قضية
رأي عام
مع القفزة النوعية لوسائل التواصل الحديثة و
تنوعها و تعددها تحول الانسان العادي من مجرد متلقي الى صانع للحدث و مساهم فيه ،
و هذا الامر و إن كان يعد تطورا إيجابيا إلا أنه ينطوي على مخاطرة كبيرة و هي
سهولة التدليس و الكذب و التزوير ، كما أنه يسهل عملية التلاعب بآراء الناس و
أفكارهم خصوصا من يتعامل مع وسائل الاعلام بحسن نية دون فحص و تدقيق و تحليل منطقي
.
سهلت وسائل الاتصال الحديثة صناعة و تدجين الرأي
العام بوسائط مختلفة يقوم بها هواة أحيانا أو محترفون في أحايين اخرى ، المشكلة أن
معظمنا يعلم ان وسائل الاتصال و الاعلام تفتقد للمصداقية و لكن الغالب من الناس
يبني آراءه و مواقفه على ما يصله من خلالها .
يغفل البعض منا عن وجود أشخاص تخصصوا في التخريب
عن طريق الوسائط المعلوماتية ، في الغرب مثلا نشأت جماعة أطلق عليهم (المخربون
الجدد) تعددت وسائلهم التي بات منها نشر العلومات الطبية و العلمية المغلوطة و
المزيفة ، أما في مجتمعاتنا فنشأت مجموعات من الشباب تقوم بتزوير حسابات بأسماء مشاهير
و نشر الاخبار و المعلومات الكاذبة من خلالها لأسباب سياسية أو طائفية أحيانا أو
شخصية ايضا .
في بعض القضايا التي يكون فيها طرفين قد يكون
أحدهما ظالم و الآخر مظلوم فإنه من السذاجة بل من الظلم أن تقف في صف طرف ضد آخر
دون تحري و تدقيق ، فإذا كنت غير متأكد أو عاجز عن التدقيق فمن الاحرى لك إمتثال
قول النبي الكريم عليه الصلاة و السلام (قل خيرا أو اصمت) ، لا تتساهل في نشر
المقاطع و الرسائل التي تصلك و تتبنى موقفا و تدافع عنه و أنت لا تمتلك ادنى فكرة
، لا تتعصب له و أنت لا تدري عنه شيئا .
هذا نقوله للانسان العادي أما من يعد من النخب و
يشار إليه بالبنان فإنها جريمة في حق نفسه و مجتمعه أن يمرر هذه الرسائل المسمومة
دون مسؤولية ، و الانكى من ذلك دفاعه دون بينة عن قضية غامضة بالنسبة له .
لكي تصل الى الحقيقة إن كنت مهتما بها عليك
بالتواصل مع الاشخاص المعنيين بالقضية مباشرةاً أو اشخاص مطلعين و قريبين جدا و أن
تسمع من الطرفين قبل ان تحدد رأيك ، كما أنك بحاجة الى سؤال اشخاص يملكون ثقافة أو
معرفة قانونية و شرعية و طبية و اجتماعية و سياسية أحيانا و هكذا حسب كل مجال .
قضايا الرأي العام من حق كل أفراد المجتمع ان
يدلي بدلوه فيها و لكن بشرط تحري الانصاف و الموضوعية ، و خصوصا النخب التي يعول عليها
في صناعة رأي عام واعي .
في مثل هذه القضايا التي تأخذ حيزا من نقاشات
المجتمع و يكثر فيها الكذب و الاضافة و الحذف و التشوية و صناعة الاكشن يمكن ان
تعرف الواعي من الغافل ، النخب من الدهماء ، العقلاني من العاطفي ، المثقف من
السطحي .
ليس مطلوبا منا جلد الذات أو تسقيط الاسماء و
الشخوص أو نشر المعلومات التي تمس حياة الناس ، بل المطلوب الانصاف و العدل و
الموضوعية ، كي نصل الى المرحلة المتقدمة من الوعي العاقل .