السبت، 28 سبتمبر 2013

قضية رأي عام

قضية رأي عام




مع القفزة النوعية لوسائل التواصل الحديثة و تنوعها و تعددها تحول الانسان العادي من مجرد متلقي الى صانع للحدث و مساهم فيه ، و هذا الامر و إن كان يعد تطورا إيجابيا إلا أنه ينطوي على مخاطرة كبيرة و هي سهولة التدليس و الكذب و التزوير ، كما أنه يسهل عملية التلاعب بآراء الناس و أفكارهم خصوصا من يتعامل مع وسائل الاعلام بحسن نية دون فحص و تدقيق و تحليل منطقي .
سهلت وسائل الاتصال الحديثة صناعة و تدجين الرأي العام بوسائط مختلفة يقوم بها هواة أحيانا أو محترفون في أحايين اخرى ، المشكلة أن معظمنا يعلم ان وسائل الاتصال و الاعلام تفتقد للمصداقية و لكن الغالب من الناس يبني آراءه و مواقفه على ما يصله من خلالها .
يغفل البعض منا عن وجود أشخاص تخصصوا في التخريب عن طريق الوسائط المعلوماتية ، في الغرب مثلا نشأت جماعة أطلق عليهم (المخربون الجدد) تعددت وسائلهم التي بات منها نشر العلومات الطبية و العلمية المغلوطة و المزيفة ، أما في مجتمعاتنا فنشأت مجموعات من الشباب تقوم بتزوير حسابات بأسماء مشاهير و نشر الاخبار و المعلومات الكاذبة من خلالها لأسباب سياسية أو طائفية أحيانا أو شخصية ايضا .
في بعض القضايا التي يكون فيها طرفين قد يكون أحدهما ظالم و الآخر مظلوم فإنه من السذاجة بل من الظلم أن تقف في صف طرف ضد آخر دون تحري و تدقيق ، فإذا كنت غير متأكد أو عاجز عن التدقيق فمن الاحرى لك إمتثال قول النبي الكريم عليه الصلاة و السلام (قل خيرا أو اصمت) ، لا تتساهل في نشر المقاطع و الرسائل التي تصلك و تتبنى موقفا و تدافع عنه و أنت لا تمتلك ادنى فكرة ، لا تتعصب له و أنت لا تدري عنه شيئا .
هذا نقوله للانسان العادي أما من يعد من النخب و يشار إليه بالبنان فإنها جريمة في حق نفسه و مجتمعه أن يمرر هذه الرسائل المسمومة دون مسؤولية ، و الانكى من ذلك دفاعه دون بينة عن قضية غامضة بالنسبة له .
لكي تصل الى الحقيقة إن كنت مهتما بها عليك بالتواصل مع الاشخاص المعنيين بالقضية مباشرةاً أو اشخاص مطلعين و قريبين جدا و أن تسمع من الطرفين قبل ان تحدد رأيك ، كما أنك بحاجة الى سؤال اشخاص يملكون ثقافة أو معرفة قانونية و شرعية و طبية و اجتماعية و سياسية أحيانا و هكذا حسب كل مجال .
قضايا الرأي العام من حق كل أفراد المجتمع ان يدلي بدلوه فيها و لكن بشرط تحري الانصاف و الموضوعية ، و خصوصا النخب التي يعول عليها في صناعة رأي عام واعي .
في مثل هذه القضايا التي تأخذ حيزا من نقاشات المجتمع و يكثر فيها الكذب و الاضافة و الحذف و التشوية و صناعة الاكشن يمكن ان تعرف الواعي من الغافل ، النخب من الدهماء ، العقلاني من العاطفي ، المثقف من السطحي .

ليس مطلوبا منا جلد الذات أو تسقيط الاسماء و الشخوص أو نشر المعلومات التي تمس حياة الناس ، بل المطلوب الانصاف و العدل و الموضوعية ، كي نصل الى المرحلة المتقدمة من الوعي العاقل .

الثلاثاء، 10 سبتمبر 2013

القرامطة بين السياسي و الديني


القرامطة بين السياسي و الديني


المطالع لتاريخ حركة القرامطة و ظروف نشأتها و تمرحلها حتى آخر فصولها يلحظ حجم التباين في الرصد التاريخي ، بل ان الخلاف وقع في شكل و مضمون الحركة .
السؤال الذي يجب البحث عن إجابته هل القرامطة مذهب ديني أم حركة اجتماعية سياسية ؟؟
هنا نرجع الى ظروف ولادة الحركة والى مؤسسها (حمدان) الملقب بـ قرمط ، فهو كان فلاحا بسيطا اقعده المرض عن السعي في قوت عياله فألهم عقله فكرة الثورة على اقطاعيي الاراضي و ملاكها الذين كانوا يأكلون جهد و تعب امثاله من الكادحين دون ان ينالوا من يباب الخير شيئا يذكر .
و في خلفية حركة القرامطة هناك ثورة الزنج الذين ثاروا على أسيادهم و أسسو دولة العبيد في اهوار العراق .
إذن فالخلفية الاولى لحركة القرامطة لم تكن بدعة دينية بل اجتماعية سياسية في وجهها الاول ، قبل ان يوظف قرمط بعض مبتدعاته الدينية لتكون سلاحه في وجه اعداءه ، فهو سن لأنصاره اداء خمسين فرضا في اليوم بدلا من خمسة معللا أنها كانت خمسون لولا نصيحة النبي موسى للنبي محمد سؤال ربه التخفيف ، و الحق ان قرمط لم يرد من الفريضة الجديدة سوى اشغال أولئك العمال البسطاء عن اعمال الارض مما يتسبب في خسائر لملاكها في صورة بدائية- للعصيان المدني –بشكل أو بآخر ، و مما يدلل على ذلك ان مفكري القرامطة –كما تنقل لنا كتب التاريخ- اسقطوا الصلاة و الفرائض عن اتباعهم لكي لا ينشغلوا بها عن اعمالهم ، معتبرين أن العبادة الظاهرية مرحلة تنتهي بانتهاء الحاجة لها كما هو في المفهوم الصوفي .
 تحالف القرامطة مع الفاطميين الاسماعيليين في مصر فتولد انطباع لدى البعض بأن القرامطة معتنقين للذهب الاسماعيلي ، و لكن هذا التصور قد لا يصمد امام حقيقة ان التحالف كان مصلحيا لا مذهبيا في مواجهة العدو المشترك و هو دولة الخلافة العباسية ، بل إننا نجد ان التحالف القرمطي – الفاطمي غير متين ، و يبرز ذلك في محطات عديدة لعل ابرزها حادثة الشام فقد كان والي دمشق يرسل اتاوة سنوية للقرامطة اتقاء غزوهم و لكن في عام 362 هـ سيطر الفاطميون على الشام و جعلوا جعفر ابن فلاح عاملا عليها فقطع الاتاوة عنهم ، فغضب القرامطة وما كان منهم إلا ان سيروا جيشا بقيادة الحسن بن أحمد بن أبي سعيد الجنابي، الملقب بالأعصم فسار الى دمشق و سيطر عليها و قتل عامل الفاطميين فيها .

كل هذا يضعنا أمام تصور يقول أن القرامطة كانوا حركة سياسية اجتماعية لم تتقولب في صورة مذهب على غرار بقية المذاهب الاسلامية و لم يذوبوا في المذاهب القائمة ، كانت حركة سياسية واقعية تريد تمكين أفكارها الاجتماعية في كيان دولة ، وما استخدامهم للدين إلا وسيلة لتحقيق افكارهم و لعل هذا أحد اسباب انهيار دولتهم و انتهائها سنة 467هـ على يد عبد الله بن علي العيوني  .

الخميس، 5 سبتمبر 2013

الفقر كهم اجتماعي

الفقر كهم اجتماعي




لعل التاريخ لم ينقل لنا جملة بحق الفقر أبلغ وأرقى وأدق من عبارة أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب (ع) الذي قال (لو كان الفقر رجلا لقتلته)، يشخص علي الداء والدواء، فالفقر مرضٍ مستعصٍ علاجهُ السيفُ؛ ولكنَّ الفقرَ ليس رجلاً لذا فالسيفُ ليس من حديد.
يعتبر الفقر واحداً من أشدِّ الأمراض التي تفتك بالمجتمعات وهو رأس مثلث التخلّف (الفقر والجهل والمرض) وكما قيل "إذا دخل الفقر من باب خرج الإيمان من باب آخر "أو كما قيل "لولا الخبز لما عُبِدَ الله".
عَنيت الأديان كما الدول والمجتمعات بمحاربةِ الفقرِ ووضعِ آليّاتٍ للحدِّ منه، وقد لا نبالغ إذا قلنا إنَّ حياةَ المجتمع أو موته يعتمد على فقرائه.
لا ينقص الدين الإسلامي أي حلول، فقد قدّمَ الكثيرَ من الموارد المالية الكافية للحَدِّ منَ الفَقْرِ إنْ لم يكن القضاء عليه فهناك الزكاةُ والصدقةُ والخُمْسُ والوقفُ والهديّةُ، كما رغّبَ كثيراً في الكشف عن المكروبين والرفع عن المُعْسرين.. إلخ، كما أن سيرةَ الأئمةِ عليهم السلام زاخرة بمواقفهم النبيلة مع الفقراء والمعوزين، ومن كثرتها لا يمكن إحصاؤها وسردها في هذه المقالة الصغيرة.

السؤال الآن لماذا لم تنجح المجتمعات الإسلامية في الحدِّ مِنَ الفَقْرِ؟ بل إن الواقع مرير!!
لنتكلم عن مجتمعنا الذي كان في سابقِ عهده مبادراً في معالجةِ مشكلةِ الفقر، فهناك الكثيرُ من الأوقافِ ورثناها عن الأجداد وخصوصاً تلك المنصوبة على الإطعام، وهذا دليلٌ على وعيهم وحرصهم على المساهمة في رفع المعاناة والجوعِ الذي كان مستشريا في فتراتٍ زمنيةٍ سابقة.
حلحلةُ مشكلة الفقر في المجتمع ليستْ مهمةُ فئةٍ اجتماعيةٍ معيّنَةٍ أو طبقةٍ خاصّةٍ!! بل هي مسؤوليةُ المجتمع كَكُلّ، ليس مطلوبا من المجتمع أن يضعَ جُلَّ بيضهِ في سلّةِ رجُلِ الدِّين وتحميلهِ المسؤولية!! وفي واقعنا الراهن، فإن القائمين على الجمعيات الخيرية والصناديق التكافلية والأوقافِ جُلّهم من غير رجال الدين، فهم ناشطون اجتماعيون فاعلون يعملون بصمتٍ في كثيرٍ من الأحيان.
المشكلة التي تواجهنا اليوم، هي: أن الأساليب والآليات باتت قديمة وغير فاعلة وتحتاج للكثير من التطوير والتغيير، وهنا يأتي دور المثقف والأكاديمي ومن لديه القدرة والكفاءة في خوض هذا المجال، في وضع دراساتٍ وحلولٍ جديدةٍ وفاعلةٍ لتغييرِ الواقعِ الحالي، فنحن بحاجة إلى عقليةٍ جديدةٍ تديرُ المشكلةَ القديمة.
في الأحساء قدّمَ عددٌ من علمائها ومثقفيها دراساتٍ عن الوقف ودوره في حل مشكلة الفقر منهم:
·        العلامة الدكتورعبد الهادي الفضلي بعنوان: (مشكلات الوقف الإسلامي وسبل تنميته - الأحساء نموذجاً)
·        الشيخ محمد علي الحرز بعنوان: (الوقف في الأحساء: معالم وآفاق)
·        المهندس عبد الله الشايب بعنوان: (الوقف: دراسة أولية حول الوقف في الأحساء(.
·        دراسة ميدانية قام بها كل من : د.احمد اللويمي و د.عبدالعزيز البحراني و أ. سلمان الحجي و أ. عبدالله البحراني بعنوان ( الاوقاف الجعفرية بالاحساء: واقعها و سبل تنميتها و تحديث تطبيقاتها)
وهناك تجربة أخرى، وهي: الصناديق الخيرية العائلية التي استطاعت أن تحلَّ الكثيرَ من المشاكل وتحقيق حياةٍ كريمةٍ ومقبولةٍ للكثير من الأُسرِ المُحتاجة، وتقديم مبادرات رائعة للوقاية من أسباب الحاجة والعَوَزِ كمبادرةٍ (إصلاح ذات البين) التي تعمل للحدِّ من الطلاق والمشاكل العائلية التي تولّدُ أسراً مشتتةً وفقيرة، والمساهمة في تقديم دوراتٍ للمقبلين على الزواج في العائلة من أجل خَلْقِ أُسَرٍ سعيدةٍ وناجحة، بالإضافة (وقف العائلة) أو ما يُسَمَّى فقهياً بـ(وقف الذُرّية) من أجل توفيرِ مواردَ ماليةٍ دائمةٍ للعائلة.

كُلُّ هذا الجُهْدِ المُسْتَمِر عَبْرَ عقودٍ من الزمنِ استطاعَ تحقيقَ الكثيرِ، ويساهم فيه ناشطون اجتماعيون، فيهم المعلم والطبيب والتاجر والموظف العادي، فالفقر مشكلةُ المجتمع كُلّهِ، ولذا على المجتمع المساهمة في حل هذه المعضلة.