الاثنين، 15 أبريل 2013

من أنا ؟


مــــن أنـــــــــا ؟؟




واحدة من العبارات التي تتجاوز العقول البشرية العادية القول المنسوب للامام علي ابن ابي طالب " و تحسب أنك جرم صغير و فيك أنطوى العالم الاكبر" .
هذه العبارة الموجزة قليلة الكلمات ضخمة المعاني عريضة المعارف ، تصور أمامنا حقيقة مهمة أن هذا الانسان البسيط أكثر المخلوقات تعقيدا و إدهاشا ، فهو أكثر من مجرد جسد متحرك بل هو وجود متحرك و غامض كثيرا حتى ان الانسان يجهل ذاته و لا يعلم عنها الا القليل .
معرفة الانسان لذاته أولا هي المفتاح الرئيس للمعرفة بل لا نبالغ إذا قلنا ان معرفة الانسان للوجود يتناسب طرديا مع معرفته لذاته ، فكلما عرف الانسان ذاته زادت معرفته بالوجود من حوله ، بل أكثر من هذا أن معرفة الله تعالى إنما تنطلق من معرفة الذات ، و من الاحاديث المشهورة قوله عليه الصلاة و السلام: "من عرف نفسه فقد عرف ربه"
و لكن معرفة الذات إنما تكون في حالة الصفاء الروحي و الاسترخاء النفسي و الخلوة بعيدا عن صخب الحياة و إقاعاتها السريعة ، و هو أمر يصعب على كثير من الناس في هذا الزمن إذ اصبح الاتصال بالناس بفعل وسائل الاتصال مهما بل إدمانا .
كنت في ايام الجامعة أعمد سنويا الى الخلوة ، فكنت اسافر الى خارج مدينتي لوحدي مصطحبا معي كل ما أحتاجه بحيث لا أخرج من الغرفة حتى لغرض الاكل ، فأغرق بين الكتب و الدفاتر بين قراءة و تدوين لأيام عدة أنقطع فيها عن كل البشر فلا أرى إنسيا أبدا ، و كنت أخرج من خلوتي براحة نفسية عالية و صفاء و طمأنينة تعز في هذه الايام .
و لي قريب أيضا يسافر كل سنة فردا يقضي أياما معتكفا لا يتصل بأحد ، و هو يقضي اعتكافه في المسجد الحرام أو المسجد النبوي دون أن يتحدث مع أحد إلا في اضيق حدود ، و قد وجدت انعكاس هذه الخلوة على شخصيته و سمته .
هل نحن بحاجة الى الخلوة في هذا الزمن الصاخب ؟ بلا شك ان الاندفاع و التسرع الذي تتخبط فيه الساحة الثقافية اليوم هو أحد اسباب اهمال الخلوة و الرجوع الى الذات لمعرفتها ، نحن نفرط في البحث عن الحقائق في كل مكان بعيدا جدا غافلين أن الحقائق مودعة في ذواتنا و في صدرونا ، عودوا الى انفسكم تنكشف لكم حقائق الوجود ..

الثلاثاء، 2 أبريل 2013

لماذا لا يجدي الوعظ الديني ؟!

لماذا لا يجدي الوعظ الديني ؟!



قبل أيام حضرت محاضرة ضافية لأحد المشايخ الكرام ، و قد كان خطيبا بليغا رائعا فقد تحدث عن سلوك الانسان المسلم تجاه موارد الحياة و شخّص المشكلة في سوء التصرف الحاصل خصوصا في التبذير و الاسراف ، لقد حمل خطيبنا سلوك الناس العاديين جل مصائب ارتفاع الاسعار و ضيق المعيشة ، و ختم بسرد صور رائعة من سلوك سلف هذه الامة و كيف ضربوا المثل العليا في الاقتصاد و الزهد و الانصراف عن الدنيا و زبرجها و زينتها .
بعد الخطبة العصماء كان فضيلة الشيخ و جمع من الناس مدعويين لمائدة في منزل أحد الأعيان و كنت حاضرا و قد هالني حجم الاسراف و التبذير في تلك المناسبة ، لقد كان صحن الطعام الواحد يحمل ذبيحة كاملة تكفي لثلاثين نفرا و قد تحلق حولها اربعة أشخاص ، فضلا عن صنوف الفواكة و السلطات و الحلويات .
تساءلت في نفسي أين ذهبت المحاضرة القيمة التي استمعنا لها قبل قليل؟ لماذا لم ينطق الشيخ الكريم بحرف في هذا المحفل ؟ لماذا يصمت عندما يكون الاسراف من أجله ؟ أفصحت لصاحبي عما يختلجني ، و قلت له: سأقوم لأكلم الشيخ بذلك لا يجوز السكوت عن هذا ، فأمسك صاحبي بيدي قائلا : "تكفى خلنا نخلص غدانا و نتقهوى و بعدين سو اللي تبي ، لأنك إذ تكلمت بننطرد و لا راح يتغير شي" .
هذه الحادثة ذكرتني بقصة الخليفة هارون الرشيد الذي كان يذهب لأحد الوعاظ فيقول له :عظني ، فيبدأ الشيخ بذكر أهوال القيامة و ما يجري على الناس فيها ، فيبكي الرشيد حتى يغمى عليه ، فإذا أفاق ألتفت للشيخ و قال له : زدني ، فيعاود الشيخ الى آيات التقريع و الوعيد، ويزداد بكاء الرشيد حتى يغمى عليه و هكذا ، و ما إن تنتهي جلسة الوعظ هذه و يجن الليل على بغداد حتى يُحيي الخليفة جلسة السمر على انغام الطنبور و هز البطون .
هكذا ننافق أنفسنا و نمارس التناقض بين القول و العمل ، هكذا يكون سلوك النخب من مشايخ و مثقفين و وجهاء ، هكذا نتغنى بالقيم العليا الرائعة في الخطب الرنانة ثم ننساها في ارض الواقع .
في الحقيقة أن هذه السالفة العابرة هي نموذج مصغر عن عشرات السلوكيات التي نعيشها في ارض الواقع ، وهي تقدم لنا تفسيرا للكثير من الظواهر الاجتماعية (النفاقية) و هي تجيب على سؤال : لماذا لا تجدي محاضرات الوعظ الديني ؟!