الخميس، 31 يناير 2013

هاجس المختلف

هاجس المختلف

 


قبل ايام كنت اشاهد (فلم انمي) يحكي قصة البطاريق التي كانت تعيش في القطب المتجمد و لم تر انسانا يوما ، احد البطاريق الشبان رأى مصادفةًا إنسانًا ، فذهب الى البطاريق ليقول لها أنه شاهد مخلوقا غريبا يمشي على رجلين مثل البطاريق ، و لكن كبار البطاريق و قادتها وقفوا في وجهه قائلين انه لا وجود لهذا المخلوق الخرافي ، و لا يمكن لأي مخلوق أن يمشي على قدمين سوى البطريق ، و كانت عقوبة هذا المدعي (الضال) النفي و الإبعاد لأنه يضل بقية البطاريق عن المذهب الحق !!.
  
هنا طائفة متسالمة على افكار و عقائد متقادمة ثم يأتي من يشكك أو يبحث أو يخالف ، فيثير حنق الطائفة الراكنة للرأي الاول فتتحرك ضد المختلف بفتوى أو بيان أو اهدار دم أو اغتيال ، حفاظا على الارث الراكد ، في الحقيقة إن هذا المشهد ليس حالة اختص بها دين أو مذهب أو فكر واحد دون غيره ، فالقارئ للتاريخ الانساني سيجد مثل هذه القصص متناثرة على جنباته ، و المذهب الشيعي ليس استثناءا من التاريخ الانساني .


ما يجب أن يثيرنا حقا أمرين أثنين ، الاول : ماهي الاجواء و الاوضاع التي انتجت هذه الحالة؟ . و الثاني : ما هي المصالح و الدوافع التي دفعت فردا هنا أو هناك لإتخاذ هذا الشكل الصدامي .
إن الجو المعرفي المغلق الغارق في القطعيات و اليقينيات ، الجو المعادي للشك و التفكير خارج الصندوق ، الجو الخائف الوجل على الايمان المزعوم و النقاء المتوهم هو الذي يمكن ان ينتج فتاوى التضليل و التكفير ، فهذه الفتوى هي سلاح دفاعي قاتل يلجأ اليه الخائف من فكرة و رأي لأنه ببساطة لا يؤمن بالآخر و لا يرضى بالعيش بجوار المختلف و يريد ان يملك الوجود كله بمفرده ، بما لديه من ايمان و معرفة يظنها آخر ما يمكن ان يصل إليه الانسان ..
و هذا يقودونا الى التساؤل الثاني اي مصالح يمكن ان يهددها هذا الرأي الجديد ، هل يمكن أن تكون فقط غيرة دينية بريئة ؟؟ ، فكفار قريش الذين قالوا عن النبي الكريم أنه مجنون و أنه ساحر كانوا يزعمون أنهم يحافظون على تراث الاباء و الاجداد ،  بل حتى فرعون خشي على قومه من ان يضلهم موسى (الضال) عن دينهم ، و لكن هل صدقوا ؟؟
أنه الهاجس الفطري لدى الانسان الذي يستأنس بالبرك الهادئة و البحيرات الراكدة و لا يحب الانهار الجارية ..

