واحدة من العبارات التي تتجاوز العقول البشرية العادية القول المنسوب للامام علي ابن ابي طالب " و تحسب أنك جرم صغير و فيك أنطوى العالم الاكبر" .
هذه العبارة الموجزة قليلة الكلمات ضخمة المعاني عريضة المعارف ، تصور أمامنا حقيقة مهمة أن هذا الانسان البسيط أكثر المخلوقات تعقيدا و إدهاشا ، فهو أكثر من مجرد جسد متحرك بل هو وجود متحرك و غامض كثيرا حتى ان الانسان يجهل ذاته و لا يعلم عنها الا القليل .
معرفة الانسان لذاته أولا هي المفتاح الرئيس للمعرفة بل لا نبالغ إذا قلنا ان معرفة الانسان للوجود يتناسب طرديا مع معرفته لذاته ، فكلما عرف الانسان ذاته زادت معرفته بالوجود من حوله ، بل أكثر من هذا أن معرفة الله تعالى إنما تنطلق من معرفة الذات ، و من الاحاديث المشهورة قوله عليه الصلاة و السلام: "من عرف نفسه فقد عرف ربه"
و لكن معرفة الذات إنما تكون في حالة الصفاء الروحي و الاسترخاء النفسي و الخلوة بعيدا عن صخب الحياة و إقاعاتها السريعة ، و هو أمر يصعب على كثير من الناس في هذا الزمن إذ اصبح الاتصال بالناس بفعل وسائل الاتصال مهما بل إدمانا .
كنت في ايام الجامعة أعمد سنويا الى الخلوة ، فكنت اسافر الى خارج مدينتي لوحدي مصطحبا معي كل ما أحتاجه بحيث لا أخرج من الغرفة حتى لغرض الاكل ، فأغرق بين الكتب و الدفاتر بين قراءة و تدوين لأيام عدة أنقطع فيها عن كل البشر فلا أرى إنسيا أبدا ، و كنت أخرج من خلوتي براحة نفسية عالية و صفاء و طمأنينة تعز في هذه الايام .
و لي قريب أيضا يسافر كل سنة فردا يقضي أياما معتكفا لا يتصل بأحد ، و هو يقضي اعتكافه في المسجد الحرام أو المسجد النبوي دون أن يتحدث مع أحد إلا في اضيق حدود ، و قد وجدت انعكاس هذه الخلوة على شخصيته و سمته .
هل نحن بحاجة الى الخلوة في هذا الزمن الصاخب ؟ بلا شك ان الاندفاع و التسرع الذي تتخبط فيه الساحة الثقافية اليوم هو أحد اسباب اهمال الخلوة و الرجوع الى الذات لمعرفتها ، نحن نفرط في البحث عن الحقائق في كل مكان بعيدا جدا غافلين أن الحقائق مودعة في ذواتنا و في صدرونا ، عودوا الى انفسكم تنكشف لكم حقائق الوجود ..