الأربعاء، 18 يوليو 2012

الحوزة و المجتمع ... التفاعل و التكامل

قراءة في كتاب
"الحوزة و المجتمع ... التفاعل و التكامل"
دراسة اجتماعية دينية لشيعة الاحساء و القطيف
للكاتب : الشيخ رياض السليم





مقدمة :
يتشكل الوعي الانساني المعاصر بعوامل عدة و لعل الدين واحد من أهمها ، و على مدى قرون خلت من ظهور الاديان بقيت محافظة ولو بشكل متذبذب على حضورها المهم في المفاصل و المنعطفات التاريخية ، و لأهميتها أيضا كانت محل تجاذب و تصارع نتيجة الافهام المختلفة لها و تدخل الاهواء و الامزجة فيها ، فأضحى الدين الواحد مذاهب و فرق ، ثم أنقسمت تلك المذاهب الى تيارات و حركات و توجهات متعددة ، و أفرزت تلك الحالة المترددة بين الايجابية و السلبية شخوصا و رموزا و مؤسسات تتفاعل و تتقاطع بشكل متباين مع المجتمع الذي هو بالاساس البوتقة الحاضنة لها ، و من هنا كانت دراسة العلاقة بين الحوزة كمؤسسة دينية في مجتمعي الاحساء و القطيف ذات أهمية بارزة ، إذ هو نموذج للتفاعل المتبادل بين الفكر الديني و المجتمع .
إن فهم و توصيف و من ثم معالجة العلاقة بين الحوزة و المجتمع الشيعي في الاحساء و القطيف واحدا من الموضوعات المهمة التي قل البحث و الدراسة فيها على أهميتها ، ومن هنا رأينا أن تصدي مركز بحثي مستقل لدراسة هذه الموضوعات أمر يستحق الشكر و الانصاف ، و محاولة منا للتواصل الايجابي مع المركز و مؤلف الكتاب ، رأينا أن نقدم عرض و نقدا موضوعيا للكتاب ، و قد أعددت هذا العرض و أوردت بعضا من الملاحظات ثم جرى نقاش حر مع نخبة من ابناء المجتمع الاحسائي و المهتمين  بينهم الاكاديمي و المثقف و الحوزوي ، آملين أن يكون لما نقدم الاثر المثمر لما يعود بالنفع على الصالح العام و الله من وراء القصد ..
توصيف الكتاب :
الكتاب يعتبر أول اصدارات مركز الرسالة للدراسات الاسلامية و الانسانية  في لبنان وهو ايضا الطبعة الاولى حيث صدر في سنة 1433 – 2012 ، و الكتاب جاء في 110 صفحات من القطع الصغير
جاء غلاف الكتاب بلون أزرق غامق يظهر في ظلاله صورة مسجد في اشارة لمكان الحوزة المعتاد في المساجد ، و كونه أيضا محل لاجتماع الناس في الصلاة ..
الاخراج الفني متواضع و هناك حاجة للمراجعة اللغوية و الاملائية في بعض الاحيان ..

اهمية الموضوع و حساسية :
تعتبر الموضوعات المتعلقة بالحوزة و طبقة رجال الدين و علاقتهم بالمجتمع ذات اهمية كبرى لما لها من أثر بارز في الحراك الاجتماعي ، فرجال الدين في مجتمع دراسة الكتاب – الاحساء و القطيف- لازالوا اصحاب النفوذ الاكبر و القدرة على التأثير في المجتمع و هذا ملموس في الواقع الاجتماعي ، و رغم اهمية الموضوع فإننا نجد الدراسات في هذا المجال قليلة ، ربما بسبب حساسية الموضوع و صعوبة معالجته على ارض الواقع .
رغم كثرة الكتابات و الالماح الى وجود خلل في العلاقة بين الحوزة و المجتمع و وجود ضرورة لمعالجة المشاكل و الاخطاء داخل مؤسسة رجال الدين ، إلا إن كل الكتابات كانت عامة و مجملة و لم تسبر عمق تلك الاختلالات و معالجتها
و لذا يذكر الكتاب في تمهيده ( .. بين يديك ايها القارئ الكريم دراسة نقدية تحليلية مختصرة لقضية من اهم القضايا التي يعيشها مجتمعنا و هي اشكالية العلاقة بين الحوزة و المجتمع ... )
 و قد تعرض الكاتب الى واحد من اهم الاشكالات التي قد ترد على موضوع الكتاب و هي ضرورة بقاء مشكلات الحوزة بين علمائها و عدم خروج هذه القضايا للعامة ، و يرد الكاتب أنه يعتقد ان الحوزة ليست ملك رجال الدين بل ملك الجميع  ،  لأن مشاكل الحوزة ترتبط بالشأن العام و المجتمع كله يتأثر بها .

استعراض لأبواب الكتاب و أبرز النقاط فيه  :
قسم الكاتب موضوعات الكتاب الى عدة مباحث و فصول
ففي المبحث الاول : تطرق لأهمية الدراسة :
حيث ذكر أهمية التركز على البحث في مجال الدراسات الانسانية و علم الاجتماع الديني الذي عده حجز الزواية في تطور المجتمع معرفيا ، و ذكر اسماء بعض العلماء الذي حثوا على البحث في هذا المجال كالسيد الخامنئي الذي حث على تنشيط البحث العلمي في هذا المجال ،  و السيد فضل الله  الذي ردد خطاب انسنة الثقافة الاسلامية و اسلمة الثقافة الانسانية ،  كما نقل نداء الدكتور علي الوردي الذي نادى بتأسيس علم اجتماع عربي .
 و يخلص الى ضرورة ان نشق طريقنا في البحث العلمي بأنفسنا على قاعدة نحن اعرف بأنفسنا من غيرنا ..
ثم في المبحث الثاني : عرّف بمفردات البحث ، كالتالي :
المجتمع : حيث أورد عدد من التعاريف ،  ثم خلص الى أن المجتمع هو مجموعة من الافراد الذين تربطهم علاقات اجتماعية و تنتظم بينهم سلوكيات اجتماعية ...
فالمجتمع يتكون من ثلاث أمور اساسية : (الافراد – العلاقات الاجتماعية – السلوكيات الاجتماعية)
ثم يتطرق الكاتب الى تلك العناصر محاولا اسقاطها على مجتمع الدراسة ( الاحساء و القطيف)
على اعتبار ان الافراد في مجتمع البحث يمثلون مجتمع محلي يحملون خصائص  متشابهة  في بقعة جغرافية متقاربة و يرتبطون بعلاقات اجتماعية و سياسية و اقتصادية واحدة ، كما ان السلوكيات و العادات و التقاليد و القيم هي ذاتها بينهم .
ثم أنتقل الى المؤسسة الدينية معرفا لها على انها مؤسسة اجتماعية من مؤسسات المجتمع التي تتشكل على اساس القيم و المبادئ ، ثم يزاوج بين المجتمع العلمائي على انه مؤسسة دينية  ، و الحوزة ايضا مؤسسة دينية حيث هي معنية بتدريس الدين و تخريج العلماء .
و يفرق الكاتب بين المؤسسة و المنظمة حيث ان الاخيرة لا تقوم الا بالنظام بينما المؤسسة قد يغيب عنها النظام و هو واقع الحوزة حيث النظام فيها هو اللانظام – حسب الكاتب -
ثم دخل الكاتب في تفصيل الفرق بين المؤسسة الدينية –بالفهم الغربي- حيث التراتبية و النظام في منح الصفات و الالقاب بينما يغيب هذا عن الحوزة حيث الامر موكول للعرف و العادات الاجتماعية
ثم عرف الحوزة العلمية على انها مؤسسة دينية تشكلت داخل المذهب الشيعي يحكمها نظام سلوكي عرفي ، قوامها الحراك العلمي القائم على الدرس و التدريس و البحث . .. حيث تتميز بنظام عرفي وليد ظروف هي وليدة منظومة فقهية عقائدية نتيجة الوضع التاريخي للطائفة ..
ثم تطرق في الفصل الاول  لعنوان : الحوزة العملية – الملامح و الصفات
فصل الكاتب كثيرا في توصيف الحوزة كما لو كان يخاطب طبقة لا تعرف الحوزة فقد أمتد هذا الفصل من صفحة 29 حتى صفحة70 ، اي نحو 40 صفحة تشكل نحو ثلث الكتاب ، تطرق فيه لعدة عناوين :
-          النظام التعليمي في الحوزة : حيث فصل في شرح النظام التعليمي تحت مفهوم (اللانظام) و ايجابيات و سلبيات هذا النمط في التدريس ، و نقل كلاما مهما للشيخ محمد مهدي شمس الدين الذي كان ممتعظا من هذا النظام ، ثم فصل في مراحل الدراسة و طريقة التعليم ، و محاولات التحديث التي مرت على الحوزة ضاربا المثل في علماء كالامام الخميني و الشهيد الصدر و العلامة الطباطبائي و المطهري و الفضلي .. ، و ختم بأن قال (  ومع ذلك لا يزال كثير من العلماء بالاحساء و القطيف يتمسكون بالاهداف القديمة للتعليم الحوزوي ..)
-          ثم انتقل للحديث عن النظام الاداري الذي اعتباره عرفيا خالصا خاضعا للرقابة الاجتماعية ، ثم حدد ان الادارة في الحوزة بيد المرجع أو وكيله معتمدا على المرتبات الشهرية ، بمعنى من يدفع يدير ، و اشار الكاتب الى التمرحل التاريخي للنظرة الى العلوم الاسلامية و في الحوزة و كيف كان القطب هو علم الفقه و علومه بعيدا عن العلوم الاخرى كالتفسير و العقيدة و غيرها من العلوم
-          ثم دخل الكاتب في بحث التفريق بين الحوزة و المرجعية مقررا أنهما امران مختلفان ، ثم يحدد ان المرجعية هي الممول للحوزة و هي الغطاء الشرعي لها ، و الحوزة هي التي تصنع المرجع
-          في المبحث الثالث تحول الكاتب الى الناحية التاريخية لنشأة الحوزات الشيعية من حوزة قم الاولى الى حوزة بغداد  الى حوزة النجف الى  حوزة جبل عامل ، دون ان يشير الكاتب الى الحوزات في مجتمع الدراسة – الاحساء و القطيف - ، أو علاقة هذه الحوزات بمجتمع الدراسة ..
-          أخيرا انتقل الكاتب لمعالجة علاقة الحوزة بالسلطة ، و كيف تميزت الحوزة تاريخيا بالاستقلالية عن السلطة دون ان يعني ذلك عدم التعاطي مع السلطة سواءا تعاونا أو تحالفا أو تصادما  ، و هذه الاستقلالية أعطت العالم الشيعي سلطة اجتماعية موازية للسلطة السياسية منوها بخطر هذه السلطة على المجتمع عندما يفسد عالم الدين  ..
في الفصل الثاني : تطرق لزبدة البحث – الحوزة و المجتمع ، في ثلاثة عناوين :
-          الحوزة و المجتمع و الوعي :
يقرر الكاتب أن الحوزة تتأثر عضويا بالمجتمع حيث هي جزء منه ، لذا فإن الوعي الاجتماعية ضرورة لوعي الحوزة و قيامها بدورها محددا ركائز الوعي في ثلاث نقاط ( وضوح الرؤية – القدرة على التمييز بين الحق و الباطل – القدرة على تشخيص الواقع )
-          الحوزة و المجتمع و المال:
يتطرق الكاتب لدور المال في العلاقة بين المجتمع و الحوزة خصوصا في وجود موردين رئيسيين تحكم العلاقة الاول هو الخمس و الثاني هو الاوقاف ، وحيث ضرور ان يختار المكلف الطريقة الصحيحة لصرف هذه الامور من خلال تحديد الوكيل الشرعي الذي يراعي الصرف المالي بشكل واعي ، كما ايقاف الاموال على الموارد الصحيحة بدل التركيز على الاطعام في المناسبات الدينية .

-          الحوزة و المجتمع و الطاقات البشرية :
في هذا المبحث يتطرق الكاتب لاربعة نقاط :
الاولى : الحرص على الزعامة الدينية لدى بعض رجال الدين : حيث أعتبر ان الحرص على الزعامة لدى بعض رجال الدين قد يكون سببا في بعض السلوكيات مثل التضييق على آخرين خوفا من سحب الزعامة منهم
الثانية : الولاءات قبل الكفاءات : و من الموارد التي ذكرها الكاتب في هذا المجال اسناد الوكالة الشرعية  و منبر الجمعة على اساس الولاءات لا الكفاءات
الثالثة : العوائل العلمائية ، حيث يتسائل الكاتب كيف لبعض العوائل ان تتوارث العلم و الزعامة لعقود دون انقطاع ، بل يكفي الانتماء لعائلة علمية للحصول على الزعامة و المكانة الاجتماعية دون الحاجة الى الحرص على المعرفة و العلم
الرابعة : انصاف الشيوخ ، و يقصد بهم الكاتب طبقة من الناس دروسوا لمدة قصيرة ليلبسوا اللباس الديني فيحوزوا احترام الناس و محبتهم ، أو مارسوا الخطابة الدينية فأمتلكوا قلوب الناس لما عندهم من حسن الصوت و فن الخطابة

ملاحظات على الكتاب بشكل عام :
هنا ورد بعض الملاحظات العامة على الكتاب :
-          اعتبر الكاتب ان موضوع الكتاب عبارة عن دراسة أجتماعية دينية كما ورد على الغلاف ، و لكننا لم نجد في مطاوي الكتاب توضيحا للمنهج البحث الذي ستأخذه الدراسة و اي الاساليب البحثية ستنتهج
-          حدد الكاتب مجتمع الدراسة بالاحساء و القطيف ، و لكننا لا نجد اسقاطا لمجتمع الدراسة فيها ، فهو تطرق مطول لتاريخ الحوزة في العراق و ايران و لبنان مثلا دون ان يتطرق من قريب أو بعيد لحوزات مجتمع الدراسة و لا علاقته بتلك الحوزات.
-          لم يحدد الكاتب اي نتائج للدراسة التي اجراها و كانت خاتمة الدراسة مبهمة عائمة لا توصل الى نتيجة
-          لم يتطرق الكاتب الى الدراسات و الابحاث التي سبقته في هذا المجال و لم يحدد نتائجها لكي يبني عليها
-          ايضا غاب عن الدراسة المصادر التي نقل عنها الكاتب أو أعتماد عليها ، مما يجعلها اقرب للحديث العام المعتمد على الرأي الشخصي و الثقافة الذاتية .
-          أفتقرت الدراسة في كثيرا من الاحيان للشواهد على الارض ، تحت يظن القارئ يتحدث عن حالات معروفة جدا أو خيالية لا وجود لها ..
-          غابت الاحصائيات و الارقام عن الدراسة و لم يقدم الكاتب اي رقم يمكن الاستفادة من ، و لم يقدم تقديرات مؤية عن الظواهر التي تطرق لها ، فمثلا عندما يتحدث عن شيوع ظاهرة تقديم الولاءات على الكفاءات لم يدعم الكاتب هذا الادعاء لما يشير على تفشي هذه الظاهرة ، و على ذلك قس .
-          بالرغم أن الكاتب افرد جزءا كبيرا من الكتاب للتعريف بالحوزة التي هي موضوع البحث ، إلا أنه لم يفرد اي صفحات تذكر للتعريف بالركيز الاساسية الثانية من البحث و هي مجتمع شيعة الاحساء و القطيف
-           حدد الكاتب أشكالية العلاقة بين الحوزة و المجتمع في ثلاثة نقاط (الثقافة و الوعي – المال – الكفاءات) و على اهمية هذه النقاط إلا ان الكاتب لم يحدد الاساس الذي حدد اعتمادا عليه هذه النقاط دون غيرها .
-          اتسمت معالجة الجزء الاخير من الكتاب الذي هو لب البحث ( العلاقة بين المجتمع و الحوزة ) بالعمومية و المثالية دون محالة لحلحلة الواقع كما هو .

ملاحظات و مداخلات المشاركين :
سأحاول هنا تلخيص ما فهمته من ملاحظات و مداخلات الحضور دون ذكر الاسماء لأن ما سأسطره كما ذكرت هو فهمي لما طرحه الحضور دون أن يعني أتفاقي مع كل الملاحظات الواردة :
·         الكتاب لا يمكن أعتباره دراسة بل رؤى و أنطباعات شخصية على أهميتها
·         أتسائل لمن هذا الكتاب موجهة ، فإن كان موجها للحوزة فإن ما ورد فيه معروف داخل الحوزة و الحوار نشط حوله ، و إن كان موجها للمجتمع و الطبقة المثقفة منه فإن المثقفين نادوا من قبل بما ورد في الكتاب
·         تركز الكاتب على اهمية الوعي كانت نقطة ايجابية في الكتاب
·         لا أعتبر ان الكتاب يقدم جديدا
·         لفت أنتباهي كثرة الاخطاء الاملائية و النحوية و البلاغية في الكتاب
·         إذا كان الكتاب باكورة اصدارات مركز الرسالة للدراسات فإني أعتبرها بداية غير موفقة و يعطي أنطباع بضعف المركز
·         موضوع الكتاب متداول و لا يقدم جديد
·         بدأ الكاتب بشكل منصف و لكن سرعان ما أنقلب على الحوزة لينتقدها بشدة فأصبحت الدراسة متحيزة
·         العنوان جاذب و لكنه لا يقدم جديد و أعتبر الكتاب مقالات و ليس دراسة
·         غاب عن الكتاب أثر التحولات الفكرية و الثقافية في المجتمع على العلاقة بينه و بين الحوزة
·         ايضا غاب عن الكتاب الاثر السياسي في العلاقة بين الحوزة و المجتمع
·         غياب الارقام نتيجة طبيعية لغياب الادوات البحثية المناسبة في الدراسة
·         وظيفة الكاتب تسليط الضوء على المشكلة و ليس بالضرورة حلها و الكاتب كان موفق في عرض المشكلة
·         يشفع للدراسة كونها باكورة اصدارات المركز و ربما الحماس هو وراء الاستعجال بطباعتها قبل التنقيح و التدقيق
·         لاحظت ان اسلوب الكاتب كان متحاملا و يحاول دغدغة مشاعر المجتمع دون معالجة
·         العنوان حساس لأن للحوزة قدسية في النفوس و أثر في الواقع ، و اسلوب الكاتب انطبع بالقسوة في توصيف الواقع حيث وصفه بـ (الفاسد)
·         أغفل الكاتب النماذج المشرقة في تحديث الدراسة الحوزوية و قد خرجت من رحم الحوزة العديد من التجارب الناجحة
·         وضع الكاتب اليد على الجرح في ضعف الحوزة و عجزها عن بناء جيل متعلم و واعي

الأحد، 1 يوليو 2012

فاتنة الحارة

قصــــــــــــــــــــــــــــــــــــة قصيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرة
فاتنة الحارة


على وقع دقات الساعة التي تشير الى السابعة مساءا يدلف (أبو جمال) الى المنزل منهك الجسد بعد يوم طويل من العمل الشاق ليعيل اسرته المتواضعة ، تستقبله زوجته (ام جمال) بذات الوجه الذي ودعته به في السادسة صباحا ، تصارع وحدها في تربية خمسة أولاد صغار أنجبتهم متتالين بعدما صامت طويلا عن الانجاب بسبب خطأ طبي أصابها بُعيد انجابها أولى أطفالها (سمر) البنت الوحيد بين أشقائها الذكور...
كبرت سمر في اسرتها المغتربة عن ديارها طلبا للقمة العيش و بين أب غائب جل نهاره و أم مشغولة بأطفالها الصغار معظم وقتها ، فشعرت بالغربة و الفراغ ..
كانت (سمر) عائدة من "المدرسة الثانوية التاسعة و التسعون" عندما تصادف دخولها الحارة بهبوب ريح قوية ازاحت جزء من عبائتها  فأبان عن بعض مفاتنها و لسوء الحظ كان مجموعة من شبان الحارة المراهقين في جلستهم المعتادة و قد استعروا بذلك المنظر ، و كان اشدهم ولعا (ماجد) ابن الجيران ..
بدأ (ماجد) يتحين الفرص ليسقط (سمر) في شراكه ، حتى تمكن من سرقه عنوان بريدها الالكتروني من شقيقته زميلة (سمر) في المدرسة ، و بدأ يراسلها يبرق لها كلمات الحب و الغرام ..
 الفتاة اليافعة التي تمنعت في بداية الامر ، انساقت شيئا قليلا لمعسول اللسان ، فباتت تبادله بين فينة  و أخرى رسائل من هنا و خواطر من هناك ..
لكن صدمة (سمر) كانت حقيقية عندما أكتشفت ان (ماجد) كان يشارك اصحابه من مراهقي الحارة تلك الرسائل ، فما ظنته حبا حقيقيا أمسى عبثا ، و بات شبان الحارة يحلمون بسمر و يطاردونها و يتحرشون بها كلما مرت من هنا أو من هناك ..
كتبت الى (ماجد) : ايها الخائن سأقطع علاقتي معك .. فأعد الصورة التي ارسلتها اليك ، و بدلا من ان يسترضيها أجاب (ماجد): الليلة في العاشرة مساءا تعالي الى مواقف السيارات بالحارة و سوف أعيد الصورة لك ...
تخففت (سمر) المغفلة من مراقبة أسرتها و خرجت الى (ماجد) و هي تمني النفس بمعاقبته ، و هي لا تعلم أن ابن الجيران يعد لها شركا مع اصحابه ، و ما أن وصلت مواقف السيارات حتى خرج (ماجد) في عصابة من أصحابه ، و بدأوا في الهجوم عليها و تعريتها من عبائتها ، ثم اركابها السيارة .. و هنا تشاء الصدف أن يصل احد الجيران وهو (أبو سعيد) و تبصر عيناه هذا الموقف المخزي فيبادر لأنقاذ الفتاة من ورطتها ، فزع الشبان و تطايروا  من المكان فألتفت (ابوسعيد) الى الفتاة المذعورة فجللها بعبائتها الملقاة على الارض و أخذها من يدها التي كانت ترتجف و أوصلها الى باب منزلها ، و غادر في هدوء ..
(سمر) أصابتها الحمى تلك الليلة و قد قضتها في نوبات البكاء ، وسط حيرة الام و الاب الغافلين عما عراها ، و ما أن حل الصباح حتى حضر الجار (أبو سعيد) الى المنزل ، عندما علمت (سمر) بقدومه زادت حالتها سوءا خشية أن يفضحها ، و لكن الام دخلت عليها تغالب ابتسامتها : (سمر) هذا ابو سعيد جاءنا يعرض خطبتك لنفسه زوجةا ثانية له ،، ما تقولين ؟؟؟
(أبو سعيد) الذي أنقذها من شهوة شبان الحارة ، وقع في فتنة الجسد العاري عندما شاهدها أمامه تضطرب ، و أغرم بالفتاة الفارعة في جمالها ..
صمتت (سمر) طويلا ، لتزيد حيرة والديها ...  
عندما هم (أبوسعيد) بالخروج من بيت جاره (أبوجمال) محملا بالوعود بالرد الحسن نظرا لسمعته و لمحبته في الحارة ،، تلاقى الرجل بالجار اللصيق (أبو نسيم) .. فسأله عن اساريره  المتفتحة سرورا ، فأخبره بأمر خطبته لـ فاتنة الحارة ، فأعتلت (ابونسيم) كآبة لم يفصح عنها و واراها بأبتسامة متصنعة .. دخل (ابو نسيم) منزله يتحلطم و يرعد و يزبد ، صعد الى سطح الدار يتلصص على جاره (ابوجمال) ، فقد اعتاد الرجل على اختلاس النظرات ليشاهد معشوقة الحارة (سمر) و يطرب لصوتها تشدو و تغني عندما تهم بنشر الغسيل فوق السطوح ...
أخذ يردد أغنتها في الوجد و الشوق ..
يا حبيب القلب .. وينك
يا غرام الروح .. وينك
مشتاقة أنا و روحي تحبك

لكن الفتاة الحالمة كانت في نواح يقطع القلب دون أن تهتدي لسبيل ، حاولت الام تبين الامر دون جدوى ، و كانت كلمتها قاطعة في رفض (ابي سعيد) .. بل أنها هددت بالانتحار إن اجبرت عليه ..
باتت (سمر) حبيسة خوفها ، فلا تذهب للمدرسة و تخشى الخروج للشارع و لا تقترب من الكمبيوتر و لا  ترد على الهاتف ... لقد غامرت في لحظة غفلة فكانت النتيجة مؤلمة ..
حتى جاء يوم ضاقت الدنيا على (سمر) فما استطاعت ان تجد حلا أمامها سوى الموت ... دخلت أمها لتجدها منتحرة و قد سال دمها القاني من معصميها حتى فارقت الحياة ..
(سمر) ضحية من ؟؟؟؟