الثلاثاء، 15 يناير 2013

قضايا بين مثقف و شيخ

قضايا بين مثقف و شيخ




في اي دراسة معرفية يراد لها ان تكون منصفة و علمية يجب على الباحث ابتدءا تعريف عناصر البحث تعريفا عمليا و دقيقا و محايدا ، و من ثم يصار الى بحث العلاقة بينها .
و لأن المقام لا يتسع لتفصيل التعريف بأطراف الموضوع تفصيلا شاملا فإننا سنلجأ للإختصار على امل العودة للتفصيل لاحقا .
فالمثقف كظاهرة آخذه في البروز في مجتمعنا هو المتعلم معرفيا القادر على استخدام الكم المعرفي الذي يحوزه معملا أدوات التحليل و الربط في القضايا الفكرية التي يهتم بها ، و هي طبقة ناشئة في مجتمعنا تتطور كل يوم بفعل ارتفاع نسبة التعلم و توافر المعلومة .
أما رجال الدين فيجب ان نفرق بين طبقتين تماهتا الى حد كبير ، الاولى : علماء الدين و يقصد بهم المختصون في العلوم الدينية المعروفة تخصصا معرفيا المنشغلون بها المضيفون عليها تأليفا و جمعا و تصنيفا و انتاجا ، أما الثانية : رجال الدين فإنهم طبقة تتحصل على كم من المعرفة الدينية تستخدمها من اجل العمل الديني في المجتمع ، فنجد أغلب المنتمين الى هذه الطبقة ينقطعون عن مجال الدرس بعد مدة و يفتقدون للعطاء العلمي ، و يركزون على العمل في المجتمع بأدوار معروفة كأئمة للمساجد و خطباء و وكلاء و غيرها ..
و مع تنامي طبقة المثقفين و اصحاب الرأي و طرح الكثير من القضايا الجديدة على الساحة المعرفية في مجتمعاتنا الشيعية حدثت احتكاكات بين هذه الاطراف .
نجد ردود علماء الدين الاكثر معرفة و علما هادئة و منطقية و عقلانية ، و يتسم ردها بالحجية و الاقناع ، كما أنها تسخدم الاساليب المعرفية و تتعامل بأبوية حانية على ابناء المجتمع .
أما طبقة رجال الدين فإننا نلحظ ردودا متشنجة اقصائية اتهامية صدامية جدلية تخلط الامور ببعضها البعض لتخرج وصفة غريبة عن روح الدين و غاياته ..
هناك شواهد كثيرة تدل على ذلك و أتجنب ذكرها كي لا تضيع الفكرة في تفاصيل الامثلة ، كما ان الامور ليس على اطلاقها ..
ما يحدث اليوم ان هناك أفكارا حداثية بدأت بعبور مجالنا المعرفي الاجتماعي مؤخرا ، كثير منها لا يتعارض مع روح الاسلام كدين صالح لكل زمان و مكان ، و لكن بعضها يتقاطع مع التراث الفكري و المعرفي المتراكم عبر الزمن حتى استأنسه الناس ، و يحاول البعض التصوير بأنه قطعيات دينية ، فحدث الصدام بين دعاة التحديث و المنافحين عن التراث .
و لكي نخرج بصيغة معقولة فإن هذه الافكار يجب ان تخضع لمشرط العالم الحاذق في غرفة عمليات فكرية يجري معالجتها بهدوء الطبيب الماهر ، و هذا يحتاج معرفة و دراية عميقة بتلك الافكار كما تستلزم حسن الادارة و فطنة العالم الرباني ، بعيدا عن التشنج المصطنع .
و كما ان المثقف بحاجة الى قراءة التراث قراءة منصفة و عدم التنصل من تاريخه و ماضيه بكل ابداعاته و إخفاقاته ، فإن رجال الدين في مجتمعنا يحتاجون للكثير من القراءة و المعرفة و الاطلاع في مجالات الفلسفة الحديث و الفكر المعاصر ، كما يحتاجون الى التعمق في فهم الاسلام كدين مرن قابل للثقافات و الافكار العصرية ، و هذا ما يفتقده الكثير منهم إذ ان تأهيلهم الحوزوي غير كاف ، و يحتاجون الى جهد ذاتي في هذا المجال .
إن المعول عليه في معالجة الواقع المعرفي اليوم هم العلماء الربانيون الذين يمتلكون الوعي و الادراك الكافي الى جانب المعرفة العميقة و القدرة على تفهم الفكر المعاصر بلا تعصب و لا اسفاف ..  

الاثنين، 7 يناير 2013

نقد الموروث

نقد الموروث





النقد سلوك عقلي متحضر وجد و تطور لدى الامم المتحضرة حيث احترام الانسان و تمكينه من حرية التفكير و الاختيار .
في الدين الاسلامي الحنيف نجده شجع على إعمال العقل و نقد الموروث و هذا واضح جلي في الايات القرآنية الكريمة و ليس محل خلاف لذا نتجاوز التفصيل فيه ..
العقدة لا تكمن في جواز النقد للتراث من عدمه ، بل تكمن ثلاثة أمور (ماذا ننقد ؟ ما هو اسلوب النقد ؟ من ينقد ؟)
و الاجابة على هذه الاسئلة الثلاثة هي التي تولد الاختلاف و الخلاف بين ابناء المجتمع الاسلامي و بين كافة التيارات و المذاهب الاسلامية ..
فمادة النقد تقف بين التقديس و عدمه فمن يعتبر امرا ما مقدس فإنه لن يقبل نقده و من يعتبره غير مقدس سيتقبل نقده ، و دائرة التقديس تتسع و تضيق وفقا لعوامل عدة .
و رغم ان صريح ايات القرآن الكريم و الاحاديث النبوية الشريفة واضحة صريحة في توسيع دائرة النقد فهي تضع العقيدة (وهي من أهم الموضوعات في الدين) محلا للنقد و تحث على نقد العقائد الموروثة ، و هذا يكفي ان يكون ما دونها من الموضوعات محلا للنقد من باب أولى .
و عن اسلوب النقد هناك اساليب كثيرة للنقد ، منها الاسلوب التفكيكي و الاسلوب البنائي و منها الاسلوب الاستدلالي و غيرها ، ولكن لا يوجد اسلوب أمثل ، ربما يميل شخص ما لأسلوب دون آخر و لكن لا يجب أن نقول انه الاسلوب الاوحد و نلغي البقية ، يبقى فقط أن يكون الاسلوب مراعيا للخلق و عدم الشخصنة حيث يتحول النقد من نقد المادة الى نقد الشخوص .
أما من ينقد؟ فإن الباحث عن الحق و الحقيقة مكلف بسلوك ذلك الدرب ، فالحجر على عقول الناس ليس اسلوبا اسلاميا مطلقا ، و  للانسان ان ينقد ما دام يتملك اساليب النقد و المعرفة .
في واقعنا الاسلامي لدينا حساسية مفرطة من النقد حيث اتسعت دائرة المقدس و تجاوزت كل حدود ، فحتى الموروث الذي انتجته عقول البشر الغير معصومين اصبح مقدسا في نظر البعض ، و اصبح التقليد في كل الامور المعرفية و الفكرية هو الطاغي ، و هذا ناتج عن التخلف المعرفي و العجز عن الابداع و عدم الثقة بالنفس ..
إن حساسيتنا للنقد جعلنا أمام حالات تطرف فكري موغل بتقديس الماضوية في مقابل حالات احتقان تنفجر عن تطرف معاكس ، فيما الحقيقة ضائعة بين التيارين .
لذا من الضروري العمل على تغيير الحالة السائدة بإرساء ثقافة تقبل النقد و الحرية الفكرية للانسان ، فإن الله لا يريد عبيدا يطيعونه دون وعي و تدبر و تفكير ، و لذلك خلقنا مختلفين كما قال جل شأنه ..

الثلاثاء، 1 يناير 2013

الطقوسية و القضية


الطقوسية و القضية

مع اطلالة محرم و حتى الاربعين من كل عام و شغل الشيعة الشاغل احياء ذكرى الحسين عليه السلام ، هذا الرجل العظيم الذي قدم  للانسانية ثورة اخلاقية قيمة هي كمنارة تضيء للاحرار دروب العزة و الكرامة ..
و لكن السؤال الذي يتجدد مع هلال المحرم ماذا صنع الشيعة بهذه الثورة العظيمة ، الاجابة محزنة فلقد تحول الإرث المجيد الى طقوسيات تمارس كل عام في ظل تغييب للوعي عن أهداف و مغانم الثورة المجيدة .
الكثير من الطقوس ابتدعت بأصل أو بلا اصل تحت و مسميات شتى (تطبير- مشاية-ركضة – ضرب بالسلاسل و الجنازير- تشبيهات – مشي حافيا - ...) و القائمة لا تنتهي من تلك الطقوسيات التي تمارس تحت عنوان عريض مطاط اسمه احياء الذكرى و الولاء لأهل البيت عليهم السلام ، تلك الطقوس تركن الى السلوك الصوفي الذي لم يكن مذهب اهل البيت ع يرحب به و يشجع عليه .
هنا قبل أن تكبر حدقات اعين البعض علي أن أقول أنني لست ضد من يريد ممارسة تلك الطقوس فهي حرية شخصية ، كل انسان حر في سلوكه الشخصي التعبدي ما دام فهمه للدين يجيزه و لا يتعارض مع قطعياته ،  و لكني أطلب منكم أمرين اثنين ،  أولا : تلك الطقوس هي مبتدعات - ليس بالمعنى السلبي- لم يرد فيها نص مقدس بل هي أفهام لرجال نحترمهم و نجلهم ، و هي في أحسن حالاتها لم تصل أكثر من الاستحباب ، لذا لا تلبسوها لباس القداسة و لا تعتبروا نقدها تجاوزا على المذهب و العقيدة ، و احترموا من يختلف معكم حولها  كما نحترم حريتكم بالايمان و العمل بها ، و احترموا تعذر عقولنا عن فهمها و تبريرها ،،  ثانيا : رجاءا لا تقرنوا تلك الطقوس بالاسلام و المذهب فتقولوا أمر الله و رسوله بها ، مارسوها على أنها فهمكم للدين و ليس لأنها دين .
مشكلتنا مع كثير من تلك الطقوس أنها تمارس تغييب الوعي عن اهداف حركة الحسين عليه السلام التي اصبحت مجرد سوكيات تمارس في ايام معينة و تغييب كل مبادئ العدالة و الحرية و الاباء عنا .
كما أن تلك الطقوس لا تقف عند حد معين ، فكل يوم نكتشف شكلا جديدا منها ، هذه السنة رأيت طقسا جديدا ، رأيت أباء يحضورن أطفال أعمار بعضهم أقل من ثلاث سنوات ليشهدوا ذبح الخراف ليوم العاشر ثم يقوموا بتلطيخ ابدان الاطفال بالدماء بعنوان البركة و رجاء الشفاء من الامراض ، و الله اعلم عن سلامة تلك الدماء ، و لا ندري ما سيأتي به المستقبل من طقوس ..
نعم تلك الطقوس قد يكون لها اثر معنوي روحاني على المستوى الفردي و هذا ما يجعلنا لا نمانع ان يمارسها من يريد ، و لكننا نؤكد أن أثرها الاجتماعي سلبي ، فهو يشغل الناس عن الاهم و الحقيقة في القضية الحسينية .
لذلك يجب على النخب ان يتفطنوا و يسألوا عن ذلك الغياب الكبير و المتزايد للقيم الحسينية ، و يجب عليهم ان يساهموا بعودة المجتمع الى ما ضيعه في معرض حماسه للطقوس ، بدل استماتتهم بالدفاع عن الطقوس ضد من يسمونهم بالحداثيين .
و أؤكد من جديد أن الحرية العبادية يجب ان تكون مكفولة للجميع ، تفضلوا طبروا و اضربوا بالسلاسل و امشوا في المواكب ، و لكن اعدوا الجواب عندما يسألكم الحسين : ماذا فعلتم بثورتي ؟؟؟