الربيع العربي .. محاولة للفهم ؟؟
منذ نهاية العام الماضي و جل ايام و ليالي هذا العام و العالم العربي يموج من اقصاه الى اقصاه ، ينام و يصحو و لا سيرة على الالسن سوى ما اصطلح عليه اعلامي بـ"الربيع العربي" ، و هذا المقال هو عبارة عن محاولة لفهم حقيقة ما يجري في البلدان العربي و الوقوف على ابرز محددات هذه الحالة النادرة في ايام العرب المعاصرة ...
- اتخذت ظاهرة الربيع العربي اسمها بعد تمدد ظاهرة الثورة الشعبية ضد انظمة الحكم العربية لتشمل دولا عدة من تونس الى مصر فليبيا ثم اليمن و سوريا و البحرين و عمان و الاردن و الكويت .. كما حدث حراك و لو محدود في بلدان اخرى كالجزائر و المغرب و موريتانيا و العراق و السعودية و قطر و لبنان ... و ترافقت مع دخول موسم الربيع في تلك المنطقة من العالم و لكن الربيع انتهى و جاء الصيف ثم الخريف و ها نحن على ابواب الشتاء و الحالة العربية لازالت تفور و تفرز ارهاصات جديدة و الاعلام يتغنى بالربيع العربي ..
- كان الاعتقاد السائد حتى قبل اندلاع هذه الموجات ان الشعوب العربية باتت مسلوبة الارادة و ان التغيير لا يمكن ان يجد له سبيل في ظل هذه الانظمة القمعية المتجبرة ، و لا مناص من التأقلم و القبول بالامر الواقع .
- بالرغم من أن أول نظام عربي سقط خلال القرن الحالي كان النظام العراقي على يد الاحتلال الامريكي المدعوم بالاحزب العراقية المختلفة ، و بعدها تحدث الامريكان طويلا عن التغيير الديمقراطي للمنطقة، و تغير أولويات الولايات المتحدة في العالم العربي ، و الفوضى الخلاقة، و الشرق الاوسط الكبير ، و لكن لم يكن العالم العربي يقبل بكل هذا بحجة ان التغيير لا يجوز ان يأتي من الخارج ، و هذا المفهوم تغير الان و اصبحت الشعوب العربية تطلب نجدة الامريكي و الاوربي كما حصل فعلا في ليبيا و يحصل الان في سوريا..
- تعتقد النخب في الغرب ان افضل الطرق للسيطرة على دول كاملة هي بإجبارها على اعتماد النظام الانتخابي مع سوق اقتصادي حر ، فكل الديمقراطيات في العالم تعاني من سيطرة الشركات الكبرى على السياسة ، و هي التي تحدد الرئيس المقبل حتى في امريكا ذاتها ، مما يعني امكان سيطرة تلك الشركات مباشرة أو عبر وكلاء محليين على تلك الدول بذات الوسيلة ، اثرياء يملكون المال و النفوذ لتقديم "رجال سياسة" يخدمون مصالحهم المالية ..
- للولايات المتحدة تاريخ طويل جدا في قلب انظمة الحكم و تدبير المؤامرات و التدخل في شؤون الدول الاخرى ، بل لها تجارب في العصف بمناطق كاملة من العالم ، جرى هذا في امريكا الوسطى ، و بلغ الحد ان ترسل الولايات المتحدة قوات خاصة لقلب الحكم في جمهورية بنما و تختطف رئيسها ليحكم عليه بالسجن في الولايات المتحدة ، و استبدلت امريكا انظمة أخرى في تلك المنطقة مثل كولمبيا و جواتمالا ودبرت محاولات انقلابية في فينزويلا و كوبا ..، و قبل سنوات قليلة تابعنا ظاهرة الثورات الملونة في اوربا الشرقية التي اطاحت بأنظمة كانت موالية لروسيا لتأتي انظمة جديدة موالية للغرب كما حدث في أوكرانيا و جورجيا و قرغسيستان .. ، و قبل ثلاث سنوات اندلعت ما سمي بالثورة الخضراء في ايران بعد الانتخابات الرئاسية و سعت نخب ايرانية لاستنساخ تجربة الثورات الملونة ، و التجربة حدثت في دول افريقيا أيضا فما انت تنتهي انتخابات في دولة تعتبرها امريكا معادية حتى تصيح المنظمات الدولية بتزوير الانتخابات ليطاح بذاك الرئيس و يؤتي برئيس جديد موال للغرب حدث هذا في ساحل العاج و كينيا .. سؤالي هل هذه مصادفة ؟؟؟
- في العقل السياسي الغربي بشكل عام و الامريكي بشكل خاص فن تجيير الاحداث حسب المصالح ، بمعنى ان السياسي الغربي عندما يواجه اي حدث عالمي فأنه يفكر بشكل كبير في الاجابة عن سؤال كيف استفيد من هذا الحدث ؟ و كيف اجيره لصالحي ؟ و لا يقف كما نفعل نحن العرب كثيرا عن اسئلة الاسباب و الخلفيات الفكرية و الايدولوجية و العقدية للحدث ..
- فكر المؤامرة هو ان نعتقد ان كل شيء ضدنا و كل العالم مشغول ليضر بنا و بعقيدتنا و افكارنا و مصالحنا ، و يخطط للاستيلاء علينا ، هو ان نعتقد ان العالم لا يتحرك الا بايدي امريكية أو غربية و لا يحدث شيء الا بإذن امريكا ، هذا هو فكر المؤامرة السلبي ، و هو فكر خاطئ جدا ، في الحقيقة الغرب مشغول بتحصيل مصالحه و تحقيقه تفوقه على العالم و يبقى لك الخيار في العمل مع أو ضد ، و الانصياع لمصالح الغرب ليس جبرا انه خيار.
- عدم الايمان بفكر المؤامرة لا يعني ان الغرب لا يصنع المؤامرات الدولية و يبث خيوطه في كل مكان فقط ، علينا فقط ان نؤمن ان الغرب مجموعة بشر و ليس آلهة ...
- في تونس لولا قيام قائد الجيش التونسي بإجبار الرئيس بن علي على الهروب فجاءة ربما ما كانت الثورة تنجح ، وفي مصر لولا الضغط الغربي و رفض الجيش سحق المتظاهرين ربما ما كانت الثورة تنجح ، و في ليبيا لولا تدخل الناتو ربما ما كانت الثورة تنجح ، و في سوريا و اليمن لولا الدعم الغربي و الغطاء العربي ربما ما كانت الثورة لتستمر ، و في البحرين لولا التغافل الغربي و الصمت العربي و التدخل الخليجي ربما كانت الثورة ستنجح ، هل الغرب بريء من الحالة العربية ؟؟؟
- اعتقادي ان الحراك العربي كان شعبيا و داخليا عند انطلاقته ، و انتظر الغرب قليلا قبل ان يجد لنفسه خارطة لدخول الحراك العربي و يحاول تجيير الربيع العربي لصالحه ، و الشعوب التي كانت تُسبح بلعن امريكا باتت تسمي امريكا بالمنقذ المنتظر و حامي الحرية العظيم .
للحديث تتمة ...