الأربعاء، 15 سبتمبر 2021

أنماط التدين الجديد

أنماط التدين الجديد

مقدمة

يفرق علم الاجتماع الديني بين مفهومين اثنين وهما مفهوم الدين ومفهوم التدين، فالدين هو مجموعة من الأفكار العقائدية واللاهوتية والتشريعية الخاصة ضمن منظومة محددة، تسعى لإثبات حقانيتها في مقابل منظومات أخرى، وهذا المفهوم ليس مجال لعمل علم الاجتماع الديني، والمفهوم الآخر وهو التدين فهو أنماط ممارسة مجتمع ما لسلوكيات دينية من ضمن منظومة عقدية وتشريعة ما، وهنا يأتي دور علم الاجتماع الديني في فهم التدين كظاهرة اجتماعية.

وعبر التاريخ فإن نمط التدين لم يكن ثابتا في اي دين من الأديان المعروفة مهما كانت درجة ثبات المنظومة العقدية والفكرية لهذا الدين، وهذا التغير في انماط التدين هو الذي ولد مذاهب وتيارات دينية متعددة عبر التاريخ.

إن السبب الرئيسي في ظهور هذه الأنماط الحديثة هو ضعف وترهل المؤسسة الدينية الرسمية للدين وهي الجهة المكلفة لتقديم التفسير الرسمي للدين والدفاع عنه، ويتمثل في الوسط السني بدور الإفتاء والأزهر الشرف في مصر والحوزة الدينية والمرجعية في الوسط الشيعي، نتيجة التغيرات في نمط الحياة ونزوع حالة الفردانية وتمكن الفرد من شؤونه بعيدا عن نمطية الجماعات والمؤسسات.

 

اربعة نماذج من التدين الحديث:

يهمنا هنا استعراض اربعة نماذج من التدين الحديث والمعاصر والذي ظهر خلال الاربعين سنة الأخيرة، ونشير إلى أن هذه الأنماط الأربعة ليست مذاهب دينية بالشكل التقليدي للمفهوم التاريخي، وهي تعبر أنماط تدين نخبوية إلى حد كبير إذ لا تزال فاعلة في الدوائر النخبوية.

ونشير أننا في عرضنا لهذه الأنماط لا يهمنا حقانيتها من عدمها ودورنا يتلخص في رصد نمط ظاهرة التدين الحديث كظاهرة اجتماعية.

أنماط التدين الحديث:

1-    تدين ما بعد الاسلاموية:

بعد التراجع والنكسات التي تعرضت لها تيارات الإسلام السياسي التي كانت تهدف لتحقيق دولة شمولية دينية على نمط الخلافة في الوسط السني ونمط الامامة في الوسط الشيعي، وبعدما عجزت عن تقديم رؤية حديثة ومنسجمة مع تطلعات الناس ونمط الحياة الجديد، حدثت حالة من الاحباط والتراجع في شعبية الافكار الدينية المرتبطة بالمؤسسة الرسمية مما برر محاولات ايجاد نمط من التدين الجديد أو الحداثي.

يتمثل هذا التدين في مجموعة من الأفكار التي تحاول تقديم قراءة جديدة للدين دون التخلي عن الدور المحافظ والتاريخي للدين، ويمثل هذا التيار الإصلاح الديني في ايران كعبدالكريم سروش ومحمد مجتهد شبستري وملكيان، وعلى المستوى العربي يمكن اعتبار محمد شحرور ومحمد اركون واحمد القبانجي ضمن هذا المجال.

وهذا النمط من التدين يقدم قراءة جديدة معتمدا على مناهج حديثة لقراءة النص الديني التقليدي، دون أن يتخلى عن النص الديني المرجعي. 

2-    تدين اسلام السوق:

ويقصد به نمط التدين الناتج عن وجود طبقة برجوازية رأسمالية جديدة في العالم الاسلامي تحاول التوفيق بين الشكل المحافظ للدين وممارسته من جهة وبين التمسك بقيم العمل والانتاج الدنيوي والتمتع بمكاسب الثروة، بل ويتعداه ليرسم صورة جديدة للتدين فهو ليس التمسك بالثوابت الدينية و مفاهيم الزهد والتقشف، بل بالنجاح الدنيوي والمالي وخلق الثروة.

وهذا الفكر اقرب إلى البروتستينية التي غيرت المفهوم المسيحي الكاثوليكي في مفهوم الخلاص من الزهد في الدنيا والترفع عن مباهجها إلى الانخراط في العمل الدنيوي واعتباره مثالا على التدين الجديد.

نجد هذا التدين بارزا عن بعض تيارات الاخوان المسلمين فيمثله في مصر خيرت الشاطر الذي كان الى جانب عمله الدعوي رجل أعمال بارز، ومن خارج إطار العمل التنظيمي لأخوان برز عمرو خالد في صورة الداعية العصري، وايضا يمثله طارق السويدان في الكويت الذي يقدم نفسه كرجل اعمال متدين ومبدئي، وفي تركيا يبرز حزب العدالة والتنمية الذي تنحدر قياداته من عائلات تجارية عريقة في البلاد، وفي ايران يحسب الراحل رفسنجاني على هذا التيار.

 

3-    تدين التصوف الجديد:

هذا المنط يسعى لبعث الروح في التصوف عن طريق تقديم صورة مثالية لشخصيات صوفية قديمة عبر وسائط ثقافية وفنية كالروايات والأعمال الأدبية والمسلسلات كما هو في رواية قواعد العشق الأربعون التي تبرز جلال الدين الرومي وشمس التبريزي، وأيضا في رواية موت صغير التي تبرز ابن عربي، والعديد من الأعمال المختلفة التي تصور شخصية المتصوف بأنه انسان متعالي ومتسامي عن كل شيء ومتسامح مع الآخر إلى ابعد حد.

التصوف الجديد يختلف عن القديم في إنه لا يمارس وفق طريقة وجماعة خاصة كما في الحركات الصوفية التاريخية، ولا يوجد فيها شيخ ومريد ولا يوجد فيها تكية أو طقوس جماعية، بل هو تصوف فردي يناسب الواقع المعاشي الحالي للناس، حيث يتخلى المتصوف الجديد عن الكثير من الممارسات الدينية التقليدية ويتسامح مع جميع الناس على اختلاف انتماءاتهم الفكرية والعقدية ويعتبر نفسه متعاليا عن هذه التقسيمات.

ايضا تجد رواد هذا النمط من التدين يخلط تصوفه ببعض الأفكار والممارسات المستوردة من اديان وفلسفات شرقية مختلفة كممارسة اليوغا والتأمل وعلوم الطاقة وغيرها من افكار.

 

4-    تدين الجاليات في الغرب:

واجهت الجاليات الاسلامية في الغرب مشاكل متعددة متعلقة بالهوية، افرزت مع مرور الوقت وتعاقب المعالجات المختلفة نمطا من التدين الجديد الذي يحافظ على الصورة العامة للدين في شكلها الخارجي ولكنها متأثرة بشكل كبير بالثقافة السائدة في مجتمع الهجرة.

اسلام الجاليات متعدد بتعدد أوطان الهجرة ولكنها بشكل تتميز بالتمسك بظواهر الدين وما يدل على الهوية الاسلامية كالمسجد والاسماء الاسلامية، ولكنها تقبل ممارسات أخرى بضغط الواقع المعاش كقبول علاقة الصداقة بين الجنسين دون عقد شرعي، وايضا اقتصار الصلاة على يوم الجمعة.

ذكر أحدهم أنه حضر صلاة جمعة في احد المساجد في الولايات المتحدة في العام 2002، وكان موضوعها السياسي حول موقف المسلمين  المعارض لغزو افغانستان في نهاية الخطبة دعى الخطيب للرئيس بالتوفيق وللقوات المسلحة بالنصر والظفر، هذا الخطاب المزدوج يعكس نمط التدين الذي يمارسه المسلمون في الغرب في محاولة الموائمة بين شكل تدين اسلامي تقليدي وانخراط في المجتمع المحلي. 

 

 

 ختاما :

إن رصد هذه النماذج وتحولاتها ومحاولة فهمها مبكرا قد يساعدنا في فهم مستقبل التدين في محيطنا الشرق اوسطي، حيث يستمر تراجع دور المؤسسة الدينية ويقوي دور الفرد في تحديد شكل التدين ونمطه، وبالتالي ويساعدنا في انتخاب الطرق الامثل للتعامل معها.



----

مضمون  المقالة مما استفدته من كتاب اسلام السوق للباحث باترك هايني وأفكار الاستاذ محمد الشافعي 

 

 

الجمعة، 24 أبريل 2020

الدين بعد كورونا


الدين بعد كورونا







متشددون يهود يرفضون اغلاق الكنس ويصرون على إقامة الصلاة رغم إجراءات الحكومة الإسرائيلية، مصلون مسلمون يلجؤون إلى أسطح المباني السكنية لإقامة صلاة الجماعة بعد اغلاق الحكومة للمساجد، مؤمنون يقتحمون الأضرحة رافضين اغلاقها في وجوههم والسلطات تضطر للحم الأبواب لمنع الدخول. 



هذه المشاهد تكررت في أكثر من بلد ولأكثر من طائفة وملة، المشترك بينها أن الفاعل فيها مجموعات دينية عقائدية متشددة ترفض المس بطقوسها التي تؤمن بها ولو لظرف طارئ وملح وهو تفشي فيروس كورونا الذي بات يهدد العالم. 



وأما لماذا هذا الرفض وهذا التمرد على إجراءات هي بالأساس لحماية الناس من خطر محدق، فإن الإجابات تكمن في اعتقاد هؤلاء أن ايمانهم يحميهم من هذه الأخطار، فهذا متحدث يقول إن الاضرحة طاهرة مطهرة لا تعيش فيها الفيروسات بل إنها محل للشفاء فكيف يتم اغلاقها؟ وآخر يعلق بأن الوباء لن يكف عن الناس إلا بالاستغفار وطلب مرضاة الرب، فالحل يكمن في فتح دور العبادة لتمكين المؤمنين من الدعاء والصلاة. 



وهؤلاء لا يؤمنون بالأرقام الرسمية التي تشير إلا تفشي الوباء في بين المتدينين في الأحياء ذات الغالبية منهم بسبب تلك الممارسات الخاطئة طبيا. 



لكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف سيكون مستقبل الدين بعد كورونا؟ على اعتبار أن هذا الحدث بات فاعلا في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فلا بد وأن يكون له أثر ما في المجال الديني. 



في هذا الإطار هناك نظرتان متعاكستان: 



الأولى تمثلت في صورة فعلية لرجل مسيحي دخل الكنيسة وقام بتحطيم الأيقونات المقدسة لأنها لم تساعده عندما أصيب طفله بالمرض، وعندها أيقن أن هذه المقدسات كاذبة ولا تنفع ولا تضر، هؤلاء الأشخاص الذين عانوا كثيرا من كورونا ولم يجدوا الخلاص في نواميسهم الدينية سيعانون من الإحباط والتشكيك وربما الكفر بتلك العقائد الدينية. 



لذا فإن أصحاب هذه النظرة يعتقدون أننا مقبولون على موجة إلحاد كبيرة وردة دينية عن مختلف اشكال التدين في العالم، فالمستقبل سيكون لأبطال المرحلة وهم الأطباء والممارسون الصحيون والباحثون العلميون، بعدما عجز رجال الدين عن مساعدة الناس في هذه المعضلة الرهيبة. 



أما الثانية فهي معاكسة تماما وتقول بأن الإنسان عادة ما يلجأ للدين ولربه في الأوقات العصيبة، لقد كان مثيرا جدا رؤية رجال دين في دول أوربية ينزلون إلى الشوارع للصلاة والدعاء بتنسيق مع السلطات من أجل تهدئة روع الناس، وبما أننا نمر بواحدة من أسوء الكوارث في تاريخ البشرية، ولما سيلحقها من تداعيات اقتصادية عميقة، فإن المتوقع أن تكون أوضاع معظم البشر بعد كورونا أسوء من الوقت الراهن وعليه فإن الناس ستعود للتدين، ولأن هناك حالة عامة ضد المفاهيم العولمية والقرية الكونية الصغيرة إلى مفاهيم المحلية والأفكار الشعبوية، فأنه من المتوقع أن تبرز للساحة الديانات المحلية على حساب الديانات الكبرى وخصوصا المركزية. 



من الصعب التنبؤ بالمستقبل ولكن الأرجح ألا تكون ردة فعل سكان الكوكب متماثلة باتجاه واحد، والغالب بأن المناطق الأكثر تأثرا بكورونا ستشهد نمطا من التدين الجديد، بينما تلك المناطق التي لم تعان كثيرا من كرورنا فلن تكون هناك تغيرات دينية كبيرة. 












الخميس، 13 فبراير 2020

كيف تقرأ نصا فلسفيا؟

كيف تقرأ نصا فلسفيا؟

نتيجة بحث الصور عن حلقة الرياض الفلسفية



ما سأكتبه هنا هو ما استفدته من حضوري لجلستي حلقة الرياض الفلسفية (حرف) يومي 4 و 11 فبراير 2020، بعنوان (كيف تقرأ نصا فلسفيا) للأستاذ شايع الوقيان.


النصوص الفلسفية أربعة أنواع:

-          نص مؤسِّس : وهو نص يكتبه فيلسوف ويؤسس به نهجا جديدا أو فلسفة جديدة غير مسبوقة، وهذه النصوص تعبر من أمهات النصوص الفلسفية : مثالها: مقال في المنهج لديكارت.
-          نص مؤسَّس : وهو نص يكتبه فيلسوف على نص مؤسِّس يقدم فيه نقدا أو إضافة أو شرح.
-          نص شارح : وهو نص يكتبه غير الفيلسوف كأستاذ الفلسفة أو مؤرخ الفلسفة، يشرح به نصا فلسفيا.
-          نص معجمي : وهي النصوص التي تكتب لتوضيح المصطلحات الفلسفية، كالمعاجم والموسوعات والقواميس الفلسفية.


ماهو النص الفلسفي؟

-          إذا كان النص الأدبي متعلق بالعاطفة، والنص الإقتصادي متعلق بالأرقام، فالنص الفلسفي متعلق بالعقل والمجردات.



عندما تريد أن تقرأ نصا فلسفيا:


اطرح ثلاث أسئلة :
-          ماهو تاريخ النص ولأي لغة ينتمي؟
-          ما هو نوع النص؟
-          من هو صاحب النص؟



نصائح عامة لقراءة نص فلسفي:


  • تعامل مع كل فصل من فصول الكتاب الفلسفي على أنه كتاب مستقل.
  • لا تنتقل من فصل لآخر قبل فهم الفصل السابق.
  • أقرأ وتأمل النص.
  • لا تستخدم القراءة السريعة.
  • دوّن ملاحظاتك وشروحك وفهمك على الهامش.
  •  إذا صادفت مصطلحا جديدا فاستخدم المعجم لفهمه.
  • إذا صادفت كتابا فلسفيا صعبا فارجع إلى كتاب يشرحه أو يوضحه.
  • إقرأ عن الفيلسوف قبل أن تقرأ كتبه.
  • ابحث عن مفتاح النص، فدائما هناك جملة سابقة أو لاحقة تسّهل فهم النص.
  • اقرأ باللغة الأصلية إن كنت تجيدها، أو اختر ترجمة جيدة.










الخميس، 14 نوفمبر 2019

أثر العلم في المجتمع .. برتراند راسل


أثر العلم في المجتمع





اسم الكتاب : أثر العلم في المجتمع

المؤلف: برتراند راسل

المترجم: صباح صديق الدملوجي

عدد الصفحات : صفحة

الطبعة : الأولى 2008 

الناشر : المنظمة العربية للترجمة- مركز دراسات الوحدة العربية







الكتاب الذي بيد أيدنا هو عبارة عن سبعة محاضرات ألقاها الفيلسوف الانجليزي برتراند راسل في كلية رسكن في اوكسفورد ونشرت في كتاب أول مرة سنة 1952م، يتناول فيها راسل مجموعة من المفاهيم الفكرية والفلسفية باسلوب مبسط مناسب لغير المختصين مع أهمية ومحورية تلك الأفكار التي مازالت في منطقتنا محل نقاش وجدل، وهنا سأقوم بمحاولة اجمال وتلخيص تلك المحاضرات وذكر أهم الافكار الواردة فيها على صعوبة المهمة، لذا فإن التلخيص هنا هو يتعلق بفهمي لنصوص الكتاب أكثر من كونها أفكاره التامة.

المحاضرة الأولى:العلم والتقاليد

-          تأثيرات العلم متعددة أهمها تبديد الكثير من المعتقدات التقليدية وإحداث تغييرات بعيدة المدى في النظام الاجتماعي
-          أول خرافة بددها العلم حول ظاهرتين طبيعيتن هما الخسوف والكسوف ،ثم انتقل الأمر للمذنبات والسحر وغيرها
-           تراجع النظرات الخرافية للظواهر الطبيعية يرجع إلى انتصار العلم
-          

       ثلاث مكونات ذات أهمية في النظرة العلمية أو ما يسمى بـ (النظرة الميكانيكية) هي:

1-      أن الحقائق يجب أن تبنى على الملاحظة وليس الاستشهاد:
كثير من الأفكار التي يحملها الناس يستدلون عليها بالنقولات عن الآخرين دون التدليل عليها بالملاحظة، كما أن الناس تعتقد بصحة بعض الأمور لمجرد شعورهم بأنه يجب أن تكون صحيحة.
إن محاولة وضع احترام الملاحظة كبديل عن التقاليد الموروثة موضع التنفيذ أمر صعب جدا، إلى درجة أنه يمكن للمرء القول إنه مخالف لطبيعة البشر.
2-      أن العالم المادي يتمتع بنظام ذاتي الفعل والديمومة (استقلالية العالم الطبيعي):
كان الإعتقاد سابقا أن الأجرام والجمادات لا تتحرك إلا بقوة محركة، إلا أن العلم أكد أنها إذا ما بدأت الحركة  فإنها ستستمر إلى أن توقفها قوة ما، كما أن حركة الكون تسير ضمن قوانين الفيزياء.
3-      أن الأرض ليست مركز الكون: كان الإعتقاد السائد هو أن الأرض هي مركز الكون، ولكن العلم أثبت أنها ليست كذلك وأننا نسبح في كون هائل بدون أن نشكل أي أهمية فيه.
في عالم ما قبل العلم كان الإعتقاد أن القوة كلها للآلهة وأن معصيتها يجلب الغضب الذي يتمثل في الكوارث، أما طاعتها فيجلب الخير والمعرفة، ولكن في عصر العلم لم تعد الصلاة سببا في ادراك الأشياء بل بمعرفة قوانين الطبيعة، كان يقال أن (الإيمان يزيل الجبال) ولكن لا أحد كان يصدق، ولكننا نقول اليوم أن القنابل الذرية تزيل الجبال والكل يصدق.



المحاضرة الثانية: النتائج العامة للتقنية العلمية

-          كانت وظيفة العلوم عند الأغريق التمكن من معرفة الأشياء، وأضاف إليها العرب التمكن من فعل الأشياء، حتى نهاية العصور الوسطى حيث تم اكتشاف البارود والبوصلة.
-          أهمية البارود الأولى أنها سهلت على الحكومات مهمة إخضاع المعارضين مما زاد من سلطة الدولة.
-          ومكنت البوصلة من الاكتشافات الجغرافية مما أوصل أوربا لسيادة العالم.
-          ثم دخل العالم عصر الثورة الصناعية مما كان له أكثر كبير ساهم في نقل البشرية من العصر الزراعي إلى الإعتماد على الآلة، مما ساهم في إلغاء العبودية دوليا، كما أن البخار سهل عملية التنقل مما سيغير من خارطة التجارة الدولية.
-          ثم دخل العالم عصر الكهرباء الأمر الذي طور قطاع الإتصالات وسهل مهمة الإدارة العليا في السيطرة على سير العمل.
-          أما النفط فقد أعطى للشركات النفطية سطوة على السياسة الدولية وأعاد رسم خارطة مناطق الصراع.
-          تطوير الطيران أيضا ساهم في زيادة سيطرة الحكومات المركزية، وغير أسلوب الحروب.
-          توحيد العالم تحت ظل حكومة واحدة أمر ضروري، لضمان عدم إفناء البشر أو العودة إلى حالة الهمجية.
-          العامل الرئيسي للتماسك الاجتماعي هو الحرب، ومايحفزنا للتماسك هو الكره والخوف، لذا فما لم يكن هناك عدو خارجي مشترك يوحد العالم فإن القوة وحدها هي الطريق لإدامة الولاء لتلك الحكومة العالمية.
-          مع تزايد البشر لا يمكن ضمان الغذاء للجميع، مما سيفرز دول فقيرة يتزايد سكانها ودول غنية عدد سكانها ثابت، الأمر الذي سيؤدي إلى حرب عالمية، ولتجنبها يجب أن يبقى عدد سكان العالم ثابتا.
-          ستطور التقنية طريقة علمية للحد من تزايد البشر ومهما كانت وحشية فسيكتب لها الإنتشار مادمت مفيدة في الحرب.
-          فن الإقناع (علم سايكولوجيا الجماعات) سيكون له دور بارز في السيطرة على الشعوب باستخدام اساليب التلقين والتعليم في البيت والمدرسة والإعلام، وسيدرس هذا العلم بعناية إلا أن معلوماته ستكون محصورة في الطبقة الحاكمة.
-          تحول الإنسان للسكن في المدن جعلته أكثر اجتماعية وسهل التأثير عليه ويهمه موقعة ضمن المؤسسات.
-          نمو سلطة الدولة أدى لنمو سلطة الموظفين مما جعل لهم دور يشبه دور خصيان الأباطرة وعشيقات الملوك.
-          إعلان الحرب في مجتمع تحكمه التقنية أمر خطير إذ لا يمكن إلغاؤه بسهولة، لذا يجب إخضاع علاقات الأمم لسيادة القانون لمنع العودة للبربرية وعليه يجب تقييد حربة الدول بصورة فعالة، فالدول التي تكون مولعة بالطغيان في الداخل تكون مولعة بالحروب في الخارج.
-          الأعضاء في أي منظمة لهم هدف قتالي يقاومون انتقاد الأعضاء الكبار ويقبلون تجاوزاتهم.
-          هذا العصر يمثل تحسنا عن كافة العصور لكل شرائح المجتمع عدا الأغنياء، بسبب أن قدرا معينا من الجهد الآن يوفر إنتاجية أكبر مما كان عليه قبل أيام العلم.



المحاضرة الثالثة: التقنية العلمية في الحكم الاوليغاركي


-          يتناول راسل في هذه المحاضرة التأثيرات المتوقعة للعلوم والتقنية في نظام حكم ديكتاتوري

-          يعرف المؤلف (الاوليغاركية) بأنها النظام الذي تؤول فيه السلطة إلى جزء من المجتمع، ويعتبر الملكية المطلقة الحالة القصوى منها.
-          شهدت انجلترا في الفترة (1649-1660) نظاما تضمن اقتصار حق امتلاك السلاح على المعتقدين بمبدأ سياسي معين.
-          إذا كانت التقنية تعلي من شأن المنظمات فإن الاوليغاركية تؤدي إلى احتكار القوة لصالح منظمة واحدة محددة.
-          في الدولة الحديثة يتم الاعتماد على التقنية لتوسيع السيطرة على الناس، حيث يذهب كل الأطفال إلى المدارس الخاضعة لسيطرة الحكومة التي تقوم على إغلاق أدمغة النشء عن كل رأي مخالف، إلى جانب السيطرة على وسائل الاعلام.
-          تسعى الحكومات الشمولية للسيطرة على الأقتصاد بالوسائل العلمية مما يكرس حكم الأقلية.
-          الدعاية المعتمدة على العلم تجعل الإقناع أسهل.
-          إن كافة أنواع الاسلحة الحديثة تجعل من أي انتفاضة جماهيرية مستحيلة، إلا بتأييد العسكر، والعسكر يمكن كسب ولاؤهم بحصولهم على مستوى معاشي أفضل من العامل العادي، وهذا سهل بالعمل على الحط من مكانة العامل.
-          من الممكن للحكومات الشمولية ذات النزعة العلمية أن تفعل ما يثير الرعب والاشمئزاز، فالنازيون كانوا أكثر علمية من الروس كما أنهم كانوا أكثر ميلا للفضائع.
-          لمنع هذه الفضائح العلمية نجد أن الديمقراطية ضرورية ولكنها غير كافية، فيجب التأكيد على حقوق الإنسان، بحيث لا تكون خاضعة للسياسة أو المصالح.
-          نظرية الحكم الشمولي تفترض أن الدولة تمتلك مصلحة تختلف عن الأفراد، وأن مصلحة الحكومة أهم من الأفراد العاديين، وهذا الرأي لا يمكن إلا أن يستند للقوة الاستبدادية.
-          لا يمكن لحركة ثورة داخلية أن تؤمن بحقوق المسحوقين في دكتاتورية علمية حديثة إلا بتدخل خارجي.
-          طالما الديمقراطيات القوية موجودة فإنها ستنتصر لأن الديكتاتوريات العلمية ستذوي من خلال عدم كونها علمية بما فيه الكفاية.


المحاضرة الرابعة : الديمقراطية والتقنية العلمية


-          في هذه المحاضرة يرصد راسل أثر التقنية العلمية على الديمقراطية

-          يرى راسل أن الديمقراطية قضية نسبية
-          عندما يفكر الناس بالديمقراطية فهم يقرنونها بقدر كبير من الحرية للأفراد والجماعات
-          يستعيض راسل عن الحرية بـ(فرصة للمبادرة)لأنها لا تثير فينا نفس الحماس الذي أثارته في رجال الثورة الفرنسية والسبب أننا حققناها.
-          يمكننا النظر للفرد على أنها 1- رجل عادي  2- بطل  3- جزء من ماكنة، الأولى تقود إلى الديمقراطية بطرازها القديم، والثانية تقود للفاشية، والثالثة تقود للشيوعية.
-          الفرد يمكن أن يكون رجلا عاديا حتى لو كان أشعر الناس حينما يتعلق الأمر بدفتر التموين، كما يمكن أن يكون بطلا عندما ينقذ شخصا ما، وهو جزء من ماكينة عندما يعمل ضمن مجموعة منظمة.
-          كل شيء يمكن أن يكون آليا إلا القيم
-          التقنية العلمية تجعل المجتمع أكثر عضوية (جزء من ماكنة) ولمنع ذلك يجب المحافظة على عنصر المبادرة لدى الفرد ضمن المؤسسات، لذا يجب أن تدار المؤسسات بشكل ديمقراطي ونتوسع في تطبيق المبدأ الفيدرالي.
-          في الانظمة الفيدرالية تقسم الامور إلى شؤون داخلية وخارجية، تقوم التشكيلات بإدارة شؤونها الداخلية وتترك الخارجية لسلطة الاتحاد، الذي يعمل ضمن اتحاد أوسع وهكذا وصولا إلى الحكومة العالمية.
-          لا يجب اقتصار هذه القاعدة على الناحية الجغرافية بل يجب أن تطبق مهنيا بفضل تحسن وسائل النقل والاتصال.
-          الحرب كانت مسؤولة عن القوة المفرطة للحكومات، وحتى التخلص من خطر الحرب فمن المتعذر عدم إخضاع كل شيء لقاعدة الأداء الكفء.
-          تضاؤل مداخيل الفنانين يجبرهم على تعضيد المؤسسات العامة إلا الفنان المستعد لتحمل الجوع، لذا فموقفهم مزعزع.
-          في الرأسمالية يكون الحافز هو الخوف من الجوع، وفي الشيوعية هو الخوف من عقاب الشرطة أما في النظام الاشتراكي الديمقراطي فالحافز للفرد هو الربح الجماعي.
-          بالنسبة للأمور الفكرية فالمهم هو الفرصة لإبراز أفكارهم الإبداعية، ومعظم المبدعين لا يطمحون لإمتلاك ثروة هائلة لذا مستوى معقول من المعيش كاف لهم، و أكبر ضرر يصيبهم هو العرقلة حتى لو شمل ذلك إغرائهم بالتكريمات لمسايرة النظام.
-          يجب على المبدع (الفنان، الكاتب) أن يحافظون على ابداعهم خارج الماكنة الاقتصادية، وأن يكسب رزقه بعمل غير عمله الابداعي، فإعتماده عليه يجعله عرضة للعرقلة من السلطات والإفساد من الرقباء.
-          في المجتمع الصالح على الشخص أن يكون نافعا وآمنا من المصائب التي لا يستحقها ويمتلك فرصة للمبادرة.
-          عندما أفكر أنه يجب أن يكون نافعا فأعني أن يكون نافعا بالنسبة للمجتمع، وأتقبل حكم المجتمع.
-          أما الأمان فيجب أن يأمن الفرد على نفسه من الاعتقال بدون مبررات قانونية وتشريعية.
-          رغم أهمية النفع والأمان فإن الفرصة في المبادرة والإبداع لا تقل أهمية عنهما.
-          الحل الوحيد لتحقيق الدوافع الابداعية تكمن في حرية استخدام وقت الفراغ بالطريقة التي يرغب فيها الشخص، ويجب عدم التحكم فيها وتنظيمها وفق نسق معين، لأننا بذلك سنصاب بالموت الفكري والإبداعي.



المحاضرة الخامسة : العلم والحرب


-          هذه المحاضرة مخصصة عن أثر العلم في حروب الإنسان ومستقبلها

-          منذ القدم لعب العلم أثرا بارز في ترجيح كفة طرف دون آخر في الحرب حيث تم تصنيع آلات تقوم مقام عشرات المقاتلين الشجعان.
-          فيزيائي نووي واحد يعادل أكثير من عدة فرق مشاة.
-          على الأمم الحديثة السعي وراء الصلب والنفط واليورانيوم بدل السعي وراء الحماسة العسكرية إذا كانت تريد كسب الحرب.
-          لقد سببت القنبلة الذرية والهيدروجينية شكوكا حول تأثير العلم على حياة البشر، مما قد يؤدي إلى إبادة الجنس البشري في حرب قادمة.
-          إذا أراد الجنس البشري الإستمرار في العيش فعليه القيام بغييرات جذرية في طرق تفكيره وشعوره وسلوكه، وعليه أن يتعلم أن يخضع لسلطة القانون حتى عندما يكون مفروضا من قبل أجانب نكرههم، ومهما كان هذا القانون جائرا.
-          على البشرية أن توفر سلطة دولية محايدة لإصدار القرارات وعلى الدول تقبل القرار حتى لو كان ضدهم.
-          نحن أمام الخيار بين التعقل أو الموت، فالتعقل يعني قبول القانون عن سلطة دولية، وأخشى أن الجنس البشري سيختار الموت.




المحاضرة السادسة : العلم والقيم


-          يتعرض راسل في هذه المحاضرة لأثر العلم على القيم وهو من أهم الموضوعات في هذا المجال


