بين فلسفتي الفرد و الجماعة
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كان على العالم
ان يختار بين فلسفتين أثنتين قسمت العالم ، الاولى شرقية سوفيتية اشتراكية ترفع
شعار الواحد من اجل الكل ، أما الثانية
فقد كانت فلسفة غربية ليبرالية تعلي من شأن الفرد و رفاهيته و تعتبر ان الفرد هو وحدة
المجتمع الاصغر و بالتالي فإن إكتفاءه يعني إكتفاء المجتمع و نجاحه .
كان التنافس على اشده بين المعسكرين و بينما
أستطاع ان يحقق المعسكر الاشتراكي الكثير من الانجازات و المنافسة الشرسة إلا أنه
فشل في تحقيق رفاهية المجتمع و سعادة الفرد ، و أنتهى مشروعه الاشتراكي عندما حول
رجل كستالين خدمة الفرد من اجل الكل الى خدمة الفرد من أجل اقلية قليلة يقف على
رأسها سكرتير الحزب الاشتراكي .
في الغرب تسببت الليبرالية الحادة و التركيز على
الفرد أن يظهر الانسان أسوء ما فيه من شهوات و غرائز و شذوذ مما هدد تركيبة
المجتمع و حيويته بل و بقاء العنصر البشري حيث تشهد العديد من الدول الاوربية تراجعا في اعداد السكان .
مواضيع حرية الفرد و حق المجتمع تشهد جدالا درويا
في مواسم الانتخابات الغربية ، فقضية (الزواج المثلي) على سبيل المثال واحدة من
ابرز هذه القضايا بين الليبراليين و المحافظين و هو انقسام بين حرية الفرد و حق
المجتمع ، في الولايات المتحدة مؤخرا سعى الرئيس أوباما لإقرار قانون يمنح الزواج
المثلي صفة الاسرة مما يعطي المثليين
الكثير من الامتيازات الخاصة بالاسر كحق التبني و الدعم المالي و غيرها ، و سابقا
كان الرئيس السابق جورج بوش معارضا بشدة للمثلية و سعى لمنع اي تشريع لصالحها
معبرا اياها مهددة لطبيعة المجتمع الامريكي .
عندما اراد الاباء المؤسسون في الولايات المتحدة
الامريكية وضع الدستور الجديد كان لديهم هاجس كبير بين ديكتاتورية الفرد و طغيان
الجماعة لذا سعوا الى صيغة فريدة من نوعها في توازن بينهما ، فالدستور الامريكي
يمنح الرئيس حق إلغاء اي قانون يصدر عن الكونجرس مستخدما حق الفيتو و يجعل النواب
بحاجة دائمة الى التنسيق مع الرئيس مما يخفف من عنت الجماعة ، و في الوقت ذاته منح
المشرع الامريكي للكونجرس حق الوصاية الكاملة على أموال الدولة مما يجعل الرئيس
عاجزا عن صرف سنت واحد دون موافقة الكونجرس في إجراء يمنع تغول الفرد و تحوله الى
ديكتاتور يتصرف كيفما يريد .
أما في الاسلام و من خلال قراءة بسيطة لروح
الشريعة الاسلامية فإنها تخاطب الفرد كمكلف كما ان الحساب يوم القيامة فردي لا
جماعي و العقوبات في الاسلام فردية بقاعدة (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)
و لكن الاسلام لا يهمل الجانب الجماعي فهناك ما يعرف بـ (فرض الكفاية) وهو أمر
جماعي للمجتمع بالتنفيذ ، و الاثم لازم لهم جميعا حتى يقوم به بعضهم ، و هذه
القاعدة لها العديد من التطبيقات كالجهاد و الامربالمعروف و النهي عن المنكر و
غيرها .
و لكن الواقع في المجتمعات الاسلامية اليوم تضعف
من الحريات الفردية لصالح الجماعة مما جعلها من أكثر المجتمعات انتهاكا لحق الفرد
و أكثرها إنغلاقا و تطرفا تجاه الفرد المتمرد على نسق الجماعة مما ولّد حالة من "الظاهرة
النفاقية" حيث يلتزم الافراد بأفكار الجماعة دون قناعة و يمحو الفرد شخصيته
أمام المجتمع بينما يمارس ذاته عندما يجد هذه الحرية و خصوصا عندما يسافر خارجا .
إن إعادة الاعتبار للفرد في المجتمعات الاسلامية
بات ضرورة ملحة و لكنها بحاجة الى أن يواجه المجتمع ذاته ، و حوار فكري جاد يوازن
بين رغبات الفرد و يحمي قيم الجماعة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق