الطاعة
أم التمرد
1
في مجال البحث عن نمط سلوك الانسان فإن السؤال
الذي يبحث عن اجابة هو : هل تميل الطبيعة البشرية نحو الطاعة أم أنها مجبولة على
التمرد ؟
الاجابة على هذا السؤال يحتاج الى دراسات إثنولوجية
عميقة ، و لكن لا يمنع ذلك من محاولة الاجابة عن طريق الملاحظة .
الملاحظ ان الانسان في مرحلة الطفولة يميل الى الطاعة
بشكل عام و تقليد الاكبر سننا حتى يصل الى سن المراهقة فتعصف به رياح التمرد و
الرغبة في كسر الممنوعات ، و لكنه ينتكس في مرحلة ما بعد المراهقة نحو البحث عن
الاستقرار و الالتزام و الطاعة لمختلف القوى المحيطة به تصل حتى الجمود و الخوف من
أي تغيير في مرحلة الشيخوخة .
في المجتمعات بشكل عام يطغى الرغبة في التقليد و
تلقين فروض الطاعة لأبناءها منذ الصغر و لكن الملاحظ ان الحرص على التقاليد هي سمة
شرقية تكون أقل حدة في المجتمعات الغربية .
2
أما في الاسلام فنجد ان بعض الأيات في القرآن
الكريم أنتقدت الطاعة العمياء لدى مجتمع قريش فقد قال تعالى على لسانهم (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا)
و بشكل عام يطبع القرآن الكريم في عهده المكي
طابع الدعوة الى التمرد و عدم إطاعة الزعماء المحليين في ذلك الوقت وهو ما يناسب
مرحلة الثورة و التغيير ، و لكن العهد
المدني يدعو الى طاعة الله و الرسول و أولي الامر و الى العودة الى أهل المعرفة و
العلم و هو ما يناسب مرحلة بناء الدولة و المجتمع الجديد .
و في الاسلام قانون عام روي عن الرسول عليه
الصلاة و السلام إذ قال ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) و في هذا القانون تحميل
للانسان مسؤولية التفكير قبل إطاعة الاوامر .
هذا الامر يوافق القانون الدولي اليوم الذي يعاقب
الجندي على إطاعته لأوامر لرؤسائه في حال صدرت له أوامر بإرتكاب جرائم بحسب
القانون ، فلا يعفي الالتزام بالنظام و الانضباط الذي هو صفة العمل العسكري في
أقصى صوره من رفض الاوامر و التمرد عليها عندما يتعلق الامر بإنتهاكات و جرائم .
3
هناك نوع من الطاعة و هي طاعة القادة السياسيين و
الاجتماعيين و الدينيين طاعة عمياء و هذا ما درسه المفكر الامريكي ايريك هوفر في
كتاب المؤمن الصادق .. أفكار حول طبيعة الحركات الجماهيرية ، فـ هوفر يعتبر ان
الاحباط و الرغبة في الخلاص مسؤول عن اندفاع الانسان نحو الطاعة المطلقة للقادة و
بشكل متطرف .
يردف هوفر أن الحرية ايضا تتسبب في شقاء الانسان
و إحباطه احيانا إذ أن للحرية مسؤوليات يسعى الانسان للتخلص منها فيلجأ الى القادة
الذين يمكنه الوثوق فيهم فيتحملوا عنه عبء اتخاذ القرار و تحمل المسؤولية ، و
كنتيجة يقول هوفر أن مجتمع العبيد أقل رغبة في التمرد من مجتمع الحرية المنقوصة أو
الاحرار الجدد خصوصا عندما يشعر الحر بالعجز عن ممارسة حريته و طاقاته الفردية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق