الخميس، 4 مايو 2017

الأسطورة .. توثيق حضاري


عرض وتلخيص كتاب



الأسطورة .. توثيق حضاري











الكتاب : الأسطورة .. توثيق حضاري


صادر عن : قسم الدراسات والبحوث بجمعية التجديد الثقافية الاجتماعية بالبحرين


عدد الصفحات : 167 صفحة


الطبعة : الأولى 2009


الناشر : دار كيوان - سوريا



مقدمة:
ضمن أهداف الجمعية هدف تجديد النظر للإرث الحضاري للمنطقة العربية بصورة منصفة تعيد الاعتبار لها ولشعوبها يأتي هذا الإصدار ضمن سلسلة عندما نطق السراة، فهذا الكتاب الفريد من نوعه يحاول صياغة قراءة جديدة أكثر قربا للأساطير القديمة التي اكتشفت في المنطقة العربية والتي خلفتها الحضارات البائدة من حضارات سومر وكلدان وآشور وأكاد إلى جانب الفينيقيين والفراعنة وغيرها من حضارات، تلك الأساطير التي اكتشفها منقبو الآثار الغربيين وترجموها إلى لغاتهم الأوربية وبثقافتهم الأجنبية وبخلفيتهم التي تبحث عما يدعم ما ورد في الكتابات اليهودية والمسيحية القديمة، ثم جاء المترجمون العرب لينقلوها من اللغات الأوربية إلى العربية دون أي محاولة لقراءة النص الأصلي بالثقافة العربية الأقرب لهذه الأساطير.


ينطلق الكتاب من افتراضات أساسية كالتالي:


1- أن الحضارات القديمة نشأت في إقليم واحد كبير يمتد ما بين العراق والخليج العربي شرقا إلى شمال أفريقيا غربا، ومن جنوب أوروبا شمالا إلى اليمن جنوبا، لذا يجب النظر إلى هذه المنطقة كإقليم واحد.


2- أن سكان الحضارات القديمة ذو أصول عربية من جزيرة العرب، وأنهم تكلموا لهجات عربية وكتبوا أساطيرهم بها.


3- أن تلك الأساطير ليست خرافات ولا كتابات خيالية بل هي كتابات تحمل معارف وأفكار كبرى كتبت بلغة أدبية تناسب عصرهم.


في الفصل الأول من الكتاب بعنوان: مفهوم الأسطورة ونشأتها وأنواعها
يبدأ الكتاب في تحديد مفهوم الأسطورة وهو مفهوم ملتبس اختلف في تعرفها ولكنها بشكل عام تعود إلى المدونات القديمة التي وضعت في الحضارات القديمة، ولا يعرف متى بدأت الكتابة بالدقة ولكن أقدم الاكتشافات العلمية أسفرت عن العثور على ألواح طينية تعود إلى حضارة سومر في جنوب العراق.


أما في اللغة العربية فالأساطير جمع أسطورة وهي من سطر- تسطير بمعنى تقسيم وتصفيف الأشياء، فالأسطورة تعني الكلام المسطور المصفوف، وهي أيضا الكلام المنظوم سطرا وراء سطر، وسطر(بتشديد الطاء) بمعنى ألف، و أسطورة على وزن أفعولة كأحدوثة وألعوبة، وأساطير على وزن أفاعيل كأحاديث وأقاويل، وعليه فإن كلمة أسطورة لها أصل عربي جذرها الثلاثي ( س ط ر) وليست منقولة عن أي لغة أخرى.


أما دلالة تسمية الأسطورة على وزن أفعولة فهي تعني التكرار والاستمرار.


وهناك تعاريف كثيرة للأسطورة أهمها تعريف فراس السواح في كتابة (الأسطورة والمعنى) إذ يعرفها كالتالي : "الأسطورة هي حكاية مقدسة ذات مضمون عميق يشف عن معاني ذات صلة بالكون والوجود وحياة الإنسان".


أما الكتاب فيعرف الأسطورة تعريفا أكثر شمولية كالتالي : "هي القصة الشعرية المصفوفة زجلا أو شعرا بحيث تحوي موضوعا دينيا يتعلق بالقوى العلوية الخفية، وتعبر عن معارف الإنسان الأول وأخلاقه ومستويات علومه وتأملاته، وهي موضوعة في قالب ذي إيقاع شعري موسيقي يتضمن الحدث المراد تأريخه سواء كان من صنع الإنسان أو الطبيعة أو الرب، من أجل أن يتلى ويتداول ويؤدي دوره في تثقيف العقول وتحريك المشاعر"


وتحت عنوان نشأة الأساطير:

ينقل الكتاب زعما لعلماء الميثولوجيا وهو أن الأساطير تمثل طفولة العقل البشري فهو كان يفسر الظواهر من حوله بطريقة خيالية نتيجة الجهل، فلما نضج العقل اعتمد العلم بدل الأساطير، ويرى الكتاب أن هذا الزعم سببه وضع جميع الأساطير في ميزان واحد بالإضافة إلى الجهل في تفسير وقراءة هذه الأساطير.


وفي أصل وجود الأساطير فهناك أربعة نظريات:

1- النظرية الدينية: أن الأساطير مأخوذة من الكتب المقدسة لكنها حرفت وغيرت مع مرور الوقت.


2- النظرية التاريخية: أن أعلام الأساطير شخصيات حقيقية قاموا بأعمال عظيمة وأضاف إليها الشعراء والرواة الصور الخيالية.


3- النظرية الرمزية: أن الأساطير ما هي إلا مجازات فهمت على غير وجهها الصحيح.


4- النظرية الطبيعية: وهي أن عناصر الطبيعة تم توصيفها على شكل أشخاص وكائنات حية.


ما الفرق بين الأسطورة والخرافة؟
يشير الكتاب إلى كثرة خلط الناس بين المفهومين مع وجود فارق كبير بينهما، فالمادة الأساسية للأسطورة هي الحدث التاريخي وهو إما يكون من صنع الإنسان أو الطبيعة أو الرب، كما أن له تأثيرا حقيقيا في مجرى حياة البشرية، أما الخرافة فهي سرد من نسج الخيال ولا علاقة له بالواقع أو أي حدث واقعي.


أما ما تشترك فيه الأسطورة والخرافة أن كلاهما يشتملان على المحسنات والزيادات اللفظية وكلاهما تمت صياغته على أنماط شعرية كي تكون قريبة من أذهان وقلوب الناس لتسهيل حفظها ونقلها.


أنواع الأساطير:
1- الأساطير التعليمية : وهي التي تحوي على مضامين تعليمية كتعليم القيم والأخلاق ومبادئ الزراعة.


2- الأساطير الوعظية: وهي تحث على التزام الحكمة وبناء علاقة سليمة بين الإنسان والرب وتحذر من معصيته.


3- الأساطير العلمية: تتحدث عن قضايا علمية كالخلق والتكوين وأصول الأشياء.


4- أساطير الأبطال: تعرف بشخصيات تركت أثرا في التاريخ كالأنبياء والملوك، ويعرف بالأعمال البطولية والعلاقة بينها وبين العالم العلوي.


الفصل الثاني: الأسطورة مصدر تاريخي
يناقش هذا الفصل المقولة التي تعتبر أن العهد الإنساني مر بمرحلتين الأولى هي العهد الأسطوري والثاني العهد التاريخي، نافيا هذه المقولة معتبرا أن الأسطورة ما هي إلا طريقة لكتابة وتدوين الأحداث التي مر بها الإنسان في مرحلة من مراحل البشرية وعليه فإن الأسطورة جزء من التاريخ البشري، وأن منشأ هذا الاعتقاد هو الخلط بين الأسطورة والخرافة والعجز عن فهم محتوى الأساطير وتفسيرها بشكل صحيح.


يؤكد الكتاب أن الأساطير تعد مصدرا تاريخيا معتمدا لعدة أسباب:


1- أن هناك أثر من الغيب في وراء علم الأوائل للحقائق الكبرى، فكيف علموا بحقائق الخلق وغيرها.


2- هناك طابع مشترك لشعوب الحضارات القديمة خصوصا في حديثها عن القضايا الكبرى كالخلق.


3- أن كثير من الشخصيات التي جاءت في الأساطير هي شخصيات حقيقية تاريخية.


4- أن الأساطير لم تكن اجتهادات فردية بل أعمال نظمت وحفظت برعاية الملوك والكهنة.


5- أن هناك ما يدعم مصداقية هذه الأساطير كالرسومات والنقوش والتصاوير التي وجدت مع الآثار.



في ختام هذا الفصل يخصص الكتاب الحديث للأساطير في القرآن الكريم


ويسجل الكتاب تحت هذا العنوان عدة ملاحظات:


- ورد لفظ (الأساطير) في القرآن تسع مرات


- في جميع المرات كانت تأتي مضافة إلى الأولين ( أساطير الأولين)


- جميع السور التي حوت اللفظ مكية عدا واحدة هي سورة الأنفال


- جميع مرات وردها كانت بلسان كفار قريش فلم ترد على لسان اليهود أو النصارى


- في جميع المرات كانت السورة تتحدث عن توحيد الله أو الآخرة أو التذكير بالآيات قبل أن يرد الكفار بهذا الرد، مما يدل على أن الأساطير عندهم كانت في ذات السياق


- لم ينف القرآن عن نفسه أن مضمونه مشابه لأساطير الأولين


- لم ترد هذه المقولة في حوارات أي نبي آخر مع قومه غير النبي محمد


وعليه فالكتاب يستدل أن الأساطير هي من تراث الأنبياء السابقين.




في الفصل الثالث والأخير

يفرغ الكتاب مساحة لا بأس بها لمحاولة فهم وتفسير الأساطير


فكيف نفهم الأساطير؟



ويرجع الكتاب مشكلة تفسيرها ليس فقط أنها وصلتنا ناقصة وقد تعرضت لعوامل التعرية ولكن أيضا للاختلاف الثقافي والتاريخي بين كتابها والباحثين الذين حاولوا تفسيرها.


ويقترح الكتاب لفهم هذه الأساطير التالي:

- الاعتقاد بوحدة الأساطير للحضارات القديمة كونها امتداد لبعضها البعض وتقدم ذات التصور للأفكار

- أن الكتابة لا تعادل اللغة فمن الطبيعي أن تعجز الكتابة عن إيصال المعنى

- ضرورة معالجة الترجمات الغربية لكونها حرفت كثيرا من المعاني

- لفهم الأساطير القديمة يجب فك رموز مجمع الآله وهي قوى الكون والطبيعة



دلالات الأسماء في الأساطير:


في هذا الجزء يحاول الكتاب التعرف على دلالات أسماء الأساطير القديمة، ونذكر منها على سبيل المثال:


- مردوخ (إله الخصب والزراعة): أصبح سيدا على الآله مكافأة له على المعركة التي خاضها ضد (تيامت) الماء المالح التي كلفتها الآله خلق الكون، اسمه مكون من مقطعين مرد – دوخ، المردخ هو الذي ذلل الطبيعة وكسرها.


- انكي/انجي : هو مبدأ الحكمة والنقاء، واسمه مركب من مقطعين ( أن –كي) (أن= عين بمعنى سيد) (كي=قيع من قيعان الأرض فهو مدبر الأرض) أو سيد الأرض أو مسؤول توفير المياه النقية.


- إنليل: (أن= عين أي سيد أو رب الليل) أو ليل= الله، أي عين الله وهو القمر.


- إنانا: وهي ربة الحب والخصب السومرية( ان = عين أو سيد) (انا= العناية او السماء) بالتالي سيدة السماء.


- عشتار: آلهة القوة والنسل عند البابليين والآشوريين، وعشتار أصلها (عتر) معنى العترة أو السلالة، فهي القوة التي تجذب كل زوجين وتديم السلالة والتوالد والبقاء.


- جلجامش: من أشهر ملوك سومر، واسمه مكون من مقطعين (جل + جامش) و جل: بمعنى الجليل، وجامش:فحرف الشين اصله سين حيث ينطق في بعض اللهجات العربية لذا فهو جامس ومعناه جاموس، فمعنى اسمه الجاموس الجليل أو الثور القوي، لقوته وفحولته.





- حمورابي: الملك البابلي المشهور بقوانينه العادلة، واسمه مكون من مقطعين (حامو+رابي) وحامو بمعنى المحامي، وأما رابي فهو الرب، وبهذا يكون معنى اسمه محامي الرب.