قراءة في كتاب
"الحوزة و المجتمع ... التفاعل و التكامل"
دراسة اجتماعية دينية لشيعة الاحساء و القطيف
للكاتب : الشيخ رياض السليم
مقدمة :
يتشكل الوعي الانساني المعاصر بعوامل عدة و لعل الدين واحد من أهمها ، و على مدى قرون خلت من ظهور الاديان بقيت محافظة ولو بشكل متذبذب على حضورها المهم في المفاصل و المنعطفات التاريخية ، و لأهميتها أيضا كانت محل تجاذب و تصارع نتيجة الافهام المختلفة لها و تدخل الاهواء و الامزجة فيها ، فأضحى الدين الواحد مذاهب و فرق ، ثم أنقسمت تلك المذاهب الى تيارات و حركات و توجهات متعددة ، و أفرزت تلك الحالة المترددة بين الايجابية و السلبية شخوصا و رموزا و مؤسسات تتفاعل و تتقاطع بشكل متباين مع المجتمع الذي هو بالاساس البوتقة الحاضنة لها ، و من هنا كانت دراسة العلاقة بين الحوزة كمؤسسة دينية في مجتمعي الاحساء و القطيف ذات أهمية بارزة ، إذ هو نموذج للتفاعل المتبادل بين الفكر الديني و المجتمع .
إن فهم و توصيف و من ثم معالجة العلاقة بين الحوزة و المجتمع الشيعي في الاحساء و القطيف واحدا من الموضوعات المهمة التي قل البحث و الدراسة فيها على أهميتها ، ومن هنا رأينا أن تصدي مركز بحثي مستقل لدراسة هذه الموضوعات أمر يستحق الشكر و الانصاف ، و محاولة منا للتواصل الايجابي مع المركز و مؤلف الكتاب ، رأينا أن نقدم عرض و نقدا موضوعيا للكتاب ، و قد أعددت هذا العرض و أوردت بعضا من الملاحظات ثم جرى نقاش حر مع نخبة من ابناء المجتمع الاحسائي و المهتمين بينهم الاكاديمي و المثقف و الحوزوي ، آملين أن يكون لما نقدم الاثر المثمر لما يعود بالنفع على الصالح العام و الله من وراء القصد ..
توصيف الكتاب :
الكتاب يعتبر أول اصدارات مركز الرسالة للدراسات الاسلامية و الانسانية في لبنان وهو ايضا الطبعة الاولى حيث صدر في سنة 1433 – 2012 ، و الكتاب جاء في 110 صفحات من القطع الصغير
جاء غلاف الكتاب بلون أزرق غامق يظهر في ظلاله صورة مسجد في اشارة لمكان الحوزة المعتاد في المساجد ، و كونه أيضا محل لاجتماع الناس في الصلاة ..
الاخراج الفني متواضع و هناك حاجة للمراجعة اللغوية و الاملائية في بعض الاحيان ..
اهمية الموضوع و حساسية :
تعتبر الموضوعات المتعلقة بالحوزة و طبقة رجال الدين و علاقتهم بالمجتمع ذات اهمية كبرى لما لها من أثر بارز في الحراك الاجتماعي ، فرجال الدين في مجتمع دراسة الكتاب – الاحساء و القطيف- لازالوا اصحاب النفوذ الاكبر و القدرة على التأثير في المجتمع و هذا ملموس في الواقع الاجتماعي ، و رغم اهمية الموضوع فإننا نجد الدراسات في هذا المجال قليلة ، ربما بسبب حساسية الموضوع و صعوبة معالجته على ارض الواقع .
رغم كثرة الكتابات و الالماح الى وجود خلل في العلاقة بين الحوزة و المجتمع و وجود ضرورة لمعالجة المشاكل و الاخطاء داخل مؤسسة رجال الدين ، إلا إن كل الكتابات كانت عامة و مجملة و لم تسبر عمق تلك الاختلالات و معالجتها
و لذا يذكر الكتاب في تمهيده ( .. بين يديك ايها القارئ الكريم دراسة نقدية تحليلية مختصرة لقضية من اهم القضايا التي يعيشها مجتمعنا و هي اشكالية العلاقة بين الحوزة و المجتمع ... )
و قد تعرض الكاتب الى واحد من اهم الاشكالات التي قد ترد على موضوع الكتاب و هي ضرورة بقاء مشكلات الحوزة بين علمائها و عدم خروج هذه القضايا للعامة ، و يرد الكاتب أنه يعتقد ان الحوزة ليست ملك رجال الدين بل ملك الجميع ، لأن مشاكل الحوزة ترتبط بالشأن العام و المجتمع كله يتأثر بها .
استعراض لأبواب الكتاب و أبرز النقاط فيه :
قسم الكاتب موضوعات الكتاب الى عدة مباحث و فصول
ففي المبحث الاول : تطرق لأهمية الدراسة :
حيث ذكر أهمية التركز على البحث في مجال الدراسات الانسانية و علم الاجتماع الديني الذي عده حجز الزواية في تطور المجتمع معرفيا ، و ذكر اسماء بعض العلماء الذي حثوا على البحث في هذا المجال كالسيد الخامنئي الذي حث على تنشيط البحث العلمي في هذا المجال ، و السيد فضل الله الذي ردد خطاب انسنة الثقافة الاسلامية و اسلمة الثقافة الانسانية ، كما نقل نداء الدكتور علي الوردي الذي نادى بتأسيس علم اجتماع عربي .
و يخلص الى ضرورة ان نشق طريقنا في البحث العلمي بأنفسنا على قاعدة نحن اعرف بأنفسنا من غيرنا ..
ثم في المبحث الثاني : عرّف بمفردات البحث ، كالتالي :
المجتمع : حيث أورد عدد من التعاريف ، ثم خلص الى أن المجتمع هو مجموعة من الافراد الذين تربطهم علاقات اجتماعية و تنتظم بينهم سلوكيات اجتماعية ...
فالمجتمع يتكون من ثلاث أمور اساسية : (الافراد – العلاقات الاجتماعية – السلوكيات الاجتماعية)
ثم يتطرق الكاتب الى تلك العناصر محاولا اسقاطها على مجتمع الدراسة ( الاحساء و القطيف)
على اعتبار ان الافراد في مجتمع البحث يمثلون مجتمع محلي يحملون خصائص متشابهة في بقعة جغرافية متقاربة و يرتبطون بعلاقات اجتماعية و سياسية و اقتصادية واحدة ، كما ان السلوكيات و العادات و التقاليد و القيم هي ذاتها بينهم .
ثم أنتقل الى المؤسسة الدينية معرفا لها على انها مؤسسة اجتماعية من مؤسسات المجتمع التي تتشكل على اساس القيم و المبادئ ، ثم يزاوج بين المجتمع العلمائي على انه مؤسسة دينية ، و الحوزة ايضا مؤسسة دينية حيث هي معنية بتدريس الدين و تخريج العلماء .
و يفرق الكاتب بين المؤسسة و المنظمة حيث ان الاخيرة لا تقوم الا بالنظام بينما المؤسسة قد يغيب عنها النظام و هو واقع الحوزة حيث النظام فيها هو اللانظام – حسب الكاتب -
ثم دخل الكاتب في تفصيل الفرق بين المؤسسة الدينية –بالفهم الغربي- حيث التراتبية و النظام في منح الصفات و الالقاب بينما يغيب هذا عن الحوزة حيث الامر موكول للعرف و العادات الاجتماعية
ثم عرف الحوزة العلمية على انها مؤسسة دينية تشكلت داخل المذهب الشيعي يحكمها نظام سلوكي عرفي ، قوامها الحراك العلمي القائم على الدرس و التدريس و البحث . .. حيث تتميز بنظام عرفي وليد ظروف هي وليدة منظومة فقهية عقائدية نتيجة الوضع التاريخي للطائفة ..
ثم تطرق في الفصل الاول لعنوان : الحوزة العملية – الملامح و الصفات
فصل الكاتب كثيرا في توصيف الحوزة كما لو كان يخاطب طبقة لا تعرف الحوزة فقد أمتد هذا الفصل من صفحة 29 حتى صفحة70 ، اي نحو 40 صفحة تشكل نحو ثلث الكتاب ، تطرق فيه لعدة عناوين :
- النظام التعليمي في الحوزة : حيث فصل في شرح النظام التعليمي تحت مفهوم (اللانظام) و ايجابيات و سلبيات هذا النمط في التدريس ، و نقل كلاما مهما للشيخ محمد مهدي شمس الدين الذي كان ممتعظا من هذا النظام ، ثم فصل في مراحل الدراسة و طريقة التعليم ، و محاولات التحديث التي مرت على الحوزة ضاربا المثل في علماء كالامام الخميني و الشهيد الصدر و العلامة الطباطبائي و المطهري و الفضلي .. ، و ختم بأن قال ( ومع ذلك لا يزال كثير من العلماء بالاحساء و القطيف يتمسكون بالاهداف القديمة للتعليم الحوزوي ..)
- ثم انتقل للحديث عن النظام الاداري الذي اعتباره عرفيا خالصا خاضعا للرقابة الاجتماعية ، ثم حدد ان الادارة في الحوزة بيد المرجع أو وكيله معتمدا على المرتبات الشهرية ، بمعنى من يدفع يدير ، و اشار الكاتب الى التمرحل التاريخي للنظرة الى العلوم الاسلامية و في الحوزة و كيف كان القطب هو علم الفقه و علومه بعيدا عن العلوم الاخرى كالتفسير و العقيدة و غيرها من العلوم
- ثم دخل الكاتب في بحث التفريق بين الحوزة و المرجعية مقررا أنهما امران مختلفان ، ثم يحدد ان المرجعية هي الممول للحوزة و هي الغطاء الشرعي لها ، و الحوزة هي التي تصنع المرجع
- في المبحث الثالث تحول الكاتب الى الناحية التاريخية لنشأة الحوزات الشيعية من حوزة قم الاولى الى حوزة بغداد الى حوزة النجف الى حوزة جبل عامل ، دون ان يشير الكاتب الى الحوزات في مجتمع الدراسة – الاحساء و القطيف - ، أو علاقة هذه الحوزات بمجتمع الدراسة ..
- أخيرا انتقل الكاتب لمعالجة علاقة الحوزة بالسلطة ، و كيف تميزت الحوزة تاريخيا بالاستقلالية عن السلطة دون ان يعني ذلك عدم التعاطي مع السلطة سواءا تعاونا أو تحالفا أو تصادما ، و هذه الاستقلالية أعطت العالم الشيعي سلطة اجتماعية موازية للسلطة السياسية منوها بخطر هذه السلطة على المجتمع عندما يفسد عالم الدين ..
في الفصل الثاني : تطرق لزبدة البحث – الحوزة و المجتمع ، في ثلاثة عناوين :
- الحوزة و المجتمع و الوعي :
يقرر الكاتب أن الحوزة تتأثر عضويا بالمجتمع حيث هي جزء منه ، لذا فإن الوعي الاجتماعية ضرورة لوعي الحوزة و قيامها بدورها محددا ركائز الوعي في ثلاث نقاط ( وضوح الرؤية – القدرة على التمييز بين الحق و الباطل – القدرة على تشخيص الواقع )
- الحوزة و المجتمع و المال:
يتطرق الكاتب لدور المال في العلاقة بين المجتمع و الحوزة خصوصا في وجود موردين رئيسيين تحكم العلاقة الاول هو الخمس و الثاني هو الاوقاف ، وحيث ضرور ان يختار المكلف الطريقة الصحيحة لصرف هذه الامور من خلال تحديد الوكيل الشرعي الذي يراعي الصرف المالي بشكل واعي ، كما ايقاف الاموال على الموارد الصحيحة بدل التركيز على الاطعام في المناسبات الدينية .
- الحوزة و المجتمع و الطاقات البشرية :
في هذا المبحث يتطرق الكاتب لاربعة نقاط :
الاولى : الحرص على الزعامة الدينية لدى بعض رجال الدين : حيث أعتبر ان الحرص على الزعامة لدى بعض رجال الدين قد يكون سببا في بعض السلوكيات مثل التضييق على آخرين خوفا من سحب الزعامة منهم
الثانية : الولاءات قبل الكفاءات : و من الموارد التي ذكرها الكاتب في هذا المجال اسناد الوكالة الشرعية و منبر الجمعة على اساس الولاءات لا الكفاءات
الثالثة : العوائل العلمائية ، حيث يتسائل الكاتب كيف لبعض العوائل ان تتوارث العلم و الزعامة لعقود دون انقطاع ، بل يكفي الانتماء لعائلة علمية للحصول على الزعامة و المكانة الاجتماعية دون الحاجة الى الحرص على المعرفة و العلم
الرابعة : انصاف الشيوخ ، و يقصد بهم الكاتب طبقة من الناس دروسوا لمدة قصيرة ليلبسوا اللباس الديني فيحوزوا احترام الناس و محبتهم ، أو مارسوا الخطابة الدينية فأمتلكوا قلوب الناس لما عندهم من حسن الصوت و فن الخطابة
ملاحظات على الكتاب بشكل عام :
هنا ورد بعض الملاحظات العامة على الكتاب :
- اعتبر الكاتب ان موضوع الكتاب عبارة عن دراسة أجتماعية دينية كما ورد على الغلاف ، و لكننا لم نجد في مطاوي الكتاب توضيحا للمنهج البحث الذي ستأخذه الدراسة و اي الاساليب البحثية ستنتهج
- حدد الكاتب مجتمع الدراسة بالاحساء و القطيف ، و لكننا لا نجد اسقاطا لمجتمع الدراسة فيها ، فهو تطرق مطول لتاريخ الحوزة في العراق و ايران و لبنان مثلا دون ان يتطرق من قريب أو بعيد لحوزات مجتمع الدراسة و لا علاقته بتلك الحوزات.
- لم يحدد الكاتب اي نتائج للدراسة التي اجراها و كانت خاتمة الدراسة مبهمة عائمة لا توصل الى نتيجة
- لم يتطرق الكاتب الى الدراسات و الابحاث التي سبقته في هذا المجال و لم يحدد نتائجها لكي يبني عليها
- ايضا غاب عن الدراسة المصادر التي نقل عنها الكاتب أو أعتماد عليها ، مما يجعلها اقرب للحديث العام المعتمد على الرأي الشخصي و الثقافة الذاتية .
- أفتقرت الدراسة في كثيرا من الاحيان للشواهد على الارض ، تحت يظن القارئ يتحدث عن حالات معروفة جدا أو خيالية لا وجود لها ..
- غابت الاحصائيات و الارقام عن الدراسة و لم يقدم الكاتب اي رقم يمكن الاستفادة من ، و لم يقدم تقديرات مؤية عن الظواهر التي تطرق لها ، فمثلا عندما يتحدث عن شيوع ظاهرة تقديم الولاءات على الكفاءات لم يدعم الكاتب هذا الادعاء لما يشير على تفشي هذه الظاهرة ، و على ذلك قس .
- بالرغم أن الكاتب افرد جزءا كبيرا من الكتاب للتعريف بالحوزة التي هي موضوع البحث ، إلا أنه لم يفرد اي صفحات تذكر للتعريف بالركيز الاساسية الثانية من البحث و هي مجتمع شيعة الاحساء و القطيف
- حدد الكاتب أشكالية العلاقة بين الحوزة و المجتمع في ثلاثة نقاط (الثقافة و الوعي – المال – الكفاءات) و على اهمية هذه النقاط إلا ان الكاتب لم يحدد الاساس الذي حدد اعتمادا عليه هذه النقاط دون غيرها .
- اتسمت معالجة الجزء الاخير من الكتاب الذي هو لب البحث ( العلاقة بين المجتمع و الحوزة ) بالعمومية و المثالية دون محالة لحلحلة الواقع كما هو .
ملاحظات و مداخلات المشاركين :
سأحاول هنا تلخيص ما فهمته من ملاحظات و مداخلات الحضور دون ذكر الاسماء لأن ما سأسطره كما ذكرت هو فهمي لما طرحه الحضور دون أن يعني أتفاقي مع كل الملاحظات الواردة :
· الكتاب لا يمكن أعتباره دراسة بل رؤى و أنطباعات شخصية على أهميتها
· أتسائل لمن هذا الكتاب موجهة ، فإن كان موجها للحوزة فإن ما ورد فيه معروف داخل الحوزة و الحوار نشط حوله ، و إن كان موجها للمجتمع و الطبقة المثقفة منه فإن المثقفين نادوا من قبل بما ورد في الكتاب
· تركز الكاتب على اهمية الوعي كانت نقطة ايجابية في الكتاب
· لا أعتبر ان الكتاب يقدم جديدا
· لفت أنتباهي كثرة الاخطاء الاملائية و النحوية و البلاغية في الكتاب
· إذا كان الكتاب باكورة اصدارات مركز الرسالة للدراسات فإني أعتبرها بداية غير موفقة و يعطي أنطباع بضعف المركز
· موضوع الكتاب متداول و لا يقدم جديد
· بدأ الكاتب بشكل منصف و لكن سرعان ما أنقلب على الحوزة لينتقدها بشدة فأصبحت الدراسة متحيزة
· العنوان جاذب و لكنه لا يقدم جديد و أعتبر الكتاب مقالات و ليس دراسة
· غاب عن الكتاب أثر التحولات الفكرية و الثقافية في المجتمع على العلاقة بينه و بين الحوزة
· ايضا غاب عن الكتاب الاثر السياسي في العلاقة بين الحوزة و المجتمع
· غياب الارقام نتيجة طبيعية لغياب الادوات البحثية المناسبة في الدراسة
· وظيفة الكاتب تسليط الضوء على المشكلة و ليس بالضرورة حلها و الكاتب كان موفق في عرض المشكلة
· يشفع للدراسة كونها باكورة اصدارات المركز و ربما الحماس هو وراء الاستعجال بطباعتها قبل التنقيح و التدقيق
· لاحظت ان اسلوب الكاتب كان متحاملا و يحاول دغدغة مشاعر المجتمع دون معالجة
· العنوان حساس لأن للحوزة قدسية في النفوس و أثر في الواقع ، و اسلوب الكاتب انطبع بالقسوة في توصيف الواقع حيث وصفه بـ (الفاسد)
· أغفل الكاتب النماذج المشرقة في تحديث الدراسة الحوزوية و قد خرجت من رحم الحوزة العديد من التجارب الناجحة
· وضع الكاتب اليد على الجرح في ضعف الحوزة و عجزها عن بناء جيل متعلم و واعي