الاثنين، 23 ديسمبر 2013

حي بين الاموات

حي بين الاموات



 عندما تزور العراق و مدنه المقدسة كالنجف و كربلاء تندهش لحالها فهي مدن لا تنتمي لهذا العصر ، و تفتقر لمعظم الخدمات التي تؤهلها للعيش البشري من طرق و كهرباء و مياه و صرف صحي ..الخ. منازل معظم سكان تلك المدن متهالك و بعضها آيل للسقوط ، الفقر يتجول في الطرق و الأزقة ، الوضع الصحي و النظافة العامة في حدودها الدنيا ، بل إنها منعدمة احيانا ، الكهرباء مقطوعة غالبا و لا يتمتع بها سوى الاثرياء ملاك المولدات الخاصة.
و في هذه الظروف الصعبة تدهش ان اكثر المشاريع حيوية و فاعلية هي مشاريع الاعمار .. ليست مشاريع اعمار المدن بل اعمار الاضرحة و المقامات !
العراق مليئ بالمزارات و المقامات المنسوبة للانبياء و الاولياء الصالحين التي هي محل تقديس العراقيين و احترام المسلمين بكل اطيافهم ، و نحن لسنا ضد الاهتمام بها و الحفاظ عليها .. لكن أليس غريبا ان تعمر مراقد الاموات و تهمل منازل الاحياء ؟
 أليس من الأولى ان يكون الاهتمام اولا بالناس و حاجاتهم الضرورية قبل الكماليات التي تذهب لمن هم ليسوا بحاجة لها ؟
أليست حياة الانسان العراقي أهم من مراقد الاموات مهما علت مقاماتهم ؟
 و الامر المؤلم حقا ان جزءا من تلك الاموال التي تصرف في اعمار الاضرحة هي عبارة عن حقوق شرعية و أخماس و كأن الموارد انتهت ، كما المؤسف ايضا ان بعضها يتم برعاية المرجعيات الدينية .
كانت المرجعيات الدينية في زمن سبق تقيم المستشفيات و المرافق العامة و دور السكن ، فماذا حدا على ما بدا ؟؟
كما ان الحكومة العراقية الفيدرالية كما المحلية مشاركة في هذا الامر ايضا ، فجل الاهتمام الان هو لتطوير المراقد المقدسة و ما حولها ، و يتم نزع ملكية المنازل المجاورة لها بملايين الدولارات لغرض التوسعة دون وجود بديل مناسب لهؤلاء المساكين .
و للانصاف فإن الحال في العراق ليس فريدا فله أشباه في بقاع اخرى لعل ابرزها مكة المكرمة ، حيث تقام أكبر توسعة تاريخية للحرم المكي و في الجوار تقف الاحياء العشوائية و بيوت الفقراء الذين ضاعت حقوقهم في سعار الاستثمار المليوني في البلد الحرام و قيام ناطحات السحاب لتسد عليهم ضوء الشمس و نسيم الهواء .
 إن توسعة مسجد أو اعادة بناء مقام ذلك الولي الصالح او تذهيب قبة آخر او توسعة مزار يمكن ان ينتظر قليلا ريثما تحل مشاكل الانسان البسيط و تتحقق امنياته في العيش بكرامة

لعل أفضل ما يمكن ان يحصل للعراقي اليوم أن يتحول الى قديس ثم يموت ليتحول قبره الى مقام يعمر و يذهّب و يزيّن لإستقبال المريدين و المحبين .  

الأربعاء، 18 ديسمبر 2013

التقنية و الطفل


التقنية و الطفل




في الوقت الذي تربى فيه معظم آباء هذه الايام على الألعاب الشعبية و الفلكلورية التي هي من صميم ثقافة و سلوك و تراث الآباء و الأجداد يقضي الابناء ساعات من اللعب بعيدا عن خلفيتهم التراثية و الثقافية.
الإشكالية هي أننا اليوم نستقبل تقنية ألعاب الفيديو التي لم نصنعها و لا تشبه ثقافتنا و تراثنا لنربي عليها ابنائنا مما يخلق حالة من الإنفصال المبكر بينهم و بين تراثهم و يعطي أستعداد مبكر لتقبل كل ما هو وافد من خارج هذه الثقافة .
 المشكلة الكبيرة أننا نلمس أثر هذه التقنية على أطفالنا في سلوكهم و تصرفاتهم بل وعلى تحصليهم الدراسي ، و المشكلة الأكبر أن هذه التقنية أقوى بمراحل منا كمجتمع سلبي غير منتج لذا نعجز عن مواجهتها ، بل أن محاولة رفضها ضرب من العبث ، فما الحل ؟.
الحل في ظل غياب البديل هو الموازنة فقط ، و وضع بعض القوانين لضمان الحد الأدنى من التأثير السلبي .
و هنا سأقترح بعض الأفكار العملية :
-         تحديد أوقات لممارسة الاطفال لألعاب الفيديو
-         تحديد مدة اللعب بالألعاب الحديثة وفقا لسن الطفل
-         المزاوجة بين الألعاب الحديثة و الألعاب الحركية و العملية
-         مشاركة الاباء و الامهات أطفالهم اللعب
-         مكان اللعب يجب أن يكون في غرفة الجلوس و البعد عن غرف النوم
-         توفير المفيد من الألعاب الحديثة كي لا يبحث الطفل عما قد يضره
-         من الضروري أكتشاف الآباء لمواهب و هوايات أبنائهم و تشجيعهم لتطويرها كبديل عن التفاعل السلبي مع التقنية .

     أطفالنا و مستقبل التقنية 

     قامت إحدى المجالات المتخصصة في المجال التقني بعمل استطلاع بعنوان (كيف ستؤثر التقنية على حياتنا في المستقبل) ، و قد استطلعت المجلة أفكار كبار المهندسين في كبريات الشركات العاملة في المجال التكنولوجي ، أفكار هؤلاء المهندسين -وهي مازالت مجرد أفكار- إلا أن اقل ما يمكن التعبير عنها أنها مذهلة .
     العالم اليوم يتقدم بسرعة نحو المزيد من الاعتماد على التقنيات الحديثة و التي ستؤثر بشكل مباشر في نمط حياة الانسان العادي، و من البديهي أن يكون الطفل أكثر فئات المجتمع تأثرا بها .


     في الغرب هناك قلق كبير من الهوس بالتكنولوجيا لذا خرجت العديد من افلام الخيال العلمي التي تتنبأ بسيطرة التقنية على الانسان و أنها ستحكمه و تحدد له جميع قراراته بأعتباها عقلانية بحتة بخلاف الانسان الذي تتأثر قراراته بعواطفه و مشاعره ، و بطبيعة الحال فإن تلك الافلام غالبا ما تنتهي بتحرر الانسان من التقنية و يتنصر على الالة لضرورة رسم النهاية الرومانسية .







الخميس، 5 ديسمبر 2013

طقوس أم شعائر ...2/2

طقوس أم شعائر
2/2



الاساس الذي يتم الانطلاق منه لإحياء الذكرى هو حرص النبي عليه الصلاة و السلام و أهل بيته على إبقاء الثورة الحسينية حاضرة بحرارة و لكن شكل الاحياء ظل مفتوحا وفق ما يسمح به ظروف الزمان و المكان ، كما ان الاحياء عندهم كان دائما مرتبط بالأهداف التي انطلق منها الحسين ، فلم يكن هناك في اي وقت دعوة لإحياء الذكرى بشكل  منفصل عن الاهداف الحسينية .
في ضوء الحماس لإحياء ذكرى شهادة الامام الحسين عليه السلام ظهرت الكثير من الممارسات و ظهر لها عنوان عام هو (الشعائر الحسينية) إن من اطلق مصطلح "الشعائر" على تلك الممارسات يحمل في قلبه نية طيبة في تشجيع الناس على احياء الذكرى و لكنه بلا قصد جعل الاحياء قوالب جامدة إذا أضفى عليها هالة القداسة التي تتصل بها بصلة  .

إن مصطلح "الطقوس" هو اقرب الى الواقع من مفردة "الشعائر" فالطقوس هي مجموعة من الاعمال و الافعال التي يؤديها الشخص منفردا أو جمعيا وفق أداء محدد و متكرر زمانا بشكل رمزي للإشارة الى مفهوم ما ، و تحفل البشرية باختلاف طوائفها و أديانها بطقوس تتسم بالقداسة و التراث .

إن توصيف واقع احياء ذكرى عاشوراء اليوم بالطقوس هو توصيف حال و لا نعني به الاساءة الى تلك الممارسات بل هي محاولة للوصول الى التوصيف الحقيقي بعيدا عن عواطفنا و إنفعالاتنا ، كما اننا لسنا في وارد الحديث عن الحكم الشرعي فهو في مجاله الخاص  .

و ختاما فإن (تطقيس الاحياء) أوتقدس الطقوس  التي تقام في عاشوراء يضر القضية أكثر مما ينفعها ، فإن الحاجة اليوم هي لإحياء الذكرى وفق لغة العصر و مفاهيم هذا الزمن المتحضر وصولا الى النتيجة الاهم و هي تحقيق اهداف الثورة الحسينية ، و مع هذا كله فإن الحرية يجب أن تكون مكفولة للجميع ليمارس إحياء الذكرى بالصورة التي يراها مناسبة له و تحقق البعد الروحي و العاطفي الذي يعيشه .