السبت، 18 أكتوبر 2014

الهوية .. أزمة انسانية

الهوية .. أزمة انسانية





تعد قضية الهوية من أهم مشكلات العصر الحديث لما أحدثته المتغيرات السريعة و الانتقال للافكار و البشر و السلع بين القارات بسرعة هائلة  مما أثر على استقرارها من نواحي مختلفة .

بالحديث عن الهوية يجب ان نفرق بين نوعين من الهوية

الهوية الاجتماعية:
وهي ما يميز المجتمعات عن بعضها  و هي عبارة عن الخصائص المشركة بين مجموعة من الافراد.

النوع الثاني هي
الهوية الذاتية أو الشخصية:
وهي ما يميز الفرد عن غيره و يعطيه خصائصه الفارقة

فبينما يعطي النوع الثاني انطباع ان الافراد متمايزون عن بعضهم ... يعطي النوع الاول الانطباع ان البشر متشابهون في كثير من الخصائص..

و من هنا نعرض لأصل كلمة الهوية
فهي مأخوذة من الضمير هو

و من الهوة و هي قعر البئر
مما يعني ان الهوية تعبير عميق عن حقيقة الانسان في داخله..

و في معجم المعاني
عرف الهوية انها حقيقة الانسان المطلقة و صفاته الجوهرية

وحقيقة الشيئ هي هويته

و عرف اريكسون هوية الانسان بأنها الوعي بالذات و فلسفته في الحياة..


يجرنا الحديث عن الهوية الى علاقته بالمثقف و ربما ليس اي مثقف انما المثقف المتطلع لتجديد واقعه و فتح آفاق جديدة ..

هذه المحاولة من المثقف يجعله في صدام مع من يرى ان الحفاظ على المكتسبات و الخصائص الاجتماعية من عادات و تقاليد و افكار - وهي مفردات الهوية- اولى من فتح نوافذ جديدة قد تؤثر سلبا ..

المثقف ليس من الضرورة ان يكون فاقدا للهوية او غير منسجم مع الهوية الاجتماعية ... و لكن المعضلة الحقيقية هي في عدم هضمه لهويته المحلية و الاستعجال في نقدها متكئا على ثقافة مستوردة..
و هذا يقودنا الى كلمات د. علي شريعتي خصوصا في كتابه مسؤولية المثقف التي صرخ فيها بوجه المثقف المستلب الهوية لصالح الذوبان في كل مستورد و طارئ...

من اصعب الامور ان يضطر شخص للدفاع احيانا عن افكار قد لا يؤمن بها بسبب انها تشكل هوية لمجتمعه و محيطه و عائلته..

تماما كحال كثير من المثقفين الذين ينقدون تفاصيل المذهب  و لكنه يضطر للدفاع عنه عندما يدخل في جدال سني - شيعي

و هنا استحضر احدى قفشات الصديق صادق السماعيل
عندما يحتدم النقاش في اي لقاء او ملتقى حول احدى مكونات المذهب كنقد رجال الدين او الحسينيات او ..ليقول للناقد ..
نهايتك بتموت و سيتم تغسيلك و تكفينك و دفنك على الطريقة الشيعية و سيأتي معمم شيعي لينزل في قبرك و يلقنك على الطريقة الشيعية و سينصب عزاك في حسينية و سأتي ملا ينوح على مصيبة الزهرا..

هذه ليست نكتة بل حقيقة تجذر الهوية و الانتماء مهما نقد المثقف او حاول التمرد..

العرب و الهوية
جرب العرب الهوية القومية العربية و قاد هذا التيار الرئيس المصري عبدالناصر ..
ولكن هذا التيار فشل فشلا ذريعا في تحقيق اي حداثة للعرب .. بل لم يستطع تجسيد الهوية القومية في ارض الواقع..

و من هنا شقت الهوية الدينية الاسلامية بقيادة تيارات الاسلام السياسي خطها في تخليق هوية دينية كبديل للقومية..

و عندما استشعرت الانظمة العربية خطر التيارات الدينية العابرة للحدود اطلقت ما سمي بالهوية الوطنية ..
و لكنها الى اليوم لم تثبت صلابتها في مواجهة اي تيار ديني او قومي او فكري و هو احد اسباب ضعف الدول العربية و ضعف انتماء الشعوب العربية لكياناتهم السياسية الحالية..
         
العولمة ماذا حققت ؟؟

كانت العولمة حديث المجالس في التسعينات، و كان القلق من تغلغل المفاهيم الغربية و الامريكية تحديدا الى المجتمعات المغلقة و التأثير في هويتها متصدرا للخطاب الديني و الثقافي..

السؤال بعد نحو عقد و نصف من اثر العولمة.. هل تأثير هويتنا المحلية بها؟؟ما نوع الاثر ايجابي ام سلبي؟ و هل كان الخطاب حينها واقعيا ام مبالغ فيه؟

في مقابل العولمة و من اجل مواجهتها طرح البعض فكرة العالمية ..
تتلخص في الفكرة بالاعتراف بكل الهويات و الثقافات الانسانية و التعايش معها بدل نموذج العولمة الذي يعني تصدير نموذج واحد للبشرية و هوية واحد لكل الناس..

ومثال ذلك
ان العولمة تؤدي الى تجد في كل مدينة من مدن العالم الناس ترتدي بنطلون جينز و تأكل في ماكدونلز و تركب سيارة فورد

اما العالمية
فتعني ان تجد  في كل مدينة في العالم مطعم امريكي الى جانبه مطعم صيني و مطعم هندي آخر عربي و هكذا ..

لنتحدث عن فكرة طوباوية انتشرت لفترة من الزمن خصوصا في الغرب
و هي فكرة الانسان العالمي او الكوني..
الفكرة تتلخص في فئة من الناس قررت ان تنتمي للبشرية ككل و ان تنتمي الى كل الانتاج و الحضارات و الاديان و الافكار الانسانية بذات الدرجة دون تحيز او تعاطف مع فكرة دون اخرى.
و تريد هذه الفئة ان يتم اصدار جوازات سفرها من الامم المتحدة و يكون معترفا به في كل دولها و ان تتم كل معاملاتهم المدنية عن طريق المنظمة الدولية و ان لا يحملوا جنسية محددة بل تكون جنسيتهم الانسانية و دولتهم الكرة الارضية..

هذه الفكرة لقيت رواجا خصوصا بين اليساريين في الغرب لكن الفكرة ابعد ما تكون عن التطبيق..

صراع الهويات:

سلط أمين معلوف الضوء بشكل مكثف في كتابه الهويات القاتلة .. و طرح عدة نماذج لصراع الهويات ..

و قدم معلوف عدد من النماذج منها صراع البلقان في يوغسلافيا السابقة .. فبعدما كان الشعور بالانتماء طاغيا أيام يوغسلافيا تيتو .. تحول الى صراعات دامية بين أطياف الشعب اليوغسلافي من بوسنيين و صرب و كروات..
و البوسني اصبح يشعر بانتماءه الديني اكثر من الوطني بعد المجازر الوحشية و التطهير العرقي و الاثني ..

و طرح معلوف تجربته الشخيصية ايضا  قبل انتقاله الى فرنسا ..
حيث اضطرته ظروف الحرب الاهلية للهرب من لبنان ..
هو المسيحي الكاثوليكي من طائفة الروم الملكيين في عائلة منقسة بين الطوائف .. بل و ان احد اسلافه متهم بالماسونية..
 و رغم انه تابع للكاثوليك إلا انه مسجل كبروتستانتي بس خلاف عائلي ...
لديه جدة تركية الاصل و جد ماروني مصري ...
مسيحي لغته الاصلية العربية التي هي لغة الاسلام.. و لكنه يفكر و يكتب بالفرنسية


يتسائل معلوف هي هذه الانتماءات تجعلني مشترك مع ملايين البشر في هوية واحدة ام انها تعني انني ذو هوية فريدة لا تشبه احد..

في ظروف كظروف الحرب الاهلية او الانتخابات الطائفية كلبنان بجانب من يجب ان يصطف ؟؟و اي فروع هويته احق بنصرته و الانتصار له؟؟

نموذجين في مقاربة صراع الهويات..
في ايطار محاولتها لمقاربة صراع الهوية أفرزت التجارب العالمية نموذجين هما :

النموذج الاول
هو النموذج الفرنسي

و يقوم اساسا على صهر الهويات الفرعية في هوية وطنية شاملة...و السعي الى دمج الاقليات في الثقافة الام و تسهيل عملية ذوبانهم في المجتمع..

اما النموذج الثاني..
فهو النموذج البريطاني..

ويقوم على اساس تشجيع الهويات الفرعية على الاستمرار و النمو و تعويد المجتمع على تقبل الاختلاف .. و اعتبار الهوية الوطنية عبارة عن مزيج من الهويات الفرعية ..
و لعل سبب الاتجاه البريطاني الى هذه الاسلوب هو كون بريطانية دولة اتحادية تضم بالاساس عدة هويات و العلم البريطاني عبارة عن تجميع لاعلام الاقاليم المشاركة في الاتحاد.

على الصعيد الدوي فإن معظم حكومات العالم الثالث تتبنى النموذج الفرنسي و تعتبر ان صهر الهويات الفرعية في هوية وطنية شاملة ادعى للاستقرار السياسي..

و لكن دول اخرى كاستراليا و كندا حققت استقرارا كبيرا باستخدامها النموذج البريطاني .. فيما تعاني بعض الدول التي اعتمدت النموذج الفرنسي من الصراع المستمر..






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق