الخميس، 9 فبراير 2017

الدين بين الايدولوجيا والانطولوجيا




الدين بين الايدولوجيا والانطولوجيا

 نظرة في كتاب الدين والظمأ الأنطولوجي




للمرة الأولى أقرأ فيها للمفكر العراقي الدكتور عبدالجبار الرفاعي وأتعرف فيها على فكره، كان هذا عن طريق كتابه المهم الموسوم بـ "الدين والظمأ الانطولوجي" والذي أظنه ضروري لكل مثقف مهتم بالشأن الديني، والكتاب صادر بطبعته الأولى لعام 2016 عن مركز دراسات فلسفة الدين ودار التنوير للطباعة والنشر.

الكتاب هو مجموعة مقالات وأبحاث ومقابلات ضمنها الدكتور في كتاب واحد جمعها موضوع الظمأ الانطولوجي حسب اصطلاحه، وهو ما يعرفه بأنه ظمأ الإنسان للمقدس والحنين للوجود، حيث أن وجود الإنسان محتاج إلى ما يثريه ويمنحه المعنى، الأمر الذي يراه الكاتب متوفرا في الدين حصرا.

فلا الفنون ولا الآدب ولا المعارف يمكنها أن تروي ظمأ الإنسان الملح والفطري ولا شيء يمنحه الطمأنينة والسعادة سوى الدين، ولكن أي دين هذا؟

يتفرق الكتاب على سبعة فصول ومجموع صفحاته مائتين واثنين وسبعين صفحة.

في الفصل الأول: بعنوان نسيان الذات، يطرح الكتاب قضية الذات البشرية المنسية، الذات الخاصة بكل إنسان خلقه الله المتفردة في خصائصها الذاتية، هذه الذات التي دأبت الجماعات والأحزاب على تنميطها واستعبادها وإذابتها عبر قسرها على قوالب جاهزة، وعمليات التنميط هذه تجري عبر التربية والتثقيف والمنابر الإعلامية حتى تستلب الذات وتصبح جزءً من صورة كبيرة كل عناصرها متشابهة ومتماثلة، ينصهر الفرد في الجماعة حتى ينسى ذاته ويهمل حياته الخاصة التي تصبح عديمة القيمة، ما يهم الجماعة هو سلوك الفرد الخارجي أما باطنه فغير مهم مما يحول الإنسان إلى (شخصية مستعارة) تنعدم فيه شخصيته الحقيقية الأصلية وتحل محلها شخصية نمطية يسودها الأحكام الجاهزة والعصبية الفاشية.

في ظل هذا الاستلاب للذات البشرية كيف يمكن للإنسان الإيمان أو اللإيمان ذاتيا؟ إذ الإيمان خيار شخصي وحالة ذاتية لا يتحقق بالنيابة، وبغياب الذات يصبح الدين سلوكا خارجيا لا يعبر عن حقيقة ذات الإنسان الأصلية.



الفصل الثاني: نسيان الإنسان، يحاول د.عبدالجبار هنا أن يسطر شيئا من سيرته الذاتية مركزا على البيئة الأصلية التي جاء منها راسما صورة خشنة عن حياة الريف العراقي منتصف القرن الماضي مضمنا تلك الذكريات بعضا من التحليل الاجتماعي لبيئته وكيف أسهمت نشأته في بناء شخصيته المتدينة بطبعها، وذاكرة اللامكان التي اكتسبها بسبب حالة التشرد التي عاشها، وصولا إلى ذكريات سنوات الدراسة في المدرسة الأولى إلى التحاقه بالحوزة النجفية وانضمامه لحزب الدعوة بشكل مقتضب مبررا ذلك بالبعد عن نبش آلام الماضي ورغبة في تجاوزها بهدوء وسلام.

يصل الكاتب لنتيجة أن الدين بالنسبة للكائن البشري مكون انطولوجي يرثه من أبيه وأمه كما يرث لون بشرته وصفاته الجسدية، حتى عندما يتحول إلى دين آخر فإنه يقلب الدين الجديد ويعلبه بدينه الأصلي، كما حال اللغة الأم فمهما تعلم الإنسان لغة أخرى يبقى مبرمجا على ترجمتها وإعادتها للغته الأصلية.

وفي جزء مهم من هذا الفصل يفرد الكاتب صفحات عن أهمية التحلي بالغفران والمحبة كمرادف الإيمان والدين.

أما الفصل الثالث : المثقف علي شريعتي.. يعد من أهم فصول الكتاب.

حيث يُحمل الكاتب بعض المثقفين من أمثال علي شريعتي مسؤولية ترحيل الدين من الانطولوجيا إلى الأيديولوجيا، أما سبب اهتمامه بشريعتي تحديدا فلإن مقولاته بدأت تغزو الوسط الثقافي العربي بعدما انتهى الإيرانيون من نقدها وتجاوزها.

يلخص الكاتب اتجاهات التفكير الديني في إيران الحديثة كالتالي :

أ- الاتجاه التقليدي: 

وهو المسيطر على معظم الحوزات الدينية في إيران حتى اليوم.

ب- الاتجاه الإحيائي : 

ويتفرع إلى تيارين: 

1- فلسفي عرفاني : تأسس على يد السيد الطباطبائي صاحب الميزان

ب- المدرسة التفكيكية : 

وهي تدعو لإحياء التفكير النصوصي الحديثي وتناهض التفكير العقلاني، بما يشبه عودة للتيار الإخباري، أبرز رموزه السيد مهدي الآصفي

ج- الاتجاه التجديدي:

وينقسم إلى تيارات عدة منها:

1- تيار التفسير العلمي: يدعو لتفسير القرآن على ضوء الاكتشافات العلمية الحديثة.

2- تيار الهوية (الذاتية): يدعو للعودة للهوية الإسلامية وغربلة التراث من المؤثرات الطارئة عليه، تمثل في الفيلسوف فرديد ، وانعكس في نتاج علي شريعتي

3- تيار الماركسية الإسلامية: هو تيار نشط في الستينات والسبعينات، حاول إعادة صياغة التاريخ الإسلامي وفق النظرية الماركسية والاشتراكية.

وانعكس هذا الفكر في جماعات سياسية متعددة منها منظمة مجاهدي خلق.

4- تيار معرفي عابر للأيدولوجيا: ويتجه هذا التيار لتفسير الدين على فلسفة العلم والهرمنيوطيقا والعلوم الاجتماعية، وأبرز رواده سروش وشبستري وملكيان.

علي شريعتي:

يضع الكاتب نبذة موجزة عن سيرة علي شريعتي، إلا أنه يشير إلى ثلاث نقاط رئيسية

الأولى:  الشائع أن شريعتي درس وتخصص في علم اجتماع الأديان إلا أنه لم يجد أي وثائق تثبت هذه الدعوة، لذا فهو يشكك في ذلك.

الثانية: يشكك الكاتب في ما يشاع أن شريعتي مات مقتولا على يد مخابرات الشاه، ويرجح بأنه توفي وفاة طبيعية.

الثالثة: يتهم الكاتب شريعتي بسطحية إطلاعه على الفلسفة الغربية وتطويعه لمعارفه لتخدمه ايدولوجيته إلى جانب ضعف تكوينه الديني ومعرفة الدينية الإسلامية.

يشير الكاتب إلى دور شريعتي الكبير في أدلجة الدين وإعادة قراءته وفق ايدولوجية يؤمن بها، مما ساهم بتكوين ايدولوجية دينية جزمية همها تنميط وتدجين ونمذجة الشخص، فأيدولوجية شريعتي تحلم بالعدالة الاجتماعية لكنها تهمش الحرية ولا تقبل الحداثة الغربية وما يرتبط بها من ديمقراطية وحقوق بشر بوصفها ملتبسة بالاستعمار والرأسمالية، ومن ناحية أخرى أعاد شريعتي قراءة التاريخ الإسلامي والشخصيات التاريخية وفق ايدولوجية.

وتحت عنوان فرعي (الحساسية السياسية والحساسية الفلسفية) يتهم الكاتب شريعتي وكل من سار على نهجة باحتقار الفلسفة وتهميشها لأنها تفضح دعواهم الايدولوجية حيث يعتبر أن "خمسمائة رجل كابن سينا لا أثر لهم في المجتمع بينما رجل كأبي ذر يمكنه أن يحدث تحولا لقرن كامل".

سعى شريعتي لبناء رؤية دنيوية للدين اصطلح عليها (البروتستانتية الإسلامية)عبر تحويل كل ما هو ديني إلى دنيوي وكل ما هو دنيوي إلى ديني، ويعتبر أن كل ماهو متداول في عالم الإسلام منذ الغزو المغولي هو كاثوليكية إسلامية داعيا للقضاء عليها، ويمضي شريعتي بثنائياته الكثيرة فيقسم الإسلام السني إلى إسلام محمدي وآخر أموي، والتشيع إلى تشيع علوي وآخر صفوي، معتبرا أن الإسلام هو التسنن المحمدي والتشيع العلوي.

دعوة البروتستانتية الإسلامية التي اشترك شريعتي فيها مع جماعة الإخوان المسلمين هي دعوة أدلجة الدين والتراث بحسب الكاتب، وفي الوقت الذي أنجزت البروتستانتية المسيحية تحرير العلم والدولة من الدين وسطوة الكنيسة، قامت البروتستانتية الإسلامية بتوسيع حدود الدين ليشمل كل مناحي الدنيا والعلم والدولة.

إن وعود البروتستانتية الإسلامية لم تنجز بل انتهت إلى نتائج عكسية وأفضت إلى عبادة الإنسان للأيدولوجية واستلابها لروحه وقلبه وعقله وإقحامه في وعود خلاصية موهومة.

الفصل الرابع :التجربة الدينية والظمأ الانطولوجي للمقدس

في هذا الفصل الهام يشرح الكاتب مفهوم الظمأ الانطولوجي حيث هو افتقار الشخص البشري إلى ما يثري وجوده، ويكرس كينونته، ويمنحه وقودا لحياته، ويكشف له سر الحياة ويجعله قادرا على التغلب على مشكلة الوجود البشري.

والتجربة الدينية بحسب الكاتب هي البعد الانطولوجي للدين التي يمكنها معالجة هذا الظمأ، وهذا الإرواء يجب أن يكون كتجربة ذاتية فردية جوانية، ويفرق الكاتب بين هذه الحالة والحالة الصوفية معتبرا أن ليس كل متصوف صاحب تجربة دينية فقد يكون المتصوف خاويا روحيا إذا ما تحول التصوف إلى التصوف الطرقي السلوكي الذي هو تصوف الدراويش والتكايا والزوايا.

مولانا جلال الدين الرومي:

عن جلال الدين الرومي يفرد الكاتب عنوانا جانبيا ليعالج ما يعتبره حالة من التحول الذي شهدته شخصية الرومي التاريخية إلى الرومي الميثولوجي كشخصية خارقة استثنائية بخلاف الشخصية الحقيقية البشرية داعيا إلى استلهام العبر من تراثه الروحي.

إلى جانب التصوف الطرقي يشير الكاتب إلى التصوف المعرفي: وهو تصوف عقلي خرج على الانساق المعرفية التراثية وانتج قراءة حية متوالدة ذات افق رحب معيدا الاعتبار للذات المستلبة وانشغل بإرواء ظمأ الروح.

رؤيتان للعالم: 

الرؤية الأفقية : وهي رؤية المتصوفة والعرفاء التي ترى في الصلة بالله وصال حبيبين.

الرؤية العمودية: هي رؤية المتكلمين: ترى في علاقة الإنسان بالله علاقة عمودية يخضع فيها العبد ويذل لإله متسلط منتقم.

وعن الإيمان والتدين يدعو الكاتب لضرورة التفرقة بين الدين والتدين-الدين والحياة الروحية- الدين والإيمان، داعيا إلى الخلاص من تديين الدنيوي أي أن الدين لا يشمل كل شيء في الحياة، إذ لا يجب أن يختلط الدين بالعلم والأدب والفلسفة والفن ..الخ فالعلم علم وليس دين، والأدب أدب وليس دين وهكذا، فما يشوه الدين في مجتمعاتنا هو اختلاط الدين بكل شيء وعليه يجب أن يعود الدين لحقله الطبيعي في بناء الحياة الروحية والأخلاقية للبشر، أما ما ينجزه العقل والتجربة البشرية فلا ضرورة لإقحامه في الدين أو إقحام الدين فيه.

إن جوهر الدين يتمحور حول إرواء الظمأ الانطولوجي للشخص البشري وعندما يرتوي يكف الدين عن أن يكون أداة للصراع على الثروة والقوة والسلطة، كما تفعل معظم الجماعات الإسلامية التي سرقت الدنيا باسم الآخرة، والأرض باسم السماء، والإنسان باسم الله.

دين الايدولوجيا ودين الانطولوجيا:

المتكلم هو فيلسوف دين الايدلوجيا، بمعنى أنه يصوغ رؤية لله والإنسان والعالم وفهما للدين، والجماعات الإسلامية تنسج على رؤية المتكلم شباكاها لتصنع دين الايدولوجيا، هذا الدين الذي يستخدم الإنسان ويسخر حياته وطاقته بينما دين الانطولوجيا يخدم الإنسان ويمنح عقله حرية التفكير ولا يجبره على تكرار نماذج تاريخيه أو أن يعيش نيابة عن غيره.

دين الايدولوجيا لا يبني حياة روحية، يميت الروح والقلب والضمير ويفسد ولا يصلح، بينما دين الانطولوجيا يصنع حياة روحية وأخلاقية ويغني الحياة بالهدوء والسكينة والسلام.

الفصل الخامس: أية دولة بلا حياة روحية وأخلاقية

وهو عبارة عن ورقة قدمها الكاتب للمؤتمر الدولي حول الأديان والقيم السياسية – لبنان 2014

الفصل السادس: لا خلاص إلا بالخلاص من أدلجة الدين

وهو عبارة حوار مع الصحافية اللبنانية رحيل دندش بأسئلة منوعة 

الفصل السابع: تحديث الفكر الديني

وهو عبارة حوار لمجلة يتفكرون مع الكاتب المغربي مولاي أحمد صابر بأسئلة منوعة 
---
* نشر هذا المقال في موقع المطرفي ،، الرابط 
http://www.almoterfy.com/site/index.php?act=showNews&module=news&id=7942