الأحد، 24 فبراير 2013

عقل معتقل

عقل معتقل


كنت أظن ان الانسان إذا تعرض للاضطهاد و الاستضعاف و المطاردة في فكره و عقيدته فإنه سيكون أكثرقدرة و رغبة في الانفتاح على الآخر و قبول بالاختلاف ، و لكن يبدو أن ظني كان خائبا ..
يضج المسلمون كل يوم بالفزع و التشنيع على محاكم التفتيش في الاندلس التي مارست الاضطهاد ضد المسلمين بسبب عقيدتهم ، و لكن بعض بلاد الاسلام في هذا العصر تحاكم الناس على عقائدهم و أفكارهم .
الشيعة الامامية تعرضوا عبر التاريخ للمطاردة و التشريد بسبب عقيدتهم المختلفة مع العقيدة السائدة في العالم الاسلامي ، و هذا الارث العظيم من مصادرة حريتهم العقدية و الفكرية كان يجب ان تجعل منهم قادة للحرية و دعاة لحق الآخر بالاختلاف و لكن السائد اليوم بين الشيعة عكس ذلك ..
ما إن يخرج صوت هنا أو هناك يعلن تمرد على السائد و المتعارف عليه و المتسالم على صحته حتى تخرج بيانات التكفير و التضليل و التخوين و التحريض على القتل و السجن سريعا ، حتى ربما قبل الفهم الصحيح لما يقول ذلك الصوت و هذا ما لا نفهمه .
من حق اهل المذهب الدفاع عن عقائدهم بكل وسيلة فكرية و لكن لماذا التعدي على حق الآخر في حريته الفكرية ؟ كيف لشخص يشتكي من اضطهاد الآخرين له بسبب اختلافه الفكري معهم ان يمارس الاضطهاد ذاته مع المختلف معه ؟؟
يأمرنا الله سبحانه و تعالى بالتفكر و التأمل و التدبر و قد خلقنا من قبل و نحن نحمل عقولا غير متشابهة ثم يجب علينا ان نصل الى نتيجة  واحدة ؟! ، و لسان حال بعضنا يقول إذا فكر عقلك فسوف يعتقل ، و للمفارقة العجيبة أن اللغة العربية تجعل كلمة (عقل) قريبة جدا من الـ(معتقل) !!
أيها الكرام عندما يخرج رجل يختلف معكم في فكرة و يحمل حجته على ظهره فاقرعوا حجته بحجتكم ، ثم اتركوا الناس يختارون بعقولهم بين الصحيح و السقيم ..
لماذا الخشية من الفكر المغاير ؟ لماذا الخوف من المختلف ؟ لماذا الفزع من الرأي الآخر ؟
فكرة حرة واحدة تثير عواصف هوجاء و قد تنتهي بصاحبها في سجن لا يدخله ضوء ، هل هذا كله لأنه فكّر ؟؟
من يبرر اضطهاده للآخرين بسبب أفكارهم  فعليه ان يقبل باضطهاد الناس له بسبب أفكاره ، و عليه ان يتقبله بصدر رحب .

الأحد، 10 فبراير 2013

بلا مذاهب


بلا مذاهب


قال تعالى : {وَأَلّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً مّآ أَلّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـَكِنّ اللّهَ أَلّفَ بَيْنَهُمْ إِنّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
عندما بعث رسول الله صلى الله عليه و اله و سلم الى العرب كانوا جماعات و فرق شتى متصارعة ، كانت الجزيرة العربية مليئة بالحروب و الصراعات بين شتى قبائلها و طوائفها المختلفة ، فقام عليه الصلاة و السلام بتوحيد العرب تحت راية واحدة برسالة حضارية استطاعت ان تغير مجرى التاريخ .
عندما دخل النبي الموحد عليه الصلاة و السلام المدينة المنورة كانت منقسمة الى قبائل متعددة متصارعة أكبرها و أهمها الاوس و الخزرج ، و كانت منقسمة دينيا فكان بعضهم لحق بالاسلام و بقي البعض على عبادة الاصنام بالاضافة الى طبقة المنافقين الذين شكلوا فئة مهمة الى جانب اليهود .
و مع هذا لم تتفاقم الصراعات الدموية بين تلك الاطراف بل أن الرسول  بما اوتى من حكمة استطاع ارساء دعائم السلم الاهلي في المدينة و أعلن (وثيقة المدينة) التي ارست الحقوق بين تلك الفئات في تعايش سلمي رغم الخلافات التاريخية و العقدية .
ثم تفرقت هذه الامة الى مذاهب و طوائف و نحل شتى لتعود مشتتة مفرقة ضعيفة متصارعة ، حتى وقع بينها الاقتتال و سالت الدماء و قتل الرجال و انتهكت المحارم و كل مذهب يزعم الوصل بالاسلام الاصيل الذي اتى به محمد .
الان كيف السبيل الى العودة لتلك الروح الوحدوية المحمدية ؟
طرحت الكثير من الافكار التوحيدية في هذا المجال منها على سبيل المثال فكرة التقريب بين المذاهب التي كان الشيعة رواد لها على مدى عقود طويلة .
و يطرح البعض فكرة بسيطة منطقية و هي فكرة العودة للاسلام الاصلي و إلغاء المذاهب كلها ، على اعتبار انها اس المشكلة و سببها .
و هذه الفكرة على بساطتها و منطقيتها إلا أنها دعوة صعبة التحقق في المدى المنظور إن لم تكن مستحيلة .
كتب الشيخ الجليل الدكتور مصطفى الشكعة كتابه (إسلام بلا مذاهب) لتمثل دعوة لهذه الفكرة ، لكنها رفضت من نخب جميع المذاهب و رد عليه البعض بمقولة ( لا إسلام بلا مذاهب ) و منهم الكاتب رشيد الخيون ، و ينطلق المعارضون من فكرة ان المذاهب هي جهود و اجتهادات و ابداعات لعلماء بذلوا عمرهم من اجل معرفة الاسلام .
اليوم هناك طبقة نخبوية ناشئة قد يكون لها مستقبل مشرق في قادم الايام و العقود المقبلة ، تقوم هذه الطبقة على فكرة اتخاذ القرآن الكريم اساسا للاجتهاد الفكري و مرجعا أوليا لها ، ثم تساوي بين المذاهب الاسلامية و التراث الاسلامي بلا تفرقة على اساس طائفي بل ان هناك من ينطلق من التراث الانساني العام للوصول الى المعرفة الشاملة التي تكشف عن الحق و الحقيقية ، و لعل أهم شخصية تأخذ بهذا المنهج اليوم هو الشيخ حسن فرحان المالكي ،كما يوجد بعض النخب ذات الخلفية الشيعية التي بدأت تأخذ بنفس المنهجية .
نحن بحاجة اليوم الى هذا النفس العلمي البعيد عن التعصب الطائفي ، الذي يتخذ المرجعية القرآنية اساسا له ، و من ثم ينطلق نحو التراث الاسلامي كطبقة واحدة فلا يتعصب لإجتهادات مذهب ضد مذهب آخر ، بل يكون القرآن هو الفيصل فيما يختلف عليه .
يبدو لي ان هذا المنهج هو التطبيق الواقعي الحقيقي الممكن لفكرة اسلام بلا مذاهب ، و هو الذي يمكن ان يرث التراث الاسلامي و ينهي الحالة الطائفية المتفاقمة ليحقق اسلاما بلا مذهبية ، و ارى له مستقبلا زاهرا  بظني .
نحن كأفراد يجدر بنا ان نوسع مداركنا لنتفكر في المختلف و الآخر قبل ان نرميه بالخطأ و الانحراف و الضلال ، نحن جزء من عالم الاسلام بل نحن جزء من الانسانية جمعاء ، نحن ننتمى لها كلها لذا لا يجب ان نتعالى عليها ، و ليكن شعارنا البحث عن الحق و الحقيقة اينما هي .

الاثنين، 4 فبراير 2013

في النادي الادبي

في النادي الادبي


البارحة كنت في النادي الادبي بالرياض لحضور حفل تكريم الرئيس السابق للنادي الدكتور عبدالله صالح الوشمي تحت رعاية و بحضور وزير الثقافة و الاعلام دكتور عبدالعزيز خوجة  ..
بالرغم من أن الصديق هاني الحاجي (ابوهيثم) وجه لي الدعوة منذ سنوات لحضور فعاليات النادي إلا أنني كنت اثقل الخطى اليه ، حتى تكررت الدعوة من جديد فذهبت برفقة الصديق ابي نضال .

سأسجل ملاحظاتي هنا حول ما شاهدت ..
-         في البدء يطالعك النادي بمبناه القديم المهترئ و الذي لا يعكس أي أهمية تعنى بما يفترض أن يكون حامل شعاع الثقافة و الابداع في العاصمة الرياض ، فالمبنى قديم لا يوجد به اي سمة جمالية أو ابداعية ، و حتى عمليات الترميم الواضحة فيه زادته قبحا و كأن لسان حاله يقول (لا يصلح العطار ما أفسد الدهر)
-         قاعة الحفل لها من العمر نحو نصف قرن ، و هذا يكفي لكي تتصور حالها ، وهي صغيرة الحجم غير مجهزة لاستقبال حدث ثقافي مهم .
-         بل حتى موقع النادي هو في شارع صغير و كأنه يتوارى خجلا في أحد الازقة ، و كأنما هو عار لا يراد له الانكشاف ..
-         بالرغم من أن الحضور كان كثيفا نوعا ما إذ غصت القاعة و بقي كثيرون وقوفا ، رجالا و نساءا ، إلا أن الكهول و الشيوخ هم الاكثر عددا ، بل هم الاغلبية بين الحضور ، فوجدت نفسي تسأل ، اين الشباب ؟؟ أين المبدعون ؟؟
-         ليس تقليلا من شأن الشيوخ و الكهول فهم كما يقال الخير و البركة ، و لكن المستقبل إنما يقوم على سواعد و همم الشباب ، فإن لم نجد شبابا في النادي الان فمتى سنجدهم ؟
-         في النادي تعرفت على عدد من ادباء نجد و مثقفيها و سمعت قصصا عن هؤلاء قصصا لا تجد رواجا و اهتماما ، "نجد" ثرية ثقافيا و ليست مكانا لا يسكنه إلا البدو و الجهال .
-         لا يخفى عليكم أن الدعم السخي الذي لقيته الاندية الادبية في السنوات القليلة الماضية من الحكومة و اعادة التنظيم الذي قامت به وزارة الثقافة و الاعلام و إقرار لوائح تنظيم جديدة و اعتماد آلية الانتخاب فيها شجع الشباب لدخول الاندية الادبية و لكن سوء الاوضاع و عددا من الاشكاليات فيها أنعكس سلبا و تمثل في حالة عزوف جماعي من الشباب عنها ، و الارقام تثبت ذلك فعدد الذي جددوا اشتراكهم في نادي الرياض حسب ما علمت لم يتجاوز نسبة 20% ، و الحال في نادي الاحساء لا يختلف إذ أن 60% من الاعضاء لم يجددوا أشتراكهم ، و هذا يدعو للتساؤل و البحث .
-          من الواضح أن الدكتور عبدالعزيز خوجة وزير الثقافة الحالي يحاول معالجة سنوات من الاهمال للثقافة في هذا البلد ، فكما يعلم الجميع أن الاندية الادبية كانت ملحقة بالرئاسة العامة لرعاية الشباب ، و هي كانت تولي جل اهتمامها للرياضة بل لكرة القدم فقط ، مما تسبب في اهمال كبير لحال الثقافة في البلاد ، و لكن عقود من الاهمال لا يمكن معالجته في بضع سنوات .
-         تساؤل آخر لماذا لا يتحول النادي الادبي الى نادي ثقافي ، فالثقافة أشمل و اعم بل و أهم ، فالمثقف في المملكة لا يجد حاضنة له ، أو ان يتم تأسيس أندية ثقافية الى جانب الاندية الادبية كي تحتضن الحراك الثقافي في كل مدينة سعودية ، فجمعية الثقافة و الفنون لا تفي بالغرض .
-         في الحفل جلسنا بجوار أثنين من الدكاترة العواجيز المشاغبين ، كانا كثيري التعليق و التندر على ما يطرح على المنصة ، بينما أنا و صاحبي نكتم ضحكاتنا في صدورنا عليهما .  
-         أخيرا : شعرت بالفخر و الاعتزاز عندما وجدت مقدم الحفل النجدي يلجأ  الى أبيات للشاعر الهجري جاسم الصحيح ، فيبدو أنه لم يجد أفضل منها ليرحب بالوزير خوجة الذي بدى متواضعا و في ملامحه حميمية طاغية .