الدين بعد كورونا
متشددون يهود يرفضون اغلاق الكنس ويصرون على إقامة الصلاة رغم إجراءات الحكومة الإسرائيلية، مصلون مسلمون يلجؤون إلى أسطح المباني السكنية لإقامة صلاة الجماعة بعد اغلاق الحكومة للمساجد، مؤمنون يقتحمون الأضرحة رافضين اغلاقها في وجوههم والسلطات تضطر للحم الأبواب لمنع الدخول.
هذه المشاهد تكررت في أكثر من بلد ولأكثر من طائفة وملة، المشترك بينها أن الفاعل فيها مجموعات دينية عقائدية متشددة ترفض المس بطقوسها التي تؤمن بها ولو لظرف طارئ وملح وهو تفشي فيروس كورونا الذي بات يهدد العالم.
وأما لماذا هذا الرفض وهذا التمرد على إجراءات هي بالأساس لحماية الناس من خطر محدق، فإن الإجابات تكمن في اعتقاد هؤلاء أن ايمانهم يحميهم من هذه الأخطار، فهذا متحدث يقول إن الاضرحة طاهرة مطهرة لا تعيش فيها الفيروسات بل إنها محل للشفاء فكيف يتم اغلاقها؟ وآخر يعلق بأن الوباء لن يكف عن الناس إلا بالاستغفار وطلب مرضاة الرب، فالحل يكمن في فتح دور العبادة لتمكين المؤمنين من الدعاء والصلاة.
وهؤلاء لا يؤمنون بالأرقام الرسمية التي تشير إلا تفشي الوباء في بين المتدينين في الأحياء ذات الغالبية منهم بسبب تلك الممارسات الخاطئة طبيا.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف سيكون مستقبل الدين بعد كورونا؟ على اعتبار أن هذا الحدث بات فاعلا في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فلا بد وأن يكون له أثر ما في المجال الديني.
في هذا الإطار هناك نظرتان متعاكستان:
الأولى تمثلت في صورة فعلية لرجل مسيحي دخل الكنيسة وقام بتحطيم الأيقونات المقدسة لأنها لم تساعده عندما أصيب طفله بالمرض، وعندها أيقن أن هذه المقدسات كاذبة ولا تنفع ولا تضر، هؤلاء الأشخاص الذين عانوا كثيرا من كورونا ولم يجدوا الخلاص في نواميسهم الدينية سيعانون من الإحباط والتشكيك وربما الكفر بتلك العقائد الدينية.
لذا فإن أصحاب هذه النظرة يعتقدون أننا مقبولون على موجة إلحاد كبيرة وردة دينية عن مختلف اشكال التدين في العالم، فالمستقبل سيكون لأبطال المرحلة وهم الأطباء والممارسون الصحيون والباحثون العلميون، بعدما عجز رجال الدين عن مساعدة الناس في هذه المعضلة الرهيبة.
أما الثانية فهي معاكسة تماما وتقول بأن الإنسان عادة ما يلجأ للدين ولربه في الأوقات العصيبة، لقد كان مثيرا جدا رؤية رجال دين في دول أوربية ينزلون إلى الشوارع للصلاة والدعاء بتنسيق مع السلطات من أجل تهدئة روع الناس، وبما أننا نمر بواحدة من أسوء الكوارث في تاريخ البشرية، ولما سيلحقها من تداعيات اقتصادية عميقة، فإن المتوقع أن تكون أوضاع معظم البشر بعد كورونا أسوء من الوقت الراهن وعليه فإن الناس ستعود للتدين، ولأن هناك حالة عامة ضد المفاهيم العولمية والقرية الكونية الصغيرة إلى مفاهيم المحلية والأفكار الشعبوية، فأنه من المتوقع أن تبرز للساحة الديانات المحلية على حساب الديانات الكبرى وخصوصا المركزية.
من الصعب التنبؤ بالمستقبل ولكن الأرجح ألا تكون ردة فعل سكان الكوكب متماثلة باتجاه واحد، والغالب بأن المناطق الأكثر تأثرا بكورونا ستشهد نمطا من التدين الجديد، بينما تلك المناطق التي لم تعان كثيرا من كرورنا فلن تكون هناك تغيرات دينية كبيرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق