عرض وتلخيص كتاب اصلاح الاسلام للعفيف الاخضر
اسم الكتاب : إصلاح الإسلام (بدراسته وتدريسه بعلوم الأديان)
المؤلف: العفيف الأخضر
عدد الصفحات : 144 صفحة
الطبعة : الثانية 2014
الناشر : منشورات الجمل بيروت - بغداد
مقدمة :
كان غريبا الخبر الذي انتشر منتصف العام 2013 الذي يفيد بوفاة المفكر التونسي العفيف الأخضر بعدما حاول الانتحار، ولأني لم أكن أعلم أنه في مرحلة متقدمة من مرض السرطان فلم استسغ فكرة الإنتحار ولاحقا علمت أنه كان يعيش ظروفا صعبة بسبب المرض وبسبب حالة الوحدة وعدم وجود من يرعاه في أيام حياته الأخيرة بالإضافة إلى حالته المادية الصعبة.
قبل أيام وقع بين يديّ كتاب هو الأخير من إصداراته بعنوان (إصلاح الإسلام) شدني الفضول لأعرف آخر ما حدث به العفيف الأخضر نفسه قبل أن يرحل عنا، ولم يكن غريبا أن يكون الكتاب عبارة عن حوار مطول قام به كل من ناصر بن رجب ولحسن وريغ معه بعدما افتقدا كتاباته وتوقف مشروعه النقدي، وفي محاولة لإستجلاء آخر ما سيقوله العفيف الأخضر، الذي شكى لمحاوريه أنه لا يستطيع الكتابة بسبب المرض وأنه لا يوجد من يرعاه ويكتب ما يمليه عليه فتطوعا للإستماع له وتفرغ الحوار في صورة كتاب.
الكتاب يتفرع إلى ثمانية فصول ومقدمة:
في المقدمة التي يذكر المؤلف فيها ارهاصات هذا الحوار ليصل إلى سؤال مهم عمره أكثر من قرن وهو : لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟ ويجيب عنه لأننا فشلنا في إصلاح الإسلام، وإصلاحه يكون في إعادة دراسته ضمن علوم الأديان وتبني العقلانية الدينية وإلغاء كل ما يتعارض وروح العصر، ويختم المقدمة داعيا لإنشاء مدرسة رقمية على الشبكة المعلوماتية لتدريس الأفكار الإصلاحية وترجمة كتاباته.
في الفصل الأول (مبررات إصلاح الإسلام) يقول الكاتب إن إصلاح الإسلام ممكن وأولوية للمسلمين إذا أرادوا أن يلحقوا بالركب الحضاري، معتبرا أن إصلاح الإسلام عبر فصل الدين عن الدولة من ناحية مع البحث العلمي والتجديد التكونولوجي والتعليم بالمعايير الدولية هي المجال الإستراتيجي للنهضة.
وينقل عن المستشرق رينان أن عوائق الإصلاح الاسلامي ثلاثة هي إحتقار العلم الوضعي، رفض البحث العقلاني في نصوص الدين، الخلط بين الروحي والزمني.
في الفصل الثاني بعنوان (إعادة تعريف الإسلام بعلوم الأديان) يحدد العفيف الأخضر عدة علوم معتبرا إياها قادرة على إصلاح الإسلام وهي : تاريخ الأديان المقارن، اللسانيات، علم اللغة (الفيلولوجيا)، علم نفس الأديان، علم التأويل (الهرمينوطيقا) بالإضافة إلى علمي الفلسفة وعلم الأعصاب.
فوظيفة علوم الأديان إعادة الأفكار الدينية إلى أصولها الحقيقية التي اكتسبتها منها عبر الأجيال فمعظمها لم تبتدع بل متوارثة، فهي انتقلت من أساطير الحضارات القديمة كالبابلية والفرعونية إلى اليهودية فالمسيحية فالإسلام وهكذا.
السوسيولوجيا الدينية تعلمنا أن الدين ظاهرة اجتماعية وأن التغيرات الاجتماعية تفرض نفسها على الدين، وتعلمنا الانتروبولوجيا الدينية أن النصوص الدينية هي بنت المناخ الثقافي الذي ظهرت فيه فهي نسبية ومتغيرة.
ويخلص للقول أن الحقيقة الدينية ذاتية لا تفرض نفسها إلا على المؤمن بها، أما الحقيقة العلمية فهي موضوعية تفرض نفسها على كل ذي عقل سليم.
الفصل الثالث بعنوان (الجنة رمز لرحم الأم) يكمل العفيف الأخضر شرحه لدور علوم الأديان في إصلاح الإسلام فيقول بأن علم نفس الأديان يساعدنا في فهم الجذور النفسية للظاهرة الدينية فهي عبارة عن اسقاط نفسي فهو اسقط صورة الأب رمز الحماية والحب على الآلهة، والحنين إلى الجنة هو الحنين للعيش في رحم الأم فهي الجنة التي طرد منها.
أما اللسانيات فتعلمنا بأن كل نص هو تقريبا تناص وهو مجاز فلا يجوز أن يقرأ قراءة حرفية فكما قال ابن عربي (ما في الكون كلام لا يُتأول) فلا يوجد نص بدلالة وحيدة.
وعلم اللغة – الفيلولوجيا – موضوعها فهم الحضارات القديمة عبر تحليل نصوصها الأدبية والدينية.
أما الهرمينوطيقا فهي تأويل النصوص والرموز الدينية والدنيوية بتأمل فلسفي يفتح آفاق النص بلا حدود، وهي تمر بثلاثة درجات : المعنى الحرفي – ثم روح النص- ثم القراءة المجازية.
أما فائدة علم الأعصاب فهو يشرح لنا كيف يعمل الدماغ وكيف يفكر، فقشرة الدماغ هي مصدر مشاعره وأحاسيسه وانفعالاته وحالاته الصوفيه والروحية.
أما الفلسفة فهي ضرورية لفهم الدين والحياة.
في الفصل الرابع بعنوان (كيف لفق ابن اسحاق حد الرجم) يثير العفيف الأخضر الحديث حول الموقف المتشدد من العلاقات الجنسية وصولا إلى تلفيق حد الزنا الذي لم يكون موجودنا في صدر الإسلام وأنه انتقل إليه من اليهودية، منتقدا العقوبات البدنية التي تجاوزتها دول العالم المعاصرة.
الفصل الخامس (خطر تذويب الفرد في الأمة) يقترح العفيف إقرار مبدأ عام وهو نسخ كل نص (آية أو حديث) يتعارض مع مصلحة المسلمين أو مصلحة البشرية أو يصطدم بحقوق الإنسان، مشيدا ببعض الفقهاء الذين مارسوا نسخ بعض الأحكام الشرعية كالطاهر الحداد وحسن الترابي ومحمد الطالبي، ولا يفرق الكاتب في النسخ بين النصوص التي عالجت ممارسات دنيوية زمنية أو تلك النصوص التي تتعلق بالعبادات الروحية.
ويشدد على ضرورة استقلال الفرد عن الجماعة (الأمة الإسلامية) معتبرا إياها لا تختلف عن القبلية معتبرا التدين شأن فردي لا علاقة للأمة فيه، لذا يشدد على دعم كل الإجراءات التي من شأنها التأكيد على الفردانية ومنع ذوبان الفرد في المجموع.
الفصل السادس (الانحطاط هو هزيمة العقل)
حول مفهومه عن الإنحطاط يقول العفيف أن انحطاط المسلمين هو بسبب هزيمة العقلانية الدينية والعقل الفلسفي أمام القراءة الحرفية للنصين المؤسسين القرآن والسنة على يد حزب المحدثين، وذلك بعد هزيمة الإتجاهات العقلانية الثلاثة التي عرفها المسلمون وهي : 1- العقلانية الدينية المعتزلية، 2- العقلانية الفلسفية الرشدية (ابن رشد) 3- العقلانية الفلسفية النقدية (ابن الراوندي- ابوالعلاء المعري).
وعن سبب هزيمة العقل عند المسلمين يقول العفيف أن العقل لم يستطع أن يتغلغل لا في النخب الصانعة للقرار على نحو دائم ولا في الجمهور الواسع، كما حقق العقل الأنواري الذي تغلغل بين النخب في ألمانيا بينما تغلغل بين الجمهور المتعلم في فرنسا.
الفصل السابع (من أجل انتصار دين العقل)
في سبيل الانتصار للعقل يقول الكاتب أن الفاعلون هم : 1- التعليم 2- الخطاب الديني المستنير 3- إعلام المعقول الديني.
وعن الأول يدعو الكاتب لتعميم تدريس الإسلام بعلوم الأديان في الفلسفة وحقوق الإنسان في المدارس والجامعات، أما الخطاب الديني المستنير فيأتي عبر تكوين الأئمة والخطباء تكوينا دينيا حديثا يستند إلى معطيات العصر والحقوق الإنسانية الدولية، وأما عن الإعلام بالتشجيع على الحوار وإثارة القضايا الفكرية وتأسيس جامعة افتراضية ومواقع الكترونية تدعو لإصلاح الإسلام.
الفصل الثامن (من التربية الجنسية الدينية إلى الجنسية العلمية)
حيث يدعو لإعادة النظر في الأحكام الدينية المتعلقة بالجنس وبناء ثقافة جنسية متوافقة مع المعطيات العملية بعيدا عن التصورات الدينية الحادة تجاهها.
مراجعة على مجمل الكتاب:
يعتبر العفيف الأخضر من المفكرين العرب الحداثيين وله اسهامات كثيرة للدفع باتجاه تغيير الواقع العربي والاسلام باتجاهات حداثية مواكبة للعصر لذا فلا يمكن اغفال مساهماته في المشروع التحديثي.
موضوع الكتاب مثير وجاذب ومهم ولكنه لم يكن بحثيا أو يمثل مشروعا واضح المعالم، بل جاء على شكل حوار يتضمن افكار العفيف الأخضر مع استطرادات كثيرة حيث طبيعة الحوارات بخلاف الكتابات النقدية الرصينة.
بدى جليا أن معظم الأفكار التي طرحها العفيف الأخضر ليست أصيلة أو ابداعية ومعظمها مقتبس إما من المستشرقين أو كتاب سبقوا العفيف لذا لا يكاد نجد فيه أي جديد.
بعض اسقاطات العفيف الأخضر كانت شخصية مما يضعف مصداقيتها، فالأفكار لا تبنى على أساس مواقف شخصية وحوادث فردية، كمثل تدليله على مشكلة التربية الجنسية من مواقف شخصية حصلت في طفولته.