبله صاحب الدار نواف القديمي ، و قد لقي القرار استياءا كبيرا من الجمهور .
·        دور هيئة الامر بالمعروف في المعرض كان هادئا جدا و أكتفى بالتنبيه للصلاة و بعض الملاحظات البسيطة و لم يسجل اي احتكاك بينهم و بين الجمهور ، بل إن البيع كان يستمر حتى في وقت الصلاة ، كما أن السيدات اللاتي اخترن كشف الوجه لم يلقين معارضة كبيرة من الهيئة و تم الاكتفاء بتوجيه النصح الشفوي .
·        أما من يسمون بـ (المحتسبون) و هم متدينون ليس لهم صفة رسمية فقد كان لهم حضور في بعض ايام المعرض حيث يقومون بالاعتراض العلني على اي كتاب يرون فيه مخالفة للدين ، و قد توج هذا الدور –شبه المنظم- أحد المشايخ الذي حضر للمعرض من اجل هذا الامر ، و قام بالاعتراض على تواجد مؤلفات محمود درويش في دار رياض الريس مما تسبب في سحبها بالكامل من المعرض .
·        هنا يجب ان نسجل ان العديد من الكتب تم سحب تداول من المعرض رغم تواجدها في البداية فيما يبدو أنها مجاملة من إدارة المعرض لأي احتجاج أو اعتراض يأتي من طرف المحتسبين مما قد يهدد سمعة المعرض مستقبلا .
·        و قد حضرت واقعة حيث قام أحد –المحتسبين- بالاعتراض على وجود كتاب (كفري) من وجهة نظره ، و هنا تدخل أحد اعضاء الهيئة و طلب منه التصرف بحكمة و التوجه لإدارة المعرض لسحبه ، و كان –المحتسب- يجادل بقوله : انهم يعرضون الكفر علنا و تطلبون منا الاحتساب سرا ، أين عزة الدين ؟؟؟!!
·        بعد شكوى عدد من الكتاب في عدم اتاحة الفرصة الكافية لهم لتوقيع كتبهم خلال معرض العام الماضي ، نجد ان ادارة المعرض هذا العام نشطت لإرضاء الكل ، إذ استحدثت الكثير من منصات التوقيع و سمحت لعدد كبير من الكتاب بتوقيع كتبهم وصل احيانا لأكثر من عشرين كتابا في اليوم الواحد .
·        أما بالنسبة لسلوك الشراء لدى الجهمور فهو على حاله تقريبا ، فمازال السلوك استهلاكي و تحضى الكتب العامة –غير التخصصية- و الادبية و خصوصا الروايات بالاقبال الاكبر حسب الاحصاءات المنشورة.
·        النشاط الثقافي المصاحب للمعرض كان كثيفا و منوعا ، و قد سنحت لي الفرصة لحضور أمسية شعرية لعدد من الشعراء و  مسرحية (يا ورد من يشتريك) ، و قد حضر ابني علاء مسابقة (ملك القراءة) للاطفال ، و استطاع بفضل الله ان يحرز اللقب ، كما استفادت زوجتي من الاستشارات المجانية المتوفرة في المعرض في عدد من المجالات القانونية و الاجتماعية و الطبية .
·        لاحظت هذا العام ان التغطية الاعلامية و خصوصا من القناة الثقافية كانت مميزة و تليق بالحدث .
·        و ختاما فإن لغة الارقام تقول ان معرض هذا العام زاره أكثر من مليوني شخص ، طافوا بأكثر من تسعمائة دار ، حوت أكثر من ستمائة الف عنوان خدم بها نحو ألف و ستمائة عارض ..



الاثنين، 10 مارس 2014

مع أمين معلوف>>في هوياته القاتلة 3/3

 مع أمين معلوف
في هوياته القاتلة
3/3



<6>

وعى العرب أزمة التخلف في نهاية القرن الثامن عشر بعد غزو نابليون لمصر حينها بدأ السياسيون و المثقفون بطرح سؤال : لماذا تخلفنا؟ و ماذا علينا ان نفعل لنلحق بالركب؟
عندما وصل محمد علي باشا لحكم مصر كانت اجابته بالتقليد للغرب سنصل للحداثة و استعان بأطباء اوربيين لتأسيس كلية الطب بالقاهرة بل انه استعان بضابط فرنسي لتأسيس الجيش المصري ، لقد نجح محمد علي في سنوات بسيطة بوضع مصر على درب الحداثة للوصول الى دولة حديثة رغم قلق و خوف البعض على الهوية.
 لكن النتيجة كانت محبطة و ذلك عندما وقف الغرب في وجه مصر و وضعوا العصي في الدواليب، فهم بعد اضعاف دولة الخلافة العثمانية لا يريدون دولة قوية تنشأ في هذه المنطقة.
لقد زادت تجربة محمد علي باشا العرب ألما و حسرة عندما انتهى به الحال مريضا حد الخرف و الهواجس و بدولة محطمة عاجزة ، و اصبح سؤال الهوية اكثر شدة و إلحاحا ..
سأل العرب كيف نواكب الحداثة دون ان نفقد هويتنا ؟ و دون ان نقع تحت رحمة الغرب؟ لقد فشلت تجربة محمد علي المعتمدة على تقليد الغرب و حرق المراحل إذ كان يرغب في اللحاق سريعا بأوربا، و بات من الضروري اتخاذ نهج اكثر محافظة على الهوية ، و بعد وفاة محمد علي اجتاحت القومية العالم بدءا بأوربا ليجد العرب في القومية هويتهم القادمة و البديلة ، قبل ان تفشل هذه الهوية ايضا من جديد. لقد بدأ العرب بلعن الترك و تحميلهم سبب تخلفهم و بالمثل فإن كمال أتاتورك رأى في العرب حملا ثقيلا على تركيا القومية التي تطمح باللحاق بالحداثة الأوربية ، و بعد سقوط امبراطورية الخلافة العثمانية و حلول الانتداب الاوربي مكانها كانت الحركات القومية تجتاح العالم العربي ..


<7>

الحركات القومية التي أشعلت العالم العربي اكتشفت عدوا جديدا هو الاحتلال و الانتداب و هو الذي يقف في وجة الحداثة و التقدم .
 لقد استطاعت القومية تحرير العالم العربي من الاستعمار و بقيت متوهجة ترفع الشعارات التقدمية و الحداثية و اجتاح رموزها و على رأسهم الزعيم المصري جمال عبدالناصر كل الحدود لتصل شعبيته لجميع المدن العربية.
 لقد حكمت القومية كهوية للعرب لردح طويل من الزمن لكنها لم تنجح ابدا في تحقيق الحداثة للعرب . لقد حارب عبدالناصر كما كل الانظمة القومية العربية الاصولية الدينية و بعنف لكنهم فشلوا في قمعها نهائيا بل ان الحركات الاسلامية استطاعت ان تطرح نفسها كهوية بديلة للقومية الفاشلة في تحقيق اي تقدم حتى على الصعيد العسكري بعد فشل عبدالناصر امام اسرائيل في حرب 67 م.

لقد كان القوميين علمانيين و منفتحين على الحداثة الاوربية لكنهم فشلوا في نقلها للعرب و اوصلوا بلدانهم الى طريق مسدود..
 إن الخيبات المتتالية اما العرب في اللحاق لقطار الحداثة دفع بهم للبحث عن هوية بديلة وجد نفسه احيانا في الاسلام السياسي القادم بقوة.





<8>

أخيرا يناقش معلوف القلق من العولمة و خشية معظم اصحاب الثقافات و الاديان من خطر العولمة على هويتهم و تراثهم .
في البدء ينقل لنا معلوف نصا للمؤرخ مارك لوخ يقول ( إن الرجال هم أبناء عصرهم أكثر من كونهم أبناء آبائهم)
يعلق معلوف نحن أقرب لمعاصرينا من أبائنا و أجدادنا ، إن شخصا في براغ أو سيول أو سان فرانسيسكو يشترك معي في الملبس و المأكل والمظهر و المسلك و الادوات  بل و الافكار و المفاهيم الاخلاقية أكثر من جدي الاكبر !!
في المجمل أننا مؤتمنون على إرثين الاول (عمودي) من الاسلاف من عادات و تقاليد ،  و الثاني (أفقي) يأتي من عصرنا و معاصرينا .
يقول معلوف أن العولمة تقودنا الى حقيقتين متناقضتين الاولى مرفوضة و الثانية مرحب بها ، ما نرفضه التنميط و القولبة ، و ما نقبله العالمية بمعنى أن تتحول كل الثقافات الى العالمية بحيث تجد الطعام الهندي الى جانب الطعام الصيني و المكسيكي و المغربي و الفرنسي متاحا في كل عواصم العالم ، و الامر ذاته على باقي عناصر الثقافة من ملبس موسيقى و طريقة حياة  و عادات و تقاليد و افكار و أعراف.
و من اهم الامور التي يجب ان تكون عالمية حقوق الانسان و احترام كل الثقافات دون تمييز بسبب لون أو دين أو عرق أو جنس .
فالعادات و التقاليد لا تستحق أن تحترم إلا بذات الدرجة التي يتم فيها احترام الحقوق الاساسية للانسان.
إن القلق على الهوية من الاندثار بسبب العولمة أنتج نوع من التطرف الثقافي ، و تحول التطرف الى عداء للثقافات الاخرى باسم الخوف على الهوية ، و بدل الاستفادة من التلاقح الثقافي تحول الامر الى صراع مرير لا ينتج شيئا .

يشير معلوف لاحقا الى مسألة في غاية الاهمية ، و هي أن كل الناس في عصرنا يشعرون أنهم أقلية نوعا ما و مستبعدة نوعا ما ، و كل الثقافات و الجماعات تشعر بأنهما مهمشة و عاجزة عن الحفاظ على ارثها الثقافي ، الغرب هو المسيطر بالنسبة للشرق و الجنوب ، و أمريكا هي المسيطرة بالنسبة للفرنسيين ، و عندما نذهب الى امريكا نجد أنها عبارة عن تجمع أقليات تشعر ان المسيطر هم البيض و الانجكلوساكسونيين البروتستانت و مع هذا يحصل انفجار ضخم في اوكلاهوما يقوم به بيض بروتستانت يعتقدون أهم أكثر الاقليات اهمالا و احتقارا ، فمن يحكم العالم ؟؟!!

الخميس، 6 مارس 2014

مع أمين معلوف >>في هوياته القاتلة 2/3

 مع أمين معلوف
في هوياته القاتلة
2/3





<4>

 يقارب معلوف قضية شائكة و هي قضية الاسلامفوبيا التي انتشرت في الغرب بعد احداث سبتمبر وما تلاها من حروب خلصت لتنميط المسلمين في صورة الارهابي القاتل،و في الوقت ذاته برزت صورة طالبان و السلفيين كصورة للاسلام.
فهل الاسلام دين عنيف؟ ام ان السلفية لا تمثل جوهر الاسلام؟
يخلص معلوف للقول انه يرفض كلا الفكرتين فالعنف ليس وصمة لهوية محددة و لا يمكن ربطة بهوية دون اخرى و في ذات الوقت لا يمكن ابعاد فئة ما عن تمثيل هوية ما  كما هو الحال مع السلفيين و الاسلام.
و لكن معلوف يقدم تفسيرا آخر ، ان الدين يتأثر بالمجتمع كما ان المجتمع يتأثر بالدين ،في هذا الصدد يرجعنا الكاتب الى التاريخ ففي حين كانت الكنيسة المسيحية متشددة جدا و تمارس العنف الدموي ضد خصومها في القرون الوسطى عرف المسلمون ارقى انواع التسامح و قبول الآخر فقد تعايشت الاديان في كبرى المدن الاسلامية كبغداد و دمشق و القاهرة ،بل ان عاصمة الخلافة العثمانية اسطنبول كان اكثرية سكانها في زمن مضى من المسيحيين فهل يمكن ان ترى عاصمة اوربية ذات اكثرية مسلمة؟
فهل كانت المسيحية دين غير متسامح؟ام ان الكنسية لم تمثل جوهر المسيحية؟

بل أن معلوف يوسع الدائرة ليقول انه لا يوجد عقيدة تحريرية بذاتها فكلها يمكن ان تنحرف و تصبح دموية كما حصل مع الشيوعية و القومية و الليبرالية في حالات عديدة فهل هي لا تمثل جوهر هذه الافكار؟
تأثير المجتمعات على الاديان كبير جدا فالمسيحية اليوم هي من شكلت اوربا كما أن اوربا هي من شكلت المسيحية،و الامر ذاته في الاسلام فعندما كان المسلمون منتصرين عكسوا ثقافة التسامح وقبلوا الثقافات الأخرى و انفتحوا عليها و عندما وجدوا انفسهم منهزمين خائفين على هويتهم اصبحوا يتوجسون من كل شيء.


<5>

"عندما ارى الخميني محاطا بحرسه الثوري يلعن الشيطان الاكبر و يطالب بمحو اي اثر للثقافة الغربية، اتذكر ماوتسي تونغ محاطا بحرسه الاحمر يلعن النمر الورقي و يطالب بمحو كل اثر للثقافة الرأسمالية"...

بهذه العبارة التي انقلها-بتصرف- عن معلوف يدلل على اثر المجتمعات على الديانة فحركات العالم الثالث في الستينات و السبعينات متشابهة الى حد التماهي ،و ستجد اثر الحركات التحررية المعاصرة لثورة الخميني اكثر وضوحا من البحث عن خلفية تاريخية في الاسلام.
ليس كل ما يجري في بلد مسلم يجب وضعه تحت عنوان (اسلام) لتفسيره فأنت تستطيع قراءة عشرة مجلدات في تاريخ الاسلام و لن تفهم شيئا مما يجري في الجزائر بينما قراءة عشر صفحات عن الاستعمار و التحرر ستفهمك الكثير.
يروق للبعض خصوصا في الغرب تحميل الاسلام سبب جمود المسلمين و تخلفهم و لكنه حكم متعسف و كأن المسيحية هي دين الرقي و التقدم و قد شهد تاريخ الكثير من الهنات ، فقد تكون الديانة ضحية المجتمعات فعندما يغيب التحديث عن المجتمع فهي ليس بالضرورة رغبة دينية، فقد طور الغرب و بدل الكثير من الافكار الدينية قبل ان يشهد حضوره الحضاري المتصاعد ، في الوقت ذاته شهدت المجتمعات الاسلامية بين القرنين الخامس عشر و التاسع عشر غيابا فكريا و ثقافيا وسياسيا و عجز عن تحديث ذاتها .

يذهب معلوف الى وجود عوامل اخرى غير الدين في سلوك الانسان كالتاريخ و الاحداث المفصلية في تشكيل هوية المجتمعات و تفسر اسباب تأخر امم دون اخرى و هذا ما يستدعيه لسبر غمار تجربة محمد علي باشا والي مصر الذي خاض اول تجربة اسلامية مع الحداثة و لما كان لهذه التجربة الفاشلة أثر بارز في تعثر دخول العرب و المسلمين في ركاب الحداثة المعاصرة.



الاثنين، 3 مارس 2014

مع أمين معلوف >>في هوياته القاتلة 1/3

مع أمين معلوف
في هوياته القاتلة
1/3


<1>


بالرغم من حجمه الصغير نسبيا إلا انه اكتسب أهمية كبيرة من عدة جوانب و لعدة اسباب ، فهذا الكتاب يعيد طرح سؤال الهوية المقلق للعربي و المسلم بإسلوب و منهجية مهمة تتداخل فيها الطبيعة المركبة للكاتب من جهة و من طبيعة الموضوع المقلق من جهة اخرى.

كتب العرب الكثير من الكتب و المقالات حول سؤال الهوية منذ صدمتهم الحضارية و اكتشافهم الفجوة الكبيرة التي تفصلهم عن الركب الحضاري الغربي منذ غزو نابليون لمصر ، و حاول المسلمون اللحاق بركب الحضارة لكن قلق الهوية و الخوف من فقدان كنزهم التراثي بقي عامل تردد مهم و مصدر صراع ذاتي دائم.
 تقدم الزمن بالبشرية و معها بقي العرب و المسلمون حائرون في سؤال الهوية ذاته حتى مع دخولهم عصر العولمة و تشظي الهويات و تبدلها و اصطراعها ، ضمور بعضها و بروز اخرى ، و نحن لم نحسم هذا السؤال المر و لم نصل بعد الى حالة توافق تؤهلنا للتقدم بروح واثقة و بحالة مصالحة مع الذات بحيث ننغمس في الركب الانساني دون شعور بعقدة ذنب تجاه ذواتنا و خلفيتنا الحضارية..
و من هنا يقدم أمين معلوف وصفته المهمة في معالجة سؤال الهوية، و خصوصا انه خاض غمار بحر القلق ليصل الى بر الامان -من وجهة نظره على الاقل- و لأن للكاتب دور في اكتساب الكتاب اهميته سنخصص الجزء التالي للتعرف عليه...

<2>

الخلفية التي يأتي منها أمين معلوف كان لها أثر بارز في اهمية الكتاب  بأكثر من ناحية..
فهو الاديب و القاص و الروائي الذي طبع كتابه بأسلوب أدبي سلس جعله قريبا جدا للقارئ و متماه بشكل كبير مع حاجة الانسان العادي إذ لا يحتاج القارئ لخلفية فكرية ضخمة لفهم محاور الكتاب في قضية شائكة و معقدة كقضية الهوية، يمكن القول ان معلوف استطاع برشاقة راقصة البالية ان يقدم عملا فكريا أدبيا يطرب له القارئ.
من ناحية أخرى فإن معلوف يكتب في كثير من الأحيان عن ذاته إذ أنه عانى من اضطراب الهوية في مسيرة حياته.
معلوف اللبناني العربي الذي اضطرته ظروف الحرب الاهلية لمغادرة وطنه حيث مرتع صباه حتى اولى سنوات شبابه ليستقر بشكل نهائي في فرنسا ، و هو المسيحي الكاثوليكي المنتمي الى طائفة الروم الملكيين وسط عائلة منقسمة الى طوائف عدة ، بل إن أحد اسلافه كان متهما بالماسونية.
خلفية معلوف متخمة بهويات مختلفة من جدة تركية و جد ماروني مصري و شقيق جده اول من ترجم موليير و عرضه على المسرح العثماني...
هو مسيحي لغته الام هي العربية التي هي لغة الاسلام ، لبناني الاصل فرنسي الجنسية و الموطن ، تابع للطائفة الملكية مسجل كبروتستانتي وسط عائلة متخاصمة بين تقليدين اثنين أو أكثر ...

يتسائل معلوف ... هل هذه الانتماءات  تجعلني مشترك في الهوية مع مليارات البشر ام تجعلني مميزا في هويتي و ربما لا يشترك معي في هذا المكون المركب اي احد فأنا اشكل هوية فريدة من نوعها؟؟!.
هل أنتمى لهوية محددة ام انني لا انتمنى لأحد؟؟!

لاحقا يسلط معلوف الضوء على الدور الدامي الذي لعبته الهوية في مواطن النزاع كيوغسلافيا السابقة ، و هذا ما سنحاول تسليط الضوء عليه بشكل موجز في الجزء التالي..



<3>




 في تجربة فريدة يسأل معلوف عن الآلية التي تتشكل فيها الهوية و تنال أهميتها ، فهي بشكل عام مكتسبة و ليس أصلية فلو عزلنا طفل منتمي بالوراثة لهوية معينة عن وسطه العائلي و زرعناه في وسط آخر لاكتسب الهوية الجديدة و لم يجد في نفسه اي صلة بالهوية السابقة..
و لكن الاهمية للهوية تكتسب ايضا حسب المكان و الزمان فالزنجي الاسود في جنوب افريقيا و في وسط نظام عنصري مختلف الى حد كبير بأهمية هويته العرقية من زنجي أسود عاش في نيويورك .
كما ان تضخم الهوية يتبدل مع الموجات السياسية ايضا فالمسلم الذي عاش في يوغسلافيا - تيتو - عندما كانت دولة قوية كان يجد نفسه في هويته اليوغسلافية ، لاحقا عندما تفككت الدولة عرف ذات الشخص نفسه بأنه بوسني أو كرواتي أو صربي ، و عندما اندلعت الحرب الاهلية هناك وجد نفسه مسلما أو مسيحي أكثر من اي شي آخر.
في الحروب و خصوصا الاهلية منها يصبح سؤال الهوية قاتلا فالمسلم يقتل المسيحي و الهوتي يقتل التوتسي و اليهودي يقتل العربي و الصربي يقتل البوسني..
لكن بما سيشعر انسان ولد من اب مسلم و ام يهودية في فلسطين او رجل له اب توتسي و ام من الهوتو في راوندا؟
هل ستتغلب هوية ما لتقتل الاخرى ام سيجد طريقا للتعايش بين الهويات المصطرعة حتى القتل؟!
إن اختزال الانسان لهوية في شكل واحد غالبا ما ينتج متطرف و ربما قاتل ، فجل الصراعات الدامية في العالم كانت مرتبطة بصراع الهويات.
 هل يمكن يكون تعدد الهويات وسيلة ناجحة لتجنب الصراعات و الدماء قبل ان تتحول الهوية الى قاتل ...
يخلص معلوف للقول ان الهوية هي صديق مخادع.

>>>>>> يتبع