الثلاثاء، 21 يناير 2014

الليبرالية .... محاولة للفهم 1/3

الليبرالية .... محاولة للفهم 
1/3

 



مقدمة :  إشكالية المفهوم 

مفهوم الليبرالية كبقية مفاهيم النهضة و الفكر الحديث تشغلنا كثيرا و تطرح في اذهاننا الكثير من التساؤلات ، غير ان الوصول الى تصور شامل و كامل أو تعريف جامع مانع لها يكاد يكون ضربا من المستحيل و لهذا الامر اسباب عديدة ، غير اني اقف على سببين رئيسيين :

                      أ‌-          ان هذه المفاهيم هي مفاهيم متحركة و حية و متفاعلة مع الحياة و مع الوجود الفكري و الثقافي والسياسي و ليست مذاهب تاريخية قديمة ندرسها كما ندرس التاريخ ،  بل ان مفكريها و دعاتها مازالوا في طور التحديث و التطوير مما يجعلها في حالة تحول دائم .
                    ب‌-        ان هذه المفاهيم و لدت و نشأت في ظل ثقافة غريبة مختلفة عما يقر في اذهاننا و عقلياتنا مما يجعل هناك صعوبة طبيعية في فهم المراد من هذه المصطلحات و المفاهيم ، اضف الى ذلك حاجز اللغة فيما تكون الكثير من الترجمات أو الكتب المؤلفة في هذا المجال مفتقرة الى الاصالة و الدقة .


السرد التاريخي لنشأة الليبرالية :

كانت اوربا تعيش في صورة قبائل متخلفة قبل أن تعرف التحضر و بناء المدن  ، بعدها شهدت أوربا قيام امبراطوريات المدن و كان ابرزها الاغريق و الرومان ، حتى بسطت الامبراطورية الرومانية الوثنية نفوذها على اوربا و جزء من المشرق.

ثم اعتنقت أوربا النصرانية (عام 325م) بعد مجمع نيقية، حيث قرر رجال الدين المتنصرون في مجمع نيقية اختيار أربعة أناجيل من بين العشرات، كما أقروا عقيدة التثليث إلى جانب العديد من المناسك التي احتفظوا بها من وثنيتهم السابقة .

قامت النصرانية منذ نشأتها على السلطة الكهنوتية التي تعطي البابا ورجاله الحق في العصمة واحتكار الحقيقة، وتطور الأمر إلى التحكم في رعايا الكنيسة- أي عامة الشعب- بتملك الأراضي وفرض الضرائب ومنع الناس من التساؤل تحت ذريعة إبقاء "الأسرار المقدسة" خارج نطاق الشك، ووصل الأمر إلى التحكم في مصائر الناس الأخروية ببيع صكوك الغفران وادعاء البابا قدرته على حرمان من يشاء من الجنة، كما تمكن البابا من إقناع الجميع بحقه الإلهي في منح أي ملك أوربي شرعية الحكم أو حرمانه منها.

 وبهذه حطمت العقيدة الجديدة حضارة الرومان ، وابتدأت أوربا عصورها الوسطي المظلمة، التي امتدت من عام 410م (تاريخ سقوط روما بأيدي البرابرة) إلى عام 1210م (تاريخ ظهور أول ترجمة لكتب أرسطو في أوربا) الذي يوافق من عام  226 قبل الهجرة الى عام 606 هـ

ثمانية قرون من التيه، اصطلح المؤرخون الغربيون على تسميتها بالعصور المظلمة، حيث الانحطاط الكامل في كافة الفنون والعلوم، وكل ذلك تزامن مع انتشار النصرانية في أوربا، وانتقال العاصمة من روما إلى القسطنطينية بعد الاجتياح البربري  ، ومن هنا ارتبطت الوثنية بالحضارة والقوة، والدين بالهزيمة والانحطاط في الذهنية الأوربية منذ فترة مبكرة، وهو ما كان له آثار بعيدة المدى في علاقة أوربا بالدين.

الربط بين انهيار الحضارة الرومانية بتحول أوربا إلى النصرانية، والممارسة الكنسية الدكاتورية، حمل الأوربي على التشاؤم والنفور من الدين جملة، وكان له الحق في ذلك.. 


 ترافق هذا الاستبداد
الديني مع استبداد سياسي إقطاعي مماثل، مما أدى بطبيعة الحال إلى ظهور إرهاصات التمرد في بداية عصر النهضة الممتد بين القرنين الرابع عشر والسابع عشر الميلاديين، إذ بدأت هذه الحركة بطابع ديني إصلاحي على يد الراهب الألماني "مارتن لوثر"، والذي أعلن الانشقاق عن بابا الفاتيكان الكاثوليكية. ودعا إلى تحرير الأفراد من سلطة الكنيسة في التحكم بضمائرهم واحتكار تفسير الإنجيل.

تزامنت هذه الحركة الدينية مع حركة ثورية أخرى جاءت من خارج الكنيسة، إذ ساعد جو الحرية في فلورنسا الإيطالية على استقطاب العديد من الأدباء والفنانين الأوربيين الذين ضاقوا ذرعاً بعسف الكنيسة، فقاموا بإحياء التراث اليوناني الأسطوري، ونشطت في الوقت نفسه حركة فكرية أخرى على يد "فرانسيس بيكون" لنقد المنطق اليوناني وإحلال المنهج العلمي التجريبي الذي استقاه مما تُرجم عن المسلمين في الأندلس، وقد ساعدت التطبيقات العملية لفيزياء نيوتن على الإيمان بجدوى العلم التجريبي،أن الموقف المتعنت للكنيسة من المنهج التجريبي- مع أن هذا المنهج لم يعدُ في بدايته أن يكون ضد منطق أرسطو فقط- قد أحدث ردة فعل عنيفة لدى العلماء حتى أصبح الدين في نظرهم معادياً لكل ما هو علمي وقابل للتحقق بالتجربة.

في هذه الأثناء، خرجت السفن الأوربية للبحث عن الذهب وكسرِ احتكار المسلمين للتجارة العالمية، وبدأت الطبقة الوسطى "البورجوازية" بالصعود مستفيدة من توسع التجارة وتزايد حركة الأسواق واستحلال الربا وتوظيف نتائج العلم التجريبي في انطلاق الثورة الصناعية، هذه التطورات دفعت بمجموعها إلى البحث عن بديل فلسفي للجمود السائد، فساعدت فلسفة "هوبز" على تبرير النزعة الرأسمالية بقيامها على النزعة الفردية الأنانية، ثم قدّمت نظرية "جون لوك" نموذجاً أفضل مع إقرارها بأن الملكية الخاصة هي الحالة الطبيعية للإنسان وأن "العمل" هو الأساس الأخلاقي الوحيد الذي يجيز للناس تملك الأرض المشاع، وهكذا وجدت الليبرالية طريقها إلى قلوب وعقول الناس.

ثم قامت الثورات الليبرالية الكبرى التي كرست الانتقال إلى العصر الحديث، وهي الثورة الإنجليزية (1688) والاستقلال الأمريكي (1775) والثورة الفرنسية (1789) ..



* السرد التاريخي مقتبس من مصادر مختلفة منها تلخيص لكتاب حقيقة الليبرالية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق