الخميس، 29 أكتوبر 2015

المثقف الحداثي وتحديات المرحلة

المثقف الحداثي
وتحديات المرحلة

Image result for ‫المثقف الحداثي وتحديات المرحلة‬‎



  
       منذ سنوات والساحة الثقافية المحلية تشهد حراكا ثقافيا وفكريا مميزا ويقفز إلى سطحها العديد من الأسماء الشابة الواعدة والتي باتت لا ترهب الخوض في بحث قضايا فكرية ومعرفية دقيقة متخطية العديد من التابوهات والخطوط التي كانت تعد حمراء، هذا النشاط الفكري الذي برز فيه بشكل أو بآخرالمثقف الإصلاحي أو الحداثي واجهه نشاط مميز في المقابل من المثقف المحافظ أوالتقليدي الذي أخذ على عاتقه الحفاظ على ما اعتبره ثوابت وقيم جوهرية لا يمكن السكوت عن تجاوزها، وفي المجمل شهدت الساحة نشاطا متصاعدا وإن بدى محتقنا في بعض الأحيان إلا أنه أوصل رسالة مفادها أن مجتمعنا مازال بخير على المستوى الثقافي والفكري وأنه قادر على تقديم أسماء جديدة محلقة في سماء الفكر.

وربما كان يقدّر لهذا النشاط الرائع بالتصاعد إلى مديات أعلى لولا أن خطبا ما قد وقع، فلقد دخلت المنطقة في مرحلة جديدة تكاد تكون غير مسبوقة يخشى كثير من الناس أن تكون بداية لأيام صعبة قادمة، فما قبل الدالوة ليس كما بعدها بالتأكيد، حيث وقع أول استهداف مباشر بالقتل على الهوية وهي الهوية الشيعية تحديدا، واستمر الاستهداف بنحو خمس هجمات دموية تفرقت على عام كامل.

من يظن أن هذه الحوادث ستمر دون أثر على المجتمعات المحلية فهو واهم، فالمجتمع الحي الذي شهد كل هذا النشاط الفكري والثقافي سيشهد تحولات بلا شك حتى وإن كانت بطيئة إلا أنها جوهرية.
في الأزمات العصيبة التي يقع القتل فيها على أساس الهوية فإن أفراد المجتمع يتجهون بتلقائية لتعزيز تلك الهوية والحفاظ عليها وعدم التخلي أو المساومة عليها، بل غالبا ما يرافق تلك الحالة مزيد من التأكيد والحرص على إظهارها وإبرازها، ولعلنا وجدنا الحضور الصاخب في مراسيم تشييع الشهداء بما لا تخطئه العين وهو في حالة تصاعد وغليان، كما أن الحضور الجماهيري في إحياء ذكرى عاشوراء شهد زخما أكبر عن السنوات السابقة كما لاحظ بعض المهتمين.

في هذه المرحلة التاريخية التي ربما سيتجه مزاج المجتمع نحو نوع جديد من الموجة المحافظة فإن المجتمع سينظر بمزيد من الريبة والحذر لكل دعوة للإصلاح الديني أو تجديد الخطاب الشيعي، وهنا يجدر بالمثقف الحداثي أو الإصلاحي ألا يحرص على الانتحار في وجه هذه الموجة المتصاعدة، بل إنه مدعو اليوم لطرح خطاب إصلاحي تصالحي أكثر فاعلية وواقعية.

إن المثقف الإصلاحي الذي أشعل الساحة الفكرية والثقافية بخطابه المتجاوز قادر برأيي أن يطرح صورة جديدة يمكنها استيعاب الموجة الجديدة وقيادة الحراك من جديد نحو آفاق جديدة، وهذا ممكن لمعظم وجوه الحراك الثقافي المحلي، أما القلة التي ستبقى تكرر نفس الأفكار بذات الأسلوب المتشنج فأظن أن المجتمع سيتجاوزهم وسيخبو كل البريق الذي كسبوه وسيكون مصيرهم إلى أكثر الزوايا ظلمة وقتامة.


*منشور في موقع المطيرفي بتاريخ  2015/10/28
الرابط


http://www.almoterfy.com/site/index.php?act=showNews&module=news&id=5519#.VjIM5fnoT2Y



الأربعاء، 14 أكتوبر 2015

الدالوة.. عام مضى


   الدالوة.. عام مضى

Image result for ‫الدالوة‬‎


العام الهجري الذي مضى راحلاً وتصرمت أيامه كان عاماً استثنائياً على شيعة المنطقة الشرقية، بدءاً بالهجوم الدموي الرهيب على قرية الدالوة الوادعة على خد جبل القارة الشهير، مروراً بتفجيري القديح والدمام.
لقد كان لهذه الأحداث الدامية أثر مؤلم في القلوب، فلقد كانت الهجمات من الخسة والدناءة أن تهاجم الآمنين في أماكن العبادة بأبشع الوسائل وأقذر الأساليب، مخلفة قتلى أبرياء لم يرتكبوا أية جريرة تذكر.
بالرغم من أهمية الحدث وتاريخيته، إلا أن الأهم هو كيف تصرفنا وسنتصرف بعده.
لقد كان الحدث امتحانا عسيرا على المنطقة ونخبها، وكان يمكن له أن يغير مجرى التاريخ للأبد، وربما كان من الممكن أن يستدعي تطورات جوهرية في حياة الناس، ولكن ما الذي حدث؟ هل كنا على قدر المسؤولية بما يكفي؟ هل حافظنا على الدم الساخن المسفوح في مساجدنا؟
 من المدهش وليس في ذلك مبالغة أن الناس نسوا أو يكادون تلك الحوادث المؤلمة، وانشغلوا في قضايا هامشية وجدالات لا طائل من ورائها رغم أن الدم لم يجف بعد، لم يعد الناس يتذكروا عدد شهداء الدالوة، ولا يتذكرون من هو حيدر المقيلي، ولا يستطيعون تحديد تاريخ تفجير الدمام..
هكذا ببساطة تجاوزنا القضية الأهم في تاريخ المنطقة، وعدنا لنتجادل في كل قضايا العالم إلا قضيتنا نحن، وعادت الحياة لطبيعتها بعدما مننّا على الشهداء بقراءة سورة الفاتحة.
لا أريد أن أكون سوداويا لكن من المؤسف أن تفاعلنا كان مؤقتا ولحظيا وقصيرا، فلم نتوسع لتخلد ذكرى الشهداء ولم نكوّن لجانا فاعلة للتذكير بقضيتهم والمطالبة بحقهم من القتلة، ليس فقط المجرمون الذين نفذوا الجريمة، بل كل مصاصي الدماء الذين حرضوا وكفروا وشحنوا النفوس والقلوب ومهدوا الطريق لمثل هذه الجرائم البشعة.
إننا عندما نطالب بعدم نسيان الدالوة، فليس الأمر قضية بكاء ونواح، وليس من أجل شرفاء لبوا نداء الشهادة، إنما من أجل الأطفال الذين ولدوا عشية الدالوة، من أجل كل من يعيش على تراب هذا الوطن، من أجل أن نستمر في تنفس هذا الهواء ونشرب من زلال هذا الماء، فإننا إن نسينا الدالوة فذلك يعني أننا سنقبل بدالوة ثانية وثالثة لا سمح الله.
إن النضال من أجل الكرامة والعزة درب طويل يحتاج إلى صبر وتضحيات، فإن لم نتعلم من كربلاء هذا الدرس فلا قيمة ترتجى بعد ذلك.