علي .. قراءة بشرية
اتسم الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام بصفات
و خصائص نادرة الاجتماع في فرد واحد أهلته للدخول و بجدارة الى قائمة عظماء البشرية
، فما عرف عنه من سيرته و صفاته و مواقفه تجاه الاحداث الكبرى جعله ينال اعجاب
الناس و حبهم .
العظماء في كثير من الاحيان ينالهم الاذى ليس من
أعدائهم فحسب بل حتى من محبيهم و عشاقهم ، فالتاريخ ينقل لنا – إن صح ما نقل- ان
قوما هاموا بالامام علي حبا حتى عدوه ربا و
إلها ، و في هذا ظلم كبير للعبد الصالح علي .
لكن ما نحن متأكدون منه أن علي عليه السلام نالته
– ككثير من العظماء عبر التاريخ – الاسطرة ، و هي تحويل الشخصية العظيمة الى
اسطورة و إلحاق الصورة الخارقة به حتى تجاوز المعنى البشري ، و فقد في بعض الاحيان
دوره الرئيس في كونه قدوة يحتذى و يقتدى و هذا ايضا ظلم كبير بالقدوة علي.
بالنسبة للاشخاص الذين يرون في علي اسطورة فوق
بشرية و يلحقون بالامام الصفات الربانية دون صفة الربوبية فهم يخرجون علي من كونه
(إنما أنا بشر مثلكم) و تصبح مواقف الامام علي التي سطرها كدروس للبشرية غير قابلة
للتطبيق إذ هي خاصة به ، و يصبح التبرير القسري في كثير من الاحيان ضرورة لابد
منها .
أما من لا يؤمن بهذا المستوى بعلي و يحاكمه بذات
العقلية فسيجد فيه خرافة غير قابلة للتصديق و هذا ايضا ظلم لعلي .
امتاز الامام علي في حياته بثنائيتين مهمتين ،
الاولى كانت المثالية في التعامل مع الذات و الثانية الواقعية في التعامل مع
المحيط و الظروف و الاحداث .
فعلي كان لا يقبل بأقل من الكمال المطلق عندما
يتعلق الامر بعبادته و سلوكه و أخلاقه ، و لكنه يظهر المرونة و البراجماتية في
تعامله الواقعي فيقول (لأسلمن ما سلمت امور المسلمين)
البعض أخذ بالاولى فلم يجد من علي إلا الصرامة في
شخصيته حتى شوه صورته بالاسطرة و البعض الاخر نظر الى الثانية فأجحف بحقه .
و يبقى سلوكنا و تعاملنا تجاه إرث علي هو الجوهر
، فبالاسطرة أو الإجحاف لا يمكن لنا الاستفادة من رجل عظيم مثله ، و الاستفادة
تكمن في قراءة الامام علي قراءة بشرية ترصد مكامن النبوغ و العظمة في جوانب حياته
فهو أنطلق من بشريته الى العظمة و لم يهبط من عظمته الى البشرية .
هل يمكننا قراءة الامام علي و تاريخه و إرثه
قراءة بشرية ، شخصيا ارى الدرب صعب محفوف بالألغام فالارث التاريخي لهذه الشخصية
بكل منعطفاته و عقباته يحتاج الى جهد جبار و إرادة عظيمة و مجاهدة للهوى ، و أخيرا
يجب أن نتذكر الرواية التي تقول ) يا علي هلك فيك اثنان محب غال و مبغض قال) و بغض النظر عن صحتها من
عدمها إلا أنها تجسد لنا قاعدة صحيحة تنال من جميع الشخصيات العظيمة و علي ليس
منها إستثناء .