حي بين الاموات
عندما تزور العراق و مدنه المقدسة كالنجف و
كربلاء تندهش لحالها فهي مدن لا تنتمي لهذا العصر ، و تفتقر لمعظم الخدمات التي
تؤهلها للعيش البشري من طرق و كهرباء و مياه و صرف صحي ..الخ. منازل معظم سكان تلك
المدن متهالك و بعضها آيل للسقوط ، الفقر يتجول في الطرق و الأزقة ، الوضع الصحي و
النظافة العامة في حدودها الدنيا ، بل إنها منعدمة احيانا ، الكهرباء مقطوعة غالبا
و لا يتمتع بها سوى الاثرياء ملاك المولدات الخاصة.
و في هذه
الظروف الصعبة تدهش ان اكثر المشاريع حيوية و فاعلية هي مشاريع الاعمار .. ليست مشاريع اعمار المدن بل اعمار الاضرحة و المقامات !
العراق مليئ
بالمزارات و المقامات المنسوبة للانبياء و الاولياء الصالحين التي هي محل تقديس
العراقيين و احترام المسلمين بكل اطيافهم ، و نحن لسنا ضد الاهتمام بها و الحفاظ
عليها .. لكن أليس غريبا ان تعمر مراقد الاموات و تهمل منازل الاحياء ؟
أليس من الأولى ان يكون الاهتمام اولا بالناس و
حاجاتهم الضرورية قبل الكماليات التي تذهب لمن هم ليسوا بحاجة لها ؟
أليست حياة
الانسان العراقي أهم من مراقد الاموات مهما علت مقاماتهم ؟
و الامر المؤلم حقا ان جزءا من تلك الاموال التي
تصرف في اعمار الاضرحة هي عبارة عن حقوق شرعية و أخماس و كأن الموارد انتهت ،
كما المؤسف ايضا ان بعضها يتم برعاية المرجعيات الدينية .
كانت المرجعيات الدينية في زمن سبق تقيم المستشفيات و المرافق العامة و دور السكن ، فماذا حدا على ما بدا ؟؟
كانت المرجعيات الدينية في زمن سبق تقيم المستشفيات و المرافق العامة و دور السكن ، فماذا حدا على ما بدا ؟؟
كما ان
الحكومة العراقية الفيدرالية كما المحلية مشاركة في هذا الامر ايضا ، فجل الاهتمام
الان هو لتطوير المراقد المقدسة و ما حولها ، و يتم نزع ملكية المنازل المجاورة
لها بملايين الدولارات لغرض التوسعة دون وجود بديل مناسب لهؤلاء المساكين .
و للانصاف فإن الحال في العراق ليس فريدا فله أشباه في بقاع اخرى لعل ابرزها مكة المكرمة ، حيث تقام أكبر توسعة تاريخية للحرم المكي و في الجوار تقف الاحياء العشوائية و بيوت الفقراء الذين ضاعت حقوقهم في سعار الاستثمار المليوني في البلد الحرام و قيام ناطحات السحاب لتسد عليهم ضوء الشمس و نسيم الهواء .
و للانصاف فإن الحال في العراق ليس فريدا فله أشباه في بقاع اخرى لعل ابرزها مكة المكرمة ، حيث تقام أكبر توسعة تاريخية للحرم المكي و في الجوار تقف الاحياء العشوائية و بيوت الفقراء الذين ضاعت حقوقهم في سعار الاستثمار المليوني في البلد الحرام و قيام ناطحات السحاب لتسد عليهم ضوء الشمس و نسيم الهواء .
إن توسعة مسجد أو اعادة بناء مقام ذلك الولي الصالح او تذهيب
قبة آخر او توسعة مزار يمكن ان ينتظر قليلا ريثما تحل مشاكل الانسان البسيط و تتحقق امنياته في العيش بكرامة.
لعل أفضل ما
يمكن ان يحصل للعراقي اليوم أن يتحول الى قديس ثم يموت ليتحول قبره الى مقام يعمر
و يذهّب و يزيّن لإستقبال المريدين و المحبين .