-          اختلف أثر العلم على الأفكار الدينية، فبينما وجد البعض كنيوتن أن العلم يثبت أثر الله في الكون فإن الفلاسفة الفرنسيين وجدوا أنه العلم يقود للمادية وإلى إنكار وجود الخالق.
-          كان العلم وسيلة لمعرفة العالم ولكنه وبسبب التقنية تحول إلى وسيلة لتغيير العالم.
-          زاد إعجب الإنسان بالعلم لأنه يعطيه قوة للسيطرة على الطبيعة.
-          إن النظريات التقليدية للمعرفة وضعها فلاسفة أحبوا التأمل، بينما كرس المفتونون بالقوة أنفسهم لتوظيف النظريات في التقنية.
-          هناك شران قديمان يمكن للعلم إذا استخدم بدون حكمة أن يفاقمهما : الإستبداد والحرب
-          ويمكن للعلم إضفاء نوعين من المنافع للبشرية: تقليل الأشياء السيئة كالفقر والإكثار من الأشياء الجيدة كالطب.
-          أي ديمقراطية واعية لا تحركها عقائد متشددة يمكنها استخدام العلم لرفع مستوى معيشة الشعب، ويعتمد ذلك على الديمقراطية و نقابات العمال وتحديد النسل، ومن دونها سنكون أمام نظام تصنيع شبيه بنظام الفراعنة.
-          سيطون إلغاء الفقر وساعات العمل المفرطة مستحيلا إذا استمر سكان العالم بالزيادة بنفس النسب الحالية.
-          لم يكن ممكنا خفض معدلات الجريمة ومخالفة القانون دون العلم
-          إذا كان الناس يحبون الإنسانية كما يحبون أبنائهم فإنهم لن يقبلوا ترك انفسهم يخدعون بأساطير مريحة.
-          كافة العقائد المتطرفة تؤدي إلى الضرر لأنها دائما تتنافس مع عقائد متطرفة أخرى مما يؤدي إلى تشجيع الكراهية.
-          كل عقيدة متطرفة تتضمن اساسا للكراهية وعادة ما يكون هذا العامل سائدا.
-          تقبل قناعة ما دون أي تساؤل مخالف للروح العلمية، واذا كان تقبل القناعات دون تساؤل واسعا فمن الصعب انتشار التقدم العلمي.
-          من أعظم منافع العلم هو عدم اعتبار الآراء العلمية حقيقة مطلقة بل أكثر الإحتمالات صحة.
-          الحماس الديني هو رد فعل غير عقلاني على الخطر يميل إلى تمهيد السبيل لما يخشاه.
-          يعرض العلم إمكانية تحقيق الرفاهية للبشرية بشكل غير مسبوق بشروط: إلغاء الحرب، التوزيع المتساوي للسلطة العليا، تحديد النمو السكاني، هذا متحقق في معظم الدول الغربية، ويمكن أن يتحقق في بقية الأقطار مع التحديث ما لم يتدخل الحكام المستبدون أو المبشرون الدينيون.
-          أهم أسباب النزاعات الكبرى: حب السلطة،المنافسة، الكره والخوف.
-          حب السلطة ستتراجع أمام جيش عالمي يفرض احترام القانون في العالم، والمنافسة سيتم تنظيمها عبر القوانين، والخوف سيختفي عندما لا نتوقع نشوب حرب، أما الحقد والكره فسبقى لهما الأثر القوي على البشرية.
-          يستطيع الجنس البشري التقدم بسرعة لعالم أفضل بشرط التخلص من عدم الثقة بين الشرق والغرب.



المحاضرة السابعة: هل في إمكان المجتمع العملي أن يكون مستقرا؟


-          آخر محاضرة في الكتاب هي خلاصة بحث راسل في استشرافه لمستقبل البشرية في وجود مجتمع عملي مستقر.

-          يعني راسل بالمجتمع العملي المستقر هو المجتمع الذي يعتمد على العلم والتقنية ويتمتع بالإستقرار دون أن يكون في داخله عوامل فناءه وانهياره.
-          يمكن للمجتمع العلمي أن يتعرض للإضمحلال نتيجة تراجع المعرفة، ويمكن أن يواجه الإنفجار نتيجة غياب الحكمة، فإن الإنسان إذا لم تزدد حكمته بقدر زيادة علمه فإن قد يكون شرا عليه.
-          أسباب عدم الإستقرار:
أ‌-        الاسباب الطبيعية :
-          يقصد بها تراجع الموارد الطبيعية للأرض لتلبي إحتياجات المجتمع
-          الصناعة والزراعة تعتمد على مواد خام وطاقة ناضبة مما يجعل المجتمع أمام خطر فقدان الموارد مما يعني انهيار المجتمع العلمي.
ب‌-    الأسباب البيولوجية :
-          يقصد بها خطر التزايد المتستمر لعدد سكان الأرض
-          ثلاث خطوات عظيمة ساعدت على زيادة البشر: 1-تدجين الحيوانات 2- تبني الزراعة  3- الثورة الصناعية
-          ما لم يتم ايقاف زيادة السكان فإن انخفاضا كبيرا في مستوى المعيشة سيكون حتميا
-          هناك ثلاث طرق لإستقرار السكان: 1- تحديد النسل 2- وأد الأطفال أو الحروب 3- من خلال مستوى من الشقاء للسكان عدا أقلية متنفذة، والخيار الأول هو الأفضل ولكن فرضه على دول العالم سيكون صعبا.
ت‌-    الأسباب السيكولوجية:
-          إن الظروف النفسية المستقرة في المجتمع العلمي هي بذات اهمية الظروف الطبيعية والبيولوجية.
-          رغم أن العلم ساهم بتسريع التغير الخارجي للحياة إلا أن لم يجد طريقة لتسريع التغير النفسي للبشر.
-          إن سرعة التغيير ليس إلا واحد من أسباب التذمر النفسي.
-          من أسباب الاضطراب النفسي في المجتمع العلمي زيادة خضوع الفرد للمؤسسة، بسبب زيادة سيطرة الدولة على الناس، كما أن وسائل تحكم المدراء للموظفين زادت بشكل كبير.
-          إذا أردنا أن لا تثور الشعوب فعلينا إيجاد الوسائل لإعطاء قدر أكبر من الفردية.