المثقف الأحسائي
تحدثنا في مقالين
سابقين باقتضاب شديد حول تعريف المثقف ودوره، واليوم سنحاول التركيز حول المثقف في
الأحساء ودوره.
كمقدمة يمكن القول أن
الأحساء التي عُرفت عبر تاريخها كحاضرة علمية وتميزت بوجود جهابذة من العلماء على
مستوى المنطقة، إلا أنها عانت أيضا من تراجع هذه الحالة لأسباب مختلفة كانعدام
الاستقرار السياسي وفقدان الأمن أو انتشار الأوبئة والأمراض القاتلة مما تسبب في تراجع
موقعها لصالح مناطق أخرى، وبقي التعلم والمعرفة محصورة في طبقة ضيقة من علماء
الدين أو أبناء التجار والميسروين، أما بقية الناس فكان التعليم يتمثل في تعلم
القرآن وربما القراءة والكتابة والحساب، عدا هذا بقيت الأمية تعشعش في العقول.
النافذة الأولى فتحت مع
انتشار التعليم الأكاديمي وبدء الابتعاث للخارج في النصف الثاني من القرن الماضي،
وتفتح الناس على شتى المعارف والأفكار والتيارات ليبدأ نوع من الحراك الفكري في
الأوساط المحلية وولدت أول طبقة من المثقفين الذين كانوا قادمين بكثير من الحماس والزخم،
إلا أن الأحداث السياسية والصراعات التي شهدتها المنطقة وانعاكسها على الأوضاع
المحلية إلى جانب فورة اليقظة الدينية جعلت الجمهور يلتصق بالطبقة الدينية فوجد
المثقفون أنفسهم بلا منبر ولا جمهور فأصابهم الإحباط فاختار بعضهم التماهي مع
التيار وركوب الموجة والإندماج مع الحالة السائدة، بينما اختار آخرون الانكفاء على
الذات وعاش حالة من الغربة بين الناس وقرر قلة منهم الهجرة خارج الأحساء معتبرين
أنها بيئة غير جاذبة للطاقات الثقافية.
بعد سيطرة الديني على
المشهد المحلي في الأحساء لمدى زمني طويل عرفت المنطقة في النصف الثاني من
التسعينات دخول الإنترنت لأول مرة الأمر الذي فتح نافذة جديدة من المعارف غير
التقليدية وسمح باندلاع موجة من الحوارات الثقافية على الشبكة العنكبوتية بدأت
بالمنتديات الثقافية التي أعلنت ولادة الجيل الثاني من المثقفين الأحسائيين بعدما
حصلوا أخيرا على المنبر والجمهور، ولعل ابرز ملامح هذا الجيل أنه تجاوز الجيل
الأول وقدم أسماء جديدة من الشباب الواعد.
هذه الطبقة الحديثة
الولادة بدأت في العالم الافتراضي إلا أنها وخلال العقد الأخير طفت على السطح
بعدما تخلت عن الأسماء المستعارة والوجوه المموهة وباتت تشكل جزءاً مهماً من
المشهد الأحسائي الذي مازال يسير في موجة تصاعدية من العمل والإنتاج الثقافي.
مما يؤخذ على هذه
الموجة أمرين أثنين، الأول عدم تبلور المشروع الثقافي إذ مازال المثقف الأحسائي
بلا رؤية واضحة ويتقافز بين مواضيع لا جامع بينها دون أن يجيب على السؤال الأهم:
ماهو مشروعك؟
أما الأمر الآخر فهو
تكرار الأفكار واستيرادها من البيئات الثقافية الأخرى دون قدرة حتى الآن على الإبداع
الفكري المحلي في المجمل، الأمر الذي يوجب عليه الانعتاق من هيمنة المثقف غير
المحلي والتوقف عن الإيمان بتفوق الوافد المعرفي.
إن مثقفي الأحساء
اليوم مازالوا في مرحلة التعرف على الذات والتأسيس لموطئ قدم في المنظومة
الاجتماعية، ولعل قادم الأيام ستشهد تحولات مهمة في المشهد الثقافي الأحسائي، ومن تلك
التحولات بدء ظهور جيل جديد من المثقفين سنتكلم عنه في المقال القادم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق