الخميس، 16 يناير 2014

بين فلسفتي الفرد و الجماعة


بين فلسفتي الفرد و الجماعة



بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كان على العالم ان يختار بين فلسفتين أثنتين قسمت العالم ، الاولى شرقية سوفيتية اشتراكية ترفع شعار الواحد من اجل الكل ، أما  الثانية فقد كانت فلسفة غربية ليبرالية تعلي من شأن الفرد و رفاهيته و تعتبر ان الفرد هو وحدة المجتمع الاصغر و بالتالي فإن إكتفاءه يعني إكتفاء المجتمع و نجاحه .
كان التنافس على اشده بين المعسكرين و بينما أستطاع ان يحقق المعسكر الاشتراكي الكثير من الانجازات و المنافسة الشرسة إلا أنه فشل في تحقيق رفاهية المجتمع و سعادة الفرد ، و أنتهى مشروعه الاشتراكي عندما حول رجل كستالين خدمة الفرد من اجل الكل الى خدمة الفرد من أجل اقلية قليلة يقف على رأسها سكرتير الحزب الاشتراكي .
في الغرب تسببت الليبرالية الحادة و التركيز على الفرد أن يظهر الانسان أسوء ما فيه من شهوات و غرائز و شذوذ مما هدد تركيبة المجتمع و حيويته بل و بقاء العنصر البشري حيث تشهد العديد من الدول الاوربية تراجعا في اعداد السكان .
مواضيع حرية الفرد و حق المجتمع تشهد جدالا درويا في مواسم الانتخابات الغربية ، فقضية (الزواج المثلي) على سبيل المثال واحدة من ابرز هذه القضايا بين الليبراليين و المحافظين و هو انقسام بين حرية الفرد و حق المجتمع ، في الولايات المتحدة مؤخرا سعى الرئيس أوباما لإقرار قانون يمنح الزواج المثلي  صفة الاسرة مما يعطي المثليين الكثير من الامتيازات الخاصة بالاسر كحق التبني و الدعم المالي و غيرها ، و سابقا كان الرئيس السابق جورج بوش معارضا بشدة للمثلية و سعى لمنع اي تشريع لصالحها معبرا اياها مهددة لطبيعة المجتمع الامريكي .

عندما اراد الاباء المؤسسون في الولايات المتحدة الامريكية وضع الدستور الجديد كان لديهم هاجس كبير بين ديكتاتورية الفرد و طغيان الجماعة لذا سعوا الى صيغة فريدة من نوعها في توازن بينهما ، فالدستور الامريكي يمنح الرئيس حق إلغاء اي قانون يصدر عن الكونجرس مستخدما حق الفيتو و يجعل النواب بحاجة دائمة الى التنسيق مع الرئيس مما يخفف من عنت الجماعة ، و في الوقت ذاته منح المشرع الامريكي للكونجرس حق الوصاية الكاملة على أموال الدولة مما يجعل الرئيس عاجزا عن صرف سنت واحد دون موافقة الكونجرس في إجراء يمنع تغول الفرد و تحوله الى ديكتاتور يتصرف كيفما يريد .

أما في الاسلام و من خلال قراءة بسيطة لروح الشريعة الاسلامية فإنها تخاطب الفرد كمكلف كما ان الحساب يوم القيامة فردي لا جماعي و العقوبات في الاسلام فردية بقاعدة (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) و لكن الاسلام لا يهمل الجانب الجماعي فهناك ما يعرف بـ (فرض الكفاية) وهو أمر جماعي للمجتمع بالتنفيذ ، و الاثم لازم لهم جميعا حتى يقوم به بعضهم ، و هذه القاعدة لها العديد من التطبيقات كالجهاد و الامربالمعروف و النهي عن المنكر و غيرها .
و لكن الواقع في المجتمعات الاسلامية اليوم تضعف من الحريات الفردية لصالح الجماعة مما جعلها من أكثر المجتمعات انتهاكا لحق الفرد و أكثرها إنغلاقا و تطرفا تجاه الفرد المتمرد على نسق الجماعة مما ولّد حالة من "الظاهرة النفاقية" حيث يلتزم الافراد بأفكار الجماعة دون قناعة و يمحو الفرد شخصيته أمام المجتمع بينما يمارس ذاته عندما يجد هذه الحرية و خصوصا عندما يسافر خارجا .

إن إعادة الاعتبار للفرد في المجتمعات الاسلامية بات ضرورة ملحة و لكنها بحاجة الى أن يواجه المجتمع ذاته ، و حوار فكري جاد يوازن بين رغبات الفرد و يحمي قيم الجماعة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق