قراءة في كتاب
الحداثة والقرآن
لـ سعيد ناشيد
الكتاب : الحداثة والقرآن
المؤلف : سعيد ناشيد
عدد الصفحات : 248
الطبعة : الأولى 2015
الناشر :دار التنوير
مقدمة:
في المقدمة يسرد الكاتب الصعوبة التي واجهها في محاولته للحصول على ناشر يقبل نشر الكتب لعلمهم بأنه سيحجب في معظم البلدان العربية، فقد تلقى تنبيها من جورج طرابيشي بأن منسوب الجرأة في الكتاب أكثر مما هو مسموح به عربيا.
يحاول الكتاب طرح صورة جديدة عن القرآن الكريم تتوافق مع الحداثة، وهي بلا شك لا تماثل بل لا تشبه الصورة التقليدية التي عرف بها المسلمون القرآن، فهو في صورته النمطية كلام الله التام الكامل الذي لا يأتيه الباطل محفوظ النص والمتن بأمر الله تعالى وتأويله مبسوط لعلماء الأمة وفقهاؤها.
لكن الكاتب يحاول إعادة تعريف القرآن ليقرر ما القرآن وما ليس القرآن حسب تعبيره.
يقول الكاتب في مقدمته: " يعبّر القرآن عن ثلاث قضايا متفاوتة، لا يجوز بأي حال من الأحوال أن نستمر في الخلط بينها:-
أولا: قضية الوحي الإلهي
ثانيا: قضية القرآن المحمدي
ثالثا: قضية المصحف العثماني.
عرض الكتاب:
القسم الأول: من النص إلى الأدلجة:
أهم ما في هذا الكتاب هذا القسم الذي يحاول رسم صورة حداثية للقرآن، فيجب على سؤال: ما القرآن؟
يشرح فكرته وهي بأن هناك وحي إلهي أوحي إلى النبي على شكل صور وحيانية، ثم قام النبي بصياغته بلغة العرب القرشية وفق فهمه وظروفه فكان (القرآن المحمدي)، ثم قام المسلمون بجمعه وترتيبه عبر سنوات طويلة وهو ما وصل إلينا، وعليه فنحن لا نعرف سوى (المصحف العثماني) فقط.
ثم يطرح سؤالا: أين كلام الله؟ فيجيب : أننا لا نملك من كلام الله سوى كلام رسول الله، ولتوضيح فكرته يطرح مثالا: وهو مثال الخبز إذ هو من القمح، فنحن لا نملك شيئا من القمح (كلام الله) بل الخبز الذي أعطانا إياه النبي.
ثم يطرح سؤالا آخر : هل هناك نص مقدس؟
وللإجابة فإن الكاتب يستعرض مقولات مطولة قبل أن يخلص إلى أن النص المقدس لا وجود حقيقي له، فالقرآن إنما هو وحي إلهي صار مخلوقا ومؤلفا بلغة بشرية هو عرضة للنقص وسوء الفهم، ومضامينه عرضة للتبدل والزوال وتتأثر بتطور الإنسان وحياته.
ويقرر الكاتب أن التخلي عن الصورة النمطية للدين ضرورة لبقائه، فعقيدة التوحيد التي تعني (أن لا إله إلا الله) وحدها لب الإسلام وغيرها من أفكار يجيب أن يخضع للتبديل وفق الظروف المتغيرة، لكن ما جرى هو أن المسلمين بدلوا التوحيد الربوبي الخالص إلى تأليه النصوص وعبدوا الأسلاف.
ما الوحي؟:
ينقل الكاتب عن الطباطبائي قوله (أن الحضارة الإسلامية إنما هي حضارة النص..) ويقرر بأن لحظة تدوين القرآن تمثل نسق الانسداد المعرفي والفعلي للعقل الإسلامي، فكل ما أتى بعد ذلك كان عبارة عن تأويلات وتفسيرات للنص الديني، حتى أستفذ العقل الإسلامي كل قواه بعدما جرب كل أنواع التأويل والتفسير وبقي قاصرا عن معالجة مشكلات العصر.
وبعد أن ينقل مقولات عن حقيقة الوحي كأن يكون قوة تخيلية للنبي أو قوة نفسية تترجم الصور الوحيانية وتتأثر بمزاج النبي وطبيعته وبيئته يقرر الأمر ذاته على القرآن، ولدعم رأيه يقول نلاحظ أربعة ملاحظات حول آياته:
1- إنها لم تكن دائما على نفس المرتبة من القوة والإتقان (آيات محكمات وآيات متشابهات)
2- أنها ليست دائما على نفس المستوى من القيمة والأفضلية (آيات ناسخة وآيات منسوخة) (آيات أفضل من غيرها كآية الكرسي، وسور أفضل من غيرها كالفاتحة)
3- أنها ليست معصومة عن الخطأ (تسرب بعض الآيات الشيطانية- تسرب بعض الهفوات النحوية)
4- أن الرسول اكتفى لدى صياغة بعض الآيات بما بلغ إلى مسامعة من عبارات الصحابة (ما نزل على لسان بعض الصحابة.
النص والنقص:
كيف ترجم الرسول إشارات الوحي الإلهي إلى عبارات بشرية؟
يقرر الكاتب أن لا سبيل للجواب على هذا السؤال سوى بالاعتماد على ((الحدس العقلاني)) وحينها يقرر بأنها قد تكون تمثل في صور روحانية عميقة عجزت اللغة حينها على التعبير عنها بشكل تام.
ثم يدخل الكاتب في سلسلة من النوافي عن القرآن فيقرر بأنه:
- القرآن ليس الوحي
- المصحف ليس القرآن
- القرآن ليس دستورا
- القرآن ليس علما
- القرآن ليس نحوا
- القرآن ليس قانونا جنائيا
مراجعة على مجمل الكتاب:
في المجمل فإن الكتاب لا يقدم حلولا بل إشكالات مفتوحة، كما أنه لا يعد بحثا شموليا يعالج قضية حساسة كقضية القرآن الكريم لدى المسلمين، ويبدو لي أن الكاتب قد اتخذ من المنهج الأوربي الذي شاع في عصور التنوير مثالا، فقد كان من المعتاد أن ينقد مثقفو التنوير الكتاب المقدس نقدا حادا معتبرين أنه أكبر حجر يعترض التنوير المأمول، وبعدها قام مارتن لوثر بخطوته الثورية عندما ترجم نصوص الكتاب المقدس من اللغة اللاتينية إلى اللغة الألمانية المحلية لإسقاط السياج القداسي حول فهم نصوصه، وتاليا تجاوزت الحداثة النصوص المقدسة معتبرة أن الزمن تجاوزها، والأمر ذاته يطرحه الكاتب هنا بخصوص القرآن فهو يعتبر أن آيات القرآن نصوص زمنية تقادمت ولم يعد يجدي معها كل محاولات التأويل والتكييف في زمن الدولة الحديثة.
الحل الذي يطرح الكاتب هو أن يكون القرآن نص تعبدي خالص، يقرأ للبركة والتعبد بتلاوته وليس لأخذ أي فكرة سياسية أو علمية أو دستوية أو فكرية أو اجتماعية أو لغوية أوغيرها، إن الفكرة الوحيدة التي يمكن أن نأخذها من القرآن بحسب الكاتب هي فكرة التوحيد الربوبي الخالص لله وحده فلا عبادة ولا قداسة إلا له فقط.