قضايا بين مثقف و شيخ
في اي دراسة معرفية يراد لها ان تكون منصفة و علمية يجب على الباحث ابتدءا تعريف عناصر البحث تعريفا عمليا و دقيقا و محايدا ، و من ثم يصار الى بحث العلاقة بينها .
و لأن المقام لا يتسع لتفصيل التعريف بأطراف الموضوع تفصيلا شاملا فإننا سنلجأ للإختصار على امل العودة للتفصيل لاحقا .
فالمثقف كظاهرة آخذه في البروز في مجتمعنا هو المتعلم معرفيا القادر على استخدام الكم المعرفي الذي يحوزه معملا أدوات التحليل و الربط في القضايا الفكرية التي يهتم بها ، و هي طبقة ناشئة في مجتمعنا تتطور كل يوم بفعل ارتفاع نسبة التعلم و توافر المعلومة .
أما رجال الدين فيجب ان نفرق بين طبقتين تماهتا الى حد كبير ، الاولى : علماء الدين و يقصد بهم المختصون في العلوم الدينية المعروفة تخصصا معرفيا المنشغلون بها المضيفون عليها تأليفا و جمعا و تصنيفا و انتاجا ، أما الثانية : رجال الدين فإنهم طبقة تتحصل على كم من المعرفة الدينية تستخدمها من اجل العمل الديني في المجتمع ، فنجد أغلب المنتمين الى هذه الطبقة ينقطعون عن مجال الدرس بعد مدة و يفتقدون للعطاء العلمي ، و يركزون على العمل في المجتمع بأدوار معروفة كأئمة للمساجد و خطباء و وكلاء و غيرها ..
و مع تنامي طبقة المثقفين و اصحاب الرأي و طرح الكثير من القضايا الجديدة على الساحة المعرفية في مجتمعاتنا الشيعية حدثت احتكاكات بين هذه الاطراف .
نجد ردود علماء الدين الاكثر معرفة و علما هادئة و منطقية و عقلانية ، و يتسم ردها بالحجية و الاقناع ، كما أنها تسخدم الاساليب المعرفية و تتعامل بأبوية حانية على ابناء المجتمع .
أما طبقة رجال الدين فإننا نلحظ ردودا متشنجة اقصائية اتهامية صدامية جدلية تخلط الامور ببعضها البعض لتخرج وصفة غريبة عن روح الدين و غاياته ..
هناك شواهد كثيرة تدل على ذلك و أتجنب ذكرها كي لا تضيع الفكرة في تفاصيل الامثلة ، كما ان الامور ليس على اطلاقها ..
ما يحدث اليوم ان هناك أفكارا حداثية بدأت بعبور مجالنا المعرفي الاجتماعي مؤخرا ، كثير منها لا يتعارض مع روح الاسلام كدين صالح لكل زمان و مكان ، و لكن بعضها يتقاطع مع التراث الفكري و المعرفي المتراكم عبر الزمن حتى استأنسه الناس ، و يحاول البعض التصوير بأنه قطعيات دينية ، فحدث الصدام بين دعاة التحديث و المنافحين عن التراث .
و لكي نخرج بصيغة معقولة فإن هذه الافكار يجب ان تخضع لمشرط العالم الحاذق في غرفة عمليات فكرية يجري معالجتها بهدوء الطبيب الماهر ، و هذا يحتاج معرفة و دراية عميقة بتلك الافكار كما تستلزم حسن الادارة و فطنة العالم الرباني ، بعيدا عن التشنج المصطنع .
و كما ان المثقف بحاجة الى قراءة التراث قراءة منصفة و عدم التنصل من تاريخه و ماضيه بكل ابداعاته و إخفاقاته ، فإن رجال الدين في مجتمعنا يحتاجون للكثير من القراءة و المعرفة و الاطلاع في مجالات الفلسفة الحديث و الفكر المعاصر ، كما يحتاجون الى التعمق في فهم الاسلام كدين مرن قابل للثقافات و الافكار العصرية ، و هذا ما يفتقده الكثير منهم إذ ان تأهيلهم الحوزوي غير كاف ، و يحتاجون الى جهد ذاتي في هذا المجال .
إن المعول عليه في معالجة الواقع المعرفي اليوم هم العلماء الربانيون الذين يمتلكون الوعي و الادراك الكافي الى جانب المعرفة العميقة و القدرة على تفهم الفكر المعاصر بلا تعصب و لا اسفاف ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق