الأربعاء، 18 مارس 2015

جهاد القراءة

جهاد القراءة


 




شهدت وسائل المعرفة تطوراً هائلاً شمل جميع جوانبها خصوصا التقني منها، فلم يعد تلقي المعلومة حكراً على الكتاب كما كان في سالف الزمان، بل أصبحت الوسائل السمعية والبصرية أقرب إلى قلوب الناس وأيدهم، حتى بات إمساك الكتاب لساعة أمام إغراء التلفاز وجاذبية الإنترنت أمراً صعباً يحتاج إلى مجاهدة النفس وإكراهها عليه لمن لم تغدو القراءة ضمن تربيته وسلوكه التلقائي.




من هنا تنبع أهمية جهاد القراءة إذ فيه جهد ملموس، وهو يبدأ من الطفولة الأولى في تعويد الطفل على وجود الكتاب وتصفحه والأنس به، ثم التعود على إدراج المجلات الثقافية والكتيبات المعرفية ضمن سلة المشتريات الشهرية، وزيارة المكتبات بشكل دوري ضمن نشاطات الأسرة المعتادة، وبناء مكتبة الأسرة الصغيرة لتحوي كل مفيد ومنوع ومناسب لاختلاف رغبات الأفراد.


وبالرغم من أن المعرفة لا تتقولب في وعاء واحد إلا أن أهمها على الإطلاق الكتاب، لما يتيحه من مصداقية وعمق وشمولية ودقة واحترافية تفتقد في غيره، فالتلفاز مثلا يطبع غالباً بالإثارة والقشرية في الطرح والاهتمام بالصورة على حساب المعلومة وما يشد المشاهد على حساب الموضوعات المعرفية التي يحتاجها.



أما الإنترنت فهو عالم واسع جداً، فيه الكثير من المفيد ولكن المحتوى العربي مازال قاصراً جداً، كما أن المصداقية تكاد تكون نادرة إن لم تكن مفقودة، مما يجعل القارئ الجاد يمارس انتقائية شديدة لكي لا يقع في فخ التدليس والتزوير والتحريف، خصوصا في ظل حروب التيارات التي اتخذت من الشبكة العالمية ساحة لها، لذا يجب أن يكون كل ما فيه متهم في صحته حتى يثبت العكس. 



وإذا كان لكل شيء ربيع، فإن معارض الكتاب تعتبر ربيعها المزهر الذي لا غنى لأي قارئ عنه، فمعارض الكتاب حدائق غناء بشتى صنوف الورود تتجمل بأبهى الألوان فيعبق شذاها ويشدو فيها البلابل بأعذب الأنغام، ويبقى للزائر أن يختار بذوقه ما تهفو له نفسه التواقة من المعارف والآداب.

الأحد، 1 مارس 2015

العلاقة بين المثقف ورجل الدين

العلاقة بين المثقف ورجل الدين

نتيجة بحث الصور عن العلاقة بين المثقف ورجل الدين


قد لا يكون هناك جدل شغل الوسط الثقافي العربي بقدر ما شغله الجدل حول علاقة المثقف برجل الدين، والإجابة على سؤال كيف يجب أن يكون شكل تلك العلاقة؟ هل هي علاقة تكامل أم علاقة تضاد وتصادم؟ هل يمكن رسم صورة مثالية لهذه العلاقة؟
يجدر في البدء أن نشير إلى وجود إشكالية رسمت مبكراً بين فئتين من كلا الطرفين، ففي طرف المثقفين هناك فئة لا تتخيل أي علاقة طبيعية مع رجال الدين ولا يرون في طبيعة العلاقة بين الطرفين سوى الصدام الحتمي ولا ينظرون إلى رجل الدين إلا كصورة من صور الرجعية والتخلف، والسبب يعود إلى استنساخهم لتجربة الأنوار الأوربية التي قامت على الصدام بين المثقف والكنيسة، وهم يمنّون النفس بضرورة الانتصار وحشر رجال الدين في دور العبادة دون أن يكون لهم أي أثر في الحياة العامة، وهذه النظرة تغفل الفارق الكبيرة بين طبيعة الإسلام والمسيحية وحجم وشكل الدور الذي لعبه رجل الدين في كليهما على مدى التاريخ.
أما في الطرف الآخر فإن هناك فئة من رجال الدين تستحقر المثقف ولا ترى فيه سوى أداة بيد أعداء الدين لهدمه من الداخل ويسبغون عليهم صفة النفاق في تماثل للدور الذي لعبه المنافقون في تاريخ الإسلام، ولا يقرأ هذا التيار في الخطاب الثقافي سوى معاداة الدين وتغريب المجتمع وتدمير أخلاق الناس وإشاعة الإباحية والإنحلال .
لقد انعكست هذه الصورة الذهنية المشوهة على شكل وطبيعة العلاقة بين الطرفين في العالم العربي وتمثل في خطابات تكفير وتخوين وتحقير ولم تقف حتى سال على إثرها الدم واكتظت بسببها السجون وحرقت كتب وذخائر معرفية نفيسة وصنعت مآسي وحفرت خنادق من الألم والآهات.
في مقاربة العلاقة بين المثقف ورجل الدين كتبت الكثير من المقالات وألفت العديد من الكتب، لكنها لم تنعكس بشكل حقيقي على الواقع فمازالت تراوح مكانها في خانة التنظير الصرف، ويبقى المعول عليه في هذه القضية ولادة مشروع حقيقي يتجاوز الفهم المشوه إلى إنجاز يخدم المجتمع ويرتقي به، الأمر الذي لا يمكن أن يكون إلا عندما يسود الخطاب الوسطي المعتدل من ناحية، وخلق منتج معرفي محلي يتجاوز أنموذج الحداثة الغربي الذي يراه البعض كأنموذج مثالي يحتذى.

الساحة الأحسائية ليست استثناءا و تزخر بكل ما في الساحة العربية من حراك و نشاط فكري فاعل، مع وجود بعض الفوارق البسيطة، ولعل أبرز مايميز الساحة الأحسائية أن الطلاق لم يقع بين طبقتي رجال الدين و المثقفين رغم ارتفاع حدة الخطاب، ومازال التسامح الذي عرف به الاحسائي كسمة شخصية هي الطابع العام، وربما تسفر الايام القادمة أو كما أتمنى مشروعا فكريايمكن ان يخدم الساحة الاحسائية  ويثريها.