رواية "ساق
البامبو"
للتو انتهيت من قراءة رواية ساق البامبو للروائي الكويتي سعود
السنعوسي، وهي واحدة من أجمل الروايات التي كتبها، الرواية التي تقع في نحو أربعمائة
صفحة صادرة عن الدار العربية للعلوم ناشرون، صدرت طبعها الأولى سنة 2012م، وحصلت
على جائزة الرواية العالمية عام 2013.
اسم الرواية التي اتخذها الكاتب نوع من النباتات الشائعة في الفلبين
حيث يتميز البامبو بأنه ذو ساق رفيعة وأجوف من الداخل.
تحكي الرواية على لسان بطلها عيسى الطاروف أو هوزيه ميندوزا معاناة
شاب ولد لأب كويتي وأم فلبينية كانت تعمل خادمة في منزل أسرة كويتية تزوج ابنها من
الخادمة زواجا عرفيا بدون علم أهله، ولم حملت الخادمة قامت العائلة بطردهما، الشاب
راشد الطاروف لم يتخلى عن زوجته بل وثق الزواج وظن أن عائلته ستتراجع حلما يرزق
بطفل، ولكنه طرد مرة أخرى مع طفله ما أضطره إلى تطليق الخادمة بعد إرجاعها إلى
بلدها مع وعد بعدم التخلي عن ابنه والعمل على عودته إلى الكويت ليعيش معه عندما
تتهيأ الظروف المناسبة.
يأتي الاحتلال العراقي للكويت فيقع راشد أسيرا ثم بعد عقد من الزمن
يتم الكشف عن مصير الأسرى الكويتيين حيث تم استرداد رفاته، وهنا يظهر صديقه غسان
الذين يعمل على إعادة عيسى إلى الكويت ويسعى لنزع اعتراف من جدته غنيمة وعماته
عواطف ونورية وهند وأخته خولة، تتباين آراء الأسرة حول مصير عيسى الذين يعيش بصورة
أولية في ملحق منزل العائلة دون الكشف عن هويته الحقيقية، ولكنه يتعرض للإبعاد
بعدما أثار وجوده الريبة.
النهاية ليست سعيدة لعيسى حيث يمر بأحداث تؤكد رفض المجتمع الكويتي له
لأنه بوجه (فلبيني) ورثه عن أمه وإن كان يحمل الأوراق الثبوتية الكويتية، وبعدما
يستشعر الغربة في مجتمع لا يقبل به، وعائلة ترفض الاعتراف به يقرر العودة إلى الفلبين
وهو نص كويتي ونصف فلبيني، نصف مسيحية ونصف مسلم، وذو اسمين عيسى وهوزيه.
إلى جانب العديد من الأحداث الدرامية المشوقة والأسلوب السلس يعالج
الكاتب عدد من القضايا الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع الخليجي بشكل عام
والمجتمع الكويتي بشكل خاص، قضايا مثل سلطة المجتمع على أفراده، رفض الآخر، مشاكل
العمالة الأجنبية، البدون،الأديان وأتباعها، هوية أبناء الزواج بين مجتمعين
مختلفين وغيرها من قضايا هامة.
الجميل في الرواية أن نقرأ عن واقعنا من لسان الآخر الذي يعيش في
مجتمعنا دون أن تستمع له، فالخليج يضج بجنسيات شتى من العمالة دون أن نسعى أو
نحاول فهم احتياجاتها ومشاكلها، نحن لا نتحاور معها ولا نقبل منها ذلك، بل نعاملها
بتجاهل كبير، وتسلب منها الحس الإنساني، وهذا العمل يوقظ فينا الحس الإنساني في
التعامل مع العمالة الأجنبية التي تعيش بين ظهرانينا.
تساءلت
كثيرا وأنا أقرأ ساق البامبو كم في مجتمعنا من عيسى أو هوزيه، ليس من الضروري أن
يكون ابن فلبينية، لكن كم في مجتمعنا من شاب يعيش ضياع الهوية في مجتمع لا يتسامح
أبدا مع نسق مخالف لما هو عليه، المجتمع الذي يرفض أبن الفلبينية بالرغم من أنه ابن
الكويتي، هو ذاته يرفض الشاب المثقف المتمرد على بعض أفكاره أو عاداته أو طقوسه،
رغم أنه أبن شرعي تماما لهذا المجتمع فهو عيسى أيضا ..