هاجس المختلف
قبل ايام كنت اشاهد (فلم انمي) يحكي قصة البطاريق التي كانت تعيش في القطب المتجمد و لم تر انسانا يوما ، احد البطاريق الشبان رأى مصادفةًا إنسانًا ، فذهب الى البطاريق ليقول لها أنه شاهد مخلوقا غريبا يمشي على رجلين مثل البطاريق ، و لكن كبار البطاريق و قادتها وقفوا في وجهه قائلين انه لا وجود لهذا المخلوق الخرافي ، و لا يمكن لأي مخلوق أن يمشي على قدمين سوى البطريق ، و كانت عقوبة هذا المدعي (الضال) النفي و الإبعاد لأنه يضل بقية البطاريق عن المذهب الحق !!.
هنا طائفة متسالمة على افكار و عقائد متقادمة ثم يأتي من يشكك أو يبحث أو يخالف ، فيثير حنق الطائفة الراكنة للرأي الاول فتتحرك ضد المختلف بفتوى أو بيان أو اهدار دم أو اغتيال ، حفاظا على الارث الراكد ، في الحقيقة إن هذا المشهد ليس حالة اختص بها دين أو مذهب أو فكر واحد دون غيره ، فالقارئ للتاريخ الانساني سيجد مثل هذه القصص متناثرة على جنباته ، و المذهب الشيعي ليس استثناءا من التاريخ الانساني .
ما يجب أن يثيرنا حقا أمرين أثنين ، الاول : ماهي الاجواء و الاوضاع التي انتجت هذه الحالة؟ . و الثاني : ما هي المصالح و الدوافع التي دفعت فردا هنا أو هناك لإتخاذ هذا الشكل الصدامي .
إن الجو المعرفي المغلق الغارق في القطعيات و اليقينيات ، الجو المعادي للشك و التفكير خارج الصندوق ، الجو الخائف الوجل على الايمان المزعوم و النقاء المتوهم هو الذي يمكن ان ينتج فتاوى التضليل و التكفير ، فهذه الفتوى هي سلاح دفاعي قاتل يلجأ اليه الخائف من فكرة و رأي لأنه ببساطة لا يؤمن بالآخر و لا يرضى بالعيش بجوار المختلف و يريد ان يملك الوجود كله بمفرده ، بما لديه من ايمان و معرفة يظنها آخر ما يمكن ان يصل إليه الانسان ..
و هذا يقودونا الى التساؤل الثاني اي مصالح يمكن ان يهددها هذا الرأي الجديد ، هل يمكن أن تكون فقط غيرة دينية بريئة ؟؟ ، فكفار قريش الذين قالوا عن النبي الكريم أنه مجنون و أنه ساحر كانوا يزعمون أنهم يحافظون على تراث الاباء و الاجداد ، بل حتى فرعون خشي على قومه من ان يضلهم موسى (الضال) عن دينهم ، و لكن هل صدقوا ؟؟
أنه الهاجس الفطري لدى الانسان الذي يستأنس بالبرك الهادئة و البحيرات الراكدة و لا يحب الانهار الجارية